جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
ملخص رسالة دكتوراه بعنوان
"نشاط الكُرد في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين"
ل د. محمود زايد
إشراف أد. السيد محمد الدقن
أد. السعيد رزق حجاج
قسم التاريخ والحضارة كلية اللغة العربية بالقاهرة
جامعة الأزهر
عام 2012
توصلت دراسة نشاط الكرد في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين، إلى عدة حقائق ونتائج مهمة، ومن أبرز هذه الحقائق والنتائج، ما يلي:
أولاً: إن الشعب الكردي من الشعوب الأصيلة في منطقة الشرق الأوسط منذ فجر التاريخ، وأنه يتميز بهوية وذاتية خاصة به، وأن هويته وذاتيته القومية تختلف كلية عما تتسم به جميع شعوب المنطقة المجاورة له. وقد استطاع الكرد أن يحافظوا على شخصيتهم بسمتها ولغتها وتاريخها، على الرغم من تعاقب إمبراطوريات ودول على حكم واحتلال أرضهم كردستان، التي لم تظهر كوحدة سياسية مستقلة لأسباب داخلية وإقليمية ودولية، كما لم يتعدَ نضال الكرد العسكري والسياسي سوى تأسيس بعض الإمارات الكردية المستقلة وشبه المستقلة حتى قضت عليها الدولة العثمانية في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي.
ثانياً: إن الوجود الكردي في مصر يرجع إلى مسببات ظاهرتي الهجرة والتهجير. فهجرة الكرد إلى مصر ارتبطت تاريخيا بالتطورات السياسية فيها؛ فقيام الدولة الأيوبية في مصر بقوام كردي شجّع الكثير من الكرد على الالتحاقَ بإخوانهم في مصر؛ مشاركة لهم في حماية النظام وإدارة أقاليمه، وظفرا بما فيه من امتيازات، وتلبية لنداءت السلطان صلاح الدين لهم لتكوين جبهة عسكرية قوية، استطاع بمشاركتها تحرير وتطهير بيت المقدس من دنس الصليبيين الغربيين. وقد تكررت هذه الصورة في العهد المملوكي والعثماني وعهد محمد علي وأسرته، وإن كانت بنسب وطرق مختلفة. كما أن رغبة الكردي في التجارة الخارجية، والتعلم في مدارس القاهرة وأزهرها اتخذت مكانا مهما في عوامل الهجرة الكردية إلى مصر.
أما التهجير الذي أُجبر عليه الكرد، فمردّه كوارث طبيعية وبشرية؛ فالجغرافيا الكردية صلفة وشديدة في أغلبها، فمن لم ترق نفسه من الكرد لمثل هذه البيئة تركها وولى وجهه شطر بلاد جغرافيتها ألين، ومناخها معتدل، واقتصادها أفضل، وديموغرفيتها ألطف. ولا شك أن مصر كانت لها نصيب في هذه المعادلة. أما العوامل البشرية التي أدت إلى تهجير قسريّ لأعداد كبيرة جدا من الكرد، فتنسب إلى الدول والحكومات التي توالت على حكم منطقة كردستان، خاصة في أواخر عهد الدولة العثمانية وبعد قيام جمهورية تركيا على يد مصطفى كمال أتاتورك في عشرينات القرن العشرين الميلادي. وقد جاء ذلك فرارا من عمليات القتل والنفي والإفناء، وهروبا من سياسات التتريك والقهر والاستعلاء التي كان يقوم بها النظام التركي تجاه الأحرار من الشعب الكردي. ولا يمكن أن ننسى أيضا أثر صراعات بعض القبائل الكردية مع بعضها في تهجير بعض الكرد الطالبين للأمن والأمان، والاستتباب والاستقرار.
ثالثاً: إن الكرد الذين وفدوا إلى مصر واستقروا فيها قبل القرن العشرين الميلادي، لم يكن لديهم اهتمام سياسي وقومي واضح بقضيتهم الكردية، مثلما كان عليه الحال بالكرد الذين جاءوا إلى مصر بعد ذلك. فمن جاء منهم قبل القرن العشرين كان جل اهتمامه بما دفعه للمقام في مصر: إما تجارة، أو تعلما، أو انتظاما فيما وُكل إليه من مسؤوليات إدارية وعسكرية كبيرة كانت أو صغيرة. فضلا عن أن مصطلح القوميات ومفهومه في أوروبا لم يكن قد وصل بعد إلى منطقة الشرق الأوسط. أما الكرد الذين جاءوا إلى مصر مع بدايات القرن العشرين، فمعظمهم كان مهجرا أو فارا من السلطات التركية التي تلاحقه؛ على أثر أنشطته السياسية والقومية الهادفة إلى كردستان موحدة ومستقلة.
رابعاً: إن اختيار النشطاء والسياسيين الكرد لمصر لتكون ملجأ وملاذا لهم من ملاحقات المسؤولين الأتراك، وإن تفضيلهم لأن تكون القاهرة منبرا ينتبروه في نضالهم السياسي القومي والثقافي، لم يكن ذلك عن طريق الصدفة أو هكذا حدث؛ وإنما كانت الخطوات مدروسة ومعدة؛ فإن للكرد في مصر أهلا ونسبا وصهرا منذ مئات السنين، وأن الحرية السياسية والثقافية في مصر وقتها كانت في حلٍ من المضايقات العثمانية، فضلا عن المضايقات الأتاتوركية، كما أن المستوى التنوري في مصر وانفتاحها على العالم كان سابقا ومتفوقا على أقرانه في البلدان الشرقية، فضلا عن توقع الكرد الدعم الفكري والثقافي للحقوق القومية الكردية، من قبل منتديات ومراكز ونوادٍ وشخصيات سياسية وثقافية مصرية. وهذا ما حدث فعلا منذ أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
خامساً: إن النشاط الكردي في مصر سياسيا وثقافيا سار ضمن معادلة متوازنة، وهي استخدام واستغلال كل الأوعية المتاحة مكانيا وزمانياً، بشكل يصب في خانة الحقوق القومية الكردية، شريطة ألا يؤدي ذلك إلى تعكير أو إحراج النظام المصري مع أنظمة الدول التي تتقاسم أراضي كردستان. وإنْ كان حدث شيء من ذلك، فسريعا ما يستجيب الكرد في مصر لتنبيهات المسؤولين المصريين، حتى تمر الأزمة فيُستأنف النشاط.
سادساً: إن النشطاء الكرد في مصر لم يعتمدوا على إمكاناتهم الثقافية والسياسية وحدها؛ وإنما درسوا الخبرة المصرية، واستفادوا منها، واعتمدوا عليها - مع ما لديهم من امكانات- في خدمة توجههم القومي الكردي. وقد أوضحت الدراسة ذلك في إطار المراكز العلمية، والنوادي والجمعيات السياسية والثقافية، والنشاط الصحفي، ومجال الطباعة والنشر، ومجال الفن والسينما وغيره؛ وذلك لإخراج القضية الكردية من حدودها المغلقة جغرافيا وفكريا، إلى فضاء العالم الخارجي عن طريق القلم والكلمة، علّها تجدا آذانا مصغية، وقوى مؤثرة: مؤيدة وفاعلة.
سابعاً: اقتصاديا، لوحظ أن الكردي منذ العهد الأيوبي كان محظوظا بضِيَع وإقطاعات زراعية واسعة في مصر، كما أنه كان له باع في المجال التجاري، لاسيما المنسوجات والملح في العصر الحديث. لكن الأهم من ذلك عدم ملحوظيته ووضوحه في إطار متميز عن غيره داخل المجتمع المصري بعد فترة قصيرة، على خلاف ما كان عليه الحال مع الأرمن أو الجاليات الأجنبية الأخرى في مصر. ومرد ذلك: سرعة انسجام الكردي مع المجتمع المصري واندماجه فيه تزاوجا وانصهارا؛ ومن ثم أزيلت الأسيجة المميزة لأنشطة الكردي الاقتصادية في مصر، وأصبحت ممتلكاته وأنشطته تنتقل ملكيتها الكلية بصورة مجزأة إلى أفراد يشترط فيهم فقط كونهم مصريين. وعليه: فلم نستطع أن نتلمس خيط معلومات أو فقرات يُشكل منها فصل مستقل بذاته عن النشاط الاقتصادي للكرد في مصر.
ثامناً: إن موقع مصر المتوسط جغرافيا وجنسيا بين قارات العالم القديم جعلها محط أنظار الكثيرين، وأثّر ذلك في شخصيتها، التي اتسمت بسمات مميزة في تعاملها مع القادم عليها من أبناء الجنسيات الأخرى. فقد عُرف عن الشخصية المصرية أنها وعاء واسع الصدر، تستوعب من يأتي إليها ولا تلفظه، ثم تقوم بمزجه وصهره في وعائها مؤثرة ومتأثرة. ويُحسب للشخصية المصرية أنها أزالت من عند الكرد القاطنين فيها نزعة القبيلة والعشائرية، التي أتوا بها إلى مصر، حيث إن هؤلاء الكرد الذين جاءوا إلى مصر لم يكونوا أبناء عشيرة أو قبيلة واحدة، وإنما كانوا ينتسبون إلى قبائل كردية قددا. ومن ناحية أخرى فإن الكرد الذين استقروا في مصر لم ينزووا على أنفسهم، ولم يستغربوا البيئة المصرية الجديدة؛ وإنما استلهموها وتفاعلوا بسماتهم معها، وامتزجوا بها بشكل لم يحدث مع الكرد خارج كردستان إلا في مصر؛ ليصبحوا بعد ذلك جزءا من مكونات الشخصية المصرية.
تاسعاً: ومن مظاهر امتزاج الأكراد المقيمون في مصر في الشخصية المصرية: أنه لا يوجد في مصر حاليا جالية كردية، وإنما يوجد مصريون من أصول كردية. فعلى مستوى مشاهير رواد النهضة المصرية الحديثة، نجد رموزا لم يشك أحد في مصريتهم ووطنيتهم للبلد الذي يعيشون فيه، فهم جزء من الحركة الفكرية والثقافية الوطنية المصرية، ورغم ذلك فإن لهم أصولا وجذورا كردية. يعتز بعضهم بأصوله تلك، ويعمل للقضية الكردية بكل ما يملك، لكن دونما تأثير على مصريته أو وطنيته الجديدة، ومنهم أيضا من لم يهتم بأصوله الكردية: إما جهلا منه بها، أو عدم اعتقاد بإيجابية ذلك، أو يأسا في حل المشكلة الكردية أصلا؛ فقصر جهده على ما يخدم بلده الجديد، الذي ولد فيه، وتربى ونشأ في كنفه.
عاشراً: لقد قدمت مصر دولة وشعبا خدمات جليلة للشعب الكردي، في مراحل تاريخية مهمة جدا بالنسبة للكرد. وفي المقابل لم ينس الشعب الكردي يوما هذا الدور المصري أو قلل من شأنه؛ وإنما ثمّنه، وأعلا قدره في كل مناسبة، ودوّنه المثقفون والآدباء الكرد في كتاباتهم وآدابهم، ويعبر مسؤولوهم عن امتنانهم لمصر، وعن رغبتهم في تقوية أواصر الروابط بين الشعبين المصري والكردي، على أساس الفهم العميق لآفاق مستقبل البلدين في المنطقة، عن طريق توسيع دائرة التمثيل السياسي، والتبادل العلمي والثقافي، وتوسيع رقعة النشاط الاقتصادي، خاصة بعد تطورات الربيع العربي التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط.
وأخيرا، يمكن لهذه الحقائق وتلك النتائج يمكن استخدامها في تفعيل وتحريك المياه الراكدة بصورة هادفة ومواكبة للزمان والمكان، بحيث تخدم الصالح الداخلي والإقليمي والدولي.
المصدر: رسالة دكتوراه بعنوان "نشاط الكُرد في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين"ل د. محمود زايد، إشراف أد. السيد محمد الدقن – أد. السعيد رزق حجاج.،قسم التاريخ والحضارة- كلية اللغة العربية بالقاهرة- جامعة الأزهر، عام
2012
ربي اغفر وارحم عبدك السيد محمد الدقن وزوجته - نسألكم الفاتحة والدعاء وجزاكم الله خيرا ولكم بمثل ما دعوتم
ساحة النقاش