موقع أ .د حسنى ابوجازية ( الغابات والبيئة )

حرائق الغابات في سوريا

 

إعداد:

الدكتور محمود علي

أستاذ في قسم الحراج والبيئة

جامعة تشرين – كلية الزراعة

مقدمة:

لقد استخدمت الحرائق منذ القدم في جميع أنحاء العالم من أجل مقاومة الآفات , وتحضير الأرض للزراعة، وزيادة كمية النباتات المستساغة من قبل الحيوانات الأليفة، ولكن تعتبر الحرائق العامل الرئيسي المدمر للغابات في أنحاء عديدة من العالم بما ذلك سوريا، كما تتسبب بأضرار اقتصادية وبيئية فادحة، وتؤدي في بعض الحالات إلى موت العديد من السكان المحليين ورجال الإطفاء والحيوانات الأليفة والبرية.

ماهو حريق الغابة؟

هناك عدد من التعاريف لحريق الغابة منها:

1- حريق الغابة عبارة عن أي حريق ضمن الغابة من دون خطة محددة من قبل المعنيين بإدارة الغابة.

2- حريق الغابة عبارة عن احتراق غير مسيطر عليه، يستجيب بحرية للبيئة ويستهلك الوقود الطبيعي Natural fuels ( الأوراق ، الثمار ، اللحاء ، الأعشاب...) .

تظهر الحرائق بشكل طبيعي في النظم البيئية ، وخلال فترة من دقائق إلى ساعات يمكن أن تحول النيران غابة خضراء إلى رماد، قد تكون الخسائر الاقتصادية والبيئية الناجمة عن الخسائر النباتية والحيوانية كبيرة جداً ، من جهة أخرى ، قد تلعب الحرائق دوراً إيجابياً في ديناميكية النظم البيئية ، فالمواد العضوية المتراكمة خلال فترات طويلة الزمن تحترق محررة العناصر الغذائية . يتحقق التوازن بين الإنتاج والتحلل في ظرف دقائق إلى ساعات. قد تبقى العناصر الغذائية المحررة في النظام البيئي أو تتطاير مع الدخان والغازات الناتجة عن الاحتراق ، أو تغسل خارج التربة، تكون العناصر الغذائية التي تبقى ضمن النظام البيئي المحروق عالية القابلية نسبياً للامتصاص من قبل النباتات. قد توجد الكاتوينات في الرماد بكميات كافية لزيادة خصوبة التربة بشكل ملحوظ. تزداد كمية الضوء الواصلة للنباتات الباقية أو إلى البادرات الجديدة بعد الحريق أيضاً . كل هذا قد يؤدي إلى تحسين ظروف نمو النبات.

بكل الحالات حتى يحدث الحريق لابد من توفر ثلاثة شروط تعرف باسم مثلث الحريق.

 

 

 

 

أنواع الحرائق:

هناك تصانيف متعددة للحرائق كحرائق المراعي ، حرائق الغابات، وحرائق الأدغال ، ولكن التصنيف الذي سنتبعه هنا مبني على كمية الوقود الطبيعي المستهلكة بالنار من التربة وحتى قمم الأشجار وذلك على النحو التالي:

1- الحرائق السطحية:

عبارة عن الحرائق التي تحدث على سطح الأرض فقط، وتلتهم الأجزاء النباتية المتراكمة في أرض الغابة وجزء من المادة العضوية المتراكمة، وتقتل النار عادة الشجيرات والنباتات العشبية في أرض الغابة كما أنها تقتل البادرات وحتى الأشجار الصغيرة من الأنواع السائدة ، تكون حرارة الحرائق السطحية عادة منخفضة نسبياً ولاتسبب تغيرات جوهرية في بيئة أو تركيب الغابة.

يعتبر هذا النوع من الحرائق أكثر الأنواع انتشاراً ويمكن أن تكون خفيفة الحرارة نسبياً عندما تحدث في الأعشاب والمواد العضوية الميتة على السطح، وقد تكون عالية الحرارة والنار سريعة الانتشار عندما تحدث الحرائق في مخلفات الاستثمار وفي طبقة تحت الغابة الكثيفة، وفي كثير من الأحيان يصل الحريق إلى تيجان الأشجار ويتحول إلى حريق تاجي.

 

 

 

2- الحرائق التاجية :

على عكس الحرائق السطحية، تحرق الحرائق التاجية أوراق وأفرع وأغصان الأشجار السائدة، كما أنها تحرق السوق وتنزل إلى أرض الغابة في كثير من الأحيان. الحرارة المرافقة للحرائق التاجية أعلى بكثير من تلك المرافقة للحرائق السطحية ، وقد تدمر قسماً كبيراً من الأشجار السائدة في النظام البيئي المنكوب.

يتقدم الحريق التاجي من قمم الأشجار أو الشجيرات إلى قمم أشجار أو شجيرات أخرى بشكل مستقل نوعاً ما عن الحريق السطحي الذي يرافق الحريق التاجي عادة. في غابات المخروطيات الكثيفة المتواجدة على مواقع شديدة الانحدار أو على مواقع مستوية ، شريطة توفر رياح قوية ، قد يسبق الحريق التاجي الحريق السطحي، لايمكن السيطرة عادة على هذا النوع من الحرائق إلى بعد أن ينزل إلى الأرض.

بسبب سرعة انتشار هذا النوع من الحرائق فإنه يشكل خطراً على رجال الإطفاء و السكان المحليين وعلى الحياة البرية التي تصادف في طريقه. وغالباً مايتسبب هذا النوع من الحرائق في احتجاز رجال الإطفاء وبعض االسكان في بقع معينة من الغابة.

 

 

3- الحرائق الأرضية:

تظهر عادة في الغابات التي يتراكم في أرضها كميات كبيرة من المواد العضوية، وخاصة في الأماكن الرطبة ( المستنقعات) وذلك عندما تتعرض للجفاف ، تشتعل هذا النوع من الحرائق عادة بشكل بطيء جداً خلال فترات زمنية طويلة وقد يستهلك جميع المواد العضوية المتراكمة على سطح الأرض.

تداخل أنواع الحرائق:

في الحياة العملية غالباً مانجد الأنواع الثلاثة من الحرائق في نفس الوقت، أو نجد نوعان على الأقل كحريق سطحي مترافق بآخر أرضي، الحرائق السطحية عادةً هي الأكثر شيوعاً ، وتقريباً جميع الحرائق تبدأ سطحية وقد ينتشر الحريق السطحي إلى تيجان الأشجار والشجيرات ويتحول إلى حريق تاجي مدمر . وقد ينزل الحريق التاجي أيضاً إلى الأرض ويصبح حريق سطحي ، بشكل مماثل ، يمكن أن للحريق السطحي أن يتطور إلى حريق أرضي.

في الأراضي العشبية أو المراعي لايمكن التمييز بين الحرائق السطحية والتاجية كون النيران السطحية أيضاً تستهلك النباتات بالكامل ، حيث لايوجد فاصل بين سطح التربة والمجموع الخضري. أراضي الجنيبات وأراضي الأدغال تحترق بالكامل أيضاً في أي نوع من أنواع الحرائق.

 

 

 

أسباب حرائق الغابات:

1- عوامل مناخية:

يعتبر المناخ العامل الرئيسي في حرائق الغابات المتوسطية بشكل عام، حيث يمتد فصل الصيف الطويل من حزيران وحتى ايلول أو أحياناً أكثر، ولايحدث أي هطول في معظم السنين، كما ويزيد متوسط الحرارة في النهار عن الـ30م° مما يؤدي إلى انخفاض رطوبة البقايا العضوية المتساقطة إلى مادون 5% تحت هذه الظروف يمكن للحرائق أن تبدأ من أي مسبب ( سيجارة ، برق، عود ثقاب...الخ).

إضافة إلى انخفاض الرطوبة وارتفاع الحرارة، تلعب الرياح دوراً أساسياً أيضاً في الحرائق، لاسيما رياح الخماسين التي تميز سوريا ولبنان، تسبب هذه الرياح انخفاض في الرطوبة الجوية إلى مادون 30% كما أنها تنقل الحرائق إلى مسافات بعيدة عن طريق نقف البقايا المشتعلة.

2- طبيعة النبات الحراجي:

تتميز المنطقة بنباتات أليفة للحرائق حيث يشكل الصنوبر القسم الأكبر من هذه الغابات، يسود الصنوبر البروتي Pinuts brutia في سوريا، حيث تؤدي الحرارة العالية إلى تفتح مخاريطه، تحتوي أنواع الصنوبر على تراكيز عالية من الراتنج Resin وبعض الزيوت التي تجعل النباتات عالية القابلية للاشتعال.

طورت الأنواع الأخرى وخاصة السنديانيات مستديمة الخضرة قاسية الأوراق مثل السنديان الأخضر والسنديان الفليني، والسنديان القرمزي، والسنديان العادي... الخ وسائل مورفولوجية لمقاومة الحرائق، يتميز السنديان الفليني بقشرة سميكة مميزة تعزل الكامبيوم مما يسمح له بمقاومة الحرائق، وتتميز السنديانيات أيضاً بوجود عدد كبير من البراعم النائمة أو الساكنة مما يؤمن إعطاء نموات جديدة بعد حرق الأجزاء الهوائية مثل السنديان العادي.

إضافة إلى تطور النبت ، يجب أن تضيف التغيرات التي سببها البشر والناجمة عن محاولة إعطاء الغطاء النباتي إلى أماكن تتعرض للنيران بشكل متكرر أو الاستخدامات الأخرى مثل الرعي الجائر Overgrazing وجمع الحطب Fuel wood extraction وجميع هذه التغيرات سببت تدهوراً كبيراً للنظم البيئية الحراجية وبالتالية خفضت من مقاومتها للحرائق.

عادة ما تتم إعادة التشجير باستخدام أنواع رائدة Pioneer species وخاصة الزراعات الأحادية لأنواع الصنوبر، هذا بحد ذاته يزيد خطر حدوث الحرائق، وذلك بسبب استمرارية الوقود في الزراعات المتقاربة، بالإضافة إلى التركيز العالي للوقود الناهم ( الأوراق الأعشاب) ذو القابلية العالية للاشتعال.

هناك عامل آخر يزيد من خطر الحرائق هو التنمية الاجتماعية الاقتصادية التي أدت بشكل عام إلى تقليص الرعي والاحتطاب، وجمع الأعلاف عواقب هذه الإجراءات أدى إلى تزايد سماكة فرشة الغابة والتي تتمتع بقابلة اشتعال عالية، يشكل هذا الأمر مشكلة خطرة خاصة في الزراعات التي يمتلكها أشخاص والتي يقوم أصحابها بإهمالها ، بسبب غلاء اليد العاملة ، وانخفاض مردود وحدة المساحة، تكون هذه المشكلة أكثر حدة على الشواطئ الشمالية منها على الشواطئ الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط ، حيث يقوم سكان الأرياف على الشواطئ الجنوبية بإدارة مساحات كبيرة من أراضي الغابات وجمع كميات كبيرة من الأحطاب والمنتجات الأخرى من أجل الاستخدام المنزلي.

تسببت ظاهرة نزوح السكان من الأرياف إلى المدن، وهذه الظاهرة منتشرة بكثرة في القطر العربي السوري في هجر مساحات كبيرة من الأراضي مما أدى إلى غزوها بجنبات وجنبيات متنوعة وأحياناً ببعض الأنواع الطبيعية من الصنوبر ، طبعاً هذا لايعني هجر كامل الأراضي التي كانت تستخدم بالزراعة وإنما يبقى الكبار بالعمر خاصة أولئك الذين يستخدمون النيران في الكثير من الأحيان للتخلص من البقايا العضوية، ولتشجيع ظهور النموات والأعشاب والمستساغة من قبل الحيوانات الأليفة، قد تخرج عمليات الحرق المفتعلة هذه عن سيطرة القائمة عليها وتدمر مساحات مختلفة من الغابات المجاورة. علاوة على ذلك فإن غياب أو انخفاض عدد سكان الغابات يؤدي إلى صعوبة في إخماد النيران فيها.

3- أسباب أخرى:

تشير إحصائيات الحرائق إلى أن الحرائق مجهولة الأسباب تشكل 50-77% من حرائق الغابات المتوسطية بما في ذلك سوريا، تأتي الحرائق المقصودة في المرتبة الثانية بعد الحرائق المجهولة الأسباب التي يعتقد بأن القسم الأكبر منها مفتعلاً أيضاً.

تسبب العوامل الطبيعية ( البرق) حرائق في الغابات أيضاً وقد تكون الأضرار الناجمة عن الحرائق الصاعقية كبيرة جداً ، لقد سجلت في السنوات الأخيرة بعض الحرائق الصاعقية في غابات محافظة اللاذقية وحماه. لكن يبقى عدد النيران الناجمة عن الصاعقة أقل بكثير من تلك التي يفتعلها البشر.

يعتبر الرعاة أحد الأسباب الهامة للحرائق حيث يقومون بإشعال الغابات وأراضي الأعشاب لتشجيع ظهور نموات جديدة من أجل رعي حيواناتهم، عندما يتم هذا الإجراء من دون اتخاذ الاحتياطات الضرورية ، ويتزامن مع مناخ عالي الخطورة ( مناسب جداً للحرائق) تكون النتيجة الحتمية حرق الغابة المجاورة.

يظهر السكان المتحضرين ( سكان المدن) قدر ضئيل من الفهم لأخطار الحرائق ولعواقبها السلبية، بالرغم من الحملات الإعلامية المستمرة حول مخاطر حرائق الغابات، تتسبب اللامبالاة من قبل المدخنين والمصطافين الذين يقومون بإشعال النيران ضمن الغابات من أجل تحضير الطعام بحوالي ثلث حرائق الغابات.

إن حرق الكميات الكبيرة من المخلفات الصلبة التي يتركها السواح والمصطافين ضمن الغابات يؤدي إلى حرق الغابات أحياناً.

بعد استخدام المزارعين للنيران لإزالة بقايا المحاصيل وتقليص مساحات الغابة من أجل التوسع الزراعي أحد الأسباب الرئيسية لحرائق الغابات حيث تمتد الحرائق من الأراضي الزراعية إلى الغابات المجاورة.

 

 

هناك عدد متزايد للحرائق التي لاتحمل أهداف منفعية وإنما بهدف الدمار فقط حيث تشعل هذه النيران لعدد من الأسباب بما في ذلك الانتقام الشخصي والخلافات على الملكية وحق لصيد قد تكون بعض الحرائق مفتعلة من قبل القائمين على خدمة الغابات في بعض الدول، حيث يتم التعاقد مع عدد من عمال مكافحة الحرائق خلال مواسم الحرائق في هذه البلدان، بما أن الأجر الذي يدفع لهؤلاء العمال يكون أعلى بكثير خلال أيام مكافحة الحرائق منه خلال الأيام الأخرى لذلك يقوم بعض هؤلاء بافتعال الحرائق من أجل زيادة الدخل وهناك بعد الحالات المسجلة حول قيام بعض القائمين على حماية الغابات على افتعال حرائق في بعض المواقع الحراجية لأهداف معينة. من الأسباب الأخرى للحرائق نذكر: التفحيم ، صناعة الكلس، الأطفال ، استعمال المعدات والتجهيزات ، سكك الحديد ، شرارة الصيد ، قطع الزجاج ...الخ.

الأسباب التفصيلية لحرائق الغابات وأعدادها والمساحات المحروقة:

1- أعداد الحرائق حسب الأسباب:

سيتم التركيز على حرائق الغابات في محافظات اللاذقية حماه إدلب وطرطوس، حيث تشكل الغابات الطبيعية في هذه المحافظات 73.04% من إجمالي مساحة الغابات الطبيعية في القطر (جدول 1) كما أن الغابات الأوجية تتركز بشكل أساسي في هذه المحافظات.

 

جدول رقم 1

نسبة الغابات الطبيعية في المحافظات السورية

عن مديرية الحراج 1993

 

المحافظة

مساحة المحافظة هـ

نسبة الغابات في المحافظة%

نسبة غابات المحافظة من غابات سوريا%

اللاذقية

67372

29.33

28.94

حماه

43691

4.93

18.76

إدلب

42111

6.88

18.09

طرطوس

16888

9.32

7.25

ريف دمشق

21963

1.21

9.43

حمص

18116

0.43

7.78

حلب

12131

2.01

5.21

الحسكة

4220

0.18

1.81

السويداء

3376

0.61

1.45

الرقة

1954

0.09

0.84

القنيطرة

655

0.35

0.28

دير الزور

372

0.01

0.16

المجموع

232840

1.26

100

 

يبين الجدول رقم 2 أسباب وأعداد الحرائق في المناطق الحراجية الرئيسية من سوريا وذلك بناء على المعطيات المتوفرة في سجلات مصالح الحراج في هذه المحافظات .

 

 

جدول رقم 2

أسباب الحرائق وأعدادها في المناطق الحراجية الرئيسية في سوريا

 

margin-top: 1em; margin-right: 0px; margin-

  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 618 مشاهدة
نشرت فى 19 يونيو 2011 بواسطة Drhosney

ساحة النقاش

د حسنى عبد العظيم ابوجازية

Drhosney
يعرض الموقع العديد من الموضوعات البيئية المتعلقة بالغابات والنبانات المختلفة والصور والالبومات المرتبطة بطبيعة عملى كأستاذ بجامعة الاسكندرية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

466,767