بسم الله الرحمن الرحيم

هل يسعى المسلمون لولاية صورية ؟

بقلم / عصام الدفراوى

بمناسبة الندوة التى انعقدت بتاريخ 3/6/2011 بمكتبة الشيخ عبدالحميد بديوى ، بمدينة حوش عيسى ، محافظة البحيرة ، والتى استعرض فيها د/ عطية محمود ابورواش مؤلفه بعنوان ( النبي محمد  وقيادة العالم ) ، حيث بيّن المؤلف المهارات الشخصية للنبي محمد  التى أهّلته لهذه القيادة ، وحيث اعتمدت رسالته  الأسباب العادية والمألوفة عقلاً ومنطقًا ، وصولاً لمقاصدها ، كما استقام إلزامنا التأسى به  ، والسير على نهجه ، طالما كنا حريصين - بحق - على الاحتفاظ بهذه القيادة .


ولعل ما أثار حفيظتى بعد هذه الندوة أننى حاولت ربط بعض الفوائد التى حصّلتها منها بواقعنا المعاصر ، خاصة الحرص الشديد للمسلمين على أحقيتهم فى الولاية على غيرهم ، وأنا لا أختلف معهم فى المبدأ نفسه ، كمبدأ من مبادىء الشريعة الإسلامية ، ولكنى أتسآل : هل المسلمون اليوم أهل للولاية على غيرهم ؟ وهل المسلمون اليوم أهل لقيادة العالم ؟.


لقد أشار المؤلف فى بداية كتابه إلى ( العمل ) كمبدأ رسّخه النبي  ، ليبيّن أهميته بالنسبة للمجتمع وبالنسبة للفرد العامل ، رغم أنه  كان فى ظروف شخصية واجتماعية تغنيه عن العمل ، فلم يكن  عائلاً لأحد كي يدفعه للعمل ، ولم يكن ليجوع لو لم يعمل ، ولكنه  حرص على أن يعمل ، فرعى الغنم ، وتاجر ، لذلك عاش – حتى قبل بعثته – حرًا كريمًا لا يتكفف الناس . فهل نحن معشر المسلمون نعيش اليوم أحرارًا لا نتكفف الناس ؟ .


كنت أتمنى أن ينتفض السلمون – بعد ثورة 25 يناير – ليقولوا – فى جمعة مليونية – لا ( للتسول الخارجى ) ، أي كانت صورته ( تبرع ، منحة ، مساعدة ) ، ونعم للعمل . كنت أتمنى أن أجد المسلمين فى ميدان التحرير يقولون لكل من عرض المساعدات المالية : ( بارك الله فى أموالكم ولكن دلونا على السوق ) ، أليس هذا ما قاله عبدالرحمن بن عوف لـ سعد بن الربيع رضي الله عنهما ، عندما عرض عليه نصف ماله وزوجاته : ( بارك الله فى مالك وأهلك ولكن دلنى على السوق ) .


لقد استغنى المهاجرون واستعفّوا عن العيش عالة على غيرهم ، رغم شدة حاجتهم ، ونحن اليوم ننتظر ونطلب ، رغم أننا والحمد لله ، نملك ما يزيد عن قوت يومنا . أستحلفكم بالله أن تجيبونى : بأي وجه نخرج – نحن المسلمون – للناس ونعلن عليهم أنه لا ولاية لكافر على مسلم ؟ . هلا تأمّلنا حالنا قبل أن نقول ذلك ؟ هلا علِمنا قدر علاقة هذا الكافر بنا ؟ ما هو مكاننا على مائدة الدول الكبرى ؟ كم دولة إسلامية تشارك فى صنع القرار العالمى ؟ كم دولة إسلامية تملك حق ( الفيتو ) فى مجلس الأمن ؟ كم دولة إسلامية تشارك فى حلف النيتو ؟ كم دولة مسلمة تشارك فى مجموعة الدول الصناعية الثمان الكبرى ؟ ما قدرة الدول الإسلامية مجتمعة على مناصرة قضية معينة ؟ هل استطاعت الدول الإسلامية مجتمعة على رد العدوان الإسرائيلى ؟ كم دولة إسلامية تحررت من التدخل الخارحى فى قراراتها الداخلية ؟ ........ إلخ .


أعتقد أن المسلمين - بهذا الحال - يقصدون ولاية صورية لهم على غيرهم ، وإلا كيف تتثنى لهم ولاية حقيقية – بالمعنى الذى أجمع عليه الفقهاء الأوائل للأمة – وهم لا يستطيعون القيام على شئونهم ، فالولاية فى معناها العام تفيد : قيام شخص على شئون غيره . فمن يقوم على شئون من ؟ ومن يستأمن من ؟ ومن فى ذمة من ؟ . ألسنا كنا نترقّّب تدخل أمريكا والدول الأوربية فى ثورتنا ؟ أليسوا هم من يقوموا على الشأن الليبى حاليًا ؟ وننتظرهم للتدخل فى اليمن ، بعد فشل التدخل الإسلامى ؟ وفى سوريا ...؟ والبحرين ؟ والسودان ؟ والعراق ؟ وفلسطين ؟ وغيرهم .


هل رأيتم مملوكًا وليًا على سيده ، أعتقد أن هذا كان حال لسان رؤساء الدول الثمان الكبرى التى اجتمعت منذ أيام خلت فى فرنسا ، وقد دعت بلدين إسلاميين ( مصر وتونس ) ، ليغنما بفتات موائدهم . ولما لا ونحن ننتظر - منذ نجاح الثورة - ما الذى سيقدمه لنا غيرنا ؟ .


أعتقد أن المسلمين اليوم كمن معه سيارة فارهة على أحدث موديل ولا يجيد القيادة ، لذلك قد يسبقه صاحب الدراجة الذى يجيد القيادة ...

إن الولاية يا سادة تعنى قيام الأولى والأقدر على شئون من هو دونه ، ولا خلاف – بيننا نحن المسلمون – على أن الشريعة الإسلامية هى الأولى والأقدر على تولى قيادة العالم ، فهى وبحق تعلوا ولا يعلوا عليها ، ولكن الخلاف قد يطرأ حول قدرة مسلمى هذا الزمان على هذه القيادة . لذلك حرصت هذه الشريعة على أن تبيّن لأصحابها الأسباب التى تُيسّر لهم الاحتفاظ دومًا بقيادة العالم تأسّيًا برسولهم  ، وكان من أجلّ هذه الأسباب العمل ، كقيمة مجتمعية مهمة وكوسيلة للعيش الكريم .


لقد وفّر لنا الإسلام منهجًا علميًا وعمليًا ليمكّننا من مخاطبة غير المسلم والتعايش معه ، وسبحان الذى أدرك بعلمه أنه قد يستحيل علينا أن نقنع غيرنا بصدق شريعاتنا وأحقيتها فى الولاية على غيرها ، فأقام حياتنا معه على أسباب عادلة ومنطقية ، فجعل الأجر دومًا للمجتهد ، وسنّ أسبابًا كونية لحصول الملك وبقائه وزواله . رحم الله الإمام الشافعي حين قال :

تبغى النجاة ولم تسلك طريقتها ...

          إن السفينة لا تجرى على اليبس


الخلاصة : هناك فرق بين ولاية الإسلام وولاية المسلم

الشريعة الإسلامية – كمنهج – شريعة ذات ولاية عامة  ودائمة على ما دونها من الشرائع الأخرى ، تعلو ولا يعلو عليها ، ومن عدلها ونزاهتها أنها لا تضفى على أهلها هذه الولاية مجاملة أو تعصّبًا ، ولكنها ألزمتهم بالعمل الجاد البنّاء  كي ينالوا الثواب فى الدنيا والآخرة . وأعتقد أن هذا المعنى من المعانى التى أراد أن يؤكد عليها النبي صلى الله عليه وسلم حينما جمع أقاربه من بني هاشم ، وقال : يا بني هاشم  : اعملوا فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً ، يا عباس بن عبد المطلب : اعمل فإني لا أغني عنك من الله شيئا ، يا صفية بنت عبد المطلب : اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئاً ، يا فاطمة بنت محمد : اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئاً . يا بني هاشم ، لا يأتيني الناس يوم القيامة بالأعمال وتأتوني بالأنساب ، من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه .


لذلك أقترح الآتى :

إنشاء ورشة عمل دعوية ( متنوعة ) ، تضم أئمة من إدارة الأوقاف وإخوة من الدعوة السلفية وإخوة من جماعة الإخوان المسلمين ، وغيرهم ، تكون مهمتها :

أولاً : التأكيد على أهمية العمل كمبدأ إسلامى إجتماعى ، فالمسلم لا يعمل لأنه محتاج فقط ، وإنما يعمل أيضًا لاحتياج غيره له .

ثانيًا : التأكيد على أهمية العمل كمبدأ إسلامي استغنائي تحريرى ، لأن من يملك قوت يومه يملك قراره .

ثالثًا : التأكيد على أهمية العمل كمبدأ إسلامي تأهيلى ، فبالعمل الجاد البنّاء يتأهّل المسلمون لقيادة العالم ، إظهارًا للوجه الحقيقى لمبدأ الولاية فى الإسلام .

رابعًا : عمل لقاءات متخصصة للفئات العاملة فى المجتمع ، تأكيدًا للأفكار السابقة ، وإبرازًا لدورها فى المجتمع ، ودعمًا لإيجابياتها ومناهضةً لسلبياتها .

خامسًا : توجيه الأمة الإسلامية إلى الأعمال الإنتاجية المفيدة ، كالمصانع والورش والمزارع المتخصصة ( الخضر والفاكهة والدواجن والأسماك ) والإنتاج الحيوانى ، وكفانا توجهًا نحو المقاهى والمطاعم ومحلات ( المحمول والاكسسوارات ) .

اللهم ما قصدت إلا وجهك الكريم ، فإن أحسنت فمنك وحدك وإن أخطأت فمن نفسى ومن الشيطان ، فاغفرلى . 

 

المصدر: بقلم / عصام الدفراوى

ساحة النقاش

عصام عبدالعزيز الدفراوى

EsamAldefrawy
للعلم فوائد تَعْظٌم كلما عالج مشاكل الواقع . ولابد من قراءة جيدة للواقع لتحديد المشكلة والأسباب المؤدية لها ، ثم البحث عن سُبل التصدى لها ... إن الله عز وجل لم يفرض علينا العلم لنكنزه أو نتباهى به وإنما لنعمل به . »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

147,048