وَهْمٌ             

 

فِي زَوْرَقِ المَدِينَة،

رَأَيْتُهَا عَابِرَةً تَخْتَالُ كَالسّفِينَة.

تَمُوجُ فِي جَمَالِهَا كَنِسْمَةٍ عَلِيلَة..

الشَّعْرُ مِنْهَا مُرْسَلٌ وَالعَيْنُ مِنْهَا مَدْفَعٌ، 

وَالكُلُّ فِي تَمَلْمُلٍ، يُسَبّحُ الفَصِيلَة.

وَ النُّورُ مِنْ ضِيَائِهَا يُبَعْثِرُ العَشِيرَة..

كُنْتُ أَسِيرًا عِنْدَهَا، لَمَّا لَمَحْتُ قَدَّهَا،

وَقَهْوَتِي تَوَرَّدَتْ، تَلَوّنَتْ، بِطَعْمِهَا تَعَطَّرَتْ،

وَالرُّوحُ مِنِّي سَافَرَتْ لِنَبْضِهَا لِوِدِّهَا.

خَرَجْتُ مِنْ إِسَارِي، وَقَهْوَتِي خَلَّفْتُهَا لِجَارِي،

وَتُهْتُ فِي الطَّرِيقِ أُدَنْدِنُ بِخَطْوِهَا الرّقِيقِ،

وَأَتْبَعُ خُطَاهَا حَتَّى إِذَا قَارَبْتُهَا سَكِرْتُ مِنْ شَذَاهَا،

شَمَمْتُهَا، تَوَقَّفَتْ. سَأَلْتُهَا، تَكَلَّمَتْ. 

دَاعَبْتُهَا تَمَلْمَلَتْ، وَالشَّوْقُ قَدْ غَوَاهَا.

لَكِنَّهَا تَمَالَكَتْ لِرُؤْيَةٍ تَرَاهَا.

أَغْرَقْتُ فِيهَا عَيْنِي أُسَافِرُ فِي بَحْرِ مُقْلَتَيْهَا،

لَمَحْتُ فَجْرًا هَارِبًا يَشِعُّ مِنْ عَيْنَيْهَا.

طَارَدْتُهُ بِظُلْمَتِي، أَطْلَقْتُ سَهْمِي خَلْفَهُ فَتَاهَ فِي خَدَّيْهَا.

تَرَكْتُهُ شَرِيدًا يُلاَمِسُ تُخُومَهَا، يَغُوصُ فِي عِطْفَيْهَا.

لَمَحْتُ سِرًّا غَائِمًا يَجُولُ فِي البَياضِ يُقَبِّلُ السَّوَادَ..

مَدَدْتُ كُلِّي نَحْوَهُ لِأُفْسِدَ الوِدَادَ،

فَغَاصَ فٍي أَبْعَادِهَا يٌلاَطِفُ الأَكْبَادَ. 

لَمَحْتُ أَمْسًا دَامِيًا يُطَارِدُ النِّسَاءَ بِالنِّعَالِ،

يُقَوِّضُ أَحْلاَمَهُنَّ، يَصُدُّهُنَّ عَنْ جَبْهَةِ القِتَالِ.

يُرَوِّضُ الصَّبَايَا، يَعُدُّهُنَّ لِغَزْوَةِ الرِّجَالِ.

وَطَالَ مَكْثِي أَنْظُرُ، أُقَلِّبُ، أُفَتِّشُ، أُصَعِّدُ، أُمَدِّدُ..

تَبَسَّمَتْ لِنَظْرَتِي، لَمْ تُدْرِكْ سِرَّ مِحْنَتِي.

فَقُلْتُ: "هَاتِ قُبْلَةً عَمِيقَة، أَيَّتُهَا الرّشِيقَة،

لَعَلَّهَا تُذِيبُ أَمْسَكِ العَتِيقَا.

فَقُبْلَتِي بَوّابَةُ الصُّعُودِ لِلسَّمَاءِ،

وَدَرْبُهَا أُنْشُودَةٌ لِعَالَمِ الصَّفَاءِ وَالنَّقَاءِ".

تَقَدَّمَتْ بِهَمْسَةٍ تَلُوكُ طَعْمَ شَوْقِهَا،

تَرَاجَعَتْ بِلَمْسَةٍ تَنُوحُ ضَغْطَ خَوْفِهَا.

وَنَحْنُ فِي الحِوَارِ نُقَدِّمُ نُؤَخِّرُ لِنَضْبِطَ المِيعَاد،

تَوَقَّفَتْ سَيَّارَةٌ فَارِهَةٌ تَمِيلُ لِلسَّوَاد،

بِجَانِب الطَّرِيق.

تَفَتَّحَتْ أَبْوَابُهَا، فَخَلَّفَتْنِي حَسْرَةً وَغَابَتْ فِي العَقِيق.

تُهَلِّلُ لِصُحْبَةِ الرَّفِيق.

بَعْدَ مُرُورِ بُرْهَةٍ سَمِعْتُهًا تَقُولُ بِصَوْتِهَا الحَنُون:

"أَشْعَارُكَ لاَ تَمْلَأُ البُطُون".

مَزَّقْتُ كُلَّ عُدَّتِي..وَعُدْتُ مِنْ جُنُونِي،

أُرَاجِعُ المُتُون.

                                صالح سعيد / تونس الخضراء

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 129 مشاهدة
نشرت فى 6 مارس 2021 بواسطة Boudiefsoundou

عدد زيارات الموقع

41,813