الدكتور: محمد فريد - الباحث في علم الكيمياء الحيوية والنباتات الطبية

Dr: Mohamed Farid - Researcher in Biochemistry and Medicinal plants

توارث الإنسان المرض منذ بداية الخليقة، وكان البحث عن طرق الشفاء منه أحد أول نشاطاته وأهمها.

وقد عزا الإنسان ما يحيره في الطبيعة إلى قوى خارقة، وأدى ذلك إلى الاعتقاد في البداية أن المرض روح شريرة أو عمل من أعمال تلك الروح. واستعمل البعض الرقى Charms والتعاويذ Incantations والضجيج وإطلاق الروائح، لطرد الأرواح الشريرة وشفاء الأمراض، وقد أدرك بعد عدة قرون الفوائد العلاجية لبعض النباتات والمواد المعدنية والأعضاء الحيوانية فاستعملها كعوامل مساعدة للصلوات والتعاويذ.

 

من المحتمل أن تكون شعوب ما قبل التاريخ قد استعملت الأدوية قبل ظهور أول حضارة، ومن المحتمل أن يكونوا قد اكتشفوا قدرة بعض النباتات على تسكين آلامهم وشفائهم من بعض الأمراض، وربما لاحظوا أيضا التهام بعض الحيوانات المريضة لبعض النباتات وشفائها، ومن ثم قاموا بتناولها حال مرضهم. وتعد لوحة الصلصال التي يعود تاريخها إلى الحضارة السومرية عام 2000ق.م - أول سجل مكتوب لاستعمال الأدوية، وبهذه اللوحة 21 وصفة طبية. وكذلك يحتوي قرطاس فرعوني يرجع تاريخه لعــــــام 1550ق.م. على أكثر من 700 دواء. واستعمل قدماء الصينيين والرومان الكثير من الأدوية، ويعد الرومان أول من كتب وصفات طبية تحدد كمية كل مادة يحتوي عليها الدواء. ولكن على رغم استعمال القدماء للعديد من الأدوية، إلا أن معظم علاجاتهم لم تكن ناجعة. ومن الجانب الآخر فإن هناك عددا من الأدوية النافعة التي اكتشفوها. فقد استعمل قدماء الإغريق والرومان الأفيون لتسكين الآلام، واكتشف الفراعنة زيت الخروع لعلاج الإمساك، كما اكتشف الصينيون أكل الكبد لعلاج فقر الدم.

ويعتبر أبقراط الطبيب اليوناني المولود نحو عام 460ق.م. «أبو» الطب والصيدلة العلميين، وقد رفض الاعتقاد بأن منشأ المرض قوى خارقة غير طبيعية، واستبدل ذلك بنظرية أن المرض ينجم عن مسببات طبيعية، حيث ذكر في كتاباته نحو 400 دواء مازال بعضها يستعمل حتى اليوم. وتعزى شهرته أيضا إلى وضعه قسم أبقراط Oath of Hippocrates الذي يعتبر أساس الدستور الأخلاقي للمهن الطبية.

الدواء عند المسلمين

حينما تطور الطب والدواء أيام الخلافة العباسية، رأى الأطباء أنه لا بد من فصل مهنة الصيدلة عن الطب، بحيث يكون لعلم الأدوية تخصص منفصل. وتم تطبيق ذلك في بغداد ثم مصر والأندلس. وساعد ذلك على ازدهار الصيدلة، واستطاع علماء كثيرون التفرغ الكامل للوصفات الطبية وتركيب الدواء مما أحدث طفرة كبيرة في علم الصيدلة.

ولقد أنشئت أول صيدلية في التاريخ ببغداد في القرن السابع الميلادي، في عهد الخليفة العباسي المنصور، كما أصدروا أول جدول صيدلاني Pharmaceutical Formulary استخدم كمرجع ونموذج لإصدار «دستور أدوية لندن الأول» وكان الصيدلي العربي يدعى الصندلاني Sandalani نسبة إلى خشب الصندل ثم تطورت الكلمة إلى الصيدلاني، وكانت موجودات الصيدليات تخضع للتفتيش بشكل منتظم.

والعرب هم الذي وضعوا أسس صناعة الصيدلة، فكانوا يجلبون العقاقير من الهند ومن غيرها. ثم اتجهوا لصناعة مختلف العقاقير للعلاج، ويدرسونها ويؤلفون الكتب فيها. ويعد جابر بن حيان «737 - 318م»، أول من استحضر الحامض الكبريتي وسماه الزاج، وهو أول من اكتشف الصودا الكاوية. وبحث بن حيان كذلك في السموم وفي طرق علاج مضارها. وقسمها إلى حيوانية ونباتية وحجرية. ويعد هذا العالم في مقدمة العلماء التجريبيين الذين اعتمدوا على التجارب العلمية في المعامل لبلوغ البراهين العلمية.

والمسلمون هم أول من أسس مدرسة للصيدلة في العالم، وأول من بدأوا في تحضير المركبات الكيميائية المتعلقة بالدواء مثل الكحول وحمض النتريك. وهم أيضا أول من بدأوا عملية التقطير في التاريخ وطبقوا الكيمياء على علم الأدوية.

أما في أوروبا فقد ظهرت مهنة الصيدلة منفصلة عن الطب لأول مرة في القرن الحادي عشر الميلادي أي بعد 003 سنة من تجربة المسلمين وكان ذلك في ألمانيا عندما أصدر فريدريك الثاني «4351 - 8851» أمرا بمنع ممارسة الطب أو الصيدلة إلا بإذن خاص وقام بدعوة عدد كبير من المسلمين لتدريس العلوم الطبية في جامعة نابولي، وفي كلية سالرنو. وافتتحت أول صيدلية أوروبية في ايطاليا عام 4221م.

وفي بداية القرن التاسع عشر ازدهرت علوم الكيمياء وبدأت تطبيقاتها في مجال العلاج والدواء حتى بلغت ما نحن عليه حاليا في هذا المجال، من إنجازات يصعب حصرها وتحديدها.

وتنقسم المصادر الرئيسة للدواء إلى أربعة، هي:

1 - النباتات: وتكون الأدوية المشتقة من النباتات على أشكال ثلاثة:

أ- الأدوية الخام: وهي أجزاء النباتات التي لم يجر عليها أي تغيير سوى التجفيف والطحن، كالبذور والأوراق والثمار واللحاء والجذور وغيرها.

ب- الخلاصات النباتية: وتحضر باستخلاص النبات بواحدة من طرق الاستخلاص. تحتوي هذه الخلاصات على المواد المؤثرة مع مواد أخرى خاملة كالمواد العفصية والملونات، ومن الأمثلة عليها الصبغات Tinctures والخلاصات Extracts والمنقوعات Infusions وغيرها.

ج - المواد النباتية المؤثرة: وهي مواد فعالة منفردة تستخلص من النبات أو أحد أجزائه، بشكل نقي، مثل الكينين من الكينا والأتروبين من البيلادونا والمورفين من الأفيون والفيتامينات من مصادرها المختلفة. لقد جرى أخيرا تخليق عدد منها في المصانع.

2 - الحيوانات: يشمل هذا المصدر العديد من الأدوية التي يستحصل عليها من عدة فصائل حيوانية، كالحشرات والعفن والخمائر والأبقار والخيول وأهم أدوية هذا المصدر الهرمونات والمضادات الحيوية وبعض الفيتامينات.

3 - المواد المعدنية: بدأ استعمال الأدوية المعدنية في بدايات القرن السادس عشر، ويتواجد بعضها في الطبيعة وتنقى لتصبح صالحة للاستعمال الطبي، مثل: كربونات الكالسيوم وكبريتات المغنسيوم وكلوريد الصوديوم والكبريت، أما أكثرها فيخلق صناعيا من عناصرها الأساسية.

4 - الأدوية التخليقية Synthetic: تحضر صناعيا من المواد الجاهزة في الطبيعة. ومعظم الأدوية المستعملة حاليا من هذا النوع كالسلفونميدات Sulfonamides والستيرويدات القشرية  Corticosteroids وغيرها.

ولا شك أن الكيمياء بفروعها المختلفة لقد لعبت دورا في تطور الدواء، على أنه مما لفت نظر العاملين بالكيمياء الطبية والصيدلية في صناعة الدواء، هو فعالية الأعشاب والنباتات الطبية في العلاج.

وقد بدأ الكيميائيون باستخلاص المواد الكيميائية الفعالة في الأعشاب والنباتات، وتطور ذلك إلى استخلاص بعضها من أعضاء الحيوانات أو إفرازاتها، ثم إلى المواد التي تنتجها الكائنات الحية الدقيقة. ولعل من أهم الإنجازات المضادات الحيوية والتي كان أولها البنسلين «9291»، الذي لم يستعمل في المداواة حتى عام 1491، وتلا ذلك اكتشاف العديد من المضادات الحيوية. من ناحية أخرى، اكتشف الكورتيزون عام 5391واستعمل لأول مرة عام 8491. ولقد قامت المصانع الدوائية تبعا لذلك بتخليق أعداد هائلة من الأدوية، حتى ليقال بأن هناك دواء جديدا يوضع قيد الاستعمال كل يوم.

ويمكن إيجاز دور الكيميائيين وتطبيقات الكيمياء في مجال الدواء في المجالات التالية:

«1» استخلاص وتحضير المواد الفعالة من مصادرها الطبيعية أو غير الطبيعية؛ مثل النبات أو الحيوان أو أفرازاتها، وذلك باستخدام المذيبات العضوية وغير العضوية.

«2» تنقية المواد الفعالة والتعرف على صيغها التركيبية والجزيئية، باستخدام الطرق الكيميائية التقليدية، للتنقية وكذلك الطرق التقليدية للتحليل، ثم استخدام الطرق الحديثة مثل أطياف «نطاقات» الأشعة المختلفة.

«3» تنقية المواد الفعالة «أو المواد الخام» مرة أخرى، بحيث تصبح صالحة للتطبيق الصيدلي أو الطبي، حتى تطابق مواصفاتها الاشتراطات المعتمدة من قبل دساتير الأدوية العالمية والوطنية، وذلك حسب:

أ0 نسبة المادة الفعالة: وتحدد الدساتير عادة أن لا تنخفض النسبة عن مقدار محدد في المادة الخام.

ب - نسب المعادن المختلفة: «بشكل أملاح» وتنص دساتير الأدوية علي عدم تجاوز نسبة تلك المعادن مقدارا محددا، حيث تسبب آثارها التراكمية أضرارا بالغة بالصحة العامة لمن يستخدم هذه المواد في العلاج. ومن أهم تلك العناصر الزئبق - الرصاص - الزرنيخ وغيرها.

ج - المواد المؤكسدة والمواد المختزلة

د - الشوائب النوعية: مثل نواتج التحلل أو الأكسدة أو الاختزال أو التحول لنفس المادة، نتيجة لظروف التخزين أو الحفظ أو التقادم.

«4» دراسة ثباتية المادة في الأوساط المختلفة، والتعرف على نواتج تحولها وذلك بهدف:

أ- تحديد الشكل الصيدلاني الذي يفضل أن تجهز فيه المادة الفعالة، حتى تمتص وتؤدي دورها تماما، ولا يحدث لها تغيير عند إدخالها «تعاطيها» في شكل صيدلاني غير مناسب لخصائصها الدوائية.

ب - تحديد نواتج التفاعلات الحيوية للمواد الدوائية داخل جسم الإنسان، وذلك للتعرف على حالات التضاد التي لا يجب أن يستعمل فيها دواء محدد. وكذلك إمكانية تفاعل المواد المختلفة مع بعضها داخل الجسم لإنتاج مادة أخرى قد تكون ضارة للإنسان.

«5» دراسة إمكانية تخليق المادة في المختبر تخليقا جزئيا أو كاملا، وذلك لضمان إمداد ثابت من المادة النقية الخالية من الشوائب.

وتلعب الكيمياء العضوية الطبية، أو العضوية الصيدلية التخليقية دورا مهما في استحداث واستنباط مواد كيميائية جديدة، ويمكن الإفادة منها في علاج الكثير من الأمراض التي لا تتمكن النباتات الطبية من علاجها.

والإنجازات في ذلك عديدة جدا؛ إذ يتم تركيب آلاف المركبات سنويا بهدف إجراء اختبارات متعددة عليها، لتحديد إمكانية استخدامها في علاج الكثير من الأمراض المستعصية وغيرها.

بحوث الأدوية

تستمر شركات الأدوية في اكتشاف العديد من الأدوية الجديدة. وعلى رغم أن اكتشاف بعضها قد يكون مصادفة، إلا أن اكتشاف معظم الأدوية الحديثة يتم عند تنفيذ فكرة ما تختص بنوع جديد منها أو تطوير دواء قديم. وبعد تصنيع الدواء يتم اختباره وتطويره ليكون مأمونا وسهلا في الاستعمال. وقد تستغرق تلك العملية 01 سنوات وهي عملية مكلفة جدا. وتقع عملية اكتشاف الأدوية الجديدة على عاتق الباحثين الكيميائيين، والذين يقومون إما بتركيبه معمليا أو استخلاصه من المصادر الطبيعية، وهي عملية قد تستغرق ما بين شهور وأعوام. فمثلا استغرق اكتشاف أحد المضادات الحيوية مدة عامين انقضت في اختبار نماذج عديدة منه وفقا لأنواع التربة التي تم استجلابها من عدة مناطق في العالم، وقد بلغت أكثر من مائة ألف عينة. ويستعمل هذا العقار حاليا لعلاج التهاب القصبات الهوائية والالتهاب الرئوي والسعال الديكي.

ولكي تتم عملية اكتشاف دواء جديد. يجرى الكثير من التجارب على الحيوانات لمعرفة مدى فعالية المادة وعدم خطورتها. وتتم التجارب على الحيوانات الصغيرة مثل، الفئران والجرذان وحيوانات الوبر. وعند نجاحها، يعطى الدواء لبعض الحيوانات الكبيرة مثل الكلاب والقرود. ويتطلب اكتشاف دواء واحد فعال ومأمون تجريب المئات منها. وبعد اكتشافه تجرى التجارب لمعرفة طريقة عمله، وبعد تجميع كل المعلومات عنه ترسلها الشركة المكتشفة للسلطة المختصة بالأدوية  في بلد الشركة طالبة منها الإذن بتجربة العقار الجديد واختباره على بعض الأفراد.

وتقوم الشركة المكتشفة بتطويره في شكل مأمون وسهل للاستعمال قبل تداوله. لذلك يسعى الباحثون لمعرفة المواد التي يجب إضافتها لمادة الدواء الجديد لكي يتم تصنيعه في شكل كبسولات أو سائل أو أقراص أو أي شكل صيدلاني آخر يمكن استعماله، وتسمى مثل تلك المواد الإضافية السواغات وهي لا تؤثر على فعالية الدواء. وكذلك تدرس وتبحث مدى صلاحيته للاستعمال. وبعد الانتهاء من كل تلك الخطوات تخطط الشركات للإنتاج بكميات تجارية.

BioPlants

وماتفعلوا من خير يعلمه الله

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1671 مشاهدة
نشرت فى 2 يونيو 2015 بواسطة BioPlants

الباحث الدكتور محمد فريد الباحث بعلم الكيمياء الحيوية والنباتات الطبية

BioPlants
يهدف هذا الموقع لنشر كل مايخص الكيمياء الحيوية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالنباتات الطبية حيث يوضع هذا العلم وهو علم النباتات الطبية تحت المجهر الحيوى لعلم الكيمياء الحيوية دراسة وتحليلا وتوصيفا وتطبيقا. كما نعمل على إضافة كل ماهو جديد من علوم حيوية كعلم النانو تكنولوجى وذلك لمواكبة الحداثة العلمية وتعظيم الإستفادة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

9,947