الكرامة : هي ظهور أمر خارق للعادة من قبل شخص غير مقارن لدعوى النبوة، فما لا يكون مقرونًا بالإيمان والعمل الصالح يكون استدراجًا، وما يكون مقرونًا بدعوى النبوة يكون معجزة (1).
وعرفها الشيخ المناوي قائلاً : " الكرامة ظهور أمر خارق للعادة على يد الولي مقرون بالطاعة والعرفان، بلا دعوى نبوة، وتكون للدلالة على صدقه وفضله، أو لقوة يقين صاحبها أو غيره ... "(2) .
والبعض عندما يتحدث عن الكرامة وما يميزها عن المعجزة والغرض منها يذكر أن الكرامة مشتقة من الإكرام، ومن التقدير والولاء، وقد يمن الله تعالى على أوليائه، بما يظهر على أيديهم من خوارق لم تجر بها العادة منه ورحمة لا استحقاقًا ومقايضة، والكرامة للولي رتبة ثانوية للمعجزة بالنسبة للنبي، وتأتي في الترتيب بعدها مباشرة، فمعجزة النبي أحيانًا(3) ما تكون مقرونة بالتحدي واستدرار الإيمان والتصديق من قلب مشاهدها عن طريق المعجزة بخرق العادة كإسراء محمد(صلى الله عليه وسلم)، وانغلاق البحر لموسى وإحياء الموتى لعيسى (عليهما السلام) وغير ذلك .
وأما الكرامة فهي خلو منه أي التحدي، ويجري الله الكرامة على يد الولي من غير أن يقصد ، والكرامة لا قصد فيها للإعجاز ولا للتحدي، والكرامة إذا قصدها من أجراها الله على يديه وطلبها تعد عليه نقصًا في مراتب الكمال، ولا تحدث الكرامة أو المعجزة إلا بقضاء وقدر ومشيئة من الله تعالى، والكرامة لا تحدث خرقًا للسنن الكونية أو القوانين الإلهية القائمة، ولكنها فقط خرق للعرف وللعادة الجارية، والكرامة: حسية ومعنوية؛ أما الحسية فهي خرق لشئون الحس العادي كالمشي على الماء والطيران في الهواء ، وأما المعنوية فهي استقامة العبد مع ربه في الظاهر والباطن سواسية (4).
وأعظم ما في الكرامات : الفهم عن الله تعالى، والرضا بقضاء الله وترك التدبير والاختيار مع الله ، وأن يقيم العبد حيث أقامه الله ، وتحدث الكرامة الحسية إذا طلبها العبد من الله أو لم يطلبها لثلاثة أسباب :
1- إنهاضه للعمل حين حصول فترة أو غفلة .
2- اختبار له من الله ، هل يقف مع الكرامة فيحجب ، أو يأنف منها لما فيها
من غرور فيقرب؟
3- زيادة يقين الولي أو لزيادة يقين الغير لينتفع به.
والمعلوم عند أهل الحق من الصوفية أن الكرامة المعنوية هي أهم الكرامات وأرفعها، وأما الكرامة الحسية فلا يطلبها المتمكنون ولا يلتفتون إليها، إذ قد تظهر على يد من لن تكمل استقامته، وهي حينئذ عندهم ليست بكرامة وإنما هي استدراج .
<!--[if !supportFootnotes]--><!--[endif]-->
(1) الجرجاني: التعريفات ، ص 235 .
(2) عبد الرؤوف المناوي: الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية، 1: 8 ، 1357هـ/ 1938م.
(3) يخرج عن هذا القيد : نجاة إبراهيم (عليه السلام) من الحرق، تفجر الماء تحت قدم إسماعيل(عليه السلام)، تسبيح الحصى في يد محمد(صلى الله عليه وسلم) وغير ذلك.
(4) محمود أبو الفيض المنوفي: جمهرة الأولياء، 1: 106- 107 .
ساحة النقاش