يرى الشيخ محمد الغزالى رحمه الله : أن أسباب الثورات هى : شيوع الظلم ، ومصادرة الحريات ، وسلب ضرورات الجماهير، وشيوع حكم الفرد ، فالعدل هو المساواة التي لا تعطي أحدا حقًّا ليس له ، ولا تبخس إنسانًا شيئًا من مقومات حياته الكريمة .


وحتى تؤتي الثورات ثمارها : فقد رأى الفقهاء أن إزالة المنكر إذا استتبعت مفسدة أعظم ، فمن الخير التربص بها وارتقاب الفرص السانحة لها ، والسكوت حينئذ ليس سكوت مجبنة وتخوف ، ولكنه ترسم سياسة أفضل في حرب المنكر ، كما أن الحماسة للخير لا تعنى السفاهة على الناس، وسوء الأدب في عشرتهم، والمتاجرة بأخطائهم ، بغية فضحهم والتشهير بهم ، فذلك كله ليس خلق المسلم ولا منهجه في تدعيم الجماعة ورفع شأنها، فالحرية المطلوبة حدها الأعلى أن نتمكن من قول الحق، لا أن نتمكن من التطاول والبذاء .


ونجاح الثورات والنهضات مرهون بشروط متى تحققت نجحت الثورة ، ومتى غابت لم تُحقق الثورة نجاحًا يذكر ، ولهذا يرى الشيخ أن من شروط نجاحها التمهيد لها بأدبيات تملأ النفوس وتشحذ العقول وتحمس الهمم بما يحقق يقظة إنسانية عالية وشاملة ، يقول الشيخ: “إن نجاح النهضات وبقاءها يرتبطان بمقدار ما تستند إليه من مشاعر وأفكار ، بل إن الارتقاء الصحيح لا يكون إلا معتمدًا على خصب المشاعر ونضارة الأفكار ، ولذلك لابد في الثورات الاجتماعية الكبرى من ثورات أدبية ، تمهد لها ، وتملأ النفوس والعقول إيمانًا بها .


كما أن من شروط نجاحها ـ عند الشيخ وعند العقلاء ـ تحقق الوحدة على اختلاف المشارب والأفكار، فمتى تخلى الجميع عن رؤاه الخاصة ومكاسبه المحدودة، وذاب مع غيره في إطار تحقيق هدف واحد ومصلحة كبرى تحقَّقَ النجاح بلا ريب ، ولهذا قال تعالى: “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا”، أما حين تجتمع الأجساد وتتفرق العقول والأرواح فهنا يكون الفشل المؤكد ، ويقوم المرتزقة بسرقة الثورات ووراثتها ، يقول الشيخ: “سمعت قائلا يردد في ألم : نحن متفرقون على حقنا، وهم مجتمعون على باطلهم! فقلت له : ما أحسب المتفرقين على حقهم أصحاب حق ، فطبيعة الحق أن يجمع أهله! إن أعدادا كبيرة من السائرين تحت لواء الحق تكمن في بواطنهم أباطيل كثيرة ، فهم يحتشدون بأجسامهم فقط تحت رايته، ويبدو أن المآرب الكثيرة، والأغراض المختلفة ، تجعل لكل منهم وجهة هو موليها، وذاك في نظري ما جعل ثورات عديدة تسرق من أصحابها، ويسير بها الشطار إلى غاية أخرى! حتى قيل: الثورات يرسمها المثاليون وينفذها الفدائيون ويرثها المرتزقة!! ترى لو كان المثاليون والفدائيون على قلب رجل واحد في الإيثار والتجدد أكان يبقى للمرتزقة موضع قدم؟.


إن أخطاء خفية ، نستخف بها عادة ، هي التي تنتهي بذلك المصير. نقلاً عن : وصفي عاشور أبو زيد ، من مقاله المنشور بعنوان : في ذكراه الخامسة عشرة .. محمد الغزالي وحديثه عن الثورات

المصدر: موقع : http://feker.net/ar/2011/03/09/324-5/

ساحة النقاش

عصام عبدالعزيز الدفراوى

EsamAldefrawy
للعلم فوائد تَعْظٌم كلما عالج مشاكل الواقع . ولابد من قراءة جيدة للواقع لتحديد المشكلة والأسباب المؤدية لها ، ثم البحث عن سُبل التصدى لها ... إن الله عز وجل لم يفرض علينا العلم لنكنزه أو نتباهى به وإنما لنعمل به . »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

148,759