هل الثورة على مشارف السعودية .. ؟

د. عصام عبد الشافي

بعد أن رأيت وتابعت الانتفاضات والثورات والتحركات الشعبية تنفجر في الدول العربية من أقصاها إلى أدناها، بداية من تونس مرورا بالجزائر ومصر والأردن واليمن، تبادر السؤال، هل الثورة أصبحت على مشارف المملكة العربية السعودية؟ هل المعطيات التي دفعت للثورة في هذه الدول قائمة في المملكة؟ أم أن المملكة ذات طابع خاص يمكن من خلاله أن تتجنب مثل هذه الثورات؟

بداية أقول أن المملكة ليست بمنأى عن هذه الثورات وتلك الحركات الشعبية، لأن المملكة تتشابه مع الدول التي شهدت هذه الثورات في العديد من السمات، من بينها:

1ـ الفساد: فهناك حديث متصاعد عن وجود سرطان من الفساد ينال من جسد المملكة سواء على مستوي السياسات أو على مستوي الأشخاص، كالحديث عن صفقات السلاح التى يتم دفع مليارات الدولارات لشرائها، ولا يتم الشراء أو لا تتناسب مع الاحتياجات الفعلية للمملكة، أو تأتي ويتم تخزينها دون فائدة، حتى تأكلها بطن الصحراء، هذا بجانب الحديث عن سفه وإسراف العشرات من الأمراء والذي أكدته العديد من الوثائق والتقارير، لعل آخرها، ما نشره ويكليكس.

2ـ الاستبداد: فالمملكة، يحكمها نظام تهيمن عليه الأسرة الحاكمة، ولا عيب فى ذلك ولا انتقاد له في النظم الملكية، ولكن ليس من المنطقي أن تكون كل وزارة ملكا شخصيا لوزيرها، يعين فيها أبنائه والمقربون منه، فيكون المساعد الأول أو النائب الأول لكل وزير ابنه أو أخيه، وهكذا تراتبيا في باقي المناصب في كل الوزارات. والمحصلة مزيد من الهيمنة على مقدرات الوزارات، وبالتبعية على مقدرات الدولة، ونصبح أمام حصون مدرعة لا يجوز الاقتراب منها أو مجرد التفكير في تولي منصب قيادي فيها.

3ـ الإحباط والغضب المكتوم:  فقد تزايدت معدلات الشعور بالغضب بين مواطني المملكة، شرقها وغربها، ولما لا وهم يجدون المملكة صاحبة أقوي اقتصاد في المنطقة، يضرب الفقر بالآلاف من أبنائها، حتى فى قلب العاصمة الرياض، ولما لا والبطالة تنال من الآلاف منهم، ولما لا وعشرات القتلي يسقطون ومليارات الدولارات تضيع سنوياً في جدة أمام السيول التى تنال منها، ومسئوليها يقتصر دورهم على الوعود البراقة والشعارات الزائفة عن خطط المواجهة والتعويضات وخطط الإصلاح التى يكون محلها الأدراج، حتى يأتي العام الجديد وتعود الكارثة كما كانت.

وفي الشرق، الحديث أخطر، لأنه يتناول هوية الدولة ومواطنيها، حيث الجدل عن حقوق الشيعة وما يتعرضون له ـ وفق العديد من التقارير الداخلية والحقوقية ـ من اضطهاد وقمع، وإهدار للحقوق، والتشكيك في الولاء والانتماء. ولم تنجح دورات الحوار الوطني، التى دعا إليها الملك عبد الله، وعقدت عدة جلسات ـ مظهرية ـ في تبديد الشكوك المتصاعدة وردم الفجوة التي تتسع بين الحين والآخر بين أبناء المملكة وتياراتها المختلفة.

4ـ المعارضة العلنية: فقد شهدت السنوات الأخيرة صعودا في قوى المعارضة المعلنة، وأصبحنا نقرأ ونسمع ونتابع عبر عشرات المواقع الإلكترونية، مواقف هذه التيارات ودعاويها المستمرة للإصلاح السياسي والدستورى والاقتصادي والاجتماعي في المملكة، وأن يكون كل المواطنين، بكل انتماءاتهم شركاء في هذا الإصلاح، وإذا كانت هذه الدعوات قد بدأت بشكل مكثف في أعقاب الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990، إلا أنها تراجعت خلال السنوات التالية، ولكنها سرعان ما عادت في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق، وما أفرزه من تداعيات، كان أهمها البروز السياسي والإعلامي للشيعة في العراق، وامتداد ذلك لباقي شيعة المنطقة، ومنهم شيعة المملكة.

وخلال السنوات الخمس الأخيرة، تعددت التنظيمات المعارضة ـ وإن كان أغلبها في الخارج ـ وتعددت الدعوات والتيارات الإصلاحية، والتي لم تعد السياسات التقليدية، القائمة على القمع الأمني والحصار والتشويه والتسفيه، تجدي معها نفعاً، وأصبح من الضروري التفكير فى آليات جديدة تتفق وطبيعة المرحلة الراهنة، والتحولات التى تشهدها المنطقة العربية.

5ـ التبعية الخارجية: فالمملكة العربية السعودية رغم ما تملكه من إمكانات وقدرات، تجعل منها قوة إقليمية ـ بل ودولية ـ فاعلة ومؤثرة تتمتع باستقلالية كبيرة في حركتها الخارجية، وسياساتها الإقليمية والدولية، نجدها أقرب للتابع القانع للسياسات والتوجهات الأمريكية، وأصبحت المواقف الأمريكية، هى المرشد والموجه للكثير من السياسات السعودية، وهو ما قاد للعديد من الانتقادات الداخلية والخارجية لسياسة المملكة، ومع تنامي الانتقادات يتنامي الشعور الداخلي بالغضب، القابل للانفجار، بمساعدة عوامل أخرى داخلية وخارجية.

إن للمملكة مكانتها في قلب كل عربي ومسلم، ولا نتمنى أن يأتي اليوم الذى تشهد فيه اضطرابات تنال من أمنها واستقرارها، ولكن حتى لا يحدث ذلك، فالأمر مرهون بسياسات حكامها، وحسن إدراكهم لتغيرات المرحلة وتحولاتها وتداعياتها، فالفساد يضرب بكل أركان المملكة، وإن لم تكن هناك سياسات جادة وحاسمة وعاجلة، فانتظروا الثورة، ولن تتأخر كثيراً، فهل ندرك ونعقل ونتحرك.

  • Currently 70/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
22 تصويتات / 824 مشاهدة
نشرت فى 15 فبراير 2011 بواسطة ForeignPolicy

ساحة النقاش

ForeignPolicy
موقع بحثي فكري، يعني بالعلوم السياسية بصفة عامة، والعلاقات الدولية، بصفة خاصة، وفي القلب منها قضايا العالمين العربي والإسلامي، سعياً نحو مزيد من التواصل الفعال، وبناء رؤي فكرية جادة وموضوعية، حول هذه القضايا، وبما يفيد الباحثين والمعنيين بالأمن والسلام والاستقرار العالمي. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

105,058

ترحيب

يرحب الموقع بنشر المساهمات الجادة، التى من شأنها النهوض بالفكر السياسي، وتطوير الوعي بقضايانا الفكرية والإستراتيجية، وخاصة في  العلوم السياسية والعلاقات الدولية