O

 

 

 

 

 

 

 

 

فهرس المحتويات

الفهرس...........................................................4

المقدمة  ..........................................................8

تعريف القيادة....................................................12

تعريف القائد.....................................................13

صفات ووصايا للقائد الناجح...................................15

من أخلاق القيادة –العقيدة الراسخة.............................16

القدوة............................................................16

يستطيع أن يؤثر في سلوك المرؤؤسين ........................24

الهدوء وضبط النفس..........................................26

القيادة ليس لها سن معين.........................................30

القدرة على رؤية الصورة الشاملة وتمريرها للآخرين........31

القدرة على صنع القرار الملائم...................................32

القائد المؤثر مستمع جيد..........................................37

القوة:............................................................40

الأمانة...........................................................47

معرفة الرجال...................................................50

اللين.............................................................57

البعد عن الفظاظة..............................................62

البعد عن غلظة القلب............................................ 63

العفو.............................................................64

الاستغفار لهم.....................................................66

الشورى في الأمر................................................67

العزيمة وعدم التردد..............................................68

التوكل على الله...................................................69

الحزم...........................................................71

القدرة على التخطيط............................................77

إجادة التعامل مع الآخرين.......................................80

مهارات الحوار وإدارة النقاش....................................84

فن إدارة الوقت...................................................87

تشكيل وإدارة الفريق الجماعي...................................94

إدارة الاجتماعات...............................................102

حل المشكلات واتخاذ القرارات.................................107

رؤية الصورة الأشمل...........................................111

التأثير على الآخرين...........................................113

خلق روح التعاون..............................................116

التزود بالطاقة و الحيوية........................................119

صفات القادة الملتزمين بالمبادئ................................122

العادات السبع للقادة الإداريين...................................125

صفات القائد عند كورتو........................................127

من فنون القيادة.................................................129

نصائح للناجحين................................................133

خاتمــة..................................................... 138

المراجع........................................................139

 


m

         الحمد لله الُُذي أكمل لنا   الدين وأتم علينا النعمة وجعل امتنا وله الحمد خير أمه وبعث فينا رسولاً منا يتلو علينا آياته ويزكينا وعلمنا الكتاب والحكمة وأشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له  شهادة تكون  لمن اعتصم بها خير عصمة وأشهد أن محمد عبده ورسوله أرسله للعالمين رحمة وخصه بجوامع الكلم فربما جمع أشتات الحكم والعلم في كلمة أو شطر كلمة صلى الله علية وعلى أله وأصحابه صلاه تكون لنا نوراًً من كل ظلمة وسلم تسليما

وبعد

    فإن الأزمة الشديدة التي وصلت إليها أمة الإسلام اليوم هي أزمة التخلف عن الإمساك بزمام القيادة والسيادة التي أرادها الله - جل وعلا - لهذه الأمة حينما قال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران 110]. {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143].

   وما أبعد الفرق بين الليلة والبارحة ما أبعد الفرق بين يوم وقف فيه ربعي بن عامر كفرد من جيل قيادي مسلم، أمام رستم قائد الفرس، ليشرح له مهمة هذه الأمة القيادية قائلاً: ' إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام'.

    وبين يوم نعيشه الآن يقف فيه المسلمون على أعتاب الصليبيين واليهود يستجدوا منهم سلام الذل والخزي والعار، وما زالت الأمة في انتظار ذلك القائد المنتظر الذي يقودها إلى ذرى المجد والتمكين.

ومن ناحية أخرى فإن عملية القيادة ووجود القائد الجيد على رأس عمله أمر غاية في الأهمية، بل نكاد نقول إن جزءاً كبيراً من تخلف الأمة في شتى الميادين بما فيها العلمية والتجارية والاقتصادية يرجع لعدم وجود ما يكفي من القادة في منظماتنا ومؤسساتنا الاقتصادية والتجارية. إذ كيف تبحر السفينة بدون ربان وكيف تصل دون تخطيط ودراسة للطريق الذي تسلكه وحالة البحر وما إلى ذلك.

      فالقيادة لا بد منها حتى تترتب الحياة، ويوسد الأمر إلى أهله ويُقام العدل، ويُحال دون أن يأكل القوي الضعيف. والقيادة هي التي تنظم طاقات العاملين وجهودهم لتنصب في إطار خطط المنظمة بما يحقق الأهداف المستقبلية لها ويضمن نجاحها.

وبالجملة فلا صلاح للبشر إلا بوجود القيادة كما قال الشاعر الجاهلي الأفوه الأودي:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم * ولا سـراة إذاجهالهـم سـادوا

والبيـت لا يبتنـى إلا على عمد *** ولا عمـاد إذا لم تـرس أوتـادُ

فـإن تجمـع أوتـاد وأعمـدة *** وسـاكن أبلغوا الأمر الذي كادوا

اللهم هيئ لهذه الأمة قائدًا ربانيًا ينقاد للحق ويقودها. 

   هذه أسئلة ونداءات ودعوات طالما ترددت في أذهاننا ونطقت بها ألسنتنا وسمعناها بين جدران المساجد من أفواه الخطباء على أعواد المنابر، ولكنها إنما تعبر تعبيرًا مباشرًا عن أهمية القيادة.

ومن هنا كان هذا البحث المتواضع الذي يتناول وصايا  وصفات القائد الفعال والمؤثر الذي من شأنه أن يعيد للأمة شيئاً من مجدها الضائع , وقد أسميته "ثلاثون وصية ووصية لتكون قائداً ناجحاً"أسأل الله أن ينفع به كل قائد وكل مربي وكل مسلم إنه ولي ذلك والقادر عليه .

وفي أول المطاف السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه في بداية الحديث عن فن صناعة القادة: ما هو تعريف القيادة؟

 


تعريف القيـادة :

 

القيادة لغة: قال ابن منظور: القَوْدُ : نقيض السَّوق، يقود الدابة من أمامها، ويسوقها من خلفها، فالقود من أمام والسوق من خلف والاسم من ذلك كله القِيادَة .

وسوف نذكر هنا بعض التعريفات لمفهوم القيادة فقد عرف " فيير" القيادة بأنها تشمل أي جهد لتشكيل سلوك الأفراد أو الجماعات في المؤسسة حيث تحصل المؤسسة من خلالها على مزايا أو تحقيق لأغراضها، بينما عرفها "هرس" بأنها عملية تأثير في نشاطات أفراد أو مجموعات تسهم في تحقيق الأهداف في موقف محدد .

وقد عرفها " ستوجدل" بأنها القدرة على التأثير في الآخرين من أجل تحقيق أهداف أو أغراض محددة .

 

ومن هنا يمكن أن نقول :

القيادة هي: " هي القدرة على التأثير على الآخرين وتوجيه سلوكهم لتحقيق أهداف مشتركة . فهى إذن مسؤولية تجاه المجموعة المقودة للوصول إلى الأهداف المرسومة " والقيادة الناجحة تحرك الأفراد في الاتجاه الذي يحقق مصالحهم على المدى البعيد .

القائد

القائد : هو الشخص الذي يستخدم نفوذه وقوته ليؤثر على سلوك وتوجهات الأفراد من حوله لإنجاز أهداف محددة . بحث"مهارات القيادة وصفات القائد[1]"

والقائد هو الذي ينتظر منه ممارسة دور مؤثر في تحديد واتجاه أهداف الجماعة .

 

و القائد مسئول عن أتباعه، كما قال النبي - r - 'كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير راع على رعيته ومسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت زوجها ومسئولة عنه والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه' والقيادة في الإسلام معناها الحقيقي تحقيق الخلافة في الأرض من أجل الصلاح والإصلاح، وقد أمر النبي - r- بها ولو كانت في الاجتماع القليل العدد أو المتواضع الهدف، يقول - r-: 'إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم' ولهذا أولى علماء الإسلام موضوع القيادة اهتمامًا كبيرًا، يقول شيخ الإسلام بن تيمية: 'يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالإجماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس'.

 القائد هو الشخصية القادرة على اختيار الرجال، وفرض احترامه عليهم، والحصول على محبتهم ومعرفة إمكاناتهم واستغلالها، ووضع كل منهم في المكان الذي يلائمه، وبث فكرة القوة والمساواة بينهم، وتوزيع المسؤوليات عليهم، وإشراكهم جميعاً في خدمة هدفٍ سامٍ على أن يتمثل فيه إيمان جاد بالمهمة التي يقوم بها.

 


صفات القائد الفعال والمؤثر:

      لا شك أن قيادة الناس أمانة، وهي من أصعب الأمور، وذلك بسبب اختلاف طبائعهم، والأمور المحيطة بهم، ويحتاج القائد إلى فن في التعامل معهم ، ورُقي في أسلوب المحاورة للوصول إلى الهدف المنشود. وحتى يكون القائد بهذه المنزلة فلا بدَّ من أن يكون صاحب تجربّة فذّة، وممارسة لهذه الصنعة. فالقيادة فن وعلم . فهي فن بمعنى الملكات الموروثة وعلم بمعنى تعلم الأصول التي تقوم عليها القيادة .

و لابد أن تكون للقائد صفات مميزة تؤهله ليكون على رأس هرم الجماعة، والسراج المنير لمسيرتها حتى تصل إلى هدفها المنشود. وبهذا المعنى يصبح رب الأسرة هو قائدها ليكون أولاده صالحين فاعلين، وكذلك يصبح رئيس المؤسسة هو المسؤول عن تسيير شؤونها لما فيه نجاحها، والمعلم مسؤول عن طلابه. وهكذا ينمو المجتمع كوحدة متكاملة، وروح منسجمة.

    والحق الذي لا يماري فيه منصف أن التاريخ لم يعرف ولن يعرف منهجاً يستطيع أن يؤهل الشخصيات ويصقلها ويربيها ويهيئها للقيادة على أكمل وجه كما يفعل المنهج الإسلامي الإيماني العظيم.

وتعود هذه الحقيقة إلى أن منهج الإسلام في تكوين الشخصية التي تقود العالم هو منهج من عند الله _سبحانه وتعالى_ الذي يعلم طاقات الإنسان ويستطيع أن يستثيرها ويوجهها وينميها نحو تحقيق أكرم الأهداف.

 


من أخلاق القيادة – العقيدة الراسخة

         أخلاق القيادة –قد تكفلت بها تربية ربانية إيمانية للشخصية المسلمة ووضع مقوماتها القرآن وبين فروعها وتطبيقها النبي _r_ وتبعها صحبه الكرام وتابعوهم ..

وسنحاول أن نتتبع بإيجاز أثر العقيدة الإسلامية والتربية الإسلامية في تكوين شخصية القائد:

    ونقصد بالعقيدة جميع القناعات العقلية والقلبية الجازمة التي يزرعها الإسلام في قلوب أتباعه عن الخالق سبحانه وصفاته وأفعاله وعن الإنسان وعلاقته بربه ووظيفته ومركزه ومصيره وعن الآخرة وما سيكون فيها من حساب وجزاء وثواب وعقاب ..إننا نرى أن أركان الإيمان كلها تقف وتتكاتف في تكوين أعظم الدوافع.

 

1- عقيدة الإيمان بالله وأثرها في تكوين شخصية القائد:

إن التحرر من العبودية لغير الله عز وجل لهو الخطوة الأولى والدفعة الأقوى في سبيل التغلب على قياد النفس وهواها ومن ثم الانطلاق نحو الحياة في مصاف الصادقين أصحاب التضحيات العظام فلا خضوع حينئذ لبريق شهوة ولا خنوع لسطوة قوة أرضية مهما غشمت فالحياة حينئذ تكون لله وحده والنفس تكون عبدة مخلصة لباريها ترى سعادتها في إنفاذ أمره وتستشعر خلودها في الفناء في سبيل مرضاته , أما الذين يسترقون أنفسهم بدراهم ما تزال أن تنتهي ومراكز ما تلبث أن تخلو وقصور ما تلبث أن تخرب .. فأولئك هم العبيد المسترقون لعدوهم المستذلون لأنفسهم عليهم شعار الخيبة ودثار المهانة ولما عرف العدو هؤلاء المرضى، وأدرك ما يعبدون من الشهوات، عرض عليهم قسطا وافرا منها، فأسال لعابهم، فساومهم على مبادئهم وقيمهم وعلى أوطانهم وأمتهم بل على أهلهم وأعراضهم ، فدفعوها أثماناً لما يطلبون فاتخذ منهم عملاء وخونة وجواسيس، وفرض عليهم مناهج وشروطا، فأطاعوه مقابل ما يضمن لهم من الهوى.

     ففي إحدى المعارك مع الروم قال بعض المسلمون : إنه قد حضركم جمع عظيم من الروم ونصارى العرب ، فإن رأيتم أن تتأخروا، ويكتب إلى أبي بكر، فيمدكم، فقال هشام ابن العاص _t_: إن كنتم تعلمون أنما النصر من عند العزيز الحكيم، فقاتلوا القوم: وان كنتم تنتظرون نصرا من عند أبي بكر، ركبت راحلتي ألحق به، فقالوا : ما ترك لكم هشام بن العاص مقالا: فقاتلوا قتالاً شديداً، وهزم الله الروم، فمر رجل بهشام وهو قتيل فقال له : رحمك الله هذا الذي كنت تبغي!

    وفي يوم مؤته كان المسلمون ثلاثة آلاف رجل، ولما وصلوا إلى معان (بلدة في جنوب الأردن) بلغهم أن هرقل نزل في مئة ألف جندي من الروم، وانضم إليه من نصارى العرب مئة ألف آخرون، فقال بعض المسلمين: نكتب إلى رسول الله _r_ نخبره بعدد عدونا، فإما أن يأمرنا بأمره، فنمضي له، فقام عبد الله بن رواحه ـ tـ وخطب الناس فقال: يا قوم : والله إن كان التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون، إنها الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا، إنها إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة، فقال الناس: قد والله صدق ابن رواحه.

   روى ابن إسحاق عن معاذ ابن عمرو ابن الجموح قال: سمعت القوم وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه، فجعلته من شأني، فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه، فضربته ضربه قطعت قدمه بنصف ساقه، وضربني ابنه على عاتقي فطرح يدي، فتعلقت بجلدة من جنبي، وأجهضني (أي: غلبني واشتد عليه) القتال عنه؛ فلقد قاتلت عامة يومي، وإني لأسحبها خلفي، فوضعت عليها قدمي، ثم تمطيت عليها حتى طرحتها...)فانظر ماذا فعلت قوة الروح في هذا الرجل، حتى تخلى عن ذراعه بتلك الطريقة التي ذكرها، ولم يمنعه الألم ونزف الدم من مواصلة القتال؛ حيث غطت قوة يقينه على كل ألم.

 

2- أثر الإيمان بالرسول r_ في تكوين الشخصية القيادية:

   إن المؤمن الذي أيقن في أن رسوله قد جاء بالهدى والنور لهذه البشرية فأحبه حباً اكتمل معه إيمانه فصار أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين.. كان سعيه في الإقتداء به سعي الصادقين ..فإذا بالحياة في الاقتداء بالنبي _r_ كلها نور وحبور وصلة بالأرض للسماء وغدا الكون كله جنديا معه يكافح ويناضل في صفه ..ولما كانت شخصية النبي _r_ قد اكتملت كشخصية قيادية نموذجية كان في الاقتداء بها خطوة كبرى على طريق القيادة الناجحة المنجزة .. التي تجمع بين رضا الرب سبحانه وفهم الناس وحسن القرار ونبل الهدف وإخلاص السلوك .. ولقد بينت لنا السير كيف كان حرص قادة هذه الأمة الأوائل على اقتفاء أثر النبوة في قيادتهم للبشرية في كل حين ووقت ..حتى إن أحدهم ليقيم مدى نجاحه وفشله بمدى تطبيقه لأوامر نبيه _r_ ونواهيه وأخذه وعطائه وإقدامه وإحجامه..

3- أثر الإيمان باليوم الآخر في تكوين شخصية القائد:

إن الذي يحيا متيقنا بالحياة الآخرة يقينا لا غبش فيه ولا شك, تتغير حياته تغيرا إيجابيا يكاد يرفعه إلى مصاف الصالحين فور إيمانه بذلك.. والذي يعيش منتظرا النهاية والموت في كل حين يعيش معدا لها.. والذي يحب الجنة لاشك يبذل لها .. والذي يخشى النار لاشك يهرب منها.. لذا كان عجب السلف الصالحين أكثر ما يكون ممن (أيقن بالجنة ولم يفر إليها وأيقن بالنار ولم يهرب منها).

      إن عقيدة المؤمن الراسخة لتشده إلى الحياة الروحانية في ظل وارف من ظلال الجنة و يستهين في الحياة فيها بزخرف الدنيا ومتاعه ويستصغر كل زينة فيها لمل يقارنها بموعود صادق من ربه له في الآخرة ... وإذا كان المسلم بالشهادتين ينطلق ويندفع إلى التضحية، فإن عقيدته وتصوره عن الآخرة تشده إلى العطاء الدائم شدا، وتملأ قلبه بالشوق إلى الشهادة، لأن هذه العقيدة تعرفه على حقيقة هذه الدنيا، وقيمة متاعها، وأنها ليست سوى مرحلة من مراحل وجوده، وممر ووسيلة إلى مرحلة نهائية، فيها القيم الخالدة، والتجارة الرابحة، والفوز الحقيقي .

    يروى عن صلاح الدين الأيوبي أنه كان يحمل معه صناديق مقفلة في أيام جهاده، وكان يحرص عليها أعظم الحرص، ويرعاها أشد الرعاية، وبعد وفاته فتحت هذه الصناديق فوجد الذين فتحوها أنها تحوي وصية صلاح الدين وكفنه وكمية من التراب من مخلفات أيام جهاده .. فانظر إلى حياة القائد المنتصر كيف يراها موصولة في سبيل الله أرضها وسماءها , موتها وحياتها..

    ورد عن أم حارثة سراقة أنها أتت النبي _r_ فقالت: يا نبي الله، ألا تحدثني عن حارثة ـ وكان قتل يوم بدر بسهم ـ فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء؟ قال: يا أم حارثة، إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى. فانظر إلى هذه الصحابية الجليلة كيف استقر في قلبها أن الخسران الذي يستحق البكاء هو فوات الجنة، بعدم إحراز الشهادة.

وروى البخاري عن أنس _t_ قال: لما طعن حرام بن ملحان، قال بالدم هكذا، فنضحه على وجهه ورأسه، وقال: فزت ورب الكعبة. و أن الذي قتله جبار بن سلمى الكلابي. قد سأل ما قوله فزت ؟ متعجبا .. قالوا يعنى الجنة فقال: صدق الله، ثم أسلم !!

4- أثر الإيمان بالقدر في تكوين شخصية القائد:

     "والإيمان بالقدر يغير النفس من نفس خائفة وجلة مهتزة مترددة إلى نفس واثقة مطمئنة ثابتة فتصلح حينئذ لتلقي مهام القيادة ويلتف حولها الناس مستلهمين منها اليقين تطبيقاً لا قولاً , ويراها الجميع أجدر ما تكون بالقيادة .. فالإيمان بقضاء الله يحطم الحواجز المثبطة للإنسان عن البذل والعطاء ويقتل الخوف على الرزق أو النفس مادام ذلك لله"[2] .. روى أصحاب السنن قول النبي _r_: "لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو سمعه فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق"..

    فبالإيمان بقدر الله _عز وجل_ في الآجال والأعمار وأسباب انتهائها يتحرر المؤمن من الخوف من الموت؟، والخوف على الحياة، حيث آمن أن الله _عز وجل_ هو الذي يحيي ويميت، وأن أسباب الموت والحياة بيده سبحانه، وأن لكل مخلوق لحظة محددة في علم الله _عز وجل_ يخرج فيها من هذه الدنيا، مهما اتخذ لنفسه من وسائل الحماية والوقاية.

    وقد أنكر الله _سبحانه_ على الذين يظنون القعود الكسل والخنوع مهربا من الموت قال _عز وجل_ " وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزي لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم، والله يحيي ويميت، والله بما تعملون بصير".

     إن القائد المؤمن إذا أحيا في نفسه هذه المعاني اليقينية السامية انطلق في الرحاب بنورانية لم تسبق وشجاعة لم يعتادها الدنيويون ..


الأولى: القدوة والتقوى:

   إن الناس تسمع بأعينها قبل أن تسمع بآذانها.

      تسمع من القائد الأوامر والعرض القوي ..لكنها مدركة أن هناك أمراً أكثر من ذلك وهو رؤية القائد  ملتزماً بما يقول..ودون ذلك فلا استماع ولا ثقة .

  وما أجمل الحكمة المأثورة التي تصف مسؤولية القائد فتقول: 'إذا أردت أن تكون إمامي فكن أمامي'.

القيادة الحقة  هي  التي يترجم بها القائد مهمته بسلوكه فليس تأثيرها من خطبة عصماء أو صرخات عرجاء أو صيحات رنانة.

القيادة الحقة ليست مجرد مركز أو مكانة أو قوة وإنما  تفاعل نشط مؤثر وسلوك يترجم به مهمته.

وتكمن أهمية القدوة الحسنة في الأمور الآتية:

1- المثال الحي المرتقي في درجات الكمال، يثير في نفس البصير العاقل قدرًا كبيرًا من الاستحسان والِإعجاب والتقرير والمحبة. ومع هذه الأمور تتهيج دوافع الغيرة المحمودة والمنافسة الشريفة، فإن كان عنده ميل إلى الخير، وتطلع إلى مراتب الكمال، وليس في نفسه عقبات تصده عن ذلك، أخذ يحاول تقليد ما استحسنه وأعجب به، بما تولد لديه من حوافز قوية تحفزه لأن يعمل مثله، حتى يحتل درجة الكمال التي رآها في المقتدى به.

2- القدوة الحسنة المتحلية بالفضائل العالية تعطي الآخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل من الأمور الممكنة، التي هي في متناول القدرات الإِنسانية وشاهد الحال أقوى من شاهد المقال.

3- مستويات فهم الكلام عند الناس تتفاوت، ولكن الجميع يتساوى أمام الرؤية بالعين المجردة لمثال حي. فإن ذلك أيسر في إيصال المعاني التي يريد الداعية إيصالها للمقتدى. أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عمر - رضيِ الله عنهما- قال: اتخذ النبي r خاتمَا من ذهب، فاتخذ الناس خواتيم من ذهب، فقال النبي، r { إني اتخذت خاتمًا من ذهب فنبذه وقال: إني لن ألبسه أبدًا، فنبذ الناس خواتيمهم } ([3]).

قالت العلماء: " فدلَّ ذلك على أن الفعل أبلغ من القول ".

4- الأتباع ينظرون إلى القائد نظرة دقيقة فاحصة دون أن يعلم، فربَّ عمل يقوم به لا يلقي له بالًا يكون في حسابهم من الكبائر، وذلك أنهم يعدونه قدوة لهم، ولكي ندرك خطورة ذلك الأمر فلنتأمل هذه القصة. يروى أن أبا جعفر الأنباري صاحب الِإمام أحمد عندما أُخبر بحمل الإِمام أحمد للمأمون في الأيام الأولى للفتنة. عبر الفرات إليه فإذا هو جالس في الخان، فسلم عليه، وقال: يا هذا أنت اليوم رأسٌ والناس يقتدون بك، فوالله لئن أجبتَ إلى خلق القرآن ليجيبنَّ بإجابتك خلق من خلق الله، وإن أنت لم تجب ليمتنعنَّ خلق من الناس كثير، ومع هذا فإن الرجل- يعني المأمون - إن لم يقتلك فأنت تموت، ولا بد من الموت فاتق الله ولا تجبهم إلى شيء. فجعل أحمد يبكي ويقول: ما قلت؟ فأعاد عليه فجعل يقول: ما شاء الله، ما شاء الله.

وتمر الأيام عصيبة على الِإمام أحمد، ويمتحن فيها أشدّ الامتحان ولم ينس نصيحة الأنباري، فها هو المروزي أحد أصحابه يدخل عليه أيام المحنة ويقول له: "يا أستاذ قال الله تعالى: {  Ÿwur (#þqè=çFø)s? öNä3|¡àÿRr& 4 } ([4]) .فقال أحمد: يا مروزي اخرج، انظر أي شيء ترى ! قال: فخرجتُ إلى رحبة دار الخليفة فرأيت خلقًا من الناس لا يحصي عددهم إلا الله والصحف في أيديهم والأقلام والمحابر في أذرعتهم، فقال لهم المروزي: أي شيء تعملون؟ فقالوا: ننظر ما يقول أحمد فنكتبه، قال المروزي: مكانكم. فدخل إلى أحمد بن حنبل فقال له: رأيت قومًا بأيديهم الصحف والأقلام ينتظرون ما تقول فيكتبونه فقال: يا مروزي أضل هؤلاء كلهم ! أقتل نفسي ولا أضل هؤلاء".

فمن أبرز أسباب أهمية القدوة أنها تساعد على تكوين الحافز في الأتباع دونما توجيه خارجي، وهذا بالتالي يساعد التابع  على أن يكون من المستويات الجيدة في المسالك الفاضلة من حسن السيرة والصبر والتحمل وغير ذلك.

بل متى يكون المرء قدوة صالحة وأسوة حسنة ما لم يسابق إلى فعل ما يأمر به من خير وترك ما ينهى عنه من سوء؟! وقد جاء في الصحيحين وغيرهما عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما- أن النبي، r قال: { يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه- يعني أمعاءه- في النار فيدور بها كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه } ([5]).

وقد قيل: وقد قيل:

وغيرُ تقي يأمرُ الناسَ بالتقَى

 

طبيبٌ يداوي الناسَ وهو عليلُ

وهنا مسألة هامة يحسن التنبيه إليها في هذا المقام وهو أن المسلم، حتى ولو كان قدوة مترقيًا في مدارج الكمال قد يغلبه هوى أو شهوة أو تدفعه نفس أمارة بالسوء أو ينزغه الشيطان، فتصدر منه زلة أو يحصل منه تقصير.

فإذا حدث ذلك فليبادر بالتوبة والرجوع وليُعْلم أن هذا ليس بمانع من التأسي به والاقتداء، فالضعف البشري غالب والكمال لله وحده ولا معصوم إلا من عصم الله.

وقد حدث مالك عن ربيعة قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. قال: وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء ".

وقد قال الحسن البصري لمطرف بن عبد الله بن الشَخير: "يا مطرف عظ أصحابك. فقال مطرف: إني أخاف أن أقول ما لا أفعل- فقال الحسن: يرحمك الله وأينا يفعل ما يقول؟؟ لود الشيطان أنه ظفر بهذه منكم فلمِ يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر".

وقال الحسن أيضًا: "أيها الناس إني أعظكم ولست بخيركم ولا أصلحكم وإني لكثير الإِسراف على نفسي غير محكم لها ولا حاملها على الواجب في طاعة ربها، ولو كان المؤمِن لا يعظ أخاه إلا بعد إحكام أمر نفسه لعُدم الواعظون، وقلَّ المذكرون ولما وُجِد من يدعو إلى الله جل ثناؤه ويرغَب في طاعته وينهى عن معصيته، ولكن في اجتماع أهل البصائر ومذاكرة المؤمنين بعضهم بعضًا حياة لقلوب المتقين، وإذكار من الغفلة، وأمن من النسيان، فألزموا - عافاكم الله- مجالس الذكر، فرب كلمة مسموعةٌ ومحتقرٍ نافعٌ".

ومن لطائف الفقه عند أهل العلم رحمهم الله ما ذكروا في تفسير قوله تعالى: {  * tbrâßDù's?r& }¨$¨Y9$# ÎhŽÉ9ø9$$Î/ tböq|¡Ys?ur öNä3|¡àÿRr& öNçFRr&ur tbqè=÷Gs? |=»tGÅ3ø9$# 4 Ÿxsùr& tbqè=É)÷ès? ÇÍÍÈ } ([6]) [سورة البقرة، الآية: 44].

فالمعنى أن الله ذم بني إسرائيل على هذا الصنيع حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له بل الذم على الترك وحده وليس على الأمر، فإن الأمر بالمعروف مطلوب من العامل ومن المقصر ويتأكد هذا المعنى من الآية الثانية في قوله سبحانه: {  (#qçR$Ÿ2 Ÿw šcöqyd$uZoKtƒ `tã 9x6Y•B çnqè=yèsù 4 } ([7]) [سورة المائدة، الآية: 79].

فالله ذمهم ولعنهم ليس على فعلهم المنكر فحسب بل على تركهم التناهي عنه، فالمقصر عليه واجبان: الأول: الكف عن التقصير والثاني: دعوة المقصرين إلى ترك التقصير. وهو فقه دقيق ينبغي أن ينتبه له القادة والدعاة والمربون وكفى بربك هاديًا ونصيرًا.

التقوى والإخلاص:

    المنهج الإسلامي التربوي حريص دائما على بلورة شخصية القائد بشكل يتم فيه استواء شخصيته مع زيادة إيمانه , فلا يفرق المنهج الإسلامي التربوي بين زيادة الإيمان وحسن السلوك وطهارة الباطن , بل رفع النبي rمنزلة الخلق الحسن فقال كما روي في الصحيح " إن أقربكم منى مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا " ..لذلك لا تكتمل شخصية القائد على المستوى التربوي في النهج الإسلامي حتى يكتمل شخصيتة من شتى الجوانب وتهذب أخلاقه وتتضح مبادئه وتعلو قيمه ..

       فقد كتب عمر بن الخطاب _t_ إلى قائدة سعد بن أبي وقاص _رضي الله عنه_ ومن معه من الأجناد : أما بعد، فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال؛ فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم؛ فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم ، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا، واعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون ، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا: إن عدونا شرمنا فلن يسلط وإن أسأنا، فرب قوم سلط عليهم شر منهم، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفرة المجوس " فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا " الإسراء ـ الآية  5  ، واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم …).

 


الثانية :يستطيع أن يؤثر على سلوك المرؤوسين ؟

 

    يعتبر التأثير والنفوذ أحد المحاور الرئيسة في التعرف على ظاهرة القيادة وفي اكتشاف القائد الناجح ، ويعتبر القائد ناجحاً من خلال التعرف على استخدام نفوذه وتأثيره على أتباعه ومرؤوسيه ، وعليه يتوجب التعرف على كيفية تأثير القائد على مرؤوسيه ومن تلك الأساليب التي تؤثر على المرؤوسين :

1-استخدام المدعمات والعقاب : ويقصد بها منح أو سحب الحوافز الإيجابية والسلبية حيث تمتع القائد بهذه الصلاحيات في هذا المجال يزيد من قدرته على التأثير على مرؤوسيه .

2-تحديد أهداف العمل : القائد الناجح هو الذي يحدد أهداف العمل لمرؤوسيه ولأفراد الجماعة التي يعمل بها، ويشترط في تحديد الأهداف أن تكون محددة وموضوعية قابلة  للقياس .

3-جـمـع وتحليل المعلومات : لكي يمارس القائد نفوذاً عالياً عليه أن يحصل على أكبر قدر ممكن من المعلومات التي تهم وتمس مرؤوسيه ثم عليه أن يقوم بتحليلها وانتقاء النافع منها والمؤثرة في دافعية وأداء المرؤوسين .

4-تحديد أساليب العمل : ويتم ذلك من خلال قيام القائد بوصف مهام العمل وتحديد طرق التنفيذ وتدريب المرؤوسين وتوجيههم .

5-تهيئة ظروف العمل : أن قيام القائد بالتأثير في الظروف المحيطة بأفراد الجماعة يمكن أن يزيد من نفوذ القائد وتأثيره على مرؤوسيه ويتحقق ذلك من خلال تأثير القائد في تشكيل جماعات العمل .

6-تقديم النصح والخبرة والمشورة : إن توجيه القائد للمرؤوسين من فترة لأخرى وتقديم  الخبرة والمشورة لهم في مجال العمل ،  وقيامه بتقديم نصيحته في الوقت المناسب تكسبه نفوذاً أو تأثيراً على مرؤوسيه .

7-إشراك  الآخرين في الأمور التي تهمهم : يتميز القائد الناجح بإشراك مرؤوسيه في اتخاذ القرارات التي تمسهم ، فالمشاركة في الظروف المناسبة تشعر المرؤوسين بالرضا والاعتزاز بأنفسهم .

8-تشجيع ورفع دافعية المرؤوسين : يواجه القائد مرؤوسين ذوي دافعية وحماس منخفض لأداء العمل من وقت لآخر، حيث إن الأفراد تختلف دافعيتهم من وقت لآخر. وعلى القائد الناجح أن يتغلب على ذلك بعدة طرق منها أن يدرس حاجات المرؤوسين أو أن يساعدهم في تحديد أهدافهم وأن يشعرهم بالعدالة .

 


الثالثة:الهدوء وضبط النفس.

    من أهم سمات القيادة الناجحة الهدوء وضبط النفس، وهي صفة جلية في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جميع أحواله، إن الهدوء وضبط النفس موهبة فطرية وسمة خلقية تكتسب كذلك، ولا بأس بذكر موقفين له - r- تتبين فيهما هذه الصفة: 

 أولاً: في معركة حنين عندما فوجئ المسلمون بهجوم قوي من الكفار (هوازن ومن معها) وفر من فر ممن أسلم بعد الفتح، وتراجع المسلمون عشوائياً، في هذه اللحظات الحرجة والصعبة كان رسول الله - r - ثابت الجأش هادئ الأعصاب يقول: أيها الناس هلموا إلي أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله، ويقول لعمه العباس: ناد أصحاب الشجرة، وبفضل الله ثم بفضل هذا الثبات من الرسول - r- آب المسلمون إليه ورجعوا يتجمعون حوله وانتصروا بعدئذ بإذن الله.

 هذا الموقف يحتاج إلى تأمل، ففيه الشجاعة وحسن التصرف، وفيه هدوء النفس وعدم الهيجان، وفيه التوازن مع ما في الحدث من شدة انعكست على الألوف ممن سار في الجيش، يذكرني هذا الهدوء من رسول الله - r- بقول أحدهم: » لكي يحافظ القائد على هدوئه، عليه أن يعتاد على معالجة الأمور المفجعة وكأنها عادية، بدلاً من معالجة الأمور العادية وكأنها فواجع «، ويقول كذلك: » على القائد الذي يود أن يكون أهلاً للقيادة أن يبدأ بقيادة نفسه ولا يمكن لمن لا يسيطر على نفسه أن يسيطر على الآخرين « .

  إن استقبال أي حدث مهما كانت درجة عظمته بهدوء وضبط نفس يمكّن المسئول والقائد من عدة أمور منها: 

 أولاً: استيعاب الحدث بمعرفة حجمه الحقيقي، فكم من موقف استقبلناه بشدة وغلظة بينما هو أبسط وأصغر من أن يواجه ويستعد له على حساب أمور أخرى- والعكس صحيح فكم من حدث ظهر لنا بسيطاً فلم يحسب له أي حساب فلما تبين لنا أنه كبير ويحتاج إلى موقف سريع منا لم نتمكن من استيعابه، ف

المصدر: أمير بن محمد المدري
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 803 مشاهدة
نشرت فى 14 مايو 2011 بواسطة DrKasem

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

272,788