كثيرا ما يتعرض بعض الأطفال في مراحل النمو المبكر إلى ألوان شتى من الإنحراف والشذوذ التي تسبب لهم عدة مشكلات في حياتهم اليومية ، ويترتب على إهمال هذه الفئة من الأطفال وعدم التبكير بحل مشكلاتهم أثر سيئ يؤدي بهم إلى التخلف والشعور بالعجز والفشل في مواجهة الحياة بصفة عامة .
فالطفل يأتي إلى الحياة ومعه الموروثات من آبائه وأجداده ، هذه الموروثات تحدد معالم شخصيته وأسس نموه ، متفاعلة مع البيئة التي تلعب دورا هاما وبارزا في حياة الفرد ومراحل نموه .
إذا فدراسة النمو تسهم في إكتشـاف المقاييس والمعايير المناسبة لكل مظهر من مظاهر النمو والتعرف على النمو السريع والعادي والمتوسط والبطئ والتعرف على أنواع الشذوذ التي تطرأ على النمو ومدى إختلافه عن النمو العادي وفهم مدى علاقة مظاهر الحياة بعضها ببعض ، ومدى علاقتها بالنمو الجسمي والإجتماعي والتعرف على تأثير البيئة والثقـافة القائمة على نمو الأطفال . وذلك عن طريق المقارنات حتى نستطيع أن نتعرف على الأسس الرئيسـية للبيئة المثالية وتساعدنا على تربية الأطفال تربية صحية .
ومشكلات الطفولة لها اسباب عامة تكمن في الإضطرابات الحيوية ( البيولوجية والفسيولوجية ) في مراحل النمو . وقد تكمن في الوراثة أو إضطرابات البيئة والتكوين ، وقد ترجع إلى عوامل عضوية مثل الأمراض والتسمم والإصابات .
وتلعب الأسباب النفسية دورا هاما في ذلك مثل الصراع والإحباط والحرمان والعدوان والخبرات السيئة والعادات غير الصحيحة . وهنـاك بعض الأسباب أيضا تكمن في البيئـة الإجتماعية وأسباب أخرى حضارية وثقافية . كما تؤثر إضطـرابات التنشئة الإجتمـاعية تأثبيرا خطيرا بسبب الكثير من المشكلات .
1) مشكلات تتعلق بالناحية العقلية :
من الأمراض التي تتصل بالجانب العقلي الضعف العقلي ، ويعرفه حامد زهران حالة نقص أو تخلف أو توقف أو عدم إكتمال النمو العقلي ، وقد يولد بها الفرد أو تحدث في سن مبكرة . والضعف العقلي قد يكون نتيجة لعوامل وراثية أو مرضية أو بيئية تؤثر على الجهاز العصبي للفرد ويؤدي إلى نقص الذكاء . وتتضح أثاره في ضعف أداء مستوى الفرد في المجالات التي ترتبط بالنضج والتعليم والتوافق النفسي والإجتماعي والمهني .
وهذه بعض الأسباب التي يمكن إرجاع الضعف العقلي إليها :
أ) أسباب وراثية : وقد تحدث مباشرة عن طريق أخطاء الجينات والكروموزومات ، فقد تسبب الوراثة ضعفا عقليا بطريق مباشر ، فبدلا من أن تحمل الجينات ذكاء محدودا تحمل عيوبا تكوينية أو قصورا أو إضطرابا أو خللا يترتب عليه تلف في أنسجة المخ أو تعويق لنموه أو وظيفته ويحدث في حوالي 80% من حالات الضعف العقلي ويسمى بالضعف العقلي الأولي .
ب) أسباب بيئية : وترجع إلى عوامل بيئية تؤدي إلى غصابة الجهاز العصبي في أى مرحلة من مراحل النمو بعد تكوين الجنين أو في أثناء الحمل أو عند الولادة أو بعدها كالعدوى ببعض الأمراض ، مثل الحصبة الألمانية أو الإلتهاب السحائي والأورام العصبية واضطراب الغدد الصماء واضطراب عملية تمثيل الغذاء وتأثير الأشعة السينية وغيرها . وكلها تؤثر في الجهاز العصبي وتؤدي إلى الضعف العقلي .
ج) الأسباب النفسية والإجتماعية المساعدة : وتأثيرها لا يصل إلى إحداث حالات الضعف العقلي ، وأهمها الضعف الثقافي العائلي ، ونقص الدافعية وقلة الخـبرات الملائمة للنمو العقلي السوي والحرمان البيئي والإضطراب الإنفعالي المزمن في الطفولة المبكرة والبيئة غير السعيدة والمستوى الإجتماعي والإقتصادي المنخفض والفقر والجهل والمرض . هذه الأسباب تؤدي إلى إبطاء معدل نمو الذكاء ذلك " أن المكونات البيئية في الذكاء ذات أهمية كبيرة " .
2) مشكلات تتعلق بالناحية الجسمية والحسية :
ومن بينها عاهات الحواس ويقتصر منها على :
أ- ضعاف السمع والصم .
ب- ضعاف الإبصار .
وقد ترجع هذه العاهات إلى أسباب يولد بها الطفل " وراثية " أو أسباب مكتسبة ، فالعوامل المادية والإجتماعية والثقافية والحضارية التي تشملها البيئة تسهم في تشكيل شخصية الفرد ، وإن كان من الصعب فصل أثر الوراثة عن البيئة .
فعلماء الوراثة يأملون في تحسين النوع البشري بالإختيار الزواجي الأفضل لمولد الأطفال أصحاء . وعلماء البيئة يأملون في تحسين النوع البشري عن طريق تحسين البيئة الإجتماعية والثقافية والحضارية حتى يمكن تنمية الإستعداد الوراثي للأطفال بصفة عامة نجد أن الوراثة لا تصل إلى مداها الصحيح إلا في البيئة المناسبة لها . ولهذا فإن المربين يعملوا على تهيئة العوامل البيئية للمساعدة على نمو استعدادات الفرد الوراثية .
فضعيف السمع لا يستطيع ان يسمع جملة كاملة إلا إذا خوطب بصوت مرتفع ، فهو يستجيب للكلام المسموع بشرط أن يقع مصدر الصوت في حدود قدرته السمعية . أما الأصم فهو يعاني عجزا أو إختلالا يحول بينه وبين الإستفادة من حاسة السمع فهي معطلة .
وتتعدد أسباب ضعف السمع فمنها ما يتصل بالأذن الخارجية حيث وجد المادة الشمعية التي تفرزها الغدد وتحتاج إلى النظافة ضرورة إزالة هذه المادة ، ومنها ما يتصل بالأذن الوسطى وتحدث عند الإصابة بالبرد الشديد والزكام فيزيد الضغط الخارجي على طبلة الأذن ، وبالتالي لا تستطيع القيام بوظيفتها ، ومن الأسباب أيضا ما أضافه سامح فريد " أن العالم يواجه ظاهرة ضعف حاسة السمع لعدة أسباب أبرزها تزايد معدلات الضوضاء والتلوث وغيرها ، بحيث أصبحت مشكلة حاسة السمع من المشكلات المتكررة أمام الطبيب " .
أما حالات ضعاف البصر ، فهناك حالات الضعف الثابتة وحالات الضعف الطارئة ، وتشمل الحالات الثابتة نقص حدة البصر في إحدى العينين إلى ما دون 6 على 18 بدون إستخدام نظارة . كما تشمل المصابين بعيوب بصرية خاصة كقصر النظر أو طوله أو وجود سحابات أو عتامات بالقرنية .
أما المجموعة الثانية فتشمل حالات الأطفال الذين يعانون ضعفا مؤقتا في أبصارهم ، ومن أهم الأسباب التي تؤدي إلى ذلك :
أ- أمراض العين المختلفة .
ب- الجروح والإصابات والكدمات التي تصيب العين .
ت- الصدمات النفسية .
وبذلك نجد أن ضعف البصر ليس نوعا واحدا ، فبعض الحالات تكون مؤقتة تزول بزوال المؤثر على حين تظل ثابتة في البعض الآخر .
3) مشكلات تتعلق بالحالة الإنفعالية :
يتعرض بعض الأطفال لدرجات متفاوتة من الإحباط والقلق وفي بعض هذه الحالات قد تكون الإستجابات متطرفة ، وعلينا ألا نعد الطفل " مشكلا " إلا إذا حالت كثرة هذه الإستجابات أو حدتها بينه وبين أن تؤدي وظائفه على نحو مرض ، أو بينه وبين أن يستمتع بالتفاعل الإجتماعي السوي مع غيره من الناس .
فالإضطراب الإنفعالي حالة تكون فيها ردود الفعل الإنفعالية غير مناسبة لمثير إما بالزيادة أو النقصان فمثلا الخوف الشديد من مثير غير مخيف فإن ذلك يعتبر إضطرابا إنفعاليا . والخوف إنفعال ضرورى للمحافظة على الحياة في وقت الخطر ، ولكن إذا تعدى مداه الطبيعي ، أصبح مرضا يعرقل السلوك ويقيد الحرية . ويشمل الخوف الكثير من أنواع المخاوف التي لا تخيف كالأماكن المغلقة والمرتفعة والماء والرعد والظلام وغيرها .
ويكتسب الطفل من الأم كثيرا من مخاوفها وترجع بعض أسباب الإضطراب الإنفعالي إلى الخبرات المؤلمة في الطفولة والحكايات المخيفة والبيئة المنزلية المضطربة والبيئة المدرسية المضطربة ، والقلق حالة من التوتر المصحوب بالخوف والضيق وعدم التركيز ، وقد يصاحب الشعور بالقلق بعض التغيرات الفسيولوجية كسرعة ضربات القلب ، وإضطرابات في التنفس وفي إفرازات الغدد وفي النوم وفقدان الشهية وقد يكون القلق عاديا ، أي له سـبب معروف ، وقد يكون قلقا عصبيا أو غير معروف مصدر علته ، وقد ترجع أسباب القلق إلى ما يسمى بالإحباط ، أي توقع معوقات تحول دون تحقيق عمل من الأعمال . ومن بين هذه المعوقات توقع العقاب أو قسوة وتزمت الضمير اللاشعوري لدى الفرد بسبب ما عاناه من صرامة خلال سنوات طفولته .
أما الإنحرافات السلوكية ، فالسلوك يعتبر منحرفا حينما يختلف عن توقعات الآخرين . وتبدأ أعراض هذه الإنحرافات على شكل سلوك مضاد للمجتمع بما في ذلك السلوك الخارجي على القانون ، ومن أهم مظاهر هذه الإنحرافات جرائم الأحداث كالسرقة والكذب والنشاط الزائد عن الحد والسلوك العدواني وغيرها . وترجع أسباب هذه الإنحرافات إلى الأسباب البيئية العامة كأسلوب التنشئة الإجتماعية والأسباب المنزلية كأساليب التربية الخاطئة والأسباب النفسية كالتوتر والقلق والإحباط والصراع وغيرها .
فالسرقة عرض شائع في الطفولة وهي سلوك يعبر عن حالة نفسية ويمكن فهم هذا السلوك في ضوء شخصية الطفل ، وقد ترجع بعض أسبابه إلى نقص الإحساس بحقوق الملكية أو الرغبة في الإمتلاك أو الإنتقام من الوالدين ، وقد يكون من الأسباب أيضا إنخفاض مستوى الذكاء لدى بعض الأطفال . والكذب من المشكلات التي تتصل بالخوف اتصالا مباشرا ، ويرى بعض الباحثين ما يرتبط بالسرقة والغش .
وقد يكون الكذب خياليا أو إدعائيا ، وقد يكون التعويض إحساس بالنقص أو لجذب الإنتباه .
وقد يلجأ الطفل إلى الكذب الإنتقامي ليتهم غيره بأفعال ممنوعة ليعاقب عليها . وقد يكذب الطفل تقليد الذين حوله . أما أخطر أنواع الكذب فهو الكذب المرضي الذي يحدث بكثرة رغم إرادة صاحبه .
4) أما المشكلات التي تتعلق بالحالة الإجتماعية :
فقد يعاني بعض الأطفال من سوء التوافق الإجتماعي واضطراب تفاعله مع من حوله سواء كانوا صغارا أو كبارا .
فالتفاعل مستمر بين الطفل والبيئة من حوله فالطفل يلقى مطالبه على البيئة والبيئة تفرض مطالبها عليه . فالطفل يتطلب من الأسرة إشباع حاجاته إلى المحبة والأمن وإلى الغذاء والراحة والإنطلاق والتعرف على العالم من حوله وإكتشاف قدراته ومواهبه ، والبيئة الأسرية والإجتماعية والمادية تتطلب بدورها من الطفل أن يمتثل للنظام وأن يتعلم خدمة نفسه وأن يكون علاقات إجتماعية مع الآخرين .
إن التوافق يستلزم المرونة ، والطفل المضطرب هو الذي يعجز عن السلوك المتوافق بمعنى فشله في تسوية الأمور بينه وبين الحقائق الإجتماعية والمادية التي يعيش بينها .
وقد يتم التوافق أحيانا عندما يرضخ الطفل ويتقبل الشروط التي لا يستطيع تغييرها ، ويتحقق التوافق أحيانا أخرى عندما ترضخ البيئة وتتعدل نتيجة مجهودات الطفل والفشل في تحقيق حل وسط هو سوء التوافق . وسوء التوافق درجات ، فقد يكون بسيطا وهذا في كثير من المشكلات الأطفال . فقد يكون عميقا معقدا عندما يتدخل عامل مثل القلق يعوق عملية التعليم لأساليب توافقية جديدة .
المصدر: بحث مقدم من الدكتورة سهير علي الجيار
نشرت فى 15 يناير 2011
بواسطة FAD
الاتحاد النوعى لهيئات رعاية اللفئات الخاصة والمعاقين هيئة ذات نفع عام لا تهدف لتحقيق ربح تأسس الاتحاد عام 1969 العنوان 32 شارع صبرى أبو علم – القاهرة الرمز البريدى 11121 ت: 3930300 ف: 3933077 »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,515,135
ساحة النقاش