تعريف بالشاعر الدكتور زاهر حنني

                             بقلم: روضة مفيد عبد الهادي

    في أحضان بلدة بيت فوريك التي تتربع على سفح جبل ، هو امتداد  - على نحو ما – لسلسلة جبال عيبال ، ولد الشاعر زاهر محمد عبد القادر الجوهر حنني ، في آذار من العام 1969 ، لأسرة بسيطة ، تنهل من دفء الريف الفلسطيني ، وعبق الحياة التي تستمر على أنغام الطبيعة الفطرية ، فاكتسب من جبل ( الجدَّوع ) شموخه ، ومن ( طانا – الرسالة  الكنعانية إلى كل العصور ) انتماءه ، ومن سهلها الفسيح رحابة صدره ، ومن طيبة أهله صدق الانتماء إلى أمته العربية ودينه الإسلامي الحنيف .

 

   نشأ كأبناء جيله في ظل سطوة الجلاد المستعمر الصهيوني ، فتلقى تعليمه الأولي في مدرسة البلدة ، بيت فوريك التي ظلت إلى وقت متأخر محرومة من الماء والكهرباء بأمر من الحاكم العسكري الصهيوني ، بسبب مقاومتها الشرسة لوجوده ، فدفع أبناء البلدة ثمنا باهظا لمقاومتهم ، لكنهم لم يهنوا ولم يحزنوا ، وظلوا مصرين على المقاومة أسوة بكل الفلسطينين في كل مكان .

 

   زج العدو الصهيوني الشاعر في أتون زنازين معتقلاته ولم يكن قد تجاوز السابعة عشرة من عمره ، ولم يطل الأمر حتى خرج من المعتقل ، وتابع دروسه حتى أتم الثانوية العامة بنجاح ، ولم يكد ينهي الثانوية حتى كانت انتفاضة الأرض المباركة ضد المحتل الصهيوني ، فاعتقل للمرة الثانية وخرج وقد ضاعت فرصة التحاقه بالجامعة في تلك السنة ، ولم يمض وقت طويل حتى أغلق الاحتلال الجامعات الفلسطينية ، فالتحق بجامعة النجاح الوطنية يتلقى تعليمه سرا أسوة بطلبة الجامعة آنذاك ، فاعتقل للمرة الثالثة ( إداريا ) وعاش في معتقل (أنصار3) في صحراء النقب ، وأتيحت له فرصة معرفة بعض الأدباء الذين أثروا في إصراره على كتابة الشعر ، ومنهم الشاعر والقاص سامي الكيلاني ، والشاعر وسيم الكردي ، والشاعر المتوكل طه .. وغيرهم ، ثم خرج منه ، ولم يمض وقت طويل حتى اعتقل مجددا ، الأمر الذي لم يتمكن معه من متابعة الدراسة ، برغم محاولاته المتكررة ، وخرج مجددا وتابع الدراسة السرية في النجاح حتى اعتقل للمرة الخامسة في العام 1990 ومكث أكثر من شهرين يعاني كأبناء وطنه من عتمة الزنازين ، وبعد خروجه بوقت قصير أتيحت له فرصة الالتحاق بجامعة صلاح الدين في أربيل في العراق ، فغادر الوطن مجبرا من أجل العلم .

 

    وعاش الحرب التي اعتدت فيها ثلاث وثلاثون دولة على العراق في العام 1991 ، ونجا من الموت ، وانتقل بعد  الحرب إلى جامعة الموصل لأسباب سياسية لا تتعلق بشخصه . وفي جامعة الموصل أسس مع نخبة من الشعراء الشباب رابطة الشعراء الشباب في شمال العراق ، وكان من الأعضاء المؤسسين لرابطة الصحفيين الشباب هناك أيضا بعد حصوله على دورات في الصحافة ، وشارك مع مجموعة من الطلبة في تأليف عدد من المسرحيات وتمثيلها وإخراجها بعد حصوله على دورات في التمثيل والإخراج ، وفي الجامعة نفسها نال ثلاث جوائز في الشعر والخطابة في ثلاث سنوات متوالية في المسابقة الإبداعية السنوية للجامعة .

 

    وفي جامعة الموصل أيضا شارك الشاعر في تطواف مهرجان المربد في محافظات   العراق ، في العام 1993 ، فألقى قصيدة شعرية نالت إعجاب المشاركين والحضور ، ومنهم الشاعر أحمد دحبور الذي كان مشاركا في مهرجان المربد آنذاك ، وعرفه الشاعر ، وكانت تلك أولى مشاركات الشاعر زاهر حنني في مهرجان المربد الشعري . ونشر في السنة اللاحقة ديوانه الأول ( شظايا حب وزعتر ) الذي يكتفي الشاعر بالقول عنه : " إنه التجربة الأولى ". وفي الجامعة نفسها أيضا يعتز الشاعر بمعرفته الأستاذ الدكتور جليل رشيد فالح – رحمه الله – الذي له باع طويل في صقل تجربته وتوجيهه ، وتتلمذ أيضا على يدي الأديب الأستاذ الدكتور إبراهيم جنداري ، والصحفي الشاعر ( الكفيف ) الأستاذ الدكتور محيي الدين توفيق ، والقاص الأستاذ فاتح عبد السلام . وعرف في العراق أيضا آنذاك الكاتب والأديب الشاعر الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا  ، وقرأ مؤلفاته .

 

   وفي جامعة الموصل أيضا تعرف الشاعر بمن أصبحت فيما بعد شريكة حياته . لهذا كله يعد الشاعر جامعة الموصل نقطة الانطلاق الحقيقية في مفاصل مشوار حياته .

 

    وبعد تخرجه في جامعة الموصل وحصوله على بكالوريوس في اللغة العربية وآدابها ، عاد الشاعر إلى أرض الوطن ، ومنعه الاحتلال من السفر مدة عام ، ثم سمح له بالمغادرة بعد ذلك ، ليتابع دراساته العليا في جامعة البصرة التي كان لها أثر بيَّن أيضا في صقل تجربته وخصوصا أنه استفاد من تجربة الأستاذ الدكتور أحمد النجدي – رحمه الله – الذي أشرف على رسالته للماجستير " شعر المعتقلات في فلسطين – 1967 – 1993 " الذي نشره المركز الثقافي الفلسطيني ( بيت الشعر ) في العام 1999 .

     وعاد الشاعر إلى الوطن وعمل في التدريس في رام الله وأقام فيها إلى أن عاد ليتابع دراسة الدكتوراه في جامعة بغداد ، وبغداد تمثل شيئا كبيرا للشاعر ، إذ يقول عنها : " يمكن أن يخطئ الواحد ، ومجموعة من الأفراد جمعت بينهم معطيات متشابهة يمكن أن يغايروا شيئا من الحقيقة، لكن لا يمكن قطعا أن يجتمع الجميع على خطأ. مدينة واحدة جسدت المسافة الواصلة بين الرؤية والرؤيا في الشعر الفلسطيني المعاصر كله، تلك المسافة التي كثيرا ما تتراءى لي كالمسافة بين الموت والحياة ، بين الشعور واللاشعور، أو بين الأزل والأبد. تلك هي بغداد التي ما زال لفظها امتيازا ، فهي بوابة التاريخ حقيقة ومجازا ، فمن أراد دخولا لخير أو لشر عليه اجتيازها اجتيازا . ولأنها كذلك فقد احتلت مكانة خاصة في وجداني منذ أن وعيت ، وأدعي أنني كنت آنذاك صبيا ، ولدت في خياله فكرة تبدت بعض ملامحها شيئا فشيئا ونمت حتى تبلورت ، وصارت تكبر كحلم يتجسد في الواقع دون قصد . حتى كان ذلك اليوم الذي التقيتها فيه ؛ عاشقا يتعبد في محراب الصمت .

وبين بداية الحلم وتحقيقه كانت مسافة طويلة ، خلتها في وقتها دهورا ، كانت وعرة وشاقة ، ساعدتني الظروف نفسها – التي حالت في البداية بيننا – في الوصول إليها طالب علم . فكانت البوابة التي ولجت من خلالها إليها ، وبدأت أعرف ما لم أكن أعرفه ؛ عرفت أنني قبلها كنت أحبو أمام عتبة العلم ، وفيها بدأت أعرف ، عرفت كنه نفسي ، في بداية أعتقد أنها كانت موفقة ، وبدأت أعرف الآخر ، وما أصعب أن تعرف الآخر " ، وفي هذه المرحلة ( 1999-2002 ) التقى حنني الشاعر الفلسطيني الكبير خالد علي مصطفى الذي يعتز بصداقته كثيرا ، وقد كان مصطفى رئيس قسم اللغة العربية في الجامعة المستنصرية ، وشاء الله أن يكون عضوا في لجنة مناقشة رسالة الدكتوارة للشاعر حنني التي تناول فيها ( تطور الشعر الفلسطيني في الأرض المحتلة 1990 – 2000 ) وكذلك عرف الشاعر العراقي عبد المطلب محمود – أمين عام الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق – الذي كانت له علاقة وطيدة معه ، والشاعر حنني كان عضوا في الاتحاد . كما كان عضوا في اتحاد الأدباء الفلسطينيين منذ العام 1995. كما تعرف بعدد من الكتاب والأدباء والشعراء هناك في هذه المرحلة . وعاد إلى أرض الوطن بعد حصوله على درجة الدكتوراه في ( فلسفة اللغة العربية / نقد الشعر الفلسطيني الحديث ) ليتم تعيينه مشرفا أكاديميا لتخصص اللغة العربية في جامعة القدس المفتوحة / منطقة قلقيلية التعليمية، منذ العام 2003 وما زال يعمل فيها حتى وقتنا هذا .

    نشر الشاعر ديوان شعره الأول ( شظايا حب وزعتر ) عام 1993 ، في مطبعة دار الكتب للطباعة والنشر في جامعة الموصل ، ونشرت له مجموعة قصصية بالاشتراك مع الأديب يوسف حنني ( خال الشاعر وأستاذه الأول ) بعنوان ( ما زال الشهداء يقاتلون ) في مطبعة دار الأيتام الإسلامية في القدس ، كما نشر كتابه ( شعر المعتقلات في فلسطين – 1967 – 1993 ) في المركز الثقافي الفلسطيني – بيت الشعر – عام 1999 ، ونشر ديوانه الثاني ( إرهاصات ) في مطبعة ألوان ستايل / قلقيلية في العام 2005 ، وفي العام نفسه نشر كتابه ( عنتر قاهر الموت – سيرة غيرية ) في مطبة ألوان ستايل أيضا . وله مؤلفات عديدة أخرى.

 

    وللشاعر أيضا مجموعة من الدراسات والأبحاث ، أبرزها ( المبني للمجهول في القرآن الكريم – دراسة في النحو والدلالة – مجلة جامعة الخليل للدراسات والأبحاث / 2006 ) و( بغداد بين الرؤية والرؤيا في شعر فلسطيني معاصر – مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدراسات / 2007  ) و ( حق العودة في الشعر الفلسطيني ) و ( الأغنية الشعبية الفلسطينية ودورها في حركة التحرر الوطني – بالاشتراك مع الباحث الأستاذ عبد العزيز عرار ) و ( والترجمة إلى العربية وأثرها في شيوع الأخطاء اللغوية – بالاشتراك مع الباحث الأستاذ ماجد حسنين ) و ( أثر تحول الخطاب السياسي في الشعر الفلسطيني المعاصر ) و ( بصمات – ديوان شعر مخطوط - ) وغيرها "<!--".

 

    ويعكف الآن على إنجاز مجموعة من الدراسات والأبحاث ، التي نأمل من الله أن يمد في عمره لإنجازها وإنجاز غيرها .

 

 

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

<!--- مقابلة شخصية مع الشاعر .

المصدر: بحث في شعر الشاعر- جامعة القدس المفتوحة- بإشراف أ.د. يحيى جبر
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 407 مشاهدة
نشرت فى 28 سبتمبر 2017 بواسطة Dr-Z-Hanani

عدد زيارات الموقع

5,903