جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
الدور التاريخي للأزهر (1)
أ. عماد الفشني
مدرس مساعد بقسم التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر
وَسْطَ هَذِهِ الْأَجْوَاءِ الْمُضْطَرِبَةِ وَالْأَحْدَاثِ الَّتِي تَمُرُّ بِهَا الْأُمُّةُ، وَالْمُؤَامَرَاتِ الَّتِي تُحَاكُ لِأُمِّ الدُّنْيَا؛ لِلنَّيْلِ مِنْهَا وَمِنْ شَعْبِهَا الْعَظِيمِ، وَمُحَاوَلاتِ أَعْدَائِهَا رَسْمِ صُورَةٍ ضَبَابِيَّةٍ فِي عُقُولِ أَبْنَائِهَا، نَجَحَتْ فِي التَّأثِيرِ عَلَى مَعْنَوِيَّاتِ بَعْضِهم، وَنَالَتْ مِنْ ثِقَتِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ؛ أَخَرَجَ لَنَا فَضِيلَةُ الدُّكْتُورِ «أُسَامَةَ الْأَزْهَرِيِّ» كَنْزًا ثَمِينًا، وَعَمَلًا بَدِيعًا مَاتِعًا، هُوَ «جَمْهَرَةُ أَعْلامِ الْأَزْهَرِ»؛ لِيَفْتَحَ بَابًا مِنَ الْأَمَلِ، وَيَشْحَذَ الِهمَمَ، وَيَسْتَنْفِرَ الطَّاقَاتِ الْبَشَرِيَّةَ، وَيُعِيدَ الثِّقَةَ لِأَبْنَاءِ الْوَطَنِ؛ وَلِيَكُونَ سِجِلًّا حَافِلًا عَلى فَضْلِ وَرِيَادَةِ مِصْرَ عَلى سَائِرِ أَقْطَارِ الدُّنْيَا، مِنْ خِلالِ أَهَمِّ مُؤَسَّسَاتِهَا الأَزْهَرِ المَجِيدِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَامِعَ الْأَزْهَرَ أَهَمُّ نَوَادِرِ الدُّنْيَا وَمَفَاخِرِهَا الَّتِي مَنَّ اللهُ –عَزَّ وَجَلَّ- بِهَا عَلَى مِصْرَ، فَكَانَ نَوَاةً وَمَرْكَزًا لِعَاصِمَتِهَا الْفَاطِمِيَّةِ؛ لِيَكُونَ جَامِعًا وَجَامِعَةً إِسْلَامِيَّةً عَالَمِيَّةً، لَيْسَ لَهَا مِثِيلٌ فِي أَنْحَاءِ الْمَعْمُورَةِ، كَمَا يُقَرِّرُ صَاحِبُ الْجَمْهَرَةِ فَيَقُولُ: «هُوَ تَاجُ مَدَارِسِ الْعِلْمِ الْمَعْرُوفَةِ عَلَى وَجْهِ الْبَسِيطَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَأَحْفَلُهَا تَارِيخًا، وَأَغْزَرُهَا إِنْتَاجًا، وَأَكْثَرُهَا شُيُوخًا وَعِلْمًا وَرِجَالًا، وَأَكْثَرُهَا تَأْثِيرًا فِي حَرَكَةِ الْعِلْمِ فِي الْمَشْرِقْ وَالْمَغْرِبِ، لَا تُوجَدُ مَدْرَسَةٌ عِلْمِيَّةٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ تُقَارَنُ بِهِ فِي امْتِدَادِ مَسِيرَتِهِ، وَكَثْرَةِ إِنْتَاجِهِ، وَأَثَرِهِ فِي الْوَاقِعِ»..
كَذَلِكَ اسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْجَمْهَرَةِ بِشَهَادَةِ مُفْتِي إِرِيتْرِيَا الْأَوَّلِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ إِبْرَاهِيمَ الْمُخْتَارِ –رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: «وَلَقَدْ فُتِحَتْ فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الْمَدَارِسِ مَا لَا تُحْصِهَا الْأَقْلَامُ، وَكُلُّهَا قَدْ أَصْبَحَتْ فِي ذِمَّةِ التَّارِيخِ إِلَّا الْأَزْهَرِ؛ فَإِنَّهُ بَقِيَ خَالِدًا يُرْسِلُ شُعَاعَهَ اللَّامِعَ إِلَى الْآفَاقِ، حَتَّى صَارَتْ تَعْلُو إِلَى مَصَافِّ الْأَمَاكِنِ الْمُقَدَّسَةِ، فَتَدَافَعَ إِلَيْهِ أَبْنَاءُ الْإِسْلَامِ بِالْمَنَاكِبِ؛ لِيَنْهَلُوا مِنْ حِيَاضِهِ».
صَنَعَ الْأَزْهَرُ تَارِيخًا مَجِيدًا لِمِصْرَ، وَلِكُلِّ الدُّنْيَا بِأَيَادِيهِ الْبَيْضَاءِ الظَّاهِرَةِ عِنْدَمَا اسْتَقَبْلَ مِئَاتِ الْأُلُوفِ مِنَ الْوَافِدِينَ فَاسْتَوْعَبَهُمْ عَلَى اخْتِلَافِ أَلْوَانِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ وَأَعْرَاقِهِمْ، وَأَتْقَنَ صِنَاعَةَ عُقُولِهِمْ، وَفَاضَ عَلَيْهِمْ مِنْ حِيَاضِهِ الْمُبَارَكَةِ الَّتِي تَمْتَلِئُ بِالْعِلْمِ وَالتَّزْكِيَةِ وَالْحِكْمَةِ وَالسَّكِينَةِ، فَتَشَبَّعُوا بِعُلُومِهِ الَّتِي فِي مُجْمَلِهَا هِيَ جَوْهَرُ الْإِسْلَامِ وَمَقَاصِدُهُ، فَمَا أَنْ عَادُوا إِلَى أَوْطَانِهِمْ حَتَّى كَانُوا شُمُوسًا وَأَقْمَارًا يُهْتَدَى بِهَا، نَعِمَ بِهِمُ الْعِبَادُ والْبِلَادُ، وَتَرَكُوا أَرْوَعَ الْأَثَرِ لِمِصْرَ وَلِأَزْهَرِهَا الشَّرِيفِ.
وَلِمَا أَحْدَثَهُ هَؤُلَاءِ الْعُظَمَاءُ وَمَنْ جَاءَ مِنْ وَرَائِهِمْ؛ فَتَرَكُوا أَرْوَعَ الْأَثَرِ، وَرَأَى النَّاسُ فِيهِمُ الْعِلْمَ وَالْحِكْمَةَ وَالسَّكِينَةَ، وَحُبَّ الْأَوْطَانِ وَالْعُمْرَانِ، فَوَثِقَتْ هَذِهِ الشُّعُوبُ فِي الْأَزْهَرِ الْمَجِيدِ، مِمَّا دَفَعَهُمْ إِلَى إِرْسَالِ النُّبَهَاءِ مِنْ أَبْنَائِهِمْ؛ لِيَنَالُوا النَّصِيبَ الْوَافِرَ مِنَ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، وَيَزيِدُوا مِنْ كَفَاءَاتِ مُؤَسَّسَاتِهِمُ الْعِلْمِيَّةِ.
لِكُلِّ مَا سَبَقَ قَلَّمَا تَجِدُ مَكَانًا لَيْسَ لِلْأَزْهَرِ فِيهِ أَثَرٌ وَفَضْلٌ، بِلْ الْحَقِيقَةُ النَّاصِعَةُ أَنَّ فَضْلَ الْأَزْهَرِ عَلَى الدُّنْيَا مَعْلُومٌ، يَشْهَدُ بِهِ الْقَاصِي وَالدَّانِي، مِمَّا يُؤَكِّدُ بِأَنَّ الْأَزْهَرَ سَيَظَلُّ –بِفَضْلِ اللهِ تَعَالَى- كَعْبَةَ الْعِلْمِ، وَقِبْلَةَ طُلَّابِهِ، وَمَحَطَّ أَفْئِدَةِ مُحِبِّيهِ، وأنه تَاجَ الْعُلُومِ، وَزِينَةَ الدُّنْيَا.
ربي اغفر وارحم عبدك السيد محمد الدقن وزوجته - نسألكم الفاتحة والدعاء وجزاكم الله خيرا ولكم بمثل ما دعوتم
ساحة النقاش