الإنترنت في وقتنا الحاضر عنصر مهم وحيوي من عناصر الإعلام ومصادر المعلومات التي أصبحت في متناول الجميع، والأطفال بطبيعة الحال جزء من هذا المجتمع يتأثر بما هو موجود في بيئته، ومع توافر أجهزة الحاسب الآلي ومراكز الخدمات التي تقدم خدمة الدخول إلى عالم الإنترنت أصبح الإنترنت من الأمور التي يستعملها الكثير من الناس، والأطفال من ضمنهم بطبيعة الحال.
إن الاستفادة من الكم الهائل من المعلومات أعطى الإنترنت أهمية بالغة، وأصبح هدف البحث عن المعلومة والاستكشاف من الأمور التي يسعى لها الجميع بمن فيهم أطفالنا، فهل عالم الإنترنت عالم آمن لمن أبحر به؟ وهل قضاء الساعات الطوال في التجوال مفيد للأطفال؟ وهل هناك آثار نفسية سلبية على مستخدمي الإنترنت؟ وهل استخدام الأسماء المستعارة في مواقع الدردشة يوحي بشيء ما لصاحب ذلك الاسم؟ وكثير من التساؤلات التي تشغل بال الآباء والتربويين وأصحاب القرار في مختلف المواقع الذي يعنيهم هذا الأمر من بعيد أو قريب.
والآن بعد فترة الإبهار بما تقدمه الإنترنت لمستخدميها، بدأ العالم يتلمس مكامن القوة والضعف لمن يستخدم الإنترنت وخصوصًا الأطفال، وأصبحت الدول تسن القوانين الرادعة للحفاظ على مستخدمي الإنترنت من الاستغلال بأي شكل كان.
إن استخدام الإنترنت المتزايد عالميًا ربما بسبب الرضا النفسي الذي يوفره لمستخدميه، ويجعلهم أكثر التصاقًا به والذي يجعلهم يقضون الساعات الطويلة أمام أجهزة الكمبيوتر، وذلك لشعورهم بعدم الحرج الاجتماعي أو الضغط النفسي أثناء استخدامهم الإنترنت وحرية الدخول لغرفة الدردشة للحديث مع أي كان عن أي موضوع يريدون، أو حتى توجيه الأسئلة التي ربما تكون محرجة نوعًا ما وذلك لطبيعة الإنترنت إنها لا تطلب من مستخدميها الكشف عن هويتهم الحقيقية والذي يوفر غطاء لمستخدمي الإنترنت بحيث يجعله يتكلم ويناقش أي قضية مما يعطيه راحة نفسية من مشاركاته بدون أن يؤخذ عمره أو وضعه الاجتماعي أو حتى جنسه ذكرًا أو أنثى بالحسبان، وهذا يريح مستخدم الإنترنت ويعطيه هامشًا من الحرية هو بحاجة لها وهو يعجز عن الحصول على ذلك في الاستخدام العادي بالمواجهة مع الآخرين.
كما أن الإبحار في عالم الإنترنت يريح المستخدم بعدم كشف هويته للآخرين، إلا أنه يسبب مشكلات سلوكية عديدة من أهمها تعلم عادات سلوكية خاطئة بالجلوس أمام أجهزة الكمبيوتر لساعات طويلة مما يقلل من نشاط الفرد ويصرفه عن الحركة التي يحتاجها عادة في التنقل من مكان إلى آخر، وأيضًا يغلب على مستخدم الإنترنت الفردية والعزلة وعدم الاختلاط مع الآخرين مما يؤثر على طبيعة المشاركة الاجتماعية للفرد.
كما قد يتأثر مستخدم الإنترنت بشكل أو بآخر بطبيعة الرسائل الإعلامية والثقافية والدعائية التي يصادفها أثناء استخدامه للإنترنت، وهذا بطبيعة الحال سوف يؤثر عليه سلبًا أو إيجابًا بحسب تلك الرسائل وخلفية مرسليها، وهنا نجد أن الأطفال أكثر تأثرًا من غيرهم بما يشاهدونه في الإنترنت وربما يتبنى الطفل أمورًا غريبة عن مجتمعه ودينه وهويته ويصعب بعد ذلك التعامل مع الطفل إذا أصبح ذو هوية تختلف عن الهوية التي يراد له تبنيها بحكم طبيعة أهله وذويه ومجتمعه.
إن مستخدمي الإنترنت يلجؤون إلى عدم الكشف عن هويتهم الحقيقية كما ذكرنا سابقًا، وذلك باستعارة أسماء مختلفة يختبئون وراءها، وهذه الأسماء عادة يختارها الفرد لتعكس شيئًا خاصًا يحتفظ به لنفسه، فالبعض ربما يختبئ وراء أسماء تناقض طبيعته، فإذا كان جبانًا مثلاً يختار اسمًا يمثل الشجاعة، أو إذا كان ذكرًا ربما يختار اسمًا أنثويًا، أو ربما يختار اسمًا يؤكد على طبيعته أو صفة مميزة فيه؛ فإذا كان كريمًا ربما يختار اسمًا يدل على الزيادة في الكرم، أو إذا كان عاشقًا ربما يختار اسمًا يدل على شدة عشقه؛ وهكذا فالأسماء المستعارة تعطي مستخدم الإنترنت فرصة مجانية لإخفاء حقيقته والتمتع بحرية في تعامله بدون أي قيود أيًّا كانت ربما تعيق استخدامه للإنترنت.
الإنترنت بما تقدم ربما أصبح الآن شيئًا أساسيًا لدى البعض وثانويًا لدى البعض الآخر، لكن ما هو واضح بطبيعة الحال أن عالم الإنترنت أصبح له مكان في مجتمعنا الحالي شئنا أم أبينا ، فإذا كان الحال كذلك فكيف نتعامل مع أطفالنا إذا أرادوا استخدام الإنترنت؟
أطفالنا و استعمال الإنترنت
إن الأطفال يجدون في الإنترنت متعة وتشويقًا من خلال التراسل عن طريق البريد الإلكتروني، والتخاطب مع الآخرين باستخدام غرف التخاطب، وأيضًا يحب الأطفال الاستكشاف والبحث الذي يوفره الإنترنت بكل حرية وسهولة.
لكن هل استخدام الأطفال للإنترنت آمن؟ إن الإحصائيات تدلنا على أن هناك من 400 ألف إلى 2 مليون طفل يتم استغلالهم إباحيًا من خلال الإنترنت.
وأن هناك أكثر من 100 ألف موقع إباحي يدخله الأطفال، وأن هناك أكثر من 3900 موقع إباحي جديد يوميًا.
وأن الأطفال يصبحون من كثرة استعمالهم للإنترنت مدمنين على ذلك، وهذا يؤدي إلى تأخرهم دراسيًا لكثرة الوقت الذي يقضونه أمام الحاسب الآلي.
هل نمنع أم نرشد ؟
وبطبيعة الحال منع الأطفال من استخدام الإنترنت لا يحل شيئًا ويعد أمرًا صعبًا هذه الأيام؛ لأن الطفل أو الشاب يستطيع استخدام الإنترنت خارج المنزل مع أصدقائه أو في المقاهي المنتشرة أو في مدرسته إذا توفر له ذلك.
إذًا هل نسمح لأبنائنا باستخدام الإنترنت في عقر دارنا، أم نجعلهم يختلسون الفرص لاستخدامها بعيدًا عن أعيننا.
الإجابة على ذلك في ظني أن يستخدم أطفالي الإنترنت أمام عيني أفضل من أن يستخدموا الإنترنت خارج المنزل.
لكن الاستخدام المنزلي له ضوابط عدة، أولها أن أجعل جهاز الحاسب الآلي في مكان واضح في المنزل لكي يسهل معرفة من يستخدمه، وأن يتم تزويد جهاز الحاسب الآلي بفلاتر خاصة تمنع المواقع السيئة وغير المرغوب فيها من الظهور، كما أن الأب لابد أن يكون هو أو أي شخص عاقل في الأسرة ملمًا باستخدام الإنترنت حتى يراقب بين الفينة والأخرى الأماكن التي يرتادها أطفاله ويعرف عن كثب طبيعة استخدامهم للإنترنت، أيضًا لابد من فتح حوار متعدد مع أبنائه عن أضرار الإنترنت، وأن ينبه عليهم بعدم إعطاء أي بيانات شخصية عن طريق الإنترنت لأشخاص لا يعرفهم، وكذلك عدم مصادقة من لا يعرف، وعدم محاولة لقاء أشخاص تعرف عليهم عن طريق الإنترنت بدون علم أهله.
والأهم من هذا الأمر العمل على تثقيف الأطفال بحسن التعامل مع الإنترنت وطبيعة المخاطر التي ربما تواجههم أثناء استخدامهم للإنترنت، وجعل الرادع والرقيب ذاتيًا لدى أطفالنا من خلال إشعارهم بمخافة الله عز وجل، وأنه مطلع على ما يعملونه، وأنه كولي لأمرهم مهتم بمعرفة كل كبيرة وصغيرة أثناء استخدامهم للإنترنت.
لقد أصبح الإنترنت عنصرًا مهمًا علينا الاستفادة منه قدر الإمكان، وأن نعمل على توجيه أبنائنا للاستخدام الأمثل له لكي ينهلوا من الكم الهائل مما يوفره من معلومات وخبرات ووسائل اتصال سريعة، لكن مع الحرص على أن لا يكونوا وحدهم دون المشورة والمتابعة والتوجيه الأسري والمدرسي والمجتمعي.
ساحة النقاش