مدخل عربى للنقد الأدبى[1]
بقلم الدكتور عبد الحكيم العبد
(مركز اللغات والترجمة- أكاديمية الفنون بالهرم)
I
من تعريفات النقد .. أن النقد الأدبى بالاصطلاح الخاص المحدود علم تذوق النصوص الأدبية وتقييمها والتبصير بمواطن الجمال والتميز أو القصور فيها : سواء بالقياس على معايير مختبرة غير تحكمية أو وَفق ذوقية انطباعية مثقفة مستوعبة .
II
تتطلب المعيارية المختبرة ما تتطلبه الانطباعية المثقفة من علم جم وتواضع أجم ومنهجية تكاملية . بذا كله يصبح الناقد قاضيا حقا ؛ ولكنه فى السواء الأول قاض بقوانين شبه مستقرة ، وبالسواء الثانى قاض بلا قانون فى الظاهر .
ولما كان ناقد الأدب عبر العصور هو أيضا بمثابة مؤرخ أدبى ، فإنه مضطر إلى أن يقف حكَما بين القيم والنظم وذا رؤية مستقبلية أو تنبؤية ما أمكن ذلك . وهذا أشق ما فى مهمة مؤرخ النقد .
وعلى قدر توفيق هذا المؤرخ المعلم فى إحكام كتابه : مادةً ومنهجا وقيمة ، يكون حظ متعلميه والآخذين على يديه من اقتدار على تحمل مسئوليات ما حملوا : احتناكا مهنيا وقوامة على الفكر والتراث بعامة وعلى الإبداع والفن بخاصة .
III
ومن الوِجهة المنهجية العملية فقد تكامل لمؤرخ النقد فى العصر الحديث مدخلات وخطوط عمل مضمونها ما يأتى عن مندور وسلطان وغيرهما :
خطة مندور للتأريخ للنقد العربى[2]
فى تخطيطه لوضع تاريخ وتصور لوضعية النقد العربى الواجبة فى العصر الحديث ، ومن منطلق تمرسه بهذا النقد وبعدد من النظريات النقدية الغربية ، ترجم هو نفسه اثنتين منها لـ"بوف" و"لانسون" أراد للدارس :
أولا : أن يبدأ بما بدأ به النقد الفنى عند العرب دون تسليم مطلق . من ذلك :
1- اتخاذ فكرتى الزمان والمكان إطارين كبيرين ، أدخل فيهما ابن سلام تقسيمه للشعراء على أساس من النقد الأدبى (فكرة الطبقات .
2- منحى ابن سلام العلمى الأخص فى معالجته النقدية للفنون الأدبية ، كمنحاه فى نقد أصحاب المراثى ، وتحديد الشروط التى يجب أن تتوافر للناقد مثل : الدربة والدراية وتحقيق النصوص وتفسير الظواهر الأدبية وتحديد أسس المفاضلة .
3- ما يمكن أن يكمل ذلك مما أسهم به ابن قتيبة ، مثل التحرر من الميل إلى المتابعة لظاهر المناهج السابقة – الاعتبار بالجودة دون اعتبار القدم والجدة (أو الطبقة) .
4- ما لفت ابن قتيبة النظر إليه أيا من ضرورة ارتباط الموضوعات التى يكتبها الشعراء بحياتهم ، لما يؤدى إليه التقليد لظاهر الفنون من سخف(هذا رغم أن تاريخ ابن قتيبة – والرأى لمندور – محض قصص ونوادر وأخبار وليس فه محاولة منهجية لتقسيم الشعراء فى مذاهب أو مدارس أو تيارات)
5- الأخذ بما يغنى فيه عبد القاهر من اتباع الطريقة التحليلية الذوقية اللغوية فى تدارس النصوص قبل الحكم عليها ، وتبين الملاحظ الجمالية وعوامل التأثير فى الأدب والحياة وفق نظرية النظم أو ما يسمى فن البيان الذى كثر الاحتفال به فى بحثنا الجامعى الحديث إثر محمد عبده وسيد المرصفى.
6- كذا قدر من المنطق اللغوى والاصطلاح البلاغى مما وجد عند قدامة أو غيره ممن تأثروا بالمنطق الأرسطى والفلسفة ، باعتبار ذلك أدوات للنقد وليست هى النقد .
7- غير ذلك من الإشارات عظيمة القيمة مما تفرق عند نقاد العرب .
8- فإذا توفرت لنا الدراسات المتعمقة لسائر مواد التراث الأدبى بواسطة باحثين متخصصين تسنى لنا وضع تاريخ للنقد الأدبى العربى .
9- ما يجدى فيه النظر من تجارب الأمم الأخرى(مثلا : منهج لانسون فى الأدب الذى ترجمه مندور لحقا بكتابه النقد المنهجى عند العرب إلى جانب ترجمته لمنهج أنطوان ماييه فى علم اللسان [3])
ثانيا : خطوط هذا التاريخ النقدى العربى ، و تسير فى موازاة الخطط المترجمة عنده ، وهى :
1-من حيث المدارس الأدبية ، فثمة مدرسة زهير والحطيئة – مدرسة مسلم وأبى تمام- مدرسة عمر بن أبى ربعة والعرجى- ومدرسة جميل وكثير – ومدرسة البديع فى العصر العباسى وجماعة ما بقى من عمود الشعر .
2- ومن حيث الفنون الشعرية فثمة الغزل والرثاء والمديح وما إليها .
3- ومن حيث التيارات السائدة فثمة تيار العبث الخلقى عند بشار وأبى نواس –وتيار الزهد والتقشف عند أبى العتاهية ومن نحا نحوه .
4- من حيث الاتجاه الفنى فلدينا ابن الرومى ومدرسته – شعر الفكرة لأبى العلاء وهكذا [4].
وليس مندور وحده من محدثينا من خطط للتأريخ للنقد العربى فثمة مخططات ما تزال لكل من : الدكتور جميل سلطان - الدكتور محمد عبده عزام - الدكتور زكى مبارك .
تخطيط جميل سلطان لتاريخ النقد العربى
(إضافة منه إلى نظرية الطبقات)
معتبرا بفكرة الزمان والمكان وأثر الثقافة فى طبقة من الشعراء ما أظلها زمان واحد ومؤثرات ثقافية مشتركة فى العصرين الأموى والعباسى . وطبقات جميل سلطان هى :
1- طبقة شعراء ولدوا عر بنى أمية ، ثم أدركوا العباسى وكان لهم شأن فيه . تثقفا بالفارسية إلى حد ولم يكن للعلوم اليونانية تأثير عليهم (بشار – السيد الحميرى- مروان بن أبى حفصة .
2- طبقة شعراء نشأوا فى ظلال بنى العباس ، نالوا حظا أوفر من الثقافة الفارسية وتأثروا باليونانية نوعا ما (أبو نواس – أبو العتاهية- مسلم بن الوليد)
3-الطبقة الشامية (أبو تمام – البحترى – ابن المعتز – ابن الرومى) .
4- طبقة الذروة فى الصنعة الفنية (المتنبى و المعرى)
5-فى ذا النظام جملة :ظهر بشار كزعيم للمجددين على إطلاقهم ، وأبو نواس كزعيم ثان [5] .
**وليس مدخلنا هذا وافيا بحق هذا كله ؛ بل يقف على حد الكفاية من مساق دراسى مدرسى أو قرائى حر ممحص بقدر الإمكان ، خال من مؤسفات النشر الأول ومن اجتزائيات المدرسية التقليدية وغير واقع فى انحياز أيديولوجى أو تقصير فى أسباب أو فى تشويه أو اختبال منطق . لكن محتوياته محللة ومدمجة فصولا وأقساما ومباحث وبنودا وبعض جداول ، على النحو المصدر به ، ويزيدها الفهرس العام تفصيلا بفضل الله .
الدكتور
عبد الحكيم العبد
أول ديسمبر 2008م
<!--<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]--><!--<!--hakim.eg.vg
[email protected]
[email protected]
+20189063054 / +2035621441 / +2034284473
+20472715507
عبد الحكيم العبد/ مدخل إلى النقد الأدبى، نوفمبر 1988- نوفمبر2008م، ص 7- 11 |
[2] خطة مندور للتأريخ للنقد العربى
البدء بدراسة تراثنا النقدى دون أن نقحم على القدماء ما لم يخطر لهم ببال، ودون جهل أو تجاهل للفروق الأساسية المختلفة بين الأدب العربى وغيره ، ولما يشبه ذلك من تفاوت فى مناهج البحث المختلفة
|
|||||
0 اتخاذ فكرتى الزمان والمكان فى تقسيم ابن سلام للشعراء إلى طبقات |
0المعالجة النقدية للفنون الأدبية كمنحىاه فى نقد أصحاب المراثى 0 وتحديد شروط الناقد مثل : الدربة والدراية وتحقيق النصوص وتفسير الظواهر الأدبية وتحديد أسس المفاضلة |
0 التحرر من المتابعة لظاهر المناهج السابقة 0الاعتبار بالجودة دون القدم والجدة والطبقة 0ارتباط الموضوعات بالحياة لما يؤدى إليه التقليد لظاهر الفنون من سخف |
0الطريقة التحليلية الذوقية اللغوية فى دراسة النصوص قبل الحكم عليها. 0تبين الملاحظ الجمالية وعوامل التأثير فى الأدب والحياة |
0 قدر من المنطق اللغوى ممن تأثروا بالمنطق الأرسطى والفلسفة ، باعتبار ذلك أدوات للنقد وليست هى النقد |
0 غير ذلك من الإشارات عظيمة القيمة مما تفرق عند النقاد العرب. |
من ابن سلام |
من ابن قتيبة |
من عبد القاهر |
من قدامة وأمثاله |
|
[3] عبد الحكيم العبد/ تطور النقد والتفكير الأدبى فى مصر فى الربع الثانى من القرن العشرين، دكتوراه بلآداب الإسكندرية ، 1985م ص75 ؛ وفى تطوير للنشر ، / الاحتكاك الحضارى العربى الغربى الحديث وأثره فى تطور النقد (المواطنة والتفكير الأدبى فى مصر فى الربع الثانى من القلرن العشرين، 1996م ، 69
- وفى كتابنا/ حركة الترجمة الحديثة، هيئة قصور الثقافة ، أغسطس 1997، ص 51- 54
[4]
عبد الحكيم العبد/ تطور النقد والتفكير الأدبى فى مصر فى الربع الثانى من القرن العشرين، دكتوراه بلآداب الإسكندرية ، 1985م ص75- 77 ؛ وفى تطوير للنشر ، / الاحتكاك الحضارى العربى الغربى الحديث وأثره فى تطور النقد (المواطنة والتفكير الأدبى فى مصر فى الربع الثانى من القلرن العشرين، 1996م ، 69 - 71
- وفى كتابنا/ حركة الترجمة الحديثة، هيئة قصور الثقافة ، أغسطس 1997، ص 51- 54
إضافة جميل سلطان إلى نظرية الطبقات ، معتبرا بفكرة الزمان والمكان وأثر الثقافة |
|||||||||||
طبقة شعراء ولدوا عصر بنى أمية وأدركوا العباسى وكان لهم شأن فيه . ثقفوا الفارسية إلى حد ولم يتأثروا بالثقافة اليونانية |
طبقة شعراء نشأوا عصر بنى العباس . نالو حظا أوفر من الثقافة الفرسية وتأثروا نوعا ما باليونانية |
الطبقة الشامية |
طبقة الذروة فى الصنعة الفنية |
||||||||
بشار |
السيد الحميرى |
مروان بن أبى حفصة |
أبو نواس |
أبو العتاهية |
مسلم بن الوليد |
أبو تمام |
البحترى |
ابن المعتز |
ابن الرومى |
المتنبى |
المعرى |
*فى هذا النظام كله ظهر بشار كزعيم للمجددين ، وأبو نواس كزعيم ثان |
|||||||||||
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
- ويراجع تصنيف محمد عبده عزام فى تقديمه لديوان أبى تمام سنة 1928م
- وتصنيف زكى مبارك فى كتابه "العشاق الثلاثة" 1945م
ساحة النقاش