<!--<!--<!--<!--<!--
قراءة فى كتاب "بين الأدب والفنون الجميلة" للدكتور عبد الحكيم العبد
بقلم عامر التركى
هو مجموعة دراسات كتبت فى فترات متباعدة نسبيا، وكان دافعها الإسهام فى بعض المؤتمرات والندوات الثقافية؛ تربُطها وشيجةُ تلاقح الفنون. فالفنون مفتاح لمنظومة القيم الإنسانية، التى بدونها لا سبيل إلى صنع التقدم.
ومنذ القدم تحدث الفلاسفة عن نظرية المعرفة (الإبستمولوجيا) ، فزعموا أن الفيلسوف لا يستحق هذا الوصف إلا إذا كانت له نظرية فى المعرفة. من هنا شاع تقسيم الفلاسفة إلى تجريبيين يرون الحواس مصدر المعرفة مثل لوك وهيوم ، وفلاسفة عقليين يرون القياس والفكر هما اللذان يمنحان المعرفة ؛ وعلى رأس هذا الفريق أفلاطون قديما وديكارت حديثا. بيد أن الفلسفة الحديثة ما لبثت أن هجرت نظريات التعميم هذه وشككت فى جدواها ؛ فأصبح باستطاعة الفيلسوف أن يتكلم عن المعرفة دون أن يكون له نظرية خاصة بها؛ ودون أن يصمُت حيث يجب الكلام عن الإنسان وعن كل ما ينتج من فنون.
فإذا كان الأدب بمعناه الشامل يسع كل فكر أنتجه الإنسان -والفن هو أحدُ مفرزات هذا الفكر- ؛ من هنا كانت مساحة "البينية" بين الأدب والفنون الجميلة التى يشير إليها عنوان هذا الكتاب لا مجال لها منذ أن قعدت القواعد ونظرت النظريات وبالتالى فهى عود لبدء. فإذا عاد الفرع للأصل واندمج الأصل فى الفرع فهى طبيعة النشأة والانسلاخ . وكما قال مؤلف هذا الكتاب فى مقدمته: "قد لا يعد كشفا جديدا أو فتحا مبينا أن يأتى باحث ليرصد ملامح القاسم الجمالى والتقنى بين الدرس الأدبى والتخصصات الفنية".[1]
إذن فهى رؤية أكاديمى خبر ذلك عن قرب وتمحيص فى إحدى الأكاديميات التى تضطلع بتدريس الفنون فى اللغة القومية، وتتضمن لوائحها مواد وجداول ومعايير لكل ذلك ولكن دون تواؤم حق بين ما هو فنى وما هو لغوى أو أدبى. لذا شعَر أنه من الألزم –بالذات فى هذه الآونة- تجديد التواصل بين الفن اللغوى والفن الخاص. ولقد كانت تلك صرخته بعدما رأى أن هناك غفلة أو تغافلا!! فى حق الفن اللغوى لحساب الفنون الأخرى فى هذا المعهد .
صرخته إذن تشبه صرخات الطليعيين الأوائل فى مصر والأمة العربية –وعديد ما هم. وهى صرخة حريص على كيان هذه الأمة المتمثل فى لغتها التى تحتضن سائر الفنون التى تعمل بدورها على رقى الإنسان العربى وتحضره . فعندما تكون الأمة متحضرة فإنها تستقبل فنون الأمم الأخرى واعية مفندة ، تأخذ ما يلائم بيئتها وتغض الطرف عما لم يحن أوانه ، أو كان غير صالح لتربتها .
من ذلك كله تتضح مسألة مهمة جدا هى العلاقة الثلاثية بين الإبداع والمجتمع والحرية مع ثقافة التنمية أو تنمية الثقافة –وهى قضية حاضرة بالنسبة لوطننا العربى- الذى لم نحافظ على استقلاله الفكرى. وهذه ليست دعوة للقوقعة والانكباب على الذات ولا هى دعوة إلى مواحهة الغرب المتقدم بكل ما يملك من مقولات وتجارب. فللغرب فنونه التى أثرت فينا ولا ينكر هذا إلا جاهل أو مضلل .
كل هذا دعا الدكتور عبد الحكيم العبد صاحب هذا الطرح إلى الكشف عن القواسم المشتركة بين الأدب والفنون الجميلة من جهة وبين بعضها البعض من جهة أخرى، مصطنعا فى الواقع المعيش والخبرة الأكاديمية منهجا تكامليا زاوج فيه بين النموذج التنويرى الطليعى والنموذج التجريبى، مع خلق مسافات مناسبة وَفق اعتبارات تربوية مفهومة، مستثمرا المخزون التراثى من الأدب والفن العربيين، إلى جانب بديع الإنتاج العالمى. كل هذا فى تصور منهجى متكامل لا يعنى به فقط التأثير والتأثر بين لغات العالمحبل يحكم الربط بين الأدب الفنون عند مستوى التخلق والإبداع والشحذ جميعا، كما فى استلهام القصيد السيمفونى شهرزاد لكورساكوف من ألف ليلة وليلة العربية، وكاستلهام بتهوفين نشيد الفرح السيمفونى الذى ألفه لظروف سياسية من نص نشيد الحرية لشيللر وهلمجرا.
كذلك دلل الدكتور على صحة نظرته هذه بأن كثيرا من الأعمال المسرحية والسينمائية والموسيقية والتشكيلية وغيرها بنى على فكرة أو عمل إبداعى أدبى، من قبيل قصة حلم ليلة صيف لشيكسبير التى ألف عليها تشايكوفسكى عمله السيمفونى الشهير، وهو العمل الذى نفذ باليها أيضا..
بنفس أسلوب التفعيل طرح كيفية تدريس الموشحات الأندلسية –فى أكاديمية الفنون- وعدم ترك غنائها لببغاوية الطلاب؛ حيث ينشدون ما لا يفهمون. فالموشحة كما أورَدَ: تنبنى على تركيبتين: شعرية ولحنية؛ يضاف إليها فى بعض الدول العربية الأداء الحركى كالدبكة الشامية؛ وهو ما ينبغى أن يحدث مثله فى معاهد الباليه.
يرصد الكتاب أيضا تتابع تيار الفنون، الذى قامت به الأجيال الجدية مع احترامها للقديم خلال الفترات الخصبة للثورة وبعيدها مثل : التأليف الموسيقى المتطور، الدراما الإذاعية والتليفزيونية، التحولات من الأبريت إلى الأبرا وغير ذلك.
نظرة صرَّحَ صاحبها بأنها قد لا تعد جديدة تماما ؛ ولكنها أسست على منهج (بين/ ثقافى) interdisciplinary ، وتلك ندهة فى فضاء فسيح من مثقف واع مهموم بهموم قومه وقضايا أمته؛ إذ يرى فى واقعها تزويرا ومسخا لا يصلحه إلا المزاوجة الواعية بين مأثورنا الأدبى والفنى وخبرات الإنسان الجمالية فى كل مكان.
عامر التركى
<!--<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <mce:style><! /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} table.MsoTableGrid {mso-style-name:"Table Grid"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-priority:59; mso-style-unhide:no; border:solid windowtext 1.0pt; mso-border-alt:solid windowtext .5pt; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-border-insideh:.5pt solid windowtext; mso-border-insidev:.5pt solid windowtext; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; text-align:right; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman","serif";} --><!--[endif] --><!--<!--
/hakimkenanaonline.com +201289063054 / +2035621441 / +2034284473 +20472715507 |
[1] عبد الحكيم العبد/ بين الأدب والفنون الجميلة: من حصاد تجربة متخصص أدبى، 2006م، (تحت الطبع، مكتبة غريب)، ص3 (تقديم)
ساحة النقاش