ليس من الذكاء أوالذوق أن تستنكر رغبة إنسان أو تفضيله لطعام معين ..أو تسخر مما يتناوله من طعام محدد ، فتفضيل طعام علي آخر يخضع في معظمه الى عادات أسرية، أو ثقافة متوارثة للشعوب .. وحكاية اليوم ليست بخصوص الطعام بالذات ، بل بخصوص التسامح والتصالح الذي يبدو أنه ضرورة كونية ، فقد سألني شخص ما عن تفضيلي لبعض الأطعمة ، فأبديت له مدي حبي لبعض الأطعمة ، ومنها" المُنبار" ، والذي يطلق عليه أهل الأسكندرية " العُصبان ".. فبادرني علي الفور مندهشاً ، معقول ؟!..وتساءل : هل تأكل يادكتور أمعاء البهيمة ؟ .. وبغض النظر عن هذا الرأي الغريب لهذا الرجل ، الذي قد يمتد إستنكاره إلي العكاوي والرأس والفِشة والكِرشة .. لكني وجدت نفسي أرد عليه بتلقائية ، قائلاً : " ماليش دعوة بعلاقات سابقة للأمعاء !!" ..وبعد أن تركني الرجل
إستعدت الجملة التي إنطلقت مني عفوياً، لأجدها قد تمثل حكمة بالغة ، بل ربما تحمل موجهات موجبة لسلوك الإنسان ، فالتمسك بها يحمل دلالة علي التسامح والتغاضي عن الهفوات .. فإذا كانت الأمعاء بعد تنظيفها وتطهيرها قد أُعدت بكل أريّحية للأكل.. وهذا دليل علي التسامح مع أصل المنبارأو الفشة أو العكاوي فقد أدخلناها بكل إطمئنان في معدتنا وتذوقناها .. ولهذا أقول إذا كنا تسامحنا مع هذا ، ألا يجعلنا ذلك نفكر في أن نُعيد ثقتنا فيما بيننا ، ونتسامح بعد إعتراف بالخطأ ، أو توبة نصوح ؟، ولماذا إذاً نُصر على قطع العلاقات فيما بيننا لمجرد غلطة أو سوء فهم ؟؟ .. ولماذا يتزوج إنسان ما ، مثلاً، من أنثي برغبته ، ورغم إخلاصها الدائم له ، يُصر على أن يُذكرها بين يوم وآخر بخطيب سبقه إليها ، أو حتي علاقة ما سبقت زواجها منه ، مع علمه بذلك قبل إرتباطه بها ؟؟ ولماذا نُصر على أن أبناء أسرة ما ، أو عائلة ما، كلهم فاسدون ؟ أليس من الممكن أن يجعل الله منهم رجل رشيد ؟ يقول تعالي " ولاتزر وازرة وزر أخري .." صدق الله العظيم ، وبوجه عام ، أليس الإنسان قابل للتعديل والطُهر والتغيير والتطوير ؟ .. عموماً ، دعونا نتأمل قوله تعالي " من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين " .. وقد تأتي الحكمة ياسادة من بين بضاعة الجزارين ..