بعد الجولة الأولى المخيبة لآمال غالبية الشعب المصري؛ الشعب الذي لا يمكن أن تضع سيناريو محدد له، وتتصور أنه سيتم تنفيذه ، ولأن هذه المسألة تغيب عن كثيرين للأسف، فتجدهم مذهولين من النتائج التي أسفرت عنها هذه الجولة من انتخابات الرئاسة؛ مما أوجد نغمة تتردد الآن بقوة حول مقاطعة التصويت وعدم المشاركة في انتخابات الإعادة ، وحرصًا منا على ألا نظل نندب حظنا ، ونتهم بعضنا بالخيانة ، أو ننسحب ونترك بلدنا لقمة سائغة للفلول المفسدين علينا أن نتجاوز صدمتنا هذه ونقوم ونقف ونضع الحلول والاقتراحات لنرسم خارطة طريق تأخذ في اعتبارها الإمكانيات المتاحة لنبدع أفضل الحلول.
ولهذا سأورد - ردًا على من تسوِّل له نفسه بالتقاعس عن هذا الواجب الشرعي- رأي فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الرحمن البرّ- أستاذ الحديث وعلومه بكلية أصول الدين بالمنصورة جامعة الأزهر الشريف:
" إن الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
من واجب المسلم الذي يعيش في أي مجتمع أن يُسهم إيجابيًّا في حل قضايا هذا المجتمع بحسب وجهة نظره الإسلامية، وبالتالي إذا أُتيح له الفرصة في انتخاب النواب الذين ينوبون عن الأمة في المسائل التشريعية واختيار الحكومة وإعطاء الثقة لها أو نزعها منها وفي درء المفاسد عن الأمة وغير هذا من المصالح المترتبة عن دخول النواب؛ فإن وجهة النظر الشرعية بأنها فرصة لا يجب تضييعها.
وإذا تخلَّف المسلم عن المشاركة في هذا الأمر فقد قصَّر في أداء واجبه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ الذي أوجبه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "من رأى منكم منكرًا فليغيِّره بيده؛ فإن لم يستطِع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه".
وإن من أهم وسائل إنكار المنكر أن ينكره النائب عن الأمة الذي يتلقَّى الناس عادةً وتتلقَّى الحكومات وذوو الرأي كلامه بالقبول، وتنشره وسائل الإعلام على كل صعيد.
ومن ثم كانت المشاركة في الانتخابات إدلاءً للصوت نوعًا من الجهاد الأكبر؛ لأن فيها جهدًا كبيرًا يُبذل لخدمة لإسلام والوطن وسائر الناس أجمعين، وفيها كذلك رفعٌ لبعض الضرر عن الأمة، وكذلك إزالة بعض المنكرات من حياتها ضمن الحدود التي يستطيعها النائب الذي يتقدم إلى ذلك المجلس التشريعي.
والمشاركة في الانتخابات جهاد أكبر؛ لأنها فريضة الوقت، فقضية الإسلام اليوم هي انحراف كثير من الحكومات عن دين الله تعالى، وعن شريعة الحق، وشيوع الفساد في كثير من جوانب الحياة في مجالات الدولة، والجهاد الأكبر هو في إصلاحهم والاستبدال بهم، والمشاركة في الانتخابات هي الوسيلة المعاصرة الآمنة التي تدخل في حدود الاستطاعة، والذي لا يشارك في الانتخابات يفوته القيام بهذا الواجب، وإن كان يقوم بواجبات أخرى لكنها ليست بديلةً فيما نرى عن المشاركة في الانتخابات، وأية أنشطة أخرى لا تزيل عن المتخلِّف إثمَ التخلُّف عن هذه المشاركة، فالقائم بهذا الأمر له أجرُه والمتخلِّف عليه إثمه، والله يقول تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)﴾ (الأنبياء).
ساحة النقاش