بعد زيارة السعودية وإيران:
زيارة تركيا واستكمال مربع القوي الإقليمية في المنطقة
د. عصام عبد الشافي
ترتبط مصر وتركيا بعلاقات تاريخية ممتدة تضرب بجذورها لأوائل القرن السادس عشر مع انتصار السلطان سليم الأول على المماليك في موقعة الريدانية عام 1517، ليكون هذا العام بداية العهد العثماني في مصر، ومع الإعلان الرسمي عن سقوط الخلافة العثمانية عام 1924، تبادلت الدولتان التمثيل الدبلوماسى عام 1925 على مستوى القائم بالأعمال، وتم رفع مستوى التمثيل إلى سفير عام 1948. وبين عامي 1948 و2012 مرت علاقة الدولتين بالعديد من التحولات، وحكمتها العديد من العوامل والمتغيرات، من بينها:
1ـ المحددات الجغرافية: حيث تقع تركيا في قارتي آسيا وأوروبا، وتقع مصر في قارتي إفريقيا وآسيا، ومن ثم فإن الأوضاع الجغرافية للدولتين تجعل منهما دولتين مركزيتين في المنطقة الأفرو-أوراسية التي ترتبط بالشرق الأوسط، وآسيا، وأوراسيا وأوروبا. وتلتقي مصالحهما في ترسيخ الاستقرار والأمن والسلام في هذه المناطق.
2ـ المحددات التاريخية: حيث ظلت خبرة الحكم العثماني وما شابها من سلبيات تلقي بظلالها على الصورة الذهنية لتركيا بين كثير من التيارات السياسية المصرية، وعلى نظرتها للدور الإقليمي لتركيا في المنطقة وخاصة مع تصاعد هذا الدور في وقت تراجع فيه الدور الإقليمي المصري خلال العقود الثلاثة التي سبقت ثورة 25 يناير 2011.
3ـ المحددات الإقليمية: وترتبط هذه العوامل بدرجة كبيرة بالعلاقات الوثيقة بين تركيا وإسرائيل، من ناحية، والموقف التركي من الثورات العربية وخاصة الثورة السورية، من ناحية ثانية، وطبيعة توازنات القوي الإقليمية في المنطقة وخاصة تركيا ومصر وإيران والسعودية وإسرائيل، من ناحية ثالثة.
4ـ المحددات الاقتصادية: حيث تتعدد الروابط الاقتصادية بين البلدين، وتم توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مثل: اتفاقية التجارة الحرة عام 1976، والغاء الضرائب بين الطرفين في 1993، واتفاقية التعاون الاقتصادي والتقني الموقعة عام 1994، كما تم تجديد اتفاقية التجارة الحرة عام 1996، ومع دخول اتفاقية التجارة الحرة التي تم التوقيع عليها عام 2001 حيز التنفيذ عام 2007 تم رفع العوائق التجارية بدرجة واضحة، وأصبح الطريق مفتوحاً أمام التكامل بين اقتصادات الدولتين، وشهد حجم التجارة نموا كبيراً حيث ارتفع من 727 مليون دولار عام 2005 إلى ثلاثة مليارات دولار عام 2009، وبلغ عدد شركات الاستثمار التركية العاملة في مصر 290 شركة في أواخر عام 2009، كما تم الإعلان عن تخصيص موقع لإنشاء مدينة صناعية تركية في مصر.
5ـ المحددات السياسية: وترتبط بطبيعة النظام السياسي في الدولتين وخاصة مع وصول نظام سياسي ذى مرجعية إسلامية في مصر، وهو ما يتشابه مع النظام السياسي في تركيا ومرجعيته الإسلامية، والجدل حول مدى صلاحية النظام التركي ليكون نموذجا تتبناه مصر بعد الثورة، في ظل الدعم الغربي لمثل هذا التوجه.
وفي إطار هذه المحددات وغيرها، وبعد ثورة يناير 2011، تعددت مؤشرات قوة العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدولتين، ومن ذلك: الإعلان في في 3 يوليو 2011 عن تأسيس مجلس أعلى استراتيجي بين للدولتين للتنسيق والتعاون في كل المجالات، أثناء زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو للقاهرة، وفي 12 سبتمبر 2011 قام رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان بزيارة رسمية لمصر، وخلال الزيارة عقد المنتدي الاقتصادي المصري ـ التركي بحضور نحو500 من رجال الأعمال المصريين والأتراك لبحث تفعيل علاقات التعاون الاقتصادي في مختلف المجالات وتدشين مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي، وأعرب أردوغان عن رغبته فى زيادة حجم التبادل التجاري إلي خمسة مليارات دولار خلال عامين, علي أن تصل إلي10 مليارات دولار خلال أربع سنوات, موضحا أن الجانبين سيعملان معا علي إزالة كل المعوقات التي يواجهها رجال الأعمال من كلا الجانبين، وخلال عام 2011 بلغت صادرات مصر لتركيا نحو1,4 مليار دولار، بينما سجلت واردات مصر من تركيا نحو 2.7 مليار دولار، ثم الإعلان مؤخراً عن تقديم تركيا حزمة مساعدات اقتصادية لمصر بقيمة ملياري دولار في إطار توثيق علاقات الدولتين.
وترسيخاً للمرحلة الجديدة من علاقات الدولتين، تأتي زيارة الرئيس مرسي لتركيا في 30 سبتمبر 2012، والتي تعقبها زيارة رئيس الوزراء التركي لمصر، كما هو معلن من الجانبين، وإذا كانت زيارة القادة والمسئولين أحد أهم آليات تفعيل العلاقات الثنائية بين الدولتين، وهو اتجاه محمود بل ومرغوب، فإن هناك عدد من الاعتبارات الأساسية التي يجب التأكيد عليها لضمان رسوخ واستمرار وازدهار هذه العلاقات:
أولاً: الشعوب قبل الحكومات: يجب أن يتحرك الجميع هنا وهناك من منطلق مصالح شعوب الدولتين وليس من منطلق مصالح نظامين، فالنظامين السياسيين في الدولتين يعانيان من بعض القلاقل الداخلية التي قد تؤثر على معدلات استقرارهما السياسي، وبالتالي البقاء أو الاستمرار في الحكم، ولذا يجب أن يكون الضابط الأكبر لقوة العلاقات بينهما هو صالح الشعوب، وهو ما يتطلب في جانب منه تقوية الروابط الشعبية وتنمية الدور الذي يمكن أن تقوم به الدبلوماسية الشعبية في هذا الإطار، حتى تصل رسالة للجميع، هنا وهناك، أن من صالحنا جميعا قوة هذه العلاقات.
ثانياً: التعاون لا التنافس أو الرغبة في الاحتواء، فقد يتصور البعض أن التقارب والدعم التركي لمصر في هذه المرحلة يقف خلفه رغبة تركية في احتواء النظام المصري أو فرض نموذجها السياسي عليه، وهذا غير وارد على الإطلاق، لأن الدولتان تمتلكان قدرات سياسية واقتصادية وبشرية وحضارية قوية، وليس من السهل على أحدهما احتواء الآخر، والخوض في هذا الملف ما هو إلا فزاعة يحاول البعض الترويج لها للحيلولة دون أن تحقق هذه العلاقات أهدافها المنشودة.
ثالثاً: تحييد تأثير العامل الإسرائيلي على علاقات الدولتين، بمعني أنه لا يجب التفكير في وجود علاقة ارتباطية بين العلاقات التركية ـ الإسرائيلية، والعلاقات التركية ـ المصرية، وأنه إذا قويت الأولي ضعفت الثانية أو العكس، فعلاقات النظم السياسية تتغير من نظام لآخر، ومن حكومة لأخرى ولكن تبقي علاقات الشعوب التي يجب ترسيخها، وهو ما يتطلب عدم الخضوع لسعي بعض التيارات بربط هذه العلاقات بتلك، وعدم التأثر بالدور الذي سيمارسه البعض لتشويه تركيا وبالتالي تحجيم علاقاتنا معها لمجرد علاقاتها بإسرائيل. بل إن المنطق يقول إن قوة علاقاتنا مع تركيا، وتنامي العلاقات العربية معها، قد يشكل مدخلاً مهما من شأنه أن يدفعها هي لإعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل وليس العكس.
رابعاً: القيادة الشعبية: حيث يمكن في إطار السعي نحو تقوية العلاقات الثنائية استغلال قوة المكانة الشخصية والصورة الذهنية الجيدة التي يتمتع بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بين تيارات واسعة في الشارع المصري، وكذلك ما بدأت تشكله الصورة الذهنية للرئيس مرسي بين عدد من شعوب العالم، ومنهم الشعب التركي، الأمر الذي من شأنه أن يحد من قوة تأثير التيارات المعارضة لهذه العلاقات على الرأى العام الداخلي في الدولتين.
خامساً: القوة الناعمة: حققت تركيا في السنوات العشر الأخيرة نجاحات كبيرة في صورتها الذهنية بين الشعوب العربية، وإذا كان عامل القيادة السياسية التركية كان له دور مهم، فإن الفن التركي والأعمال الفنية والدرامية كان لها دور مهم في ترسيخ هذه الصورة، الأمر الذي يتطلب البناء عليه وليس هدمه، وتعزيز مصر لنفس الوسيلة وهي صاحبة تاريخ قوي ورائد في هذا الإطار، ويمكن أن يكون للأدباء والمثقفون والمفكرون والفنانون المصريون دوراً مهما في عودة صورة مصر الذهنية لما تستحقه من مكانة ثقافية وحضارية، عانت كثيراً من التراجع في العقود الأخيرة، ويجب أن تتكاتف كل الفئات ومختلف التيارات في وضعها في إطارها الصحيح ومكانتها التي تستحقها.
ساحة النقاش