الناس ليسوا في مواجهة احتمال الترعض لخطر الإصابة بقصور وظيفي إلى نوع آخر من أنواع الإصابة وتتشابه من جهة أخرى المتغيرات والعوامل الصحية مع المتغيرات الإجتماعية والإقتصادية والبيئية ، بحيث يصعب فصل أو عزل أي عامل من العوامل عن واقع الظروف المحيطة بالوضع الصحي .

وقد لا يؤيد البعض هذا الرأي ولكن الواقع إن الكثير من نتائج المسوح الميدانية التي أجريت في عدد من الدول الصناعية ودول العالم الثالث تشير بوضوح إلى صحة ذلك المفهوم ، وخاصة إذا كانت نظرتنا وتحليلنا للمشكلة أبعد من مجرد الإكتفاء بالمتوسطات الإحصائية والتعمق في الدراسات المقارنة لمدى إنتشار حالات الإعاقة وتوزيعها بالنسبة للمستوى الإجتماعي والإقتصادي أو بالنسبة للمرحلة العمرية من حياة الإنسان أو الظروف البيئية التي يعيشها .

 

·        الإعاقة أكثر إنتشاراً في المجتمعات الفقيرة :

وقد تبين من دراسات أجريت في الدول الصناعية وأخرى أجرتها المنظمات الدولية في عدد من دول العالم الثالث ، بل وفي الدول العربية وبعض دول الخليج إن القطاعات الفقيرة من السكان سواء داخل المجتمع الواحد أو من دولة إلى أخرى هى أكثر فئات السكان تعرضا للإعاقة . ففي عام 1975 كان العدد التقديري للمعاقين في العالم حوالي 450 مليونا معاق يعيش منهم 340 مليونا أي حوالي 75% في الدول النامية ، ونهاية هذا القرن سترتفع هذه النسبة إلى أكثر من 80% .

هذا وتختلف طبيعة الإعاقة وأسبابها بين الدول النامية ، ففي الأولى ترجع معظم حالات الإعاقة إلى كبر السن ( حيث متوسط توقع العمر عند الولادة أكثر من 70 سنة بينما يتراوح بين 40 و 55 في دول العالم الثالث ) وإلى حوادث المرور والعمل والأمراض المهنية . بينما في دول العالم الثالث ترجع معظم حالات الإعاقة إلى إنتشار الأمراض المعدية ( النزلات المعوية والإسهال – أمراض الجهاز التنفسي – الإلتهاب السحائي – الحصبة – التراكوما ... إلخ ) أو إلى سوء التغذية بصورة المختلفة ، سواء منها ما تؤثر على النمو الجسمي ( نقص البروتين والدهون والفيتامينات ) أو على نمو بعض الحواس ( نقص فيتامين (أ) يسبب كف البصر أو نقص اليود يؤدي إلى فقدان السمع ) أو ما تؤثر على النمو العقلي       ( نقص البروتين في المراحل المبكرة من عمر الطفل ... إلخ ) .

ويزيد من المشكلة في الدول النامية التباين الكثير في برامج التنمية والأوضاع السائدة بين المجتمعات الحضرية والمجتمعات الريفية ، حيث تنخفض الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية ومستويات صحة البيئة والخدمات الصحية ، وهى جميعاً عوامل تزيد من توفير العوامل المسببة للإعاقة وبالتالي من نسبة المعاقين إلى التعداد العام للسكان في هذه المجتمعات .

وفي وفي الولايات المتحدة الأمريكية أظهر أحد البحوث التي أجريت على سكان ولاية كاليفورنيا إن معدل المتعرضين للإعاقة بين الملونين السود والهنود الحمر تقترب من ضعف هذا المعدل بين البيض الأمريكين ، وبالنسبة للحالات شديدة الإعاقة يزيد معدلها بين السود والهنود الحمر عن الضعف لدى السكان البيض .

وفي دراسة أخرى قام بها مراكز البحوث بجامعة أريزونا تبين أن نسبة التخلف العقلي بين سكان جنوب ولاية أريزونا المهاجرين من المكسيك للعمل في حقول القطن تصل إلى 12% بينما هذه النسبة لا تتعدى بين مجتمعات البيض 3% على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية .

وفي دراسة مماثلة قام بها الباحث بتكليف من الهيئة العليا لرعاية المعوقين في مصر على أطفال المرحلة الإبتدائية ، لتقدير حجم مشكلة التخلف العقلي كانت نسبة التخلف العقلي في ( 4 ) من الأحياء المتوسطة ودون المتوسطة 3.3% ، بينما وصلت هذه النسبة إلى 7.1% في ثلاث من الأحياء الفقيرة ، وذلك بسبب معاناة الأطفال في السنوات الثلاث الأولى من عمرهم من سوء التغذية وبصفة خاصة نقص البروتين ، وكذلك بسبب عدم توافر العوامل المحفزة لنمو القدرات العقلية .

 

·        الأطفال تحت سن الخامسة أكثر عرضة للإعاقة :

ومع أن نسبة المعاقـين تكون غالباً أكثر بكثير بين كبار السن ( فوق 60 سنة ) في معظم المجتمعات ، إلا أنه في العالم العربي نلاحظ العكس حيث نسبة الإعاقة أكثر إرتفاعا بين الأطفال ، ويرجع هذا إلى أسباب أهمها :

1)    الإتساع الكبير لقاعدة الهرم السكاني ، حيث تتراوح الأطفال دون سن 15 من 45% ، 50% من التعداد العام للسكان ، بينما هذه النسبة تكون في حدود 25% في المجتمعات الصناعية ، هذا العامل بالإضافة إلى نقص متوسط الأعمار ، ونسبة كبار السن في المجتمع العربي بالنسبة إلى مجتمعات الدول الصناعية تفسر إرتفاع نسبة المعاقين في مجتمع الصغار .

2)    سلسلة أمراض سوء التغذية التي يعاني منها الرضع والأطفال نتيجة قصور الوعي ، وعزوف الأمهات عن الأوضاع الطبيعي وإستعمال الأغذية المستودرة في غياب نظم وأجهزة الرقابة الغذائية المحكمة ، فضلا عن إنتشار الطفيليات ، وما يترتب على ذلك من إرتفاع نسبة الأنيميا ومضاعفاتها بينهم .

3)    إرتفاع حالات الولادة قبل إكتمال نمو الجنين ، ونقص وزن الجنين عند الولادة نتيجة الزواج المبكر ، وخاصة بين الأقارب وسوء التغذية بين الأمهات وتكرار الحمل والولادة على فترات زمنية قصيرة .

4)    إنتشار الأمراض السارية المعدية التي تصيب الأطفال رغم توفر الخدمات الصحية ( الإسهال – الحصبة – الدفتريا – أمراض الجهاز التنفسي – السعال الديكي )- الحميات – الجفاف – شلل الأطفال ) وذلك نتيجة قصور الوعي الصحي وتركيز هذه الخدمات على الجانب العلاجي على حساب الخدمات الوقائية .

5)    قصور برامج التطعيم والتحصين ضد الأمراض القابلة للوقاية بالتحصين ، وكذلك نتيجة ضعف سلسلة إجراءات التبريد Cold Chain في بعض مجتمعات المنطقة ، وبالتالي ضياع فاعلية التطعيم مما يفسر إنتشار أمراض مثل شلل الأطفال ... إلخ .

6)    إنتشار أمراض العيون ( التراكوما ) من نقص فيتامين ( أ ) في الغذاء ، مما يؤدي إلى حالات كف البصر أو نقص فيتامين دال والكالسيوم ، مما يسبب الكساح .

7)    إعتماد كثير من الأسر على الخادمة الجاهلة غير المتعلمة في تربية أطفالها دون إشراف كاف من الأم .

8)    الزيادة الكبيرة في نسبة الحوادث المنزلية ، وخاصة بين أطفال أقل من 5 سنوات مثل السقوط من بلكون أو على السلم ، وبالتالي إصابات الدماغ والعظام والتسمم والصدمات الكهربائية والحروق والجروح ... إلخ .

9)    عدم وجود برامج وأجهزة لإجراء الفحص قبل الزواج ، وإزدياد أعداد الولادات التي تعاني من تشوه جسمي أو خلل أو تخلف عقلي أو شق الشفة وسقف الحلق أو غيرها من الحالات نتيجة إنتشار حالات الزواج المغلق من الأقارب داخل الأسرة أو القبيلة الواحدة .

10)         ضعف أو غياب برامج التوعية بأسباب ومظاهر الإعاقة في برامج التليفزيون والإذاعة .

11)         قصور برامج ومراكز رعاية الطفولة والأمومة وعدم تغطيتها لإحتياجات السكان ، وخاصة في المناطق النامية والرفية والصحراوية ، وتركيز معظم برامجها على الجانب العجي دون إهتمام يذكر بالبرامج الوقائية .

12)         قصور برامج رياض الأطفال ودور الحضانة ومراكز الرعاية النهارية مثلا : لمرحلة ما قبل المدرسة ، وعدم تكامل مناهج الموجود منها وقصور مؤهلات العاملين فيها .

ومن ناحية أخرى فإن الأطفال عموما أكثر تعرضا للعوامل المسببة للإعاقة ، وخاصة في المرحلة العمرية دون سن الخامسة ، حيث أن السنوات الأولى من عمر الفرد تلعب دورا كبيرا وأساسيا في نموه الجسمي والعقلي ، وحيث يكون معدل سرعة النمو أكبر كثيراً من هذا المعدل في المراحل العمرية التي تلي هذه المرحلة .

هذا يجعل أطفال ما قبل المدرسة أكثر قابلية للتاثر ، وأكثر عرضة لمعـوقات النمو أو مسببات الإعاقة ، فإذا تذكرنا على سبيل المثال أن 80% من خلايا مخ الإنسان تتكون في فترة الشهرين الأخرين للحمل حتى نهاية العام السادس بعد الميلاد ، وأن وزن الطفل بعد الولادة مباشرة يكون 25% من وزن   " مخ الراشد " ، ويصبح 70% من وزنه عند عمر سنة واحدة ، و 90% من وزن مخ الراشد عند عمر 6 سنوات ، وأن النمو العقلي يحتاج إلى نسبة عالية من البروتين في الغذاء .

نستطيع أن نتصور مدى تأثر النمو العقلي للطفل في مرحلة ما قبل المردسة إذا ما عانى هذا الطفل من سوء التغذية خلال هذه المرحلة ، وخاصة النقص في البروتين اللازم لتكون ونمو خلايا المخ ، وهذا ما يؤيده – البحوث المشار إليها أعلاه – حيث تبين الإرتفاع الكبير في نسبة إنتشار التخلف العقلي في المجتمعات الفقيرة التي تعاني من سوء التغذية وغياب البروتين الكافي في غذاء الطفل والأمهات الحوامل والمرضعات .

كذلك نستطيع أن ندرك مدى تأثر النمو الجسمي للطفل بسوء التغذية إذا تذكرنا أن وزن الطفل يزيد ضعفين في الشهر السادس من عمره ، وثلاثة أضعاف وزنه في نهاية العام الأول من عمره عن وزنه عند الميلاد ، وهى سرعة في النمو الجسمي لا تحدث في حياة الإنسان وفي نموه بعد العام الأول من عمره إطلاقا .

المصدر: الأستاذ الدكتور عثمان لبيب فراج
FAD

لاتحاد النوعى لهيئات رعاية اللفئات الخاصة والمعاقين

ساحة النقاش

FAD
الاتحاد النوعى لهيئات رعاية اللفئات الخاصة والمعاقين هيئة ذات نفع عام لا تهدف لتحقيق ربح تأسس الاتحاد عام 1969 العنوان 32 شارع صبرى أبو علم – القاهرة الرمز البريدى 11121 ت: 3930300 ف: 3933077 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,504,328

مشاهير رغم الإعاقة