رابعًا: الحركة الصوفية في ظل الدولة الأيوبية ( 567-648هـ /

1171-1250م ):

عندما تولي صلاح الدين يوسف بن أيوب منصب الوزارة في مصر سنة (564هـ/1169م) حارب عقائد الإسماعيلية بعدة طرق، كان من بينها تعاليم الصوفية، فبلغ التصوف غايته في عهده، وعهود خلفائه من بعده، فقد أفسح للتصوف السني ولأئمته مكانًا كبيرًا في دولته، وعمل على نشر مبادئه وأصوله بين المصريين، لإشباع فراغهم الوجداني الذي أحسوه عقب سقوط الدولة الفاطمية، " فاتجه المصريون إلى التصوف، وأحلوه من نفوسهم وحياتهم محل ما كانوا يسمعونه من دعاة الإسماعيلية "(<!--) .

ومن المتواتر لدى الصوفية أن أول خانقاه أنشئت بمصر هي خانقاه سعيد السعداء، أنشأها صلاح الدين سنة 596هـ/1173م، وسماها " دويرة الصوفية " وقدم شيخها على كل المشايخ، وولى عليها أعاظم رجال الدولة وأعيانها(<!--) .

وقد ترتب على بناء هذه الخانقاه نتيجتان مهمتان:

الأولى: تحول مصر إلى مركز نشيط للتصوف، إذ وفد إليها من الأقطار المختلفة صوفية أهل السنة، واطمأنوا إلى حفاوة وكرم الأيوبيين بهم، وأقاموا بخانقاه سعيد السعداء؛ مما أشاع بمصر موجة قوية من التصوف السني .

الثانية: أرسى صلاح الدين ببناء الخانقاه قواعد التصوف الجمعي في مصر، فبعد أن كان التصوف سلوكًا فرديًا إذ بنا نجده في الثلث الأخير من القرن السادس الهجري ظاهرة اجتماعية أخذ بها كثير من المصريين(<!--).

ولم تكن حركة بناء مؤسسات للصوفية مقصورة في القاهرة وحدها، بل امتدت إلى أكثر أقاليم مصر، مما أدي إلى ظهور مدارس كبرى للتصوف في القاهرة والإسكندرية والصعيد أواخر القرن السادس الهجري، ثم ازدهر نشاطها حين عرفت مصر الطرق الصوفية في القرن السابع الهجري.

1- المدرسة الصوفية بالقاهرة:

وفد إلى المدرسة الصوفية بالقاهرة عدد كبير من صوفية المشرق الإسلامي، خاصة من العراق وإيران، لعل من أبرزهم: شهاب الدين أبي حفص عمر السهروردي، الصوفي البغدادي ( ت632هـ/ 1234م ) صاحب " عوارف المعارف " وكان من معاصري الصوفي عمر بن الفارض المصري، وممن اتصل به، وشهاب الدين هذا: " هو الذي انتهت إليه تربية المريدين، ومشيخة الطرق .... "(<!--).

2- المدرسة الصوفية بالصعيد:

تنسب هذه المدرسة إلى الشيخ عبد الرحيم القنائي ( ت592هـ/1195م ) الذي جمع بين الشريعة والحقيقة، وقد آثر الإقامة بالصعيد لمقاومة العقائد الشيعية المنتشرة في أكثر مدنه وقراه (<!--) وكان يدعو إلى التصوف السني المعتدل(<!--).

3- المدرسة الصوفية بالإسكندرية :

تدين الحركة الصوفية في مصر بكثير من الفضل لصوفية الإسكندرية(<!--) ففي سنة 642هـ/1244م زار الإسكندرية أبو الحجاج الأقصري (ت642هـ/1244م) حيث التقى بالشيخ الزاهد أبي محمد عبد الرزاق الجزوني السكندري، صاحب أول طريقة صوفية عرفتها الإسكندرية قبل الطريقة الرفاعية، والطريقة الشاذلية(<!--) .

وكان الرفاعية بالعراق قد أرسلوا إلى الإسكندرية أبا الفتح الواسطي مبشرًا بطريقتهم وداعيًا إليها، وذلك سنة 630هـ/1232م، ولا شك أن الشيخ أبا الحسن الشاذلي (ت656هـ/ 1258م) قد أفاد من مجهودات ذلك الرجل، حين وفد إلى الإسكندرية، وأسس بها طريقته ، ثم قام عليها من بعده ابن عطاء الله السكندري (ت709هـ/1309م).

ومن الملاحظ أن هذه المدارس الثلاث امتازت بالجمع بين الفقه والتصوف، أو بين الشريعة والحقيقة فأطلق عليهم الصوفية الفقهاء؛ وذلك لخوضهم الشديد في التوفيق بين تعاليمهم الصوفية ومبادئ الكتاب والسنة، ولهذا أحبهم العامة والخاصة ؛ أما الخاصة فـلعلمهم وورعهم واتفاق مسلكهم وتعاليم دينهم على الوجه الصحيح، وأما العامة فقد أحبوهم لما اشتهر عنهم من محاولة القرب إلى الله سبحانه تعالى .

(1) د/ محمد كامل حسين: بين التشيع وأدب الصوفية، مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة، سنة 1954م، المجلد السادس عشر.

(2)  المقريزي: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، 2: 415، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، دون تاريخ، د/ محمد مصطفي حلمي: ابن الفارض والحب الإلهي، ص 39، دار المعارف، القاهرة.

(3)  د/ أبو الوفا التفتازاني: الطرق الصوفية في مصر، ص 64، د/ توفيق الطويل: التصوف في مصر إبان العصر العثماني، ص 38.

(4) د/ محمد مصطفي حلمي: ابن الفارض والحب الإلهي، ص 40.

(5)  الشعراني: الطبقات الكبرى، 2: 343، و أبو الوفا التفتازاني: الطرق الصوفية في مصر، ص 62.

(6)  السيوطي: حسن المحاضرة، 1: 423.

(7)  د/ جمال الدين الشيال: أعلام الإسكندرية في العصر الإسلامي، ص 224، 1965م، دار المعارف، القاهرة.

(8)  السيوطي: حسن المحاضرة، 1: 425.