المتفلسف حسن حنفي ... أنموذج للزندقة المعاصرة
لقد ابتلي هذا العصر بوجود مجموعة من الزنادقة الذين خرجوا من رحم المنظومات المعادية للإسلام وللأسف الشديد فإنهم منتشرون في كثير من المناحي الحياتية ولهم صوت مسموع في وسائل الإعلام والأخطر من ذلك كله أنهم يعملون في مجال تشكيل العقول وغسيل أمخاخ أجيال كاملة من المسلمين عبر مناصبهم في مجال التربية والتعليم على كافة مستوياته..
وللعلم .. كنت ممن جلسوا على مائدة بعضهم ، ومنهم الدكتور حسن حنفي الذي التقيته في قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة ، وكنت ممن استمعوا إليه في ندوات الجمعية الفلسفية المصرية .. ولكن لم يلوث فكري بزندقته وأفكاره الهدامة ؛ بعد إذ كان لي من أساتذتي في دار العلوم حائط الصد الأول ضد هجمات حسن حنفي الفكرية الغربية المرتدة..
هوية حسن حنفي :
بطاقة تعريف: ولد حسن حنفي في القاهرة عام 1935م حصل على ليسانس الفلسفة عام 1956 ثم شق تعليمه الجامعي إلى أن حصل على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون عام 1966.. عين أستاذاً لتدريس الفلسفة في جامعة القاهرة.. شغل منصب السكرتير العام للجمعية الفلسفية المصرية.. يقدم نفسه على أنه صاحب مشروع اليسار الإسلامي.. يؤمن بدبن إسلامي على الطريقة الماركسية يتلاعب بالألفاظ ..
اليسار الإسلامي
لقد فتح المعتزلة الأوائل المجال للعلمانيين ومن سار على دربهم النيل من الإسلام وعقيدته، أطلقوا سلطة التحسين والتقبيح على حساب الشرع، فقدموا العقل على النقل، وقد نتج عن ذلك أنهم عطلوا صفات الله وقالوا بخلق القرآن وأنكروا رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، وأنكروا أحاديث الشفاعة في أهل الكبائر يوم القيامة وقالوا مرتكب الكبيرة يخلد في النار، وقالوا إن الله لم يستو على عرشه وأولوها بالاستيلاء، وتطاولوا على الصحابة كأبي بكر الصديق وعثمان وعلي وطلحة والزبير وجرير بن عبد الله بن مسعود وسمرة بن جندب، وكان لأبي هريرة نصيب الأسد من الطعن والتجريح رضي الله عنهم أجمعين.
وقد تولى كبر هذه المدرسة الكلامية واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وأبو الهذيل العلاف والنظام والجاحظ والقاضي عبد الجبار وغيرهم، ثم زين المستشرقون آراء هذه الفرق الضالة. فسار- على تلك المنظومة وخاصة في القرنين المنصرمين – قلة من أبناء المسلمين المتسمين بالإسلام فبعد الطهطاوي جاء الرجل اللغز جمال الدين الأفغاني وتلامذته محمد عبده ومحمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر الأسبق شلتوت وعبد العزيز جاوي ومحمد فريد وجدي وعلي عبد الرازق وغيرهم وعلا صوت هذه المدرسة وتم تلميع أئمتها كالأفغاني ومحمد عبده، فصارت فتاواهم عمدة وتكأة لآراء العلمانيين ومن يسمون أنفسهم بالإسلام المستنير!! وصار كل من هبّ ودبّ يتكلم في الإسلام كطه حسين الذي لم يجد نقيصة إلا ووصم بها الإسلام. طه حسين الذي قدم لنا الآداب الميتة ولغتها المندثرة كاليونانية وكان ينقب عن النشاز في التاريخ فيبرزه كثورة الزنج والقرامطة تزلفاً وعرفاناً بالجميل لأسياده المستشرقين في ظل هذا الجو الكئيب وسيطرة الفكر الاعتزالي على جامعاتنا ومراكز الدراسات كان من الطبيعي أن يفرز ذلك المناخ الدكتور حسن حنفي أستاذ الفلسفة على الفكر الاعتزالي والمنظومة الماركسية الحمراء فأخرج لنا مؤلفاته التي تسير على غرار المنظومة الماركسية ولما كان مصراً على الاحتفاظ باسم مسلم فإنه صار على منهج المتناقضات بغية التوفيق أو قل التلفيق في تأويل الحدث التاريخي الطويل من البحث والتنقيب ظهر سلخ جديد اسمه اليسار الإسلامي، فصار التاريخ الإسلامي يسار ويمين فالمعتزلة يسار، والأشاعرة يمين،والفلسفة بها يمين ويسار، فالفلسفة عند ابن رشد يسار.. والفلسفة الإشرافية عند الفارابي وابن سينا يمين.. والتشريع يمين ويسار.. فالمالكية التي تقوم على المصالح المرسلة يسار،والفقه الافتراضي عند الحنفية يمين وفي التفسير بالمعقول يسار والتفسير بالمأثور يمين وفي التاريخ الفتنة الكبرى علي يسار ومعاوية يمينٍ.
نلاحظ أنه صنف الأحناف يمين لأن فقه الأحناف في نظره غير واقعي، ويتحدث عن أمور في المستقبل.. أما التفسير بالمأثور يمين لأن الذين يفسرون بالمأثور يحتمون بالنص والنص يعتمد على سلطة الكتاب وليس على سلطة العقل وحجة السلطة ليست حجة لأن هناك كتباً مقدسة كثيرة في حين أنه يوجد واقع واحد وعقل واحد.
فخلاصة فكر هذه المدرسة (اليسار الإسلامي). أنها امتداد للفكر الاعتزالي وما يسمى بالمدرسة الإصلاحية بزعامة الأفغاني ومحمد عبده ومن رجال هذا التيار اليسار الإسلامي فتحي عثمان ومحمد عابد الجابري وغيرهم ويركز هذا التيار على الثورة وابني الاشتراكية والعدل الاجتماعي وتجديد التراث وغير ذلك.
ويعتبر حسن حنفي أن اليسار الإسلامي هو النقد الذاتي للحركة الإسلامية وهو التيار المعارض والمصحح داخل هذه الحركة الإسلامية، كما أنه يجب إحياء الجوانب الثورية في الدين وتأويل كل حدث على أنه ثورة.
هكذا يريد أن يفرض علينا حسن حنفي ومن على شاكلته أفكار اليسار الإسلامي!! للأخذ بأيدي المسلمين للفوز بالسعادة الماركسية الحمراء وللمزيد من الإيضاح سنلقي الضوء بعون الله تعالى على أهم ركائز فكر حسن حنفي التدميري وذلك من خلال قراءة في كتابه (التراث والتجديد).. وقد اخترت هذا الكتاب بصفة خاصة عن سائر كتبه لأنه أوضح عبارة وأخطر طرحاً في إفصاحه المباشر عن أطروحته اليسارية ولا تحتاج عباراته إلى تأويل أو غموض قد يحتاج إلى تفسير جلي.. ولكي لا يتهمنا أحد بالتحامل على الدكتور حسن حنفي بزعم أننا نفسر أقواله بما لا تحتمل.. لذلك رشحت هذا الكتاب الذي لم يتب مؤلفه حسن حنفي ولم يعلن ذلك على الملأ بل إنه يعتز به وينادي بكل ما فيه.. هذا الكتاب يحتوي على أبرز القضايا التي يدعو لها الدكتور حسن حنفي ويدندن حولها في كتبه ومقالاته وخاصة مؤلفه الضخم: (من العقيدة إلى الثورة محاولة لإعادة أصول الدين).. وكتابه: (الدين والثورة في مصر).. وكتابه: (مقدمة في علم الاستغراب).. وللكاتب مقالات أخرى في فلسفة اليسار الإسلامي غالبها يدور حول نفس الأفكار التي سنطرحها من خلال كتابه التراث والتجديد في هذه المقالة وأهم هذه الأفكار الهدامة هي:
أولاً: العلمانية أساس الوحي:
وحول هذا العنوان يتساءل حسن حنفي ويفتري على الله الكذب ويقول: "فإن قيل إن التراث والتجديد سيؤدي حتماً إلى حركة علمانية وفي العلمانية قضاء على تراثنا القديم ومورثاتنا الروحية وآثارنا الدينية، قيل قد نشأت العلمانية في الغرب استجابة لدعوة طبيعية تقوم على أساس رفض الصور الخارجية وقسمة الحياة إلى قسمين واستغلال المؤسسات الدينية للجماهير وتوطينها مع السلطة وحفاظها على الأنظمة القائمة نشأت العلمانية استرداداً للإنسان لحريته في السلوك والتعبير وحريته في الفهم والإدراك ورفضه لكل أشكال الوصاية عليه ولأي سلطة فوقه إلا من سلطة العقل والضمير، العلمانية إذن رجوع إلى المضمون دون الشكل وإلى الجوهر دون العرض، وإلى الصدق دون النفاق، وإلى وحدة الإنسان دون ازدواجيته وإلى الإنسان دون غيره العلمانية إذن هي أساس الوحي، فالوحي علماني في جوهره والدونية طارئة عليه من صنع التاريخ، تظهر في لحظات تخلف المجتمعات وتوقفها عن التطور، وما شأننا بالكهنوت والعلمانية ما هي إلا رفض له؟ العلمانية في تراثنا وواقعنا هي الأساس واتهامها باللادونية تبعية لفكر غريب وتراث مغاير وحضارة أخرى"
ونلاحظ في الفقرة السابقة بياناً صريحاً لدعوة حسن حنفي الإلحادية.. فالصور الخارجية المرفوضة هي: علم الغيب/الجنة/النار/الملائكة.. فالوحي أي القرآن أو الدين بصفة عامة اغتصب حق الإنسان في السلوك والحرية حسب زعم حسن حنفي وأن العلمانية استردت هذا الحق المغصوب وأعادته للإنسان!! فالعلمانية تؤدي إلى الصدق!! أما الدين والوحي والقرآن فيؤدي كل منهما إلى النفاق والكذب!! العلمانية ترفض أي أشكال الوصاية على الإنسان والوصاية المقصودة هنا هي نصوص القرآن والدين بصفة عامة فالقرآن يضيق على تعبير وحرية الإنسان كما أن هذه العلمانية ترفض أي سلطة- أي النص القرآني- أما العقل فهو وحده رب العلمانية وإلهها.. ويخلص حنفي إلى أن العلمانية جوهر والدونية طارئة عليه فالدين من صنع التاريخ!! بمعنى أوضح فالقرآن والدين الإسلامي نتاج بشري من صنع التاريخ ووليد ظروف اجتماعية متخلفة لأن الدين لا يظهر إلا في مجتمعات متخلفة توقفت عن التطور والعلمانية ترفض هذا الكهنوت – أي الدين- ثم بعد ذلك يقرر هذه الحتمية التاريخية التي لا يعرفها إلا حسن حنفي ومن على شاكلته: (العلمانية في تراثنا وواقعنا هي الأساس واتهامها باللادونية تبعية لفكر غريب وتراث مغاير وحضارة أخرى)!! فأي دونية يقصد حسن حنفي؟!! أعتقد أنه يقصد أن العلمانية هي الدين لأنها أساس الوحي حسب زعمه!!
ثانياً: الوحي ليس ديناً:
من المعلوم بداهة أن المقدمة إذا كانت باطلة فلابد أن تكون النتيجة باطلة تبعاً لذلك.. ولما كانت العلمانية هي أساس الوحي حسب زعم حنفي.. فالنتيجة أن الوحي ليس ديناً وهذا ما سنجده في الفقرة التالية: (يثار بيننا الجدل عن الحكومة الدينية خلافة أم علمانية؟ وتتصارع الأهواء وتتضارب الغايات دون أن يحاول أحد تحليل الواقع الذي يمكنه أن يبدد كل هذا الجدل، فالواقع لا يوصف بما هو أقل منه كما أن له بناءه المثالي في الوحي، والوحي ليس ديناً بل هو البناء المثالي للعالم)
فالكاتب يفترض أن هناك جدالاً قائماً يصوره له خياله الفلسفي! فمن هؤلاء العلماء الثقات الذي أثاروا الجدل وتساءلوا عن الحكومة الدينية سواء كانت خلافة أم علمانية؟!! فهذا التساؤل لم يدر إلا في خلد حسن حنفي ومن يحذو حذوه! أما العلماء الربانيون فإنهم لم يثيروا مثل هذا الجدل وطبيعة المنظومة الإسلامية.
ثالثاً: طعنه في آيات التحريم:
يعتبر حسن حنفي أن من أسباب فشل تغيير الواقع بالقديم –أي القرآن- هو الاهتمام بتحريم المحرمات وفي ذلك يقول: (البداية بالمحرمات، والتشديد في العقوبات، وإصدار قوائم للممنوعات، وجعل السلوك الإنساني تحقيقاً للنواهي دون ذكر للمباحات التي يمكن أن يتصل من خلالها بالطبيعة، وجعل العالم مواطن للشبهات لا يجوز للإنسان أن يحوم حولها خشية التردي فيها، هذا كله يمنع الثقة بين الإنسان والعالم، ويضع في الإنسان الخوف بدل الشجاعة، والإحجام بدل الإقدام، ويجعل الإنسان متشككاً في سلوكه، متهماً لنفسه، نادماً على ما فعل مما يرسخ في نفسه الإحساس بالذنب الناتج عن الاقتراب من التابو أو مجرد التفكير فيه، والوعي السياسي يتطلب القضاء على كل هذه المحرمات التي تخضع لتحليل العقل ولوصف الواقع، مما يعيد الثقة للإنسان بينه وبين العالم)
هذه دعوى صريحة لرفض حكم الله والطعن في آيات الله وقرآنه.. فالبداية بالمحرمات –حسب زعمه- هي سبب فشل تغيير الواقع بالقرآن!! فحسن حنفي يقصد بقوله (البداية بالمحرمات).. قول الله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير و ما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق).. ويتمادى حسن حنفي في جرأته على النص القرآني قائلاً: (البداية بقوانين العقاب أو تطبيق الحدود، وكأن الإسلام يأتي بالرجم والقتل وقطع اليد) . ويقصد حنفي بقوله التشديد بالعقاب.. قوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم).. وقوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله..) وقوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم).. فهذه الآيات البينات الكريمات لا تعجب أستاذ الفلسفة دكتور حسن حنفي، بل هي في زعمه سبب فشل تغيير الواقع عن طريق القديم!! أي عن طريق النص القرآني بمعنى أن الشريعة الإسلامية في نظره لا تصلح للواقع.. (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا)..
رابعاً: لفظ الجلالة (الله) وألفاظ (الرسول.. الدين الجنة.. النار..إلخ) لم تعد عند حسن حنفي قادرة على التعبير عن مضامينها:
لم تسلم شعائر الدين الإسلامي من طعنه، ولم يسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حتى ذات الله واسمه الأعظم من افتراءات أستاذ الفلسفة حيث يقول: "إن العلوم الأساسية في تراثنا القديم مازالت تعبر عن نفسها بالألفاظ والمصطلحات التقليدية التي نشأت بها هذه العلوم والتي تقضي في الوقت نفسه على مضمونها ودلالتها والتي تمنع أيضاً إعادة فهمها وتطويرها، يسيطر على هذه اللغة القديمة الألفاظ والمصطلحات الدينية مثل: الله، الرسول، الدين، الجنة، النار، الثواب، العقاب(..) هذه اللغة لم تعد قادرة على التعبير عن مضامينها المتجددة طبقاً لمتطلبات العصر نظراً لطول مصاحبتها للمعاني التقليدية الشائعة التي تريد التخلص منها، ومهما أعطيناها معاني جديدة فإنها لن تؤدي غرضها لسيادة المعنى العرفي الشائع على المعنى الاصطلاحي الجديد، ومن ثم أصبحت لغة عاجزة عن الأداء بمهمتها في التعبير والإيصال"
أقول: انظر إلى هذا الافتراء وإلى هذه الجرأة الوقحة مع رب العزة سبحانه وتعالى، فلفظ الجلالة ما هو إلا لفظ قاصر ليس له واقع ولا يعبر عن شئ والرسول والجنة والنار ما هي إلا ألفاظ جوفاء قاصرة لا تعبر عن واقع ولا عن شئ بل يدعو حسن حنفي إلى التخلص منها أي رفض الدين جملة وتفصيلاً!! فالأمر إذن دعوة للإلحاد بالمعنى الفصيح.
خامساً: لفظ الجلالة (الله) يحتوي على تناقض حسب افتراءات حسن حنفي:
فحاشا لله أن يحتوي اسمه الأعظم على تناقض.. يشرح حنفي أسباب قصور اللغة القديمة _أي النص القرآني_ فيقول: "إنها لغة إلهية تدور الألفاظ فيها حول "الله" ولو أنه يأخذ دلالات متعددة حسب كل علم، فهو "الشارع" في علم أصول الفقه.. وهو "الحكيم" في علم أصول الدين، وهو "الواحد" في التصوف، لفظ "الله" يستعمله الجميع دون تحديد سابق لمعنى اللفظ إن كان له معنى مستقل أو لما يقصده المتكلم من استعماله، بل إن لفظ "الله" يحتوي على تناقض داخلي في استعماله باعتباره مادة لغوية لتحديد المعاني أو التصورات، مطلقاً يراد التعبير عنه بلفظ محدود" ويزيد حسن حنفي شرحه للفظ الجلالة: "يعبر عن اقتضاء أو مطلب، ولا يعبر عن معين أي أنه صرخة وجودية، أكثر منه معنى يمكن التعبير عنه بلفظ من اللغة أو بصور في العقل، وهو رد فعل على حالة نفسية أو عن إحساس أكثر منه تعبيراً عن قصد أو إيصال لمعنى معين، فكل ما نعتقده ثم نعظمه تعويضاً عن فقد، يكون في الحس الشعبي هو الله، وكل ما نصبو إليه ولا نستطيع تحقيقه فهو أيضاً في الشعور الجماهيري هو الله، وكلما حصلنا على تجربة جمالية قلنا: الله! الله! وكلما حفت بنا المصائب دعونا الله، وحلفنا له أيضاً بالله"
وماذا بعد كل هذه الافتراءات حول لفظ الجلالة؟! يخلص حنفي إلى الآتي:
"فالله لفظ نعبر به عن صرخات الألم وصيحات الفرح أي أنه تعبير أدبي أكثر منه وصفاً لواقع، وتعبير إنشائي أكثر منه وصفاً خيرياً، وما زالت الإنسانية كلها تحاول البحث عن معنى للفظ الله"
انظر إلى قوله (فما زالت الإنسانية كلها).. فلماذا كلها وليس بعضها؟! فهل هذا خطاب علمي موضوعي لرجل يزعم أنه أفنى عمره في البحث والتنقيب، فكأنه يخوفنا بتعميماته – الإنسانية كلها- لكن المسلمين وحتى أصحاب الديانات الأخرى ضد هذه الأطروحة الإلحادية.. أليس المسلمون وأصحاب الديانات الأخرى من الإنسانية؟!.. بالطبع هذا هراء علمي! وهذه طريقة الخطاب الماركسي في التعتيم والحتمية لإرهاب القارئ بأن ما يكتب مسلمة تاريخية!!
وفي تطاوله المستمر على لفظ الجلالة يقول حنفي:
(فالله عند الجائع هو الرغيف، وعند المستعبد هو الحرية، وهند المظلوم هو العدل، وعند المحروم عاطفياً هو الحب، وعند المكبوت هو الإشباع، أي أنه في معظم الحالات صرخة المضطهدين، والله في مجتمع يخرج من الخرافة هو العلم، وفي مجتمع آخر هو التقدم، فإذا كان الله هو أعز مالينا فهو الأرض، والتحرر، والتنمية، والعدل، وإذا كان الله هو ما يقيم أودنا وأساس وجودنا ويحفظنا فهو الخبز، والرزق، والقوت، والإدارة، والحرية، وإذا كان الله ما نلجأ إليه حين الضرر، وما نستعيذ به من الشرر فهو القوة والعتاد، والاستعداد، كل إنسان وكل جماعة تسقط من احتياجاتها علي، ويمكن التعرف على تاريخ احتياجات البشر بتتبع معاني لفظ "الله" على مختلف العصور (..) ومن ثم فتوحيدنا هو لاهوت الأرض، ولا هوت الثورة، ولا هوت التنمية، ولا هوت النظام، ولا هوت التقدم، كما هو الحال في العديد من الثقافات المعاصرة في البلاد النامية التي نحن جزء منها"
أقول: هكذا يفتري هذا الرجل على الله تخرصاً (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً).. يفتري على اسم الله الأعظم.. تعالى الله عما يقول حنفي علواً كبيراً.. أهذا ما يريد اليسار الإسلامي لديننا!! أهكذا يكتب رجل عن رب العزة سبحانه وتعالى.. بكل هذه الوقاحة!! خبرونا إن لم يكن ما كتبه حسن حنفي في الفقرة السابقة إلحاداً وإنكاراً لوجود الله؟!! فماذا يكون إذن؟!! أهكذا يصل الخطاب تحت مظلة البحث العلمي بحق الله تعالى! في منتهى السخف والاستهزاء بجناب رب العزة.. فضلاً عن الاستهزاء بعقيدة أهل التوحيد.. (سبحانك هذا بهتان عظيم).. لو طلب من حسن حنفي أن يكتب بحثاً أو مقالة في فرعون من الفراعين ما اجترأ أن يتحدث بهذه الطريقة الإلحادية التي تدل على زندقة سافرة.. (الله هو الرغيف!! والحب والتنمية والأرض والحرية و الرزق والقوت!!).. والله لقد قال هذا الزنديق الذي يصر على أنه مسلم قولاً (تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا).. ورغم هذا الكفر البواح يتبجح حسن حنفي عبر وسائل الإعلام مدعياً أنه مسلم يقدم مشروعاً حضارياً لينقذ به أمة الإسلام!!
سادساً: السلام أفضل من الإسلام:
حتى الإسلام الذي اختاره الله لأنبيائه وأوليائه بقوله سبحانه وتعالى: (إن الدين عند الله هو الإسلام).. وقوله سبحانه: (هو سماكم المسلمين من قبل).. والذي لا يقبل الله ديناً سواه (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه).. حتى هذا اللفظ المبارك الذي يعتز به المسلمون يضن به حسن حنفي علينا ويزين له خياله الفلسفي الذي أورده مهالك الزندقة والإلحاد إلى تفضيل لفظ "السلام" على "الإسلام" حيث يقول: (ولفظ السلام أيضاً يعبر أكثر عن مضمون الإسلام من اللفظ ذاته لأن السلام هو الذي يحقق السلام الداخلي للإنسان بعد تحرره من كل قيود القهر والاستعباد، ثم هو الذي يحقق المجتمع الواحد الذي لا طبقات فيه ولا استغلال ولا احتكار ومن ثم ينشأ السلام في المجتمع، وهو أيضاً الذي ينظم علاقات الأمم بعضها مع البعض الآخر على أساس من السيادة المتبادلة وأحلاف السلام)
هكذا يستبين لنا من الفقرة المذكورة آنفاً أن الدكتور حسن حنفي يجهل اللغة العربية أو يتجاهل قواميس العرب وأن لفظ السلام أحد مكونات الإسلام وهو جزء من بعض معاني الإسلام فالإسلام أعم وأشمل من هذا الفهم الضيق القاصر.. ولو كان الإسلام بمعنى السلام الضيق الذي يريده حسن حنفي لما وصل الإسلام إلى المعمورة ولما خرج الإسلام من جزيرة العرب!!
سابعاً: الألفاظ الأصولية توحي بأن الإنسان آلة:
لم تسلم بالطبع مصطلحات أصول الفقه التي اتفق عليها علماء الأمة السابق منهم واللاحق من طعنه حيث يقول: (الواجب والحرام والمندوب والمكروه والمباح فهي ألفاظ توحي بأن الإنسان ما هو إلا آلة للتطبيق وأنه فاقد حريته، في حين أن التعبير بألفاظ أخرى مثل الطبيعة والانطلاق والازدهار فيها تأكيدا للذات وإثبات لحريتها وتحقيق وجودها)
ثامناً: الحديث عن الله وصفاته هو حديث عن الإنسان الكامل في الشعور:
الله سبحانه وتعالى في نظر حسن حنفي عبارة عن صورة صنعها الإنسان في عقله للأنموذج الأمثل كأن الله أمنية أو صورة جميلة صنعها الإنسان لنفسه لصفات الرجل الكامل الخالي من العيوب حيث يقول: (ويعبر لفظ الإنسان الكامل عن علم التوحيد وعلم التصوف معاً، فمع أن علماء أصول الدين يتحدثون عن الله ذاته وصفاته وأفعاله فإنهم في الحقيقة يتحدثون عن الإنسان الكامل، فكل ما وصفوه على أنه الله إن هو إلا إنسان مكبر إلى أقصى حدوده)
(تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً).. أليس هذا إلحاداً في أسماء الله وصفاته وأفعاله؟!! يقول الله تعالى متوعدا لأمثال حنفي: (إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا).. لكن حسن حنفي تجاوز الإلحاد في الآيات والأسماء والصفات فالرجل ينكر وجود الله أصلاً..
تاسعاً: لا تقديس للقرآن والسنة:
قد تناول حنفي في طعنه أعظم ما تعتز به هذه الأمة من شعائر دينها والعاصم لها من الضلال بعد الهدى ومصدر شريعتها إذ يقول: "نشأ التراث من مركز واحد وهو القرآن والسنة ولا يعني هذان المصدران أي تقديس لهما بل هو مجرد وصف لواقع"
عاشراً: استعداؤه للإسلام ومقدساته وتملقه السلطات الحاكمة:
في الوقت الذي يشن فيه حسن حنفي الحرب على الله وعلى مقدسات المسلمين وعلى الرسل وعلى الملائكة بجرأة فجة.. وعلى الجانب الآخر نجده شفوقاً حنوناً لين الجانب في الحديث عن الحكومات الحالية!! فقد هربت شجاعته العلمية التي يزعمها وطفق يستعدي الحكومات ضد الإسلام!! فحسن حنفي يطمئن هذه الحكومات حتى لا تفهمه خطأ عندما يستخدم مصطلح الثورة في كتاباته.. فيقول لهم إن الثورة التي يقصدها هي ثورة ضد الدين ضد الله لا ضدكم أنتم!! فلا تصادروا كتبي لأنني أدافع عنكم وأثبت عروشكم بهدمي لمعتقدات المسلمين إذ يقول : (تغيير الواقع بالوثوب على السلطة دون انتظار لتجنيد الجماهير –مصدر السلطة- ومن ثم كانت هذه الدعوات أقرب إلى محاولات الانقلابات منها إلى تغيير اجتماعي بالفعل) ويؤكد حنفي في فقرة أخرى: (الاعتماد على التنظيمات السرية وغالباً ما تكون مسلحة مما يقوي العقلية المتآمرة، والإحساس بالاضطهاد، والانفصال عن الآخرين، والرغبة في السيطرة)
وإذا أنزلنا ما يقوله على المنظومة الماركسية نجد أن حنفي يكيل بمكيالين.. فهل قامت الثورة البلشفية الشيوعية عام 1917 من دون أن تمر بالتنظيم السري أو الدعوة السرية؟!! وهل الوثوب على السلطة دون انتظار تجنيد الجماهير حلال للماركسية ومن على حمرتها، وحرام على بني الإسلام؟!!
أحرام على بلاله الدوح حلال للطير من جنس
حادي عشر: الحجاب كبت جنسي:
لم يترك حسن حنفي أي شعيرة أو فضيلة في الإسلام إلا نقضها وطعن فيها وتطاول وافترى على المشرع الحكيم الذي فرض الحجاب وأمر به!! فيقول حنفي: "سيادة التصور الجنسي للعالم، البداية بالحجاب وعدم الاختلاط، والأمر بغض البصر، وخفض الصوت، وكلما ازداد الحجاب ازدادت الرغبة في معرفة المستور، والدعوة السياسية الاجتماعية أرحب وأوسع عن هذا التصور الجنسي للعلاقات الاجتماعية، ولماذا يصنف المواطن إلى رجل وامرأة؟ ولماذا ينظر إلى الإنسان باعتباره ذكراً أم أنثى؟ إن تأكيد النظرة الإنسانية أو الإعلان عن الثورة السياسية من شأنه إحداث ثورة في السلوك الفردي دون ما حاجة إلى التصنيف الجنسي للمواطنين، خاصة وإن كان لا يدل على فضيلة بل يدل على رغبة جنسية مكبوتة أو حرمان جنسي في حالة من التسامي والإعلاء"
انظر إلى هذا الميزان المقلوب الذي يزن به حسن حنفي أسباب فشل تغيير الواقع بالقديم أي عن طريق القرآن!! فهناك تناسب طردي بين الحجاب والرذيلة!! فكلما ازداد الحجاب زادت الرذيلة!! فالحجاب في نظره رغبة جنسية مكبوتة!! والحجاب سبب تفشي الرذيلة والفوضى الجنسية في العالم!! ويتطاول حسن حنفي على النص القرآني (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين).. ويتساءل حنفي لماذا ينظر إلى الإنسان باعتباره ذكراً أم أنثى؟!! ولماذا يصنف المواطنون إلى رجل وامرأة؟!!
صفوة القول:
هكذا ظهر المخبوء وانكشف المستور، واستبان لكل منصف كذب الدكتور حسن حنفي وضلاله بل وزندقته.. فبعد كل هذا الإفك والافتراء على الله وعلى رسوله وعلى دينه يزعم حسن حنفي أنه مسلم!!! أي إسلام يريده حسن حنفي والإسلام في نظره عبارة عن ألفاظ جوفاء لوصف واقع فقط!! أعتقد بعد هذا التطواف في أحد كتب حسن حنفي (التراث والتجديد) أن الإسلام الذي يقدمه لنا من خلال مشروعه اليساري لم ينزل على محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم.. هذا الدين الذين يدعونا إليه حسن حنفي لم يعرفه الصحابة رضوان الله عليهم وسلف هذه الأمة!!
ورغم تمسح الدكتور حسن حنفي بالإسلام! ورغم مقالاته المتعددة في العديد من المجلات والدوريات التي تصدر على مستوى العالم الإسلامي وخاصة مقالاته الدورية في جريدة الزمان اللندنية وندواته الفكرية التي يبطنها بالدفاع عن الإسلام في مواجهة الغرب ذراً للرماد في العيون! إلا أن كل ذلك لا يؤثر في جرحه علمياً وعقدياً وأنه زنديق من كبار الزنادقة الجدد في العصر الحديث وصاحب مشروع تخريبي لتدمير هوية الأمة الإسلامية..
تنبيه: لا يزال الدكتور حسن حنفي مستمراً في زندقته إذ تهجم هذا الشقي الزنديق على الذات الإلهية حسب ما نقلته بعض وسائل الإعلام المصرية.
حيث شهدت ندوة نظمتها مكتبة الإسكندرية بتاريخ 28/8/2006م تطاولاً غير مسبوق على الذات الإلهية والسخرية من بعض آيات القرآن الكريم والسنة، على لسان الدكتور حسن حنفي أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة.
فقد فوجئ جمهور المكتبة أثناء حضوره ورشة العمل أقامتها المكتبة عن الحرية الفكرية، بسخرية الدكتور حسن حنفي من الأسماء الحسنى لله سبحانه وتعالى، بعد أن وصف أسماء المهيمن والمتكبر والجبار بأنها أسماء تدل على الديكتاتورية للذات الإلهية وأنه يجب حذف تلك الأسماء.
وزعم أن هناك تناقضًا بين آيات القرآن الكريم وخاصة التي وردت عن الرسول الكريم، مشيرًا إلى القرآن ذكر في بعض آياته أن الرسول هو مذكر للعباد وليس مسيطرًا عليهم وفي هذا تعبير عن الحرية، على حد تعبيره. تعالى الله عما يقول هذا الزنديق علواُ كبيراً. لذلك نقدم بين أيديكم هذا المقال للدكتور هاني السباعي حيث كان قدر تناول أحد كتب حسن حنفي وبين زندقته وكفره بما لا يحتاج القارئ إلى عناء تأويل.
ساحة النقاش