إرشاد الأمهات وبرنامج التدخل العادي لتعديل السلوك كبديل
للتدخل المكثف للأطفال ذوي الإعاقات في البيئة العربية

أ.د./ عادل عبدالله محمد
أستاذ التربية الخاصة ورئيس قسم الصحة النفسية كلية التربية جامعة الزقازيق
     يعد تعديل السلوك behavior modification من الأمور شديدة الأهمية في مجال التربية الخاصة على وجه العموم إذ أن الجهود التي يتم بذلها مع الأطفال من تلك الفئات التي تعرف بذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام وذوي الإعاقات بصفة خاصة إنما تعتمد في أساسها على تعديل سلوكهم وذلك من خلال إكسابهم مهارات معينة مرغوبة عادة ما يكون من شأنها أن تساعدهم على أن يأتوا بالسلوكيات المناسبة في المواقف المختلفة، أو الحد من سلوكيات أخرى غير مناسبة أو غير ملائمة تصدر عنهم في مختلف المواقف . ويمكن تعريف تعديل السلوك بأنه أي إجراء يمكن اللجوء إليه في سبيل الحد من مشكلات السلوك بشكل عام، أو هو الاستخدام العملي والفعال لمبادئ التعلم بغرض تحقيق نفس هذه الأهداف . وهو بذلك استخدام وتوظيف أساليب وفنيات تغيير السلوك بصورة إمبيريقية أي عملية بغرض تحسين سلوك الفرد، والوصول به إلى وضع أفضل من ذلك الوضع الذي يميزه في الوقت الراهن . وتعد عملية تعديل السلوك هي تلك العملية المتدرجة التي يتم بمقتضاها تعديل السلوك الإنساني، وهي عملية تتألف من عدد من الخطوات المرحلية، ويتم خلالها مراعاة العديد من الالتزامات الأخلاقية في هذا الصدد، والالتزام بها، كما يتم خلالها أيضاً استخدام عدد من استراتيجيات تعديل السلوك بما تضمه وتتضمنه من فنيات مختلفة وذلك بغرض تحقيق الأهداف المنشودة .
31
ولتحقيق تلك الأهداف يمكن الاستعانة أيضاً بعدد من المستحدثات التكنولوجية ذات الصلة . 
     ونظراً لأن الطفل من ذوي الإعاقات عادة ما يحتاج إلى التكرار خلال برنامج التدخل فإن تكثيف التدريب عادة ما يأتي بنتائج إيجابية في هذا الصدد . ومن ثم فإن برنامج التدخل المكثف intensive intervention عادة ما يعد من أفضل أنواع التدخلات على الإطلاق . والتدخل المكثف كما قدمه لوفاز Lovaas يشترط مطلبين أساسيين يتمثل أولهما في تخصيص معلم أو مدرب لكل طفل وهو الأمر الذي يصعب توفيره في البيئة العربية، ويتمثل الثاني في عدد ساعات التدريب الأسبوعي والتي تصل إلى أربعين ساعة أسبوعياً بمعنى أن يصل عدد ساعات التدريب اليومي إلى ثماني ساعات وهو الأمر الذي قد يستغرق الجانب الأكبر من اليوم لأن تدريب الطفل في المرة الواحدة يتراوح في الواقع بين عدة دقائق إلى نصف ساعة، وربما أكثر قليلاً مما يستوجب أن يتم جزء كبير من هذا التدريب في منزل الطفل . وإلى جانب ذلك فإن تدريب الطفل على مواقف أسرية وحياتية واقعية يفرض بطبيعة الحال أن يتم جزء من التدريب في المنزل . وهذا من شأنه أن يجعل المدرب عضواً من أعضاء الأسرة فيجلس معهم، ويأكل معهم، ويتحدث معهم، ويعرف أسرارهم، وقد يأتي وقت يصير هو وأحد الزوجين فقط في المنزل وهي أمور غير مقبولة في بيئتنا العربية .
32
     ويعد إرشاد الأمهات نمطاً من الإرشاد الأسري family counseling حيث عادة ما يتم تقديم الإرشاد الأسري إما لجميع أعضاء الأسرة، أو لبعضهم، أو لعضو واحد منها على أن يتم تزويده بتعليمات يلتزم جميع أفراد الأسرة بتنفيذها . وعادة ما يكون ذلك العضو هو الأم حيث هي الأكثر تحملاً لأعباء مثل هذا الطفل، والأكثر صبراً، وهي الأكثر التزاماً في الحضور .
 وحينئذ يتم إرشاد الأم إلى ذلك الأسلوب الذي يجب أن تتبعه في التعامل مع الطفل في سبيل تعديل سلوكه، ويتم تدريبها بصورة ملائمة حتى تتمكن من القيام بتلك المهمة بشكل جيد شريطة أن يلتزم جميع أفراد الأسرة بتنفيذ التعليمات التي تنقلها لهم الأم مما يسهم بدوره في مساعدة ذلك الطفل على الاندماج مع أفراد الأسرة، وإقامة التفاعلات الاجتماعية المقبولة معهم وهو الأمر الذي يمكن أن ينقله الطفل إلى العديد من المواقف الاجتماعية الأخرى خارج نطاق الأسرة .
33
     وعندما يتم الدمج بين برنامج التدخل العادي لتعديل السلوك والذي عادة ما يتم في المركز المخصص لذلك من جانب المدرب أو الأخصائي، والذي يمكن للأم أن تحضر جلساته، وتلاحظ المدرب وهو يتعامل مع طفلها كنموذج تقوم هي بتقليده في المنزل وبين إرشاد الأم وتدريبها على أن تقوم بدور المدرب أو الأخصائي في المنزل فإننا بذلك يمكن أن نحصل على مزايا التدخل المكثف دون أن نلجأ في الواقع إلى تطبيق التدخل المكثف لأننا سنجد آنذاك أن شرطي التدخل المكثف قد تحققا حيث تصبح الأم ومعها أفراد الأسرة مدربين للطفل، كما تمتد ساعات التدريب على مدار اليوم بأكمله سواء بالنهار أو الليل، وبذلك فإنها قد تتجاوز حاجز الثماني ساعات المحددة في التدخل المكثف . وفضلاً عن ذلك فإننا سنحافظ على سرية البيوت، وعلى عاداتنا وتقاليدنا، بل وشريعتنا فلا يدخل البيوت أشخاص غرباء، ولا يعرف أسرار الأسرة أي شخص من غير أعضائها، ولا تحدث أي خلوة، أو ما إلى ذلك، كما أننا لن نخسر التدخل المكثف بمزاياه العديدة في سبيل تعديل سلوك الأطفال ذوي الإعاقات . وعلى هذا الأساس فإن الجمع بين برنامج التدخل العادي لتعديل السلوك وبين إرشاد الأمهات إلى استمرار ذلك التدريب في المنزل وليس مجرد أداء واجبات أو تكليفات معينة يتم تحديدها يمكن أن نستخدمه بدرجة كبيرة كبديل لبرنامج التدخل المكثف للأطفال ذوي الإعاقات في البيئة العربية . 

المصدر: أ.د./ عادل عبدالله محمد
FAD

لاتحاد النوعى لهيئات رعاية اللفئات الخاصة والمعاقين

ساحة النقاش

FAD
الاتحاد النوعى لهيئات رعاية اللفئات الخاصة والمعاقين هيئة ذات نفع عام لا تهدف لتحقيق ربح تأسس الاتحاد عام 1969 العنوان 32 شارع صبرى أبو علم – القاهرة الرمز البريدى 11121 ت: 3930300 ف: 3933077 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,502,432

مشاهير رغم الإعاقة