أحداثٌ جسام، وثوراتٌ عظام، وتربصٌ من اللئام، وإصرارٌ على أن يظل أهل التصوف هوام نيام.
ولأن أهل البيت الصوفي أذكى وأدرى بشعابه؛ فعليهم – سريعًا ومستقبلاً - أن يوفِّوا بما وعدوا من استجابة لدعوة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر؛ لتنقية التصوف من الخرافات والبدع التي تصدر من بعض الدخلاء عليه، وتعديل قانون الطرق الصوفية والذي يقوم على ضوابط منها؛ أن يتم تقنين أوضاع أهل التصوف ليكون قاصرًا على أهله.
قال سبحانه تعالى: {يُريدونَ لِيُطْفِئوا نورَ اللهِ بأفواهِهِم واللهُ مُتِمُّ نورِهِ ولو كَرِهَ الكافرونَ} [الصف: 8]. ولأن المزيفين أدركوا أن التصوف هو روح الإِسلام، والصوفية هم قوته النافذة الضخمة وشعلته الوضاءة المشرقة، فقد أرادوا أن يطفئوا هذا النور، وعليه كان نصيب التصوف من الدس والافتراء أعظم من غيره.
والتصوف كغيره من العلوم الدينية، لم يَسْلم من الدس والتحريف من هؤلاء الدخلاء والمفترين، فمنهم من أدخل في كتب الصوفية أفكارًا منحرفة، وعبارات سيئة ما أنزل الله بها من سلطان، ومنهم من حاول تشويه تاريخ رجال الصوفية، ونزع ثقة الناس بهم، فدَسَّ في كتبهم حوادث وقصصًا من نسج خياله، فيها ارتكاب للمنكرات واقتراف للآثام والكبائر، ومنهم من أراد أن يفسد دين المسلمين بأشياء أُخر تمس عقائدهم، فنسب إِلى بعض رجال الصوفية أقوالاً تخالف عقيدة أهل السنة؛ كالقول بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود.
ولو ثبت بطريق صحيح عن بعض الصوفية كلام مخالف لحدود الشريعة فنقول: ليست كلمة فرد واحد حجةً على جماعة، شعارها ومذهبها التمسك بكتاب الله وسنة رسوله r، حتى إِنهم ليقولون: إِن أول شرط الصوفي أن يكون واقفًا عند حدود الشريعة، وألا ينحرف عنها قيد شعرة. فإِذا هو تخطى هذا الشرط، ووصف نفسه بأنه صوفي، فقد اختلق لنفسه صفة ليست فيه وزعم ما ليس له.
ولو قرأنا بتمعن ما يعلنه رجال التصوف في جميع كتبهم من استمساكهم بالشريعة واعتصامهم بالكتاب والسنة وتقيدهم بالمذاهب الإِسلامية المعتبرة، وتَبَنِّيهِمْ عقيدة أهل السنة والجماعة، لأدركنا تماماً أن ما ورد في كتبهم مما يناقض هذا المبدأ الواضح والمنهج السوي، إِنما هو مؤول أو مدسوس.
وإِن من إِضاعة الوقت الثمين الانشغالَ بمثل هذه التُّرَّهَات والأباطيل المفتراة على هؤلاء القوم في هذه الأوقات التي يوجد ما هو أهم من المجادلة بها، فهي معروفة لدى الصوفية المحققين والعلماء المدققين.
نؤكد: ليس كل ما في كتب الصوفية لهم؛ لأنها لم تسْلم من حملات الدس والتحريف، وما أحوجنا إِلى تضافر جهود المؤمنين المخلصين لتنقية هذا التراث الإِسلامي الثمين ممَّا لحق به من دس وتحريف، وما أحوجنا - أيضًا – من مشيخة الطرق الصوفية نفسها إلى الممارسة الفعلية لعمليات النقد الذاتي، وبدء عمليات الإحلال والتبديل، ثم التطبيق الصادق للمنظومة الصوفية الثلاثية: التخلي ثم التحلي وصولاً إلى التجلي؛ لمواجهة عصر خيَّمت عليه ظلمات المادية وآثام الإِباحية وتيارات الإِلحاد والوجودية.
ولعلنا بهذه الكلمات الصادقة والدعوة الخالصة لوجهه الكريم نسهم في تنقية التصوف الإِسلامي مما علق به من دسائس وأمور دخيلة عليه، لنعيد له صفاءه وبريقه، ولينتفع الناس من طاقاته الروحية ونفحته الإِيمانية في بداية عهد تقاسم فيه الإخوان المسلمين والسلفيين كراسي مصر الرئاسية والتشريعية.
إنما أردت التذكير فقط وما أنا لكم إلا ناصح أمين.
ساحة النقاش