موقع العبد الفقير إلى الله تعالى المؤرخ أ.د/السيد محمد الدقن رحمه الله

غفر الله ورحم د/السيد محمد الدقن وزوجته وأدخلهما فسيح جناته

authentication required

 

ثورة 1919 في ميزان التاريخ- أ. د. السيد محمد الدقن  
      عندما نضع ثورة 1919 في ميزان التاريخ، لزم علينا أن نذكر ما لها وما عليها، فمن الإنصاف أن نذكر أن لهذه الثورة أنها كانت أول حركة ثورية عنيفة منذ ثورة عرابي بعد فترة من الحركة الوطنية السلمية، وأجبرت الثورة بريطانيا على مفاوضة المصريين، كما كانت فرصة جمعت كل طوائف الشعب حول هدف واحد وهو الاستقلال، وأيضا شهدت الثورة خروج المرأة ومشاركتها في الأحداث؛ الأمر الذي مهد لدخولها الحياة العامة، كما أسفرت الثورة عن إنشاء بنك مصر بعد أن كان النشاط المالي حكرا على الأجانب، فكان إنشاء هذا البنك هو بداية تحرير الاقتصاد القومي، ويرجع الفضل في إنشائه إلى الوطني محمد طلعت حرب، الذي أسسه واتجه بنشاطه إلى المساهمة في إنشاء شركات صناعية، تتوافر خاماتها في مصر وأهمها صناعة غزل القطن والنسيج، وبذلك لم يمر وقت طويل حتى صارت مصر تحصل على معظم حاجاتها من نسيج القطن من انتاج الصناعات المصرية.

  غير أنه مما يؤخذ على هذه الثورة أنها – رغم ارتفاع الموجة الثورية سنة 1919- لم تصل إلى أهدافها؛ إذ حصلت البلاد على استقلال اسمي لا مضمون له وحياة دستورية مزيفة عرجاء، وإذا تقصيا أسباب هذا الفشل وجدناها تتخلص في خمسة أسباب:
(أولا) أن القيادات الثورية في ذلك الوقت استغرقت في المسائل السياسية ونظرت إلى الاستقلال على أنه استقلال سياسي، وإلى الحرية على أنها مجرد حرية سياسية، ولم تفطن إلى أن الاستقلال والحرية لا يستقيمان بغير أوضاع اجتماعية واقتصادية سليمة، ولذلك فإن ما حصلت عليه البلاد من كسب سياسي جزئي لم يكن له معنى أو مضمون حقيقي في حياة الشعب.

(ثانيا) أن البلاد بعد أن اجتمعت كلمة أبنائها- مسلمين ومسيحيين أبناء ريف وأبناء مدن شيبا وشبابا متعلمين وغير متعلمين- على الثورة لم تلبث أن وقعت فريسة الحزبية السياسية المدمرة، التي لم تكن تمثل في الواقع إلا مصالح أقلية من الإقطاعيين والرأسماليين، وكانت النتيجة الطبيعية أن أصبح الصراع الحزبي في مصر ملهاة تشعل الناس وتحرق الطاقة الثورية في هباء لا نتيجة له.

(ثالثا) أن القيادات الثورية في ذلك الوقت – سواء في مصر أو خارج مصر- لم تستطيع أن تتحرر من نظرتها الضيقة إلى موضوع الاستقلال وأساليب تحقيقه؛ إذ لم تنظر إليه إلا من زاوية قطر عربي واحد، من داخل حدود شعب عربي واحد، ولم تحاول أن تفيد من الحركات الثورية العربية في كل مكان، فتتكتل معها وترسم خطة مشتركة للنضال ضد الاستعمار.

(رابعا) أن الاستعمار البريطاني كان قادرا على تغيير أساليبه على نحو لم تفطن إليه كثير من القيادات الثورية ولم تقدر على مواجهته؛ إذ تحول من أساليب العنف والشدة إلى الإغراء والخديعة والمؤامرات، فقدم تنازلات شكلية وأمعن في اتباع سياسة (فرق تسد)، مستغلا ظروف البلاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومستفيدا من العناصر الرجعية والمستغلة.

(خامسا) أن العناصر الرجعية والمستغلة في مصر، على رأسها الملكية والإقطاع كان لها مصلحة في بقاء الاستعمار، فالاستعمار كان قوة يستند إليها الملك في الاحتفاظ بعرشه، وكان قوة يستند إليها الإقطاع في الوصول إلى الحكم ومن ثم إلى المغانم المترتبة عليه.

المصدر: أ.د. السيد محمد الدقن، دراسات في تاريخ الحديث والمعاصر(القاهرة: المؤلف،د.ت)
DRDEQENSAYED

ربي اغفر وارحم عبدك السيد محمد الدقن وزوجته - نسألكم الفاتحة والدعاء وجزاكم الله خيرا ولكم بمثل ما دعوتم

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 294 مشاهدة
نشرت فى 29 مايو 2018 بواسطة DRDEQENSAYED

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

149,630

ابحث

موقع العبد الفقير إلى الله تعالى المؤرخ أ.د/السيد محمد الدقن رحمه الله

DRDEQENSAYED
يهدف هذا الموقع إلى نشر أجزاء من علم العبد الفقير إلى الله سبحانه وتعالى المؤرخ المصري الدكتور السيد محمد الدقن غفر الله له ورحمه، أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر، وكذلك نشر كل ما قد يكون في ميزان حسناته وحسنات زوجته رحمهما الله، نسألكم الدعاء والفاتحة للفقيد والفقيدة ولكم بمثل ما دعوتم »