د. عصام عبد الشافي
في الرابع والعشرين من يونيو 2014، أصدر قائد الانقلاب العسكري في مصر، قرارًا بقانون بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم الجامعات. ونص التعديل الجديد في مادته الأولى على: "يستبدل بنصي المادتين (25) و(43) من قانون تنظيم الجامعات (1972)، النصان الآتيان:
المادة 25: "يعين رئيس الجامعة بقرار من رئيس الجمهورية، ... كما يجوز إقالة رئيس الجامعة من منصبه قبل نهاية مدة تعيينه بقرار من رئيس الجمهورية بناء على طلب المجلس الأعلى للجامعات".
المادة 43: "يعين عميد الكلية أو المعهد بقرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض وزير التعليم العالي ..."
ومن واقع هذا القرار وما تضمنه من نصوص تبرز عدة أبعاد أساسية، يمكن تناولها على النحو التالي:
أولاً: أن هذا القرار في أحد أبعاده، ووفق عدد من التيارات الإعلامية المحسوبة على سلطة الانقلاب العسكري في مصر جاء لتجنب وصول أساتذة محسوبين على جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الجامعات أو الكليات المختلفة، ممن لم يتم التخلص منهم، أو من يتم التعامل معهم باعتبارهم خلايا نائمة، خاصة وأن العديد من الانتخابات إذا توفرت فيها معايير النزاهة يمكن أن تقودهم إلى هذه المناصب الأكاديمية.
ثانياً: إشكالية كسر الإرادة: لأن من يصل لمثل هذه المناصب عبر انتخابات حرة نزيهة، انتخابات تعددية تنافسية، سيكون قد وصل بإرادة ناخبيه، وهذا من شأنه أن يوفر له قدرة وقوة في مواجهة الدولة ومؤسساتها، وبالتالي العمل بالدرجة الأولي على ما يراعي حقوق ومصالح وواجبات من انتخبوه وليس من عينوه، وهذا بطبيعة الحال لن يتحقق حال الاختيار بالتعيين.
ثالثاً: ترسيخ سياسة المنح والمنع: فمن يملك حق التعيين يملك في المقابل حق العزل، والاقصاء، وبالتالي يستطيع فرض سيطرته وتمرير القوانين والتشريعات والإجراءات التي تتسق وسياساته وتوجهاته.
رابعاً: التأميم: بعد قيام سلطة الانقلاب بفرض سيطرتها وهيمنتها على مختلف مؤسسات الدولة، وعلى مختلف سلطاتها وكذلك قيامها بتأميم العديد من مؤسسات المجتمع الأهلي، وكذلك تأميم المؤسسات الدينية، وخاصة الإسلامية عبر سلسلة من الإجراءات والقوانين ذات الصلة بالرموز الدينية وخطب الجمعة، وأماكن الصلاة، والزكاوات والصدقات، يأتي الدور على المؤسسات الجامعية، ليتم تأميمها بحيث تصبح أحد آليات الانقلاب العسكري لفرض هيمنته وسلطته على مختلف مقدرات الدولة والمجتمع.
خامساً: الاستهزاء والتحقير: إذا كان أعضاء هيئات التدريس في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية، يشكلون أكثر الفئات الاجتماعية من حيث الحصول على المؤهلات العلمية والشهادات العليا، ومن أكثر الفئات قدرة على الوعي بالأخطار والتحديات، وكذلك نشر الوعي والتوجيه، هذه الفئة بهذه القدرات ليس من حقها انتخاب من يمثلها، ويقوم على إدارة مصالحها وتنظيم واجباتها والنهوض بمؤسساتها، فالنتيجة المنطقة المترتبة على ذلك أن ليس من حق أية فئة أخرى دون هذه الفئة التفكير ولو من بعيد في مثل هذا الحق، حق الترشح والانتخاب، ولما لا ومن يُفترض أنهم أكثر فكراً ووعياً لا يتمتعون بهذا الحق.
سادساً: أن الجامعات كانت وستظل دائما قبلة التغيير والنهوض بالمجتمع، وسيظل علماؤها وطلابها قادة وجنود هذا التغيير، ومن هنا ولكسر هذا الدور كان قرار تعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات بل ورؤساء الأقسام العلمية داخل الكليات والمعاهد المختلفة، حيث تتوهم سلطة الانقلاب أن من شأن التحكم في قرارات وسياسات التعيين يمكنها أن تقتل روح التغيير في نفوس الأساتذة والطلاب.
سابعاً: أنه إذا كان قرار تأميم الجامعات (عبر التحكم في تعيين رؤسائها وعمداء كلياتها) قراراً سيئاً، فإن الأسوأ منه هو خروج عدد من أساتذة الجامعات المصرية يدافعون عن هذا القرار، لاعتبارات مصلحية ذاتية، لا تتسق وما يجب أن تكون عليه مصلحة الوطن حاضره ومستقبله، فهل يفيقون قبل أن تدور الدوائر، ويعصف بهم من يبررون له قراراته وسياساته .. لا أعتقد.
ساحة النقاش