الموهبة والإبداع عند ذوى الإعاقات 

د/ محمد محمود العطار

دكتوراه فى فلسفة التربية- جامعة كفرالشيخ 

يعتبر الأطفال أثمن ثروة لأى مجتمع من المجتمعات إذا أحسنت تربيتهم ورعايتهم ، حيث أصبحت العناية بالأطفال من العلامات البارزة لرقى الشعوب والأمم ومظهر تقدمها وتطورها . ولا يوجد طفل دون موهبة ، فالطبيعة غرست بذوراً طيبة ومفيدة فى أعماق كل طفل ، والمهم هو إظهارها إلى حيز الوجود ، والاستفادة منها لخدمة الإنسان وسعادته الذى هو غاية الغايات . وإذا لم نستطيع كشف الموهبة عند الطفل ، فنحن لا نفقد شخصاً فحسب ، بل نفقد ثروة من ثروات الإنسانية التى تتقدم بمباردة المبدعين والموهوبين . 

وحتى يتمكن أطفالنا الموهوبين مستقبلاً من إفادة مجتمعهم بما لديهم من طاقات وقدرات ومواهب، ومن الإسهام فى تطوير الحياة فى مجتمعهم ، وإدارة عجلة التقدم العلمى والمعرفى والتكنولوجى ، ومسايرة ركب الحضارة ، لابد من إحاطتهم بالرعاية والعناية المناسبة التى تساعدهم على تفجير طاقاتهم ، وتنمية قدراتهم ومواهبهم ، كما يجب أن نوفر لهم الحماية والتقدير والتشجيع مدى الحياة ، حتى نحفزهم على الإسهام فى تطوير سبل العيش ، وأهم ما يحتاجه الموهوبين لكى ينفعوا الناس بعلمهم ومواهبهم ومهاراتهم هى راحة النفس ، وحرية الفكر ، وهناءة العيش . 

والطفل المعاق أولى بأن نوجه إليه الاهتمام من أجل منحه دفعة غير عادية على طريق النمو والارتقاء ، حيث أن الطفل أيا كانت الإعاقة التى لحقت به ، يشعر بأن شيئاً ما يقف فى طريق نموه ويقعده عن التعبير عن نفسه بصورة كاملة ، ومن ثم فإنه محتاج لأن يبذل جهداً مضاعفاً ليعوض ما به من نقص ، فضلاً عن أن الطفل المعاق ، يحتاج إلى استثمار كل طاقة متاحة من أجل الوصول إلى أفضل موقع يمكنه من خلاله التعامل مع معطيات الواقع الذى يزداد كل يوم تنوعاً وتعقيداً .

ومن المسلم به أنه توجد بين الأطفال المعاقين كغيرهم من الأطفال مواهبهم نادرة ومنفرده ، ولكن إكتشاف تلك المواهب ثم العناية بها يتطلبان جهداً مضاعفاً وصبراً طويلاً ، ومع ذلك فمن حق هؤلاء الأبناء علينا أن نحتضن مواهبهم ونتهدها بالرعاية حتى نصل بها إلى مرحلة النضج والاكتمال ، وسوف نجد أن العائد الذى يجنيه هؤلاء الموهوبين ، والذى يجنيه المجتمع بأسره من وراء ذلك يستحق ما فى سبيله .

والاهتمام بالأطفال الموهوبين من المعاقين هو اهتمام حديث نسبياً يحاول إلغاء الخطأ من أن الموهبة توجد لدى الأشخاص غير المعاقين فقط ، ولقد أثبتت الدراسات أن هناك نسبة من الأطفال المعاقين وقدرها البعض بحوالى 2% لديهم موهبة ولكنهم لا يحظون بالاهتمام الذى حظى به أقرانهم الموهوبين من غير المعاقين .

وبدأ الاهتمام فى الوقت الحالى بالموهوبين من المعاقين والتعرف على مواطن القوة والإبداع والموهبة لديهم بعد أن كان التركيز فقط على القصور والعجز لديهم ، فالموهبة موجودة لدى الفرد حتى مع وجود الإعاقة ، وقد يكون أحد الأشخاص معاقاً ولديه مواهب متعددة، وتظهر فى مجالات مختلفة سواء كانت فنية أو رياضية أو اجتماعية أو سياسية وغيرها ، فالأمر يتطلب أن نبحث عن القدرات والمواهب والإبداع عند الجميع بغض النظر عن العجز أو الإعاقة لدى الفرد .

ولقد سجل المعاقون صفحات مشرقة فى تاريخ الإنسانية ، فهناك معوقون صاروا من عظماء الإنسانية ، لأن المعاق إنسان عاجز فى مكان الإعاقة غير أنه طبيعى فى النواحى الأخرى ، كما أن فى إمكانه استيعاب إعاقته وتفعيل إمكاناته الأخرى وتوظيف طاقاته الكامنة فيتخطى بعزمه وتصميمه مصاعب الحياة، وقد يفوق كثيراً من الأسوياء . 

وعالم المعاقين يعج بالمبدعين فالرئيس الواحد والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية " فرانكلين روزفلت " (1882 – 1945م) من هؤلاء الذين وقعوا ضحية شلل الأطفال وكان مقعداً تماماً. 

وعبقرى الفن " بيتهوفن " أحد هؤلاء المعاقين بعاهة الصم ، والشاعر الإغريقى " هوميروس " الضرير قد رسم بملحمتيه الخالدتين الإلياذة والأوديسة صوراً من الأساطير الرائعة ، ومن هؤلاء " أبو العلاء المعرى " رهين المحبسين ، والدكتور " طه حسين " عميد الأدب العربى ، والشاعر " بشار بن برد " ، " وهلين كيلر " الإنسانة الصماء ، البكماء ، والعمياء ، كانت مثالاً يحتذى للإبداع ، كما أن " ماركونى " الإيطالى الإنسان الأعور مخترع الراديو لم تقف إعاقته حائلاً أمامه حيث حصل على جائزة نوبل عام 1909م . 

كما نجد أن " ألكسندر بل " مخترع التليفون كان يعانى فى صغره من صعوبات التعلم .. أما 

" توماس أديسون " الذى مد البشرية بكثير من الاختراعات أشهرها المصباح الكهربائى فكان يعانى من صمم خفيف ، أيضاً كان مخترع محرك السيارة " هنرى فورد " يعانى من صعوبات فى القراءة .. وكذلك " ليوناردو دافينشى " الفنان الشهير صاحب لوحة الموناليزا ومخترع تصميم الدراجة .. أما " اسحاق نيوتن " الذى اكتشف قوانين الجاذبية فقد كان يعانى من تلعثم فى الكلام ومن مرض الصرع . الذى عانى منه أيضاً " يوليوس قيصر " الإمبراطور الرومانى الشهير .

ويعتبر الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة الذين لديهم استعداد للإبداع أو التفوق فى أى مجال من المجالات المتاحة عرضه للخطر إذا لم توفر له وسائل مناسبة للتعبير عن نواحى العجز والقصور وإظهار الجانب الإيجابى فى شخصيته .

المصدر: نشره الاتحاد رقم 92
FAD

لاتحاد النوعى لهيئات رعاية اللفئات الخاصة والمعاقين

ساحة النقاش

FAD
الاتحاد النوعى لهيئات رعاية اللفئات الخاصة والمعاقين هيئة ذات نفع عام لا تهدف لتحقيق ربح تأسس الاتحاد عام 1969 العنوان 32 شارع صبرى أبو علم – القاهرة الرمز البريدى 11121 ت: 3930300 ف: 3933077 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,480,728

مشاهير رغم الإعاقة