كثير من أسباب الإعاقة يقع فى مجال الإختصاصات الطبية والنفسية مما يعالجه الباحثون المختصون فيها، بيد أننا ونحن نتعرض لقضايا المعوقين فى إطار تنمية الموارد البشرية، وإنضمامهم إلى المجتمع المنتج، ينبغى أن نتعرف على هذه العوامل ومسبباتها بالقدر الذى يساعد على التخطيط للوقاية والعلاج والتأهيل بما يتيح المجال لإدماج المعوقين فى مسيرة الحياة العادية.
وقد جرى العرف على تقسيم العوامل والأسباب المؤدية إلى الإعاقة إلى قسمين رئيسيين، ( عوامل وراثية وعوامل بيئيه ) .
العوامل الوراثية : - المتمثلة فى الخلل فى الجينات والكروموزومات، أو عدم وجود مناعة ضد الأمراض أو النقص البين فى وزن الطفل الوليد (دون وزن 5ر1 كيلو جرام) أو عدم الإكتمال فى نضج بعض الأعضاء لدى الوليد، وقد تؤدى هذه الظواهر الناجمة عن العوامل الوراثية (والبيئية أيضاً) إلى كون الأطفال عرضة لمخاطر الإعاقة بدرجة عالية، هذا إلى جانب الإصابة بمرض السكر الوراثى أو بمرض الجذام أو بمرض الصرع
أو غيره من الأمراض العصبية، وتُعزى كثير مـن أسباب الضعف التخلف العقلى إلى عوامل وراثية تبلغ فى المتوسط حوالى 80% من حالات الأمراض العقلية عند الأطفال.
إجراءات الإسلام للحد من العوامل الوراثية
يؤمن المنظور الإسلامى بأن درهم وقاية خير من قنطار علاج، لذلك نجده يعمل على تلافى الظاهرة الضارة قبل حدوثها، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن الزواج وتكوين الأسرة فى الإسلام يتطلبان تنظيماً على نطاق واسع، ويدخل فيه عدة إعتبارات منها الإعتبارات الوراثية والثقافية وهى ما تهمنا فى بحثنا هذا.
( أ ) الإعتبارات الوراثية
لتفادى المشاكل الوراثية أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإدخال الخواص الوراثية للزوجين فى الإعتبار فقد قال عليه الصلاة والسلام : "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس" رواه بن ماجه، وفى الأثر : إغتربوا لا تضووا (لا تضووا أى يخرج نسلكم هزيلاً .
وقد وجد الطب الحديث أن الظواهر المحيطة ببعض الأمراض الوراثية تسود بصورة واضحة عندما يتكرر الزواج المغلق من الأقارب القريبين ويتضمن هذا الأمراض الآتية على سبيل المثال :
أنيميا الخلايا المنجلية، تليف الرئة والبنكرياس، مرض الدم ثالاسيميا، ونقص أحد إنزيمات الكبد … وعلى الرغم مما سبق ذكره فيجب أن نؤكد هنا أن الزواج بين أولاد العم أو الخال غير محرم فى الإسلام، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سمح لإبنته فاطمة بالزواج من إبن عمه على بن أبى طالب، ولكن تجب الإشارة أيضاً إلى أن ذلك حدث فى إطار عائلة تتمتع بالصحة على أنه فى حالة ظهور أمراض وراثية فى العائلة أو فى حالة وجود أطفال ناقصى النمو يحسن عدم السماح بزواج الأقارب فى العائلة، وهذه النصيحة الطبية يمكن أن تتدرج تحت القاعدة الفقهية العامة "لا ضرر ولا ضرار".
وقد نهى الإسلام على أن تحمل المرأة وهى ترضع طفلها، فمن حق الطفل أن يشب قوياً خالياً من الأمراض ألا ترضعه حامل، أو تحمل الأم وهى ترضعه، لأن ذلك يؤدى إلى الغيل، كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولا تقتلوا أولادكم سراً، فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه" رواه أبو داود من حديث أسماء بنت زيد بن السكن.
( ب ) الإعتبارات الثقافية
يؤكد الإسلام على أن يكون الشريك فى الزواج صاحب دين وخلق، ويتضح ذلك من الإستشهادات التالية الواضحة المعنى:
قال صلى الله عليه وسلم "ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة التى إذا نظر إليها سرته وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته" رواه أصحاب السنن ، وقال صلى الله عليه وسلم " تُنكـح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" متفق عليه من حديث أبى هريرة، وقال صلى الله عليه وسلم "إياكم وخضراء الدمن، قالوا وما خضراء الدمن يا رسول الله قال المرأة الحسناء فى المنبت السوء" رواه الدراقطنى وتفرد به الواقدى (الدمن : جمع دمنة، وهى مرابض الحيوان).
وقال صلى الله عليه وسلم "إذا جاءكم من ترضون دينه وخُلقه فإنكحوه، إلا تفعلون تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير" أخرجه الترمذى والمنذرى عن حديث أبى هريرة.
( جـ ) الإعتبارات البيئيه
وثانى العوامل المسببه للإعاقة هى العوامل البيئيه التى يتعرض لها الفرد خلال حياته، ومنها على سبيل المثال الحوادث المنزلية التى تسبب تشوهات جسدية للأطفال دون سن الرابعة، والكبار فوق سن الستين هم أكثر الناس عرضة لمثل هذه الحوادث على إختلاف أنواعها، وبخاصة حالات التسمم لدى الأطفال نتيجة للتلوث الغذائى.
وللإسلام موقف واضح من التلوث الغذائى، ذلك أن خير وسيلة لحماية ا لغذاء من التلوث (وما يترتب عليه من أمراض) هى منع حدوثه، ذلك بإتباع إجراءات النظافة والوقاية من تأثير البكتريا والطفيليات، ويعتبر الإسلام التلوث المتعمد للغذاء عن طريق إضافة مادة ملوثة تحت أى مسمى صوراً من صور الفساد والضرر التى نهى عنها الحق عز وجل فى كتابه الكريم، حيث يقول سبحانه وتعالى "وكلوا وإشربوا من رزق الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين" ويقول سبحانه وتعالى "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" البقرة أية 195.
وقد نهت الآية الأولى عن الفساد فى الأرض، بعد الأمر يتناول رزق الله من المأكل والمشرب على الرغم من أن الإفساد الذى تعنيه الآية الكريمة بمعنى الظلم والبغى فى الأرض، فإنه يتضمن إفساد الطعام والشراب أو ليس هناك ظلم، يعادل قتل النفس التى حرم الله إلا بالحق، قال تعالى "من قتل نفساً بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً" سورة المائدة الآية 132، وقال تعالى "ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس" سورة الروم آية 41.
ومن المؤكد أن التلوث الغذائى قبل وقوعه أولى من معالجته بعد حدوثه، حيث تقول القاعدة الفقهية "درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة" وفى الحديث الشريف عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "غطوا الإناء وأوكئوا السقاء، فإن فى السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء، ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء، إلا نزل فيه ذلك الوباء" رواه مسلم فى كتاب الأشربة وصحيح البخارى.
ومن الأسباب التى تسبب الإعاقة … نقص التغذية بخاصة بالنسبة للأطفال الصغار،والتى تعتبر عاملاً مهماً وأساسياً من عوامل التعرض للإعاقة كالإصابة بالكساح، وضعف البصر والتعرض للمرض بصورة عامة، ومن ثم فإن كثرة الحمل المتعاقب للأمهات وما يعانينه من سوء التغذية وقلة العناية الطبية قد يفسح المجال لولادات مشوهة أو هزيلة تكون معرضة للإعاقة الجسمية أو العقلية.
وفى سبل خلو الأطفال من المرض وراحة الأم من الإنجاب المتكرر إتجه الإسلام لنوع من التنظيم فى الإنجاب، ومن ذلك إشتراطه للرضاعة كاملة مدة عامين، قال تعالى "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" البقرة الآية 233.
أباح العلماء التعقيم الدائم لضرورة صحية، ومن الضرورات وجود أمراض وراثية للذرية لا يمكن علاجها أو تعريض حياة إمرأة مريضة للموت إذا حملت أو لوجود أمراض عقلية يمكن وراثتها بالنسبة للمعوقين، وفى كل ذلك يرى العلماء إباحة التعقيم بل أن قواعد الشريعة الغراء تستلزم إجراءه على أن ينصح به طبيب حاذق.
ساحة النقاش