قد ننسى صفحات من حياتنا ، و شخصيات تأتي و تذهب ، و يمر العمر ،، لكن الذاكرة تتسع لعلامات لا تفارقنا ، مهما تباعدت المسافات و الزمن ،،
كنت أجري حوارا معه لجريدة الحياة ( لندن ) ، لفت نظري انه يحاورني ، لا يكتفي بحواري معه ، اسأله ، يرد و يسألني ، ، اسأله ، يسألني ، ، اسأله ، يسألني ،، وهكذا اجهاد !!!!
سألته عن كلماته ، فحدثني عن الموسيقى ، يعشق الموسيقى و يرى ان صياغة لحن اعظم من اعظم قصيدة ، و كانت تأخذه الموسيقى في كلماته ، حدثني عن قريته و عن الصيادين ، عن ديوانه صياد و جنيه ، عن دراسته للهندسة ، و عشقه المسرح ، و الدراما ، عن الوظيفة في الثقافة ، و عن الثقافة والتاريخ ومصر العظيمة ، عن اعجابه باستاذ التاريخ الاستاذ الدكتور احمد مصطفى ، فأخبرته انه والد صديقاتي سوسن و داليا ، و ان صديقاتي هما الأقرب لصديقتي الأحب دينا ، و ان دينا اشطر و اجمل مرشدة سياحية تتحدث عن عشق مصر و التاريخ و العظمة ، و من و قتها تتسع الشبكة البينية ، و يبارك الله في الاصدقاء حتى نشعر جميعا ان هذا البلد العظيم يضمنا لنقترب و نطمئن ،
كنت أظنه شاعرا كبيرا صاحب موهبة عظيمة في الكتابة ، فوجدته إنسانا اجمل من كل ما كتب ،
بينما أسجل معه الحوار على جهاز كاسيت صغير ، سألني : هذا حوار صحفي ام إذاعي ؟ أكدت له انه حوار صحفي ، فاذا به في منتصف الحوار يعيد السؤال هذا حوار صحفي أم إذاعي ؟ تكرار السؤال يثير في نفسي الكثير ، أنا عاشقة الاذاعة ، و ميكروفون الاذاعة لكنني في مرحلة التدريب الصحفي بعدما كادت احلام الاذاعة العنيدة الموصدة تنغلق في وجه كل محاولاتي للتدرب فيها بعد تخرجي ، فاتجهت للصحافة ،
فسألته لماذا تكرر هذا السؤال و انا متأكدة انك لم تنس الاجابة السابقة ؟ قال ؛ انتِ مذيعة و هي مهنتك الاولى ، و رسالتك ، و دورك ، هي كنزك و طريقك ، اتجهي للاذاعة و لتكن الصحافة معك ، وانت مذيعة ، مساحة صوتك و طريقة أدائك و نطقك للحروف يصل بك لأثر عظيم ،، اثق في ذلك . ،
لمس كلامه مني مفتاح حلمي ، و اهدافي ، و طريقي ،
بينما اتحدث معه ، أمسك تليفونه الرمادي الأرضي ، وادار القرص ، موقفا الحوار ، طالبا الاذاعي الكبير الغالي الاستاذ وجدي الحكيم ( رحمهما الله ) و قال له هل أدلك على كنز للاذاعة المصرية ، و صوت مصري أصيل ، و هدية للميكروفون ، هكذا قال له وهو يصفني ، يا الله ، هل ما يحدث حقيقة ام انني سأستيقظ على صوت أمي الجميل لأخبرها بحلمي و تؤكد كالعادة انه سيحدث !!
حقيقة ، نعم حقيقة ، ذهبت الى بيتي ، أخبرت أمي ، و لم أنم ، منتظرة لقاء الاذاعي الكبير ، لقاء المصير ، سيسمعني واحد من نجوم الاذاعة المصرية و العالم العربي ،
لم يكن حلما كان واقعا ، بل حدد الاستاذ وجدي الحكيم لي موعدا للمقابلة ليستمع لي في صباح اليوم التالي ، قال لي بترحيب كبير و حسم مطلق ؛ انتِ مذيعة شخصية و صوتا ، لكن قدرك ان تكوني واسطة نفسك ، و المسألة لن تكون سهلة وسط اصحاب وساطات الوزراء و نواب البرلمان و غيرهم ، لا املك لكِ غير التدريب ، قلت له ، و هذا ما أحلم به ،،
تدربت على أيدي كبار الإذاعيين الحقيقيين ، جيل عظيم ، و دخلت امتحانا صعبا ، و كنت كما قال لي واسطة نفسي ، و أيقنت ان الطريق لم تكن سهلة ، لكنها ممتعة و رائعة ، و حافلة بالتعلم و الفرح ،
،،،
كنت اسمعه اشعاري ، اكتب حينا و أتوقف احيانا ، كان يدفعني للكتابة ؛ يا نادية ، تجري حروف الفصحى على يديكِ كما أكتب انا العامية ، لا تتوقفي ، اكتبي ، الحروف تأتيكِ طيعة مرنة جاهزة للتشكيل فشكليها ،
وهو استاذ التشكيل ،
كان يخبرني و يخبر أصدقائي المقربين انه كلما استمع لي ، ينصت للراديو و يبتسم ، يذكرني بما لا أنساه ابدا ،
لم اتعجب حينما امتلأت صفحات الاصدقاء بمواقفه و أشعاره ، بأثره في قلوب المقربين ، و جمهوره ، و محبيه ،
و بالامس حلمت به ، كعادته كان مبتسما ، اخبرني ان اهم جملة تحكي عن الانسان و تطمئنك عليه هي الكلمات التي كتبها على هاتفه ، نعم قال لي ذلك في حلم قصير ، ، ياترى يا استاذ ، ماذا كتبت ؟
الاستاذ الشاعر الانسان سيد حجاب كل كلمة طيبة تجري على لساني ، لتصنع أثرا في قلب مستمعٍ للاذاعة المصرية ، لك في أجرها نصيب ، كنت محبا للحياة و الحياة تحبك ، ملأت الدنيا و القلوب اشجانا و بهجة ،
إنَّا لله و إنَّا إليه راجعون .