بقلم: هشام محجوب
قد يكون هذا المقال متأخرا قليلا بالنسبة لحكام بعض البلدان العربية مثل تونس ومصر وربما ليبيا عند نشر هذا المقال، ولكنه سيلحق ببعضهم قبل فوات الآوان. ولا أدعي أن لحاق المقال بالحكام العرب سينقذهم من مقصلة موسم ثورات الشعوب العربية الذي بدأ مع بداية العام 2011، ولكنه تفكير بصوت عال سعيا معهم إلى إيجاد مخرج آمن يحقن دماء المئات وربما الألوف كما حدث في الثورات التي تمت أو كادت أن تتم.
إنني أحاول هنا أن أتقمص دور المحايد بين الشعوب والحكام وأنظر بعين المراقب للموقف فأجدني أولاً أرقب موقف الشعوب العربية والتي تتهم الحكام بالفساد الطاغي، وهي المسألة التي يصعب إنكار احتمالية عالية لصحتها، وبالتالي فهي تطالب الحكام بالإصلاح الشامل. وإلى هنا تبدو الأمور بسيطة ومشروعة، ولكن تنقلب الصورة غاية في التعقيد إذا ما نظرنا من وجهة النظر الحكام. فالخيارات أمام الحكام هنا تنحصر إما في المضي في إصلاحات حقيقية لإرضاء الشعوب أو التنحي طوعا. فأما بالنسبة لخيار الإصلاحات الحقيقية نجد أن الحكام أمام مأزق حقيقي حيث إن خيار الاستعانة بالكفاءات النزيهة يفتح ملفات فساد إن صحت الادعاءات وهو الخيار الذي لم يتبناه أي حاكم حتى الآن في الثورات الثلاث وإن كان قد طُرح على استحياء.
وهنا تجدر الإشارة إلى التجربة المصرية نصف الديمقراطية التي جرت خلال انتخابات عام 2005 والتي أسفرت مرحلتها الأولى عن نجاح عدد ليس بالقليل من المعارضة المصرية ومن ثم تشكلت لأول مرة معارضة حقيقية داخل البرلمان. وإن لم تكن هذه المعارضة قد استطاعت إيقاف الفساد ولا إصدار القوانين التي تضمن تكريس الفساد في المستقبل والتي تمنع حتى هذه النسب من المعارضة من النجاح مرة أخرى، ناهيك عن تغيير الدستور بما يعقد مسألة اختيار الرئيس وتمهيد عملية التوريث، إلا أن دور هذه المعارضة لا يُنكر في الكشف عن كثير من قضايا الفساد الكبرى والتي مثلت، بشكل أو بآخر، نواة حقيقية لبناء قوة جديدة للمعارضة في مصر أدت فيما بعد إلى قيام الثورة وتقوية دورها وحشد أكبر دعم لها.
ومن هنا يتضح أن خيار الرؤساء للجوء إلى إصلاح حقيقي خيار ليس بالسهل طبقا لحالات الفساد الواقعة على الأرض والتي يصعب جدا تغطيتها أو إخفائها. وأما بالنسبة لخيار تنحي الرئيس طوعا نجدنا مرة أخرى أمام نفس المشكلة، فمن يضمن للرئيس المتنحي ألا يُحاسب؟ وهنا مرة أخرى نعود للتجربة المصرية حيث عُرض على الرئيس السابق خلال مراحل الاعتراض الخروج الآمن وهو ما يبدو حلا مناسبا لجميع الأطراف ولكنه يبقى حلا نظريا إلى حد بعيد. فالحاكم، وهو مؤرق بتاريخه من الفساد، كيف له أن يضمن مصداقية هذه الوعود؟ وله كل الحق من وجهة نظري، فمن الصعب جدا في مثل هذه الظروف المعقدة تصديق أي وعود خصوصا وأن الشعوب قد عانت الكثير ولفترة زمنية طويلة وتحمل كل حقد وضغينة على الحكام. وهذا هو ما حدث بالفعل، فلم نرى أي حاكم لجأ إلى هذا الخيار دون محاولات دموية لتجنبه. فما حدث في تونس أولاً ومصر ثانياً يصدق هذا.
فقد اكتست كلتا الثورتين بالدماء ومئات الضحايا ولولا موقف الجيش المعارض للحكام في البلدين لاتسعت رقعة الدماء لتشمل الآلاف كما يحدث في ليبيا وإن كان الأمر يختلف فيها من حيث لجوء الحاكم إلى جيوش مرتزقة. وهذا الحاصل من ردود أفعال للحكام العرب في الثورات التونسية والمصرية والليبية يضعنا أمام قناعة قد تصل للتأكد من طغيان الفساد مما يبرر لجوء الحكام إلى أقصى درجات العنف للحفاظ على سلطاتهم. ولكن يبقى السؤال مطروحا أمام الحكام العرب، هل إلى رجوع من سبيل؟ ويبقى الخيار العملي الأخير أمام الحكام، وهو الخروج الآمن من وجهة نظرهم عن طريق اختيار من يخلفهم، وهو ما لجأ إليه الرئيس المصري السابق حيث بذل أقصى جهده لإقناع الشعب بتركه يقود المرحلة الانتقالية والتي تضمن له اختيار خليفته وهي محاولة لا تقبل احتمالات كثيرة إلا أنها محاولة لحماية نفسه بعد ترك السلطة.
وهو الموقف نفسه في تونس، بشكل أو بآخر، حيث لا تزال تسيطر حاشية الحاكم السابق على أمور البلاد. ولولا إصرار الثورتين التونسية والمصرية على مطاردة فلول النظامين السابقين لربما تغير الوضع وانتكستا معا. ونخلص إلى أن عصر الثورات العربية مازال يمر بصعوبات حقيقية. فالنسبة للحكام فإن خيارات الإصلاح أو التنحي الطوعي أو الخروج الآمن كلها فشلت حتى الآن فاضطر أحدهم للتنحي قصرا والآخر للهرب والثالث على الطريق. وأما بالنسبة للشعوب فالأمر لا يقل صعوبة بل إنها تدفع ثمن اختيار الحرية والخلاص من الحكام دماً. فيا تُرى سنرى ثورات تضع لنا خيارات أو حلول أخرى خلال العام الشهير 2011؟
ساحة النقاش