من حفل تخريج الطلاب المكفوفين في مشروع الدمج التربوي (بلال قبلان)

في قاعة المؤتمر انهمك ناصر بالبحث فوق طاولته عن ورقة البرايل، بعد استماع طويل مارسه، وما كاد يصل إليها حتى أقبل على قراءتها بنهم واضح لكلّ ما فيها.. مهما كان.

المؤتمر نفسه الذي نظمته جمعية الشبيبة للمكفوفين كان بمثابة التكريم لناصر وثلاثة أشخاص مكفوفين آخرين، تمكنوا من الفوز بالمراكز الأولى في مسابقة نظمتها الجمعية لكتابة المقالات.

أربعة أشخاص إذاً.. يحمل كلّ منهم كمّاً كبيراً من الأفكار الخلاّقة، ولا يتوقف عند حدّ، ليمارس نضاله اليومي في طريق الطموحات، مهما كان طويلاً، أو مليئاً بمختلف أنواع الحواجز، فالإرادة صلبة والعمل دؤوب.. وبذرة الإبداع مرويّة يانعة قوية العود.

 

ناصر بلّوط.. شغف بالقراءة

 

يحتجّ الشاب مازحاً على جائزة المركز الثاني التي حازها، ويعتبر أنّه كان يستحقّ الأولى: «بربّك قل لي ألا أستحقّها!؟»، يقول ذلك ويضحك من القلب.

يحبّ ناصر كلّ ما له علاقة بالقراءة والكتابة، ما دعاه للانتساب منذ بداية العام الدراسي إلى اختصاص الإعلام في الجامعة العربية، بعدما نال شهادة البكالوريا في اختصاص الاقتصاد والاجتماع. «كنت الثالث على الفصل في الامتحان الرسمي وصاحب أعلى علامة بمادة الفلسفة بينهم»، يعلنها ناصر بفخر.

وبالإضافة إلى اختصاصه الجامعي ودراسته اليومية، فإنّ ناصر لا ينقطع عن نشاطات أخرى أهمها ممارسة العمل الاجتماعي، عبر تطوعه بقسم الشباب في الصليب الأحمر اللبناني. كما أنّه درس الموسيقى على آلة الغيتار لعدة سنوات أيضاً.

وبالنسبة لهواه الأوّل، وهو القراءة، فإنّه يستعين بالمواد البرايلية والإنترنت عبر برامج عديدة تؤمنها الجمعية. هذا ما دعاه للخوض في مسابقة المقالات عبر فكرة أساسية لديه هي «الخوف على اللغة العربية»، كما يقول.

ذلك الخوف الذي يجسّده في مقاله يعود إلى «خطر الشاتينغ واستخدام الكلام الغريب على لغتنا». ويعطي المقال مثلاً يتحدث عن عدم وجود شخص أوروبي أو أميركي يخلط كلامه بالعربية. ويتطرق ناصر إلى دور الأهل في حماية اللغة، وكذلك دور المدارس التي «تعطي من 6 إلى 7 ساعات لغة فرنسية أو انكليزية أسبوعياً بينما لا تبقي للعربية أكثر من 3 ساعات».

ناصر يتلقى دعماً يومياً من عائلته، ويعيش أملاً كبيراً في دراسته الإعلامية، التي ستمكّنه يوماً ما من خوض مجال الصحافة المكتوبة، كي يكون مؤتمناً بالفعل على اللغة التي يحبّها ويدافع عنها.

 

خلود الحجّار.. مترجمة طموحة

 

لم تكفّ خلود لحظة عن الابتسام. نالت الشابة الطموحة في العام الفائت شهادتها الثانوية في الاقتصاد والاجتماع، بامتحان رسمي خاضت مسابقاته، وارتاحت لنتائجه التي حملت إليها معدل اثنتي عشرة علامة ونصف برغم أنّها لم تتمكن من إنجاز بعض الإحصائيات خلاله.

هي اليوم تدرس اللغة الفرنسية في الجامعة اليسوعية كدورات تؤهلها لطرق باب جديد هو اختصاص الترجمة، الذي تنوي العمل من خلاله لاحقاً.

موضوع مقالها الذي فازت من خلاله بالجائزة الثانية يتعلق بدمج الأشخاص المكفوفين اجتماعياً ومهنياً. أما قصة المقال فتعود إلى سنوات دراستها الثانوية حين كانت ترتاد مدرسة «غير مجهزة»، وكانت تجابه صعوبات عديدة، خاصة أنّ الزملاء والهيئة التدريسية لم يكن لديهم أيّ تجارب في التعامل مع الأشخاص المكفوفين.

تقول خلود إنّها تحبّ التواصل مع المجتمع من حولها بشكل عادي وضروري، لكنّ أموراً معيّنة تثير انزعاجها من هذا التواصل، خاصة حين يتحدث الناس أمامها بالإشارات من دون أن تتمكن من رؤيتهم. ومن ناحية أخرى تجد أنّ بعض الأشخاص يخافون التحدّث إلى الأشخاص المكفوفين لظنّهم أنّهم يتأثرون سلباً وهي فكرة خاطئة، حيث «يتكلمون مع غيري ليسألوا عنّي»، تقول خلود.

تعتمد خلود اليوم في دراستها على بعض البرامج الخاصة على الكومبيوتر التي تتيح لها التمرّس في الترجمة، لكنّها تعتب على تلك البرامج لاقتصارها على لغات محددة فحسب.

وبرغم أنّها لا تنوي كتابة المزيد من المقالات لاحقاً، حيث جاء مقالها «عن طريق الصدفة»، بحسب ما قالت، فإنّها لن تتوقف عند حدّ في طريق الاختصاص الذي اختارته، عسى أن يكون طريقاً آخر للدمج الذي تبتغيه.

 

محمد النقّاش.. الأوّل

 

يعكس كلام محمّد طاقة كبيرة لديه على سلوك الطرق الصعبة للوصول إلى أهدافه، من دون أن يلقي بالاً لعقباتها. فهو اليوم وبعد نيله لشهادته الثانوية في الاقتصاد والاجتماع يدرس اختصاص إدارة الأعمال في الجامعة العربية المفتوحة.

وعن دراسته هناك يقول محـمد إنّ البداية كانت صعبة، لكنّه سرعان ما تأقلـم معها، خاصة مع وجود بعض الأشخاص المعـوّقين داخل الجامعة، من دون أن يكون في فصله أيّ واحد منهم، و«مشي الحال».

أمّا المقال الذي فاز من خلاله بالجائزة الأولى فقد اختص باللغة العربية، ونبع من التراجع الذي يشهده محمّد فيها على صعد مختلفة.

استعان محمّد بأحد أصدقاء والده الذي يملك مكتبة مليئة بالمراجع ليستقي بعض أفكاره ويقولبها بما يتناسب مع رؤيته لمستقبل اللغة العربية، التي يجد أنّ تطويرها ضروري وواجب منعاً لتخلّفها وارتدادها إلى الوراء.

لا يتوقف طموح الشاب عند ذلك المقال فحسب، فهو يأمل تقديم مقالات أخرى بحسب الأفكار المتوفرة لديه. وفي خطوة جيّدة على هذا الدرب يخوض محمد تجربة الكتابة في مجلة الجامعة، ليقرن اختصاصه الإداري بموهبته الأدبية.

 

طوني عطا الله.. أذن موسيقية

 

لا يعمل طوني، الذي نال إجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية عام 2003، في اختصاصه. يعتبر أنّ صعوبات عديدة تمنع عليه ذلك. أمّا ميدانه الحقيقي فهو الموسيقى بكلّ ما فيها من مبادئ وآلات وحفلات وتدريب. تعرّف بها طالباً صغيراً في مدرسة للأشخاص المكفوفين ضمن دراسته الأكاديمية، وأصبح اليوم بعد مرور تلك السنوات أستاذاً لها، يعلّم المبادئ ويعزف الكمان والعود، ويساعد الطلاّب في العزف على الآلتين.

وما بين هذا وذاك سلك طوني تجربة موسيقية واسعة عبر عدّة فرق ناجحة انضمّ إليها، ونجحت، كما يقول. وقدّم طوني مع الفرق التي عمل معها العديد من الحفلات المدرسية والعامة، بعضها خارج لبنان، كما هي الحال حين سافر مع فرقته المؤلفة من أشخاص مكـفوفين ومقعدين إلى أبو ظبي عام 2007، «وبتنا معروفين على صعيد أوسع حين جاء جمهور من مختلف الدول العربية إلينا بعد عودتنا إلى الحفلات في لبنان».

وفي مقاله الموسيقي النقدي الذي فاز بالمركز الثاني، يحدد طوني نقاط نقده للأوضاع الموسيقية العربية المتدهورة الراهنة. فمنها ما له علاقة بالكلمات الهابطة التي «لا معنى لها»، وما له علاقة بالموسيقى «المعزوفة بإيقاع مركّب تركيباً»، وكذلك بالآلات الموسيقية التي اختفت من الموسيقى الحديثة، كما حصل مع «الكمان والعود.. أما الآلات النفخية فلم يبق منها سوى الناي».

يجد حلاً عبر دعوة الإذاعات إلى إعادة بثّ الأغاني القديمة، وعودة الفنانين إلى الأصالة بعيداً عن الوسائل التكنولوجية، وتنظيم مسابقات فنّية، غير تجارية، ولا تعرف «المحسوبيات». ومن هنا يتطرّق طوني إلى وضع الأشخاص المكفوفين الذين لا يُسمح لهم بالتقدّم إلى «استديو الفنّ وغيره.. رغم قدراتهم الهائلة».

 

 

المصدر: السفير
Daesn

www.daesn.org

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 326 مشاهدة
نشرت فى 17 مايو 2011 بواسطة Daesn

عالم الكفيف

Daesn
رؤية المؤسسة تفعيلا للقرارات الرشيدة من قبل الحكومة المصرية مثل قرار الدمج والتصديق على اتفاقية حقوق المعاقين، رأت المؤسسة التنموية لتمكين ذوي الاحتياجات الخاصة أن تقوم بدور فاعل في مجال التنمية المجتمعية وذلك بدعم وتمكين ورعاية المعاقين بصريا في شتى مناحي الحياة منذ نعومة الأظفار وحتى الدخول في مجالات العمل »

ابحث

تسجيل الدخول

DAESN

من نحن :

المؤسسة التنموية لتمكين ذوي لاحتياجات الخاصة مؤسسة أهلية مشهرة برقم 1277 لسنة 2008.
تهتم المؤسسة بتمكين  المكفوفين و دمجهم في المجتمع بشكل فعال يرتكز العمل داخل المؤسسة علي مدربين وموظفين مكفوفين وتعد هذه من نقاط القوة الاساسية  لمؤسستنا.

رسالتنا :

تعمل المؤسسة جاهدة لتمكين المكفوفين وتأهيلهم لسوق العمل المرتكز علي مفهوم الحقوق و الواجبات لتحقيق العدالة الاجتماعية بين كافة شرائح المجتمع.

رؤيتنا :

تحقيق العدالة الاجتماعية المركزة علي مفهوم الحقوق و الواجبات لذوي الاحتياجات الخاصة لدمجهم مع كافة شرائح المجتمع.