حتى اراك

،،

الفوضى

،،

كيف تتحضر الشعوب ، وتتهذب النفوس  ، و تسمو المشاعر ، و ترق القلوب ، و يتعاطف البشر ؟ وقبل كيف ، هل يمكن لهذا ان يحدث في أي زمان  ؟

لقد احتلت شعوب منطقتنا العربية مراتب متقدمة في مؤشرات العنف والفوضى في السنوات القليلة الماضية ، وتشير التوقعات الى استمرار الأوضاع  السيئة التي تؤدي لاستمرار الحالة نفسها  لسنوات قادمة ، خطة محكمة كلما حاولنا الإفلات من بعض تفاصيلها وقعنا في الأخرى ،،

 في العصورالقديمة ، وحين  يموت الملك  ، كان لابد أن يتم ترك الناس خمسة أيام بغير ملك وبغير قانون  يحكمهم ويحاسبهم ، فلا ثواب ولا عقاب ،  بحيث تعم الفوضى والاضطراب جميع أنحاء البلاد ،  بهدف خلق ولاء حقيقي  للملك الجديد  ، إذ تكون التجربة بنهاية هذه الأيام الخمسة وبعد أن يصل السلب والنهب والاغتصاب إلى أقصى مداه  ، و يتأثر   الشعب  او من بقي من الناس على قيد الحياة بذلك ،  و بعد هذه الفوضى الطاحنة وسيطرة الطبيعة الوحشية للبشر التي اشار اليها توماس هوبز حين تحدث عن العقد الاجتماعي ، يأتي الملك الجديد وقد تمهدت القلوب لاستقباله  ،  و العقدُ الإجتماعي  

هو اتفاق بين افراد المجتمع  يترتب عليه شكل العلاقة بين الحاكم والمحكومين  ، ومدي الحريات التي سيتمتعون بها وحقوق كل طرف وواجباته.

يرى توماس هوبز Thomas Hobbes الذي عاش بين (1588 - 1679) أن الدولة تنشأ ضمن تعاقد إرادي وميثاق حر بين سائر البشر ،حتى ينتقلوا من حالة الطبيعة  ، وهي حالة ( حرب الكل ضد الكل ) إلى حالة المدنية.وبذلك ستكون غاية الدولة هي تحقيق الأمن والسلم في المجتمع ، 

وفي كتابه المشهور الليفاثان Leviathan والترجمة لهذا العنوان  تعنى «التنين»،  قدم هوبز تحليلا  لحالة الفوضى «قبل نشأة النظام السياسي، حيث يسود قانون «شريعة الغاب»  تعبيرا عن حالة الإنسان قبل نشوء الدولة  ، حيث تكون  الفَوضى مبعثها الشـر المتأصل في نفوس البشر، فالوضع الطبيعي للبشر دون سلطة  كما يراه هو حالة حرب الكل ضدالكل  ، وهذا هو التنين الذي تحدث عنه هوبز  ، العشوائية والدمار والشجار  بين البشر، واستباحة الدماء، وانعدام  العدل ، ثلاثة  اسباب  اساسية يرصدها هوبز لاحداث المزيد من  الصراع ، و الفوضى ، المنافسة من اجل الحصول على المكاسب   ، الدفاع سعياً للأمن والسلامة  ، والتعالي من أجل بناء سمعة ومكانة أفضل  ،  وهنا  يكون اختيار الحاكم المطلق بهدف    تحقيق الأمن وفرض النظام. وقد جرى تعديل نظريته بعد ذلك على يد جون لوك  الذي عاش بين (1632 - 1704)، ثم جان جاك روسو، الذي عاش بين 1712 و 1778، وغيرهما من الذين تحدثوا عن العقد الاجتماعي وتقييد السلطة المطلقة للحاكم،


ان ماوضعناه دائما كبشر ليس ثابتا بل يتغير بتغير حياتنا وتطورها وتطورنا او حتى تدهورنا فنحن نستطيع وضع غيره حين نحتاج ذلك..

وقد أرجع بعض النقاد الفجوة بين الشعوب المتحضرة وغيرها من الشعوب إلى الصراع القائم بين  السلطة الحاكمة المستبدة وبين رعاياها ....غير ان الاستبداد يظل يحمل هذا التهديد التاريخي للتنين الاسطوري الغاشم ليحذر شعبه من خطورة غيابه فيصرخ ليوقظ رعبهم ( انا .. او .. الفوضى ) ، و تمر الازمان  ، وتدور العصور  ،  لتظهر الفوضى في ثوب جديد  ، ويضع الخبراء العسكريون الأمريكيون مصطلح الفوضى الخلاقة ، ويروج له السياسيون ، من اجل وضع خطة جديدة لاحداث تغييرات في المنطقة العربية ، ورسم خارطة طريق تسعى لبناء العالم الجديد ، وتقويض كل الموروثات و الثوابت التي قد تعرقل الخطط ، مع تدفقات اعلامية تتغذى على معطيات تزيد الموقف سوءاً ، و يبح صوت المخلصين امام آلات الترويج الضخمة ، بل قد يكونون جزءا في الارتباك ، وكل هذا يؤدي  للوصول للهدف ، عالم جديد يخدم مصالح الكبار  فيه ، لكن من المهم ان نعرف ان الفوضى حين تظهر في النظريات العلمية الحديثة ، تزيد الأمور تعقيدا  ، و قد تحطم خطط الكبار ، حين تؤكد صعوبة التوقع  ، فنظرية الفوضى التي بدأت أبحاثها في ستينيات القرن الماضي  تُوضِّح تسلسلاً للأحداث ، التي قد تبدو غير مترابطة  لتنتج أثرًا مختلفًا  وغير مخطط له ،  و ضربت مثالا حفظه الناس وعرفوه بأثر الفراشة ، التي قد يرف جناحها في مكان ما   ليسبب  إعصارًا في مكان آخر من الأرض بعد  فترة من الزمان ، وسوف نرى . 

واللهم احفظنا

المصدر: د.نادية النشار
DrNadiaElnashar

المحتوى العربي على الانترنت مسئوليتنا جميعاً د/ نادية النشار

  • Currently 10/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
2 تصويتات / 564 مشاهدة

د.نادية النشار

DrNadiaElnashar
مذيعة و كاتبة ،دكتوراة في علوم الاتصال و الاعلام والتنمية .استاذ الاعلام و علوم الاتصال ، مستويات الاتصال و أهدافه، الوعي بالاتصال، انتاج محتوى الراديو والكتابة الاعلامية ، والكتابة، و الكتابة لوسائل الاعلام الالكترونية ، متخصصة في علوم الاتصال و الاعلام و التنمية، وتدريبات التطوير وتنمية المهارات الذاتية والاعلامية، انتاج »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

590,021