الدكتور: السيد عبد المنعم حجازي

Lecturer of commercial science in ministry of higher education, HICSC. Elaresh. Egypt

مقدمة:

يشهد التعليم الجامعى اهتماماً متزايداً على مختلف الأصعدة المحلية والعربية والدولية، كما يشهد تطويراً مستمراً لمواكبة حاجات الأفراد والمجتمعات، وخصائص العصر العلمى التكنولوجى، ومتطلبات القرن الحادى والعشرين وتحدياته المستقبلية، وهذا الاهتمام مرده للمأمول من مؤسسات التعليم الجامعى، على أساس دورها العلمى والتربوى والبحثى والتنموى وقيادة المجتمع، من خلال أهدافه ووظائفه لتفعيل دورها المتميز فى تقدم المجتمعات وتنميتها، الأمر الذى يتطلب أستاذاً جامعياً متميز التكوين العلمى متصفاً بالالتزام التنظيمى فى علمه وعمله، إذ كلما كان لدى الأستاذ الجامعى التزام تنظيمى، استطاعت المؤسسة الجامعية أن تحقق فاعليتها.

ويتأكد، سياسياً، وتربوياً، وثقافياً، أو بمعنى أشمل، أيديولوجياً، أن التعليم الجامعى" يؤدى دوراً هاماً فى تنمية المجتمع، حيث يعتمد بناء المجتمع المنتج على توفير القوى البشرية المؤهلة، والقدرة على الإنتاج وتحقيق التنمية الشاملة، ومن ثم تحرص الدولة على وضع التعليم - بعامة - فى طليعة أولوياتها، باعتباره ركيزة التقدم ومواجهة تحديات العصر بمختلف صورها، والنظر إلى التعليم على أنه صمًام الأمن القومى للمجتمع"(<!--).

وردت كلمة (فلسفة Philosophy) فى المعجم الوجيز بمعنى"دراسة المبادىء الأولى وتفسير المعرفة تفسيراً عقلياً"(<!--)، وفى معجم التربية  هى "ذلك العلم الذى يهدف إلى تنظيم وترتيب جميع حقول المعرفة، باعتبارها  وسائل لفهم وتفسير الحقيقة فى صورتها الكلية"(<!--)، وهى "الجهد الذهنى الموجه إلى مناشطنا البشرية محللا إياها بحثاً عن المفاهيم الأساسية التى تكمن وراءها وإخضاعها للفحص والتحليل"(<!--).

ونظراً لأن المجتمع المصرى يتعرض لتغيرات سياسية، وثقافية، بعض عناصرها إيجابية وبعضها الآخر سلبية -شأنه فى ذلك شأن كل المجتمعات- لذا أصبح على الجامعة الإسهام- مع غيرها  من المؤسسات التربوية كالأسرة، والمدرسة، ووسائل الإعلام، ودور العبادة، - فى مواجهة تلك المتغيرات التى تمثل تحديات القرن الحادى والعشرين، بل أصبح تفكير الجامعة فى مواجهة القضايا والمشكلات الاجتماعية، أمراً لازماً وحيوياً، حيث إن البحث فى مستقبل مصر فى القرن الحادى والعشرين، لا يدخل فى باب الرفاهية الفكرية، ولا هو مجرد محاولة لاستشراف المستقبل، بل إنه يعد قضية مصرية تقتضى منا جميعاً كل اهتمام ومشاركة"(<!--).

وقد تواصلت -وما تزال- جهود الباحثين فى مجال الإدارة بهدف دراسة الفاعلية بين الالتزام الوظيفى لدى عضو هيئة التدريس بالجامعات، وفاعلية المنظمات التى تضطلع بإعداد الكوادر البشرية فى عصر يزداد فيه الاهتمام بالعنصر البشرى، وكانت النتيجة" أن توصل الباحثون للعديد من المداخل والمؤشرات الدالة على كل منهما، وظهور العديد من المقاييس الخاصة بهما، ولقد أفضت الدراسات المتعلقة بهذين البعدين إلى المحاولات العلمية الجادة للربط بين دراسة تأثير كل منهما على الآخر"(<!--).

ولما كانت الجامعة تنظيماً له مدخلاته وعملياته ومخرجاته، وأهداف خاصة، فإنه يشترك فى هذه الأمور مع كثير من المؤسسات، إلا أن" التنظيم الرسمى للجامعة يعرف بأنه جهد منظم رسمياً بواسطة جماعة من الأفراد لتحقيق أهداف محددة، وتعكس الجامعة أهدافها التنظيمية فى أوضاع اجتماعية محددة تتجه إلى أن تكون شخصيات تنظيمية ذات أهداف ثنائية، هى البحث والتدريس، وحول هذه المهام تتولد بنية تنظيمية بيروقراطية يقابلها نمط إدارى، وبنية تنظيمية مهنية، يقابلها نمط أكاديمى معين"(<!--)، وهناك فلسفتان تتنازعان التعليم الجامعى هما:

<!--فلسفة معرفية.

<!--فلسفة سياسية.

وفيما يتصل بتناول الأمرين يحاول البحث أن يتناولهما على النحو التالى:

أولاً: الفلسفة المعرفية:

وطبقاً لنظرية المعرفة، فإن الناس يطمحون إلى فهم العالم الذى يعيشون فيه كمسألة حب استطلاع، وفى هذه الحدود ظهرت الدعوة إلى أن يكون فى كل مجتمع وكالة كالجامعة، يكون غرضها التفكير بعمق فى حاجات المجتمع، مما يعنى تكريس المجتمع الجامعى للبحث عن الحقيقة، ولا يهتم فقط بصدق الحقيقة الطبيعية، ولكن أيضاً بقوة التفسير، ودقة المفاهيم ووضوحها، والبساطة النظرية، والترابط المنطقى، وفى هذه الحالة يكون على قوانين الحقيقة أن تصحح نفسها بوضعها على الدوام تحت الفحص(<!--).

وعاشت مصر قروناً عديدة فى حرمان تعليمى شديد، أمكن بعده أن تتنفس الصعداء، وتحاول أن تخطو بالتعليم الجامعى خطى ثابتةً، خاصةً أن " للتعليم الجامعى فى مصر وضع متميز، يرتبط بالنضال الوطنى من أجل الاستقلال، وما يزال هذا الوضع مستمراً ومتطوراً، وإذا كانت مصر تتميز باهتمام شعبها واحتفالهم بالتعليم الجامعى، والتنافس الشديد من أجل الحصول عليه، إلا أنها أيضاً تتميز فى أنها لا تختلف عن كثير من دول العالم فى الجدل الذى يدور بشأن التعليم الجامعى وسياساته والتغيرات الطارئة على ساحته، ويزداد هذا الجدل حدة نتيجة لما يلاحظ على النطاق العالمى والمحلى من أن أبوابه تستجيب لطرقات الراغبين من الشباب وغيرهم، فتزداد اتساعا لتقبل الجامعة المزيد من الأعداد الراغبة والمتطلعة للحصول على العلم وفوائده"(<!--).

ويواجه التعليم الجامعى فى مصر تحديات ضخمة أهمها، التزايد السكانى الذى استتبع تضاعف وازدياد أعداد الطلاب الراغبين فى استكمال التعليم الجامعى، باعتباره صورة من الصور التى فرضتها زيادة الطلب الاجتماعى على التعليم الجامعى، نتيجة وجود مجانية - لحد ما - فى مراحل التعليم، ووجود فجوة كبيرة بين المستحدثات والتطورات التى حدثت فى الفكر التربوى على المستوى الجامعى، والتى من أهمها، التيار الداعم لجعل التعليم الجامعى حقاً للجميع، وبين الواقع التربوى فى مصر.

ويجب التنبه إلى هذا الأمر الذى يفرض نفسه على الواقع العالمى فضلاً عن واقع مصر حيث، يمر الاقتصاد المصرى بتغيرات اقتصادية كبيرة مصاحبة للتحولات الاقتصادية التى تحدث فى العالم أجمع، ومن مظاهرها بدء العمل باتفاقية الجات (GATT) وظهور التكتلات الاقتصادية الكبيرة، والسوق الأوربية المشتركة، وسوق الدول الآسيوية، والسوق الشرق أوسطية، وعلى المستوى التقنى، فقد ظهرت الحاسبات وثورة المعلومات، وتحويل الصناعات إلى صناعات كثيفة رأس المال بدلاً من صناعات كثيفة العمالة، وأصبح الوصول إلى درجات عالية من كفاءة التشغيل، هو الهدف الذى تسعى إليه كل الشركات، ونتيجة لذلك لم يقتصر دور الجامعة على تقديم العلم بإلغاء المحاضرات، وإجراء البحوث العلمية فقط، ولكن يمتد هذا الدور إلى تطوير العمل فى القطاعات المختلفة بالدولة بهدف مساعدتها فى مواجهة المنافسة المحلية والأجنبية(<!--).

ثانياً: الفلسفة السياسية:

يلاحظ أن الدراسات تتسم بالدقة والتعقيد من جانب الخبراء الاختصاصيين وتزدهر، ليس فقط نتيجة حب الاستطلاع ولكن لتأثيراتها ذات المغزى المهم فى الهيكل السياسى فلا يستطيع أن ينهض باحث منفرداً لحل المشكلات المعقدة للمجتمع دون معونة من جامعته أو حكومته، وهذا ليس بالجديد، فقد عالج الفلاسفة التربية على أنها نوع من السياسة، وطبقاً لهذا التصور تصبح الجامعات المكان الذى يتواجد فيه الخبراء المدربون على توضيح وتحليل مشكلات الحكومة والصناعة والزراعة والعمل والمواد الخام والعلاقات الدولية والتربية وما شابه ذلك ... وعندما ينخرط هؤلاء الخبراء فى نشاطات الحياة يصبحون ملتزمين بمواجهة الصراعات التى تشكل جوهر النشاط الرئيس. وهنا يبرز دور الجامعة فى خدمة المجتمع وحل مشكلاته فى إطار توجيهات السلطة السياسية وأيديولوجيتها.

ولكن الأمر يبدو غريباً عندما نجد هذا" التباعد بين الفلسفة الأساسية التى تقوم عليها منظومات التعليم الجامعى فى مصر - وهى فى الأساس نابعة من سيطرة الدولة على التعليم باعتباره من أعمال السيادة - والسمات والمعطيات التى أنتجتها العولمة وعصر المعرفة والتى تنهض فى الأساس على إعطاء الدور الأكبر للمبادرات الخاصة للأفراد والجماعات والمنظمات الأهلية، وقلل - إلى حد بعيد - من الدور الحكومى، وتعمد إلى تخفيف قبضة الدولة على مجالات كثيرة، ومنها التعليم الذى يتزايد دور القطاع الخاص والأهلى بصفة عامة فى تسييره"(<!--).

وترتيبا على ذلك فقد أخذت الجامعات -بشكل عام- بفلسفة التدويل Trad-eoffs والتحول من الإقليمية إلى العالمية، وتطلب ذلك تغيراً فى الاستراتيجيات والفلسفات ورسالة الجامعة، وأصبحت الجامعات التى لم تنتهج منهجاً علمياً أصبحت أقل مركزاً ومكانة تنافسية من غيرها من الجامعات عالمية الطابع، ولقد حققت الجامعات المصرية خلال القرن الماضى تطورات مهمة وفعالة فى صناعة التعليم الجامعى، فزاد عدد الجامعات وزادت التخصصات والكليات الجامعية وانتشرت فى جميع المحافظات، هذا بالإضافة إلى الجامعات الخاصة والدراسات بالمراسلة والانتساب الموجه، والتدريس باللغات الأجنبية فى الجامعات المصرية، وشاركت الجامعات فى التنمية الاجتماعية والاقتصادية بدرجات مختلفة(<!--).

وكان من المأمول أن تحقق الجامعات المصرية العديد من الأهداف التى يطمح المجتمع فى تجسيدها فى ظل العديد من القوانين التى صدرت لتحدد ملامح الجامعة ومدخلاتها وعملياتها، وخاصة القانون رقم (49)، لسنة 1972، باعتباره علامة مميزة فى تاريخ الجامعات المصرية، إلا أن ذلك لم يحدث - لحد بعيد- وذلك بسبب سياسة التبديل والتوفيق بين أوضاع هذا القانون، حيث صدرت له عدة قوانين معدلة تمثلت فى القوانين (50 لسنة 1972، 40 لسنة 1974، 83 لسنة 1974، 50لسنة 1975، 70لسنة 1975)، وعليه فإن القوانين المكملة كانت مجرد تعديلات لبعض بنود القانون 49 لسنة 1972.

ويفترض إعادة النظر فى هذا القانون نتيجة الغزو الثقافى الذى يؤثر فى المجتمع المصرى ونتيجة لتأثير عدة عوامل، من بينها : القنوات الفضائية المفتوحة بين الدول، والحاسبات الآلية، وشبكة المعلومات الدولية، والسماوات المفتوحة، ومن هنا فإن الجامعة بوصفها إحدى المؤسسات التربوية الاجتماعية فى المجتمع، فلابد أن تتأثر بكل ذلك، وفى ذات الوقت تؤثر فى المجتمع، على أساس أن العلاقة بينهما تأثير وتأثر، وهذا يستلزم إعادة النظر فى قانون تنظيم الجامعات ولائحته التنفيذية، وخاصة تلك التى تتصل بعضو هيئة التدريس، وفيما يتصل بكل جوانبه، اختياراً، وإعداداً، وترقية، ووضعه المادى والأدبى، ونصابه التدريسى، إلى غير ذلك.

ويلاحظ أن الجامعات المصرية، قد أخفقت فى الارتقاء بمجتمعها للمستوى المنشود من التطوير والتحديث، والوصول به لعصر الانفجار المعرفى، والإسهام فى الثورة التكنولوجية التى وصل إليها العالم الغربى المتقدم، إذ ما زالت مصر تعتبر من دول العالم النامى، الذى يستورد التكنولوجيا التى يسمح له بها(<!--).

وأما ما حدث من مناقشات للقانون الأخير للتعليم الجامعى المقدم لمجلس الشعب، فلم تتم مناقشته كاملا، وإنما تمت مناقشة بعض بنوده التى تمحورت حول تفرغ الأساتذة، دون مناقشة تغيير أو تعديل وضعية القيادات المسئولة عن الإدارة والتدريس والبحث، ودون مناقشة المعضلات الحقيقية التى تواجه التعليم بهدف وضع الحلول الناجحة لها، ودون مناقشة ميزانيات الجامعات لتوفير الإمكانيات اللازمة لتؤدى أدوارها بفعالية، ودون التفكير فى وضع أسس جديدة ومعاصرة لنظم التقويم والامتحانات(<!--).

وإذا كان من الطبيعى أن يكون لكل تطوير طابع وطنى واستشراف مستقبلى وارتقاء حضارى، وفلسفة عقلانية تحيط بأهدافه، وسياساته، وإجراءاته، فإن ذلك يعنى أنه لن تكون للتطوير هذه الفلسفة، إلا إذا اختمرت أفكارها وتبلورت نظرياتها وقامت لها مدرسة علمية تلتقى حول أيديولوجياتها، ومنهجية تفعيلها طوائف المعنيين من سياسيين وإداريين واستشاريين فنيين، ومهنيين تنفيذيين، ومن الأمور التى تثير الدهشة، أننا نفتقد فى كثير من الأحوال لهذه الفلسفة التى تضىء لنا سبيل التطوير.

وليس من المقبول أن يكون فى مجتمع الجامعة مناخ علمى فكرى ملىء بكثير من السلبيات الجامعية، الأمر الذى يعطى الإشكالية بعداً أكثر عمقاً، وذلك فى ظل التطور الهائل فى نظم وسائل الاتصال والتغيرات السريعة المتلاصقة فى طبيعة المهن فى سوق العمل، ونتيجة الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة، فاختفت مهن وحرف وظهرت أخرى اقتضتها المخترعات الحديثة، مثل الحاسب الآلى ومجال الليزر والالكترونيات(<!--)، ويضاف إلى ذلك الحرية الاقتصادية والتجارية، وطغيان مفاهيم واقتصاديات السوق، ومبادءات القطاع الخاص والمنافسة، والاهتمام المتزايد بعناصر الجودة الشاملة فى كافة المجالات، وخاصة التعليم الجامعى، وارتفاع كلفته، وتقلص مصادر التمويل التقليدية له، والدعوة لتقليل تدخل الدولة فى شئونه ونفقاته، وإتاحة الفرصة أمام القطاع الخاص للمشاركة فيها.

وليس الأمر جزافاً ولا تجنياً ولا إدعاءً لأمر غير قائم فالوزراء توجههم تعليمات السيد الرئيس وقد يلتزمون بها أدبياً، ولكنهم يتحركون عملياً برؤى شخصية لا تلتزم بإستراتيجية مؤسسة تحكم الوزراء ولا يحكمونها، بل يغيرونها متى أرادوا مما يحدث انقطاعات وتناقضات، فالمهم أن يطبع كل تغيير ببصمة الوزير.

وفيما يتصل بالمختصين بفلسفة الميدان وهم الاستشاريون، خاصة رجال التربية، نجدهم فى كثير من الأحوال تتوزعهم أدبيات تتباين بين نزعات ليبرالية، أو اشتراكية، أو سلفية، ولكن تجمعهم - فى أغلبهم - براجماتية المصلحة الشخصية ومسايرة السلطة، وتبرير مقاصدها وتكييف قراراتها، وتنفيذ أوامرها بسياسة النقل والتقليد، وأصبحت صيغ التطوير جاهزة ومعبأة فى قرارات ومشروعات هيئات ومنظمات دولية، ويقوم بالتنفيذ خبراء أجانب أو اختصاصيون مصريون، ولا فرق ما دام التطوير عملية استيراد وتشغيل له مجموعة من التعليمات والإرشادات المبينة فى مطوية التشغيل والتنفيذ.

ولعل فى ذلك ما يدفع الدراسة الحالية إلى الإيمان بضرورة أن نتعلم كيف نرسى فلسفة تطويرية ترتكز على الديمقراطية، وأن نترك للأمة حق سيادتها فى اتخاذ قراراتها المصيرية التى تتصل بالتنمية البشرية فى مجتمعاتها، مؤمنة بالدور الفاعل للجامعات، - المرتكز على أحد الاتجاهين الفلسفيين أو هما معاً - وأن تكون للأحزاب وجماعات المثقفين مشاركة حقيقية فى صياغة رؤية وطنية للتطوير، وبهذه الصورة فإذا تكون لدينا رأى عام مرضٌي عنه ومتفقٌ عليه، أمكن القول بوجود فلسفة مصرية نستطيع فى ضوئها أن نضع التجارب العالمية فى تطوير التعليم الجامعى موضع نظر ونقد وتعديل وتكييف بما يتفق وخصوصية ثقافتنا، وأولويات حاجاتنا، وإمكانيات واقعنا.

وتأتى تلك المطالبة من الدراسة الحالية فى وقت تثار فيه الدهشة، حيث ما تزال الجامعات المصرية يحيط بها سياج القانون رقم 49 لسنة 1972م وذلك مع التحول من المجتمع الشمولى للمجتمع المصرى إلى المجتمع الليبرالى أو الاتجاه نحو الخصخصة، وربما تعرض هذا القانون لبعض عمليات -الترقيع- فى بعض جوانبه.

وإن كان فكر هذا القانون الذى ما يزال يخضع لحالات التعديل والتبديل بين الحين والآخر، لا يمكن أن نغفل ما به من ميزات لو أحسن استغلالها لكان الوضع أفضل بكثير، ولكن القانون أصبح  من بين مواده ما يمثل فترات زمنية تتسم بسمات معينة، تختلف عن الواقع الحالى فى الجامعات المصرية، فضلا عن المجتمع، وحتى عند التعديل يبقى محتاجا لتعديل آخر، كما فى مادة تعديل منح الإجازة لعضو هيئة التدريس لمدة ثلاثة أشهر مع الراتب، وفى منتصف الثمانينيات يتم تعديلها لتصبح بدون الراتب دون زيادة المدة، ولا يوجد مبرر لهذا الإبقاء خاصة مع زيارة عضو هيئة التدريس لإحدى الجامعات العربية مثلا وتلك تتطلب فصلا دراسياً أى أربعة أشهر على الأقل(<!--).

وقد كثر الحديث فى الأدبيات والدراسات التربوية والإدارية عن طوفان التحديات التى تواجه الأنظمة التعليمية والمؤسسات المجتمعية كلها، ومما لا شك فيه أن لها آثاراً تنعكس على الجامعة المصرية بصفتها إحدى المؤسسات التربوية والاجتماعية المهمة التى تستمد فلسفتها وأهدافها من ثقافة المجتمع المصرى، مما يعنى أن هذا التأثير ينعكس بدوره على عضو هيئة التدريس بها.

وترتيباً على ما سبق فقد نادت العديد من الدراسات بضرورة" إعادة النظر فى فلسفة التعليم الجامعى لكى تصبح فلسفة وظيفية، بمعنى أنه يجب توظيف التعليم الجامعى توظيفاً اجتماعياً يؤثر ويتأثر بقضايا التنمية، وأن التوظيف يجب أن يتلاءم فى خطته مع استراتيجية المجتمع التى يقرها للتنمية، مع الأخذ فى الاعتبار أن التنمية بمفهومها الشامل تتضمن عدة جوانب لعل من أهمها التنمية البشرية، والاجتماعية، والثقافية، والزراعية، والصناعية، والاقتصادية، والاستثمارية"(<!--).

وذلك لأن الجامعة كانت - وما تزال - مؤسسة تعليمية علمية قائدة تهدف إلى خير المجتمع، تنقل حاضره المشرق إلى مستقبل أكثر إشراقاً، تستعمل فى ذلك كل إمكانياتها البحثية والفكرية والقيادية التى يؤمن بها المجتمع، ويضعها فى الصف الأول من كل اهتمام له، فما تقوله الجامعة يصبح قانوناً لا يناقش، وما تخطط له الجامعة يضعه المجتمع فى قمة عالية تدور حولها مناقشات طويلة لاستقراء المعانى، والوصول إلى الأهداف المقصودة(<!--).

 

 

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

(<!--) سامى فتحى عمارة: "معوقات التنمية المهنية لأعضاء هيئة التدريس بكليات جامعة الأسكندرية من وجهة نظرهم"، المؤتمر القومى السنوى السادس لمركز تطوير التعليم الجامعى، 23-24  ديسمبر 1999، التنمية المهنية لأستاذ الجامعة فى عصر المعلومات، جامعة عين شمس، القاهرة، 1999، ص (16).

(<!--)ج. م. ع. ، وزارة التربية والتعليم : المعجم الوجيز، مرجع سابق، ص (480).

(<!--) V. Carter,:“Dictionary of Education”, Mc Graw-Hill, Inc., USA, 1973, p.(419).

(<!--) سعيد إسماعيل على : "فلسفات تربوية معاصرة"، عالم المعرفة، يصدرها المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب دولة الكويت، يونيو 1995، ص (16).

(<!--) محمد على نصر:"تقويم دور الجامعة فى تنمية المجتمع الوعى البيئى لدى الطلاب وخدمة المجتمع"، المؤتمر القومى السنوى الخامس لمركز تطوير التعليم الجامعى، 8-10 ديسمبر 1998، التنمية المهنية لأستاذ الجامعة فى عصر المعلومات، جامعة عين شمس، القاهر، 1998، ص (9).

(<!--) المرجع السابق، ص (9).

(<!--) محى الدين توق، و ضياء الدين زاهر: الإنتاجية العلمية لأعضاء هيئة التدريس بجامعات الخليج العربى، مرجع سابق، ص (93).

(<!--) راجع فى ذلك:ضياء الدين زاهر: "جامعاتنا العربية فى مطلع الألفية الثالثة" "تحديات وخيارات"، كراسات مستقبلية، المكتبة الأكاديمية، القاهرة،2000،ص(30).

= National Alliance of Business : “Higher Education: The Changing Marketplace”, Adult, Career, and Vocational Education;Workforce Economic Trends;Oct1997;ERIC Accession No ED412386 pp.(1-9).

(<!--) نادية جمال الدين: "سياسة التعلييم الجامعى فى مصر بين حصار الرغبات والاستجابة لتحديات العصرـ رؤية ناقدة"، مجلة العلوم التربوية، القاهرة، مجلد 2، ع 1، 2، يونية، 1996، ص (114).

(<!--) محمد عبد الله وآخرون : "المدخل الاستراتيجى لتسويق الخدمات الجامعية"، المؤتمر القومى لتسويق الخدمات الجامعية، رؤى الجامعات فى تسويق الخدمات الجامعية، المجلس الأعلى للجامعات، القاهرة، 18-19 مارس 1998، ص (40).

(<!--) محمد على نصر : "إعداد عضو هيئة التدريس للتعليم والبحث العلمى لمواجهة بعض تحديات عصر المعلوماتية"، المؤتمر القومى السنوى السادس لمركز تطوير التعليم الجامعى، 23-24  ديسمبر 1999، التنمية المهنية لأستاذ الجامعة فى عصر المعلومات، جامعة عين شمس، القاهرة، 1999، ص (120).

(<!--) فريد راغب النجار : إدارة الجامعات بالجودة الشاملة، مؤسسة إيتراك للنشر والتوزيع، القاهرة، 2000، ص (132).

(<!--) محمد عبد العزيز: "اتجاهات تطوير التعليم العالى"،  قضايا التخطيط والتنمية، رقم 108، معهد التخطيط القومى، القاهرة، مصر، مارس، 1997، ص (15).

(<!--) مجدى عزيز إبراهيم : "تأملات فى قضية تحديث وتطوير التعليم الجامعى"، المؤتمر القومى السنوى الحادى عشر لمركز تطوير التعليم الجامعى، 18-19 ديسمبر 2004، التعليم الجامعى العربى : آفاق الاصلاح والتطوير، كلية التربية، جامعة عين شمس، القاهرة، 2004، ص (413).

(<!--) ضياء الدين زاهر : "مستقبل الجامعة فى مصر، تحديات وخيارات"، الكتاب السنوى فى التربية وعلم النفس، التعليم الجامعى فى الوطن العربى، مجلد 13، دار الفكر العربى، القاهرة، 1990، ص ص (205-208).

(<!--) سعيد إسماعيل على: "تجديد العقل الجامعى"، المؤتمر القومى السنوى الحادى عشر، 18 ـ 19 ديسمبر 2004، جزء 1، مركز تطوير التعليم الجامعى، كلية التربية، جامعة عين شمس، القاهرة، 2004، ص ص (200-201).

(<!--) محمد على نصر: "تقويم دور الجامعة فى تنمية المجتمع الوعى البيئى لدى الطلاب وخدمة المجتمع"، مرجع سابق، ص (97).

(<!--) محمد زكريا عبد الوهاب : مرجع سابق، ص (101).

المصدر: السيد عبد المنعم حجازي: فلسفة التعليم الجامعي المصري: الربان الغائب، ورقة عمل مقدمة للمؤتمر الدولي الخامس "إدارة وتنمية رأس المال الفكري بالمنظمات العربية بين الواقع والمأمول"، المجلة العلمية للإدارة والعلوم المتخصصة، مصر، 15-17 ابريل 2013، ص ص 351-397.
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1317 مشاهدة
نشرت فى 21 نوفمبر 2016 بواسطة Drelsayedhegazy

د. السيد عبد المنعم علي متولي حجازي

Drelsayedhegazy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

42,777