authentication required

الإخوان وعبد الناصرالقصة الكاملة لتنظيم 1965م


للأستاذ / أحمد عبد المجيد

 

محتويات

 [أخف]

الإهداء

إلي الأحبة الذين أحببتهم قبل وبعد استشهادهم

• سيد قطب

• محمد هواش

• عبد الفتاح إسماعيل

الذين ساروا في درب الجهاد الطويل الشاق باذلين كل جهد من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض . حتى قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله ، راغبين درجات الشهادة السامقة .أحمد عبدالمجيد

 

مقدمة الطبعة الأولي

(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا ) [الأحزاب 23].

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي نبينا الأمين ، عليه وعلي آله وصحبه أجمعين ، والتابعين له بإحسان إلي يوم الدين .

وبعد ...

فلعل من الملاحظ لمن عايش الأحداث في مصر يعلم أنه لم يتعرض تشكيل أو تنظيم لمثل ما تعرض له تنظيم الإخوان المسلمين عام 1965م ، من الضجة الإعلامية التي نسجت حوله بواسطة أجهزة الإعلام المصرية المختلفة سواء الإذاعات المسموعة أو المرئية أو الكتب والنشرات الموجهة أو الخطب الكلامية علي مختلف منابر الخطابة ، ولم يستثن من ذلك أحدًا إلا نادرًا ، وحتى بعض المشايخ وعلي رأسهم شيخ الأزهر وقتها .

ولقد استثيرت الجماهير بشتى أنواع الاستثارة بدءًا من مرحلة التعليم الابتدائي وانتهاء بالتعليم الجامعي ، وإلي جانب القطاعات المهنية والصناعية والحرفية المختلفة ، مع تشويه صورة أعضاء التنظيم وأهدافهم ومقاصدهم بأنهم كانوا سينسفون ويقتلون ويدمرون ، ويعبثون في الأرض فسادًا ، إلي غير ذلك مما حوته أجهزة الإعلام الناصرية . والذي زاد من تأثير هذه الضجة ، أن المتهم لم تتح له فرصة ولو يسيرة لتوضيح الأمر وإجلاء الحقيقة ، كما فعل فرعون مصر الذي يضرب به المثل في الجبروت والطغيان ، إذ أتاح الفرصة لسيدنا موسي – عليه السلام – لتقديم بينته يوم الزينة في جمع من الناس ، ولم يكن المتهم كذلك يجد أي فرصة للدفاع عن نفسه إزاء الافتراءات الموجهة إليه . بل إنك لا تجد ولو واحدًا من ذوي العقول الراجحة أو من أصحاب العزيمة والشجاعة ليقول قولة حق في هؤلاء الناس ، الذين تكلم ضدهم كل الأجهزة .

ولم نسمع صوتا واحدا من الكتاب والأدباء والصحفيين ولا شيخ الأزهر نفسه – حسن مأمون – بدلا من أن يحترم نفسه , والمنصب الذي يتقلده ويلتزم الصمت علي الأقل , أصدر بيانا نشرته الصحف بتاريخ 11 سبتمبر 1965 باسمه بعنوان ( رأى الإسلام في مؤامرة الإجرام ) . لم يستطع هؤلاء جميعا أن يقولوا ولو كلمة واحدة لوجه الله تعالي , فالكل مرتعد , مرتجف من أن تصيبه هذه العاصفة التي لا تبقي ولا تذر في عهد عبد الناصر , ذلك الطاغية الجبار المتكبر , بل حتى أقرباء المعتقلين لم يستطيعوا الكلام أو اللجوء لأي جهة , فالكل مغمض العينين أصم الأذنين , مكبل اليدين , مطبق الفم , ومقيد اللسان , لا تجد واحدا يقول قولة الحق أو الدفاع عن هؤلاء , فالكل يخشي المصير المظلم المجهول . إنه العذاب الرهيب الذي قد يصل بأصحابه إلي الموت , بل لو كان الموت وحده لتقدم شخص راغبا في الشهادة , كما فعل مؤمن آل فرعون: (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) [غافر 28]

ولقد صاحب هذه الضجة , ضجة أخرى , ولكنها كانت وقتها أخفت صوتا , وأضعف صدى , تلك هي القضايا الفكرية التي أثيرت عن التنظيم , هؤلاء يكفرون الحكام , إنهم يكفرون الناس , ويرمون المجتمع بالجاهلية , إلي غير ذلك من الأمور التي كان دافعها الأساسي هو غرس الحقد والكراهية في نفوس الناس من الإسلاميين بل ومن الإسلام نفسه . حتى هذه لم تتح فرصة لهؤلاء المتهمين أن يوضحوا الحقيقة الغائبة , ويجلوا الأمر , وحينما أراد الشهيد سيد قطب – رحمه الله – توضيح جاهلية المجتمع لما يسمي " المحكمة " التي يرأسها الفريق أول محمد فؤاد الدجوى قاطعه ومنعه من الكلام . أما الأمر الثالث الذي تعرض له أفرادالتنظيم فهو ذلك العذاب الرهيب الذي وقع علي الجميع بلا استثناء , البري منهم قبل المتهم , الشيخ منهم والشاب السليم والمريض , حتى النساء لم يسلمن من الاعتقال والتعذيب , وبأساليب وحشية وقذرة , حتى خرج الكثير منهم وهم مصابون بالعاهات , أو الأمراض , ناهيك عن الشهداء الذي سقطوا في ساحات التعذيب . كل ذلك بأيدي ضباط وجنود , أنفقت عليهم الدولة ودربتهم ليكونوا حماة بلادهم ويذودوا عن أهلها وأرضها , أو هكذا يكون , ولكن الدولة سخرتهم ليستنفذوا طاقتهم وجهدهم للتنكيل بخيرة الرجال والشباب ، حتى أدخلوا السعادة علي أعداء الإسلام ، وتحملوا عنهم الجهد والعناء بدلاً منهم .

ويعجز القلم ، ويعقل اللسان عن وصف ما حدث مهما أوتي الإنسان من فصاحة القول ، وطلاقة اللسان ، ونحمد الله تعالي أن أزاح هذا الكابوس الرهيب الذي كان جاثمًا علي أنفاس مصر والمصريين ، ذلكم الطاغية الجبار المسمي " جمال عبد الناصر والذي أراح الله من شره البلاد والعباد . (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) [الانعام 45]ولعل هذه الصفحات المطوية الحالكة السواد من تاريخ مصر في عهد عبد الناصر وزبانيته ، تكون عبرة لغيرهم ، مما حدث لهم في دنياهم ، ناهيك عن آخرتهم .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

المؤلف

مقدمة الطبعة الثالثة

الحمد لله رب العالمين ، خالق السموات والأرض ، والصلاة والسلام علي الرسول الأمين وصحابته أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين . وبعد .. لقد مضت سنوات عديدة علي صدور الطبعة الأولي من هذا الكتاب ، وقد لاقي الكتاب في طبعتيه السابقتين رضي وقبولاً ، بفضل الله تعالي ، ومع ازدياد الطلب لمعرفة الحقيقة التي كانت غائبة ، والأحداث التي كانت خافية علي كثير من الناس ، وذلك لأخذ العبرة ، وتجنب الظلم والظالمين ، والوقوف سدًا منيعًا أمامهم ، وكشف أساليبهم وخططهم وفضح الأدوار التي يؤدونها لضرب فصائل الحركة الإسلامية

وصل اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم .

القاهرة في 15 جمادي الأولي 1427هـ

الموافق 11 يـونـيــه 2006م

المؤلف

قصة هذه الأوراق

بعد الإفراج عني عام 1975م ضمن آخر دفعة من قضية 1965م أشار علي أحد الأصدقاء ، وهو صاحب مكتبة دار نشر بالقاهرة ، أن أكتب عن أحداث التنظيموقصته مع السلطة ، ولكنني رفضت وقتها بإصرار رغم إلحاحه المتكرر وأشار علي البعض بعدها كذلك ، ولكني كنت أخشي أن يكون عملي هذا رياء أو زهواً – والعياذ بالله – فيضيع ما قدمت ابتغاء وجه الله هباء ، وهو يسير جدًا في سير الدعاة والمجاهدين ، وقليل جدًا مع ضخامة الرسالة ، وثقل التبعة . ومرت السنون والأيام ، وأنا عند رأيي لا أحيد عنه حتى قرأت مذكرات الأخ – الضابط المتقاعد حسين حمودة ووجدت فيها أحداث ما كنت أعلمها عن انقلاب 1952م ، وجوانب أخري في شخصية عبد الناصر يندي لها الجبين . وقلت لنفسي لو لم يكتب كاتب هذه المذكرات ما كنت قرأتها ولا علمتها ولعل الأمر كذلك عن قضية1965م ، كثير من الدعاة والناس يجهلون الكثير عن هذه الأحداث ، أو يعرفونها مبتورة مشوهة ، وبخاصة من هم خارج مصر مما يحتاج إلي إلقاء الضوء عليها .

فلماذا إذن لا تسجل تلك الأحداث ، عسي أن تكون فيها فائدة إن شاء الله ، أو يستفاد منها في التجارب المقبلة للعاملين في الحركة الإسلامية ، لتجنب بعض الأخطاء ، ولعل الشعوب – خاصة إذا رجعت إلي طريق الله – أن تأخذ درسًا مما لاقاه الناس علي أيدي الطواغيت من الحكام لكي لا يعطوا الفرصة لغيرهم .

ومرت الأيام وأنا في هذا التفكير ، وكيف السبيل وأين البدء ، وهل تستطيع الذاكرة أن تعيد شريط الأحداث بعد مرور أكثر من عشرين عامًا عليها ، حتى زارني أخ عزيز عليَّ هو الدكتور عبد الرحمن بارود ممن عايش جانبًا من هذه الأحداث وقضي سبع سنوات وراء الأسوار مارًا بالسجن الحربي – أبو زعبل – الحربي مرة ثانية – القناطر – قنا – وأخيراً مزرعة طره حتى الإفراج عنه ، ولم يعفه من ذلك لا جنسيته غير المصرية ولا شهادته الجامعية ولا الماجستير الذي يحمله ، أشار عليَّ هذا الأخ الكريم الكتابة في ذلك وعرضت عليه ما ورد بخاطري ، وبعدها بدأت في الكتابة ، وأسأل الله أن ينفع بها ، ويجعلها في ميزان حسناتنا ، وأن تكون خالصة لوجهه الكريم .

وقد عمدت في بعض المواقف ، إلي جانب سرد الأحداث كما وقعت تمامًا ، إلي سلوك طريق الشرح أو التعليق ، لتجلية الأمر ونقل الصورة ما أمكن للقارئ ، خاصة من كان بعيدًا عن موقع هذه الأحداث ، ولم يعلمها من قبل ، أو علمها بصورة مشوهة علي غير حقيقتها ، أو بصورة ناقصة ، وتجنبت في بعض المواقف ذكر الأسماء التي قد تؤثر علي مكانة صاحبها وحفاظًا علي سمعته ، وقد يكون موقفه قد تغير بعد ذلك مع مرور الأحداث والسنين .

وسواء أكان ذكر المواقف الفردية أو الجماعية يثير البعض أو يأخذ بحساسية معينة أو لعدم تطويع نفسه علي النقد ، فإني لم أقصد في هذا كله إلا نقل صورة السرد التاريخي الحقيقي بما له وما عليه ، ونتعود النصح بل والنقد أحيانًا ، ولعل ذلك يكون عونًا ورائدًا في إصلاح الدعوة ، والتي يرضي عنها المولي تبارك وتعالي . وأخيراً عن هذه القاعدة ، إلا بذكر واحد من أصحاب الفضل علي هذه القضية ، والدعاة في هذا العصر ، هو الإمام حسن البنا – رضوان الله عليه – باعث النهضة الإسلامية في القرن العشرين ، والذي بلغت دعوته وشهرته شتى أرجاء الأرض .

والله من وراء القصد وهو الهادي إلي سواء السبيل ،

حقيقة الصراع بين الحق والباطل

منذ اللحظة الأولي لخلق الإنسان الأول أبينا آدم عليه وعلي نبينا أفضل الصلاة والسلام وفي ذلك اليوم المشهود الذي كرم الله فيه أبانا آدم وأمر ملائكته بالسجود له دب الحقد والحسد عند إبليس اللعين وأعلن رفضه للسجود لآدم وأعلن عداءه الأبدي لآدم وذريته إلي يوم الدين وقال لربه عز وجل : فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)) ، وقال له أيضا : فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)) أقسم الشيطان الرجيم أنه سيقف بالمرصاد لبني آدم حتى يصرفهم عن دينهم الحق وصراط ربهم المستقيم وأنه سوف يشككهم في آخرتهم ويزين لهم دنياهم ويقف لهم بكل سبيل يحثهم علي الشر ويزينه لهم ويثبطهم عن الخير ويصدهم عنه .

وقد جعل الله تبارك وتعالي للشيطان ذرية وجنودًا من الجن والإنس وكذلك منَّ علي آدم وجعل له زوجًا وذرية . ومنذ البداية حين خلق الله تبارك وتعالي آدم وزوجه وأسكنهما الجنة حذرهما من الشيطان الله : (أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22 ) وكذلك عند إهباط آدم وحواء إلي الأرض وكذلك عند طرد إبليس من الجنة قال الله لهما : (قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) ، وقال :( يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ) ولقد بين الله تبارك وتعالي لبني آدم عمومًا الشيطان لهم وقال : (يأيها النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأرْضِ حَلالا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) ، إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) وحذرنا الله تعالي من عبادة الشيطان وإغوائه لنا فقال : أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) .

والصراع بين آدم وذريته من وجهة وبين الشيطان وجنوده من جهة أخري ما هو في الحقيقة إلا صراع بين الحق متمثلاً في منهج الله عز وجل ودينه الذي ارتضاه للناس وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا) وبين الباطل متمثلاً في الشيطان وجنوده وأحزابه وضلالاته التي تأخذ صور الديانات المخالفة لدين الله والمناهج المنابذة لمنهج الله ، ومن أجل ذلك أرسل الله عز وجل رسلاً وأنبياء من بني آدم يهدونهم بإذن الله إلي دينه القويم وصراطه المستقيم ويقومون ما أعوج من دينهم ، ويصححون ما فسد من مفاهيمهم ، وتلك هي مهمة الإنسان حين خلقه الله عز وجل : وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً ) وخلافة هذا الإنسان لله في الأرض تتمثل في إقامة منهج الله الذي ارتضاه للناس وأن يقيموا الدين الذي أنزله للناس عن طريق رسل منهم وأنبياء اختارهم الله سبحانه وتعالي ومن أجل ذلك مكن الله سبحانه للإنسان في الأرض وسخر له كل ما فيها وما في السموات : وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ) ، وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) .

فالله سبحانه وتعالي سخر لنا هذا الكون وما في الأرض وجعل الإنسان خليفة في الأرض وسخر له ما فيها من قوة وطاقة وأرزاق ونبات وحيوان وعلمه كيف يستغل هذه الكنوز ليعيش بها علي مقتضي منهج الله ودينه وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) ومن أجل ذلك هبط آدم وزوجه وهبط إبليس وقبيله إلي الأرض ليعادي بعضهم بعضًا ويصارع بعضهم بعضًا ، ولتدور المعركة الأبدية طويلة المدى بين هذين الفريقين ، فريق الحق ممثلاً في آدم والصالحين من بنيه وذريته وخاصة الأنبياء والمرسلين والدعاة إلي الهدي والصلاح منهم إلي يوم الدين ، وفريق الباطل المتمثل في الشيطان وجنوده وأوليائه من الجن وأوليائه من الإنس الذين ضلوا عن دينهم وتركوا منهج الله ودينه الذي ارتضاه لهم واستعاضوا بالباطل عن الحق ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها وغفلوا عن الآخرة وما أعد فيها من العذاب والنعيم .

نزل آدم وحواء ونزل إبليس لتدور رحى هذه المعارك الشرسة بين فريقي الحق والباطل وليتم الابتلاء ويجري قدر الله عز وجل بما شاء وكتب علي بني آدم أن يستقروا في الأرض ويمكثوا فيها ويموتوا ثم يخرجوا منها فيبعثوا ليعودوا إلي ربهم فيحاسبوا علي الخير خيرًا وعلي الشر ما يستحقونه . تلك هي البداية ، بداية الصراع بين الحق والباطل ، بين الأيمان والكفر بين عباد الرحمن وعباد الشيطان ، ثم إنه بعد استقرار الإنسان في الأرض ومجيء الأجيال المتتابعة والأمم المتتالية كل جيل يخلف ما قبله وكل أمة ترث التي قبلها نسي الناس عهد ربهم وأضلهم الشيطان عن دينهم وزين لهم الشرك والضلال وأغواهم حتى عبدوه ، فأرسل الله لهم وحده فأبوا عليه إلا القليل من المؤمنين وكان الصراع المرير والجهاد المستميت من أنصار الحق حتى نصرهم الله وأهلك الكافرين أنصار الباطل ثم أنشأ الله قرنًا آخرين وأمة تالية تكررت منها نفس الصورة بعد حين من الزمان وبنفس معالم الصراع . الرسول يدعوهم إلي عبادة الله وحده وهم يتهمونه بالجنون والسحر والدجل والكذب ويستعظمون أن يأتيهم رسول منهم من البشر يدعوهم لعبادة الله وحده وهكذا مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (43) ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّمَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (44).

هذا مدار الصراع حول حقيقة واحدة هي حقيقة العبودية لله عز وجل وتوحيده والإقرار له بالإلوهية والهيمنة علي خلقه والإذعان له بالطاعة وإفراده سبحانه بالعبادة . ومن أجل هذه الحقيقة حقيقة العبودية لله يدور الصراع بين أنصار الحق من بني آدم وأتباع الرسل والنبيين وبين الباطل وأهله إبليس وجنوده والضالين من بين آدم : وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) ) . وحقيقة العبودية لله وإفراده بالإلوهية تتجلي واضحة المعالم في الصراع المرير الطويل بين الحق والباطل ، بين الأمة المسلمة في أي زمان وفي أي مكان وبين أعداء الإسلام والإيمان أنصار الباطل جند إبليس ، تدور رحى هذه المعركة دائمًا وأبدًا في كل زمان وفي كل مكان حول حقيقة العبودية لله ، فأنصار الحق دائمًا يعبدون الناس لربهم الحق ومولاهم الحق وأنصار الباطل يدعون الناس ليعبدوا غير الله . أنصار الحق يدعون الناس إلي ما فيه عزهم وكرامتهم وفوزهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة ، وأنصار الباطل يزينون للناس متع الحياة الدنيا وزينتها وباطلها من أجل أن يتركوا دعوة الحق ودين الحق ويرتكسوا معهم في حمأة الطين والغواية والضلالة .

وفي ضوء ذلك الفهم لحقيقة الصراع يمكن أن نفهم قصة الإنسانية منذ خلق آدم عليه وعلي نبينا الصلاة والسلام إلي يومنا هذا . فالحياة صراع بين المؤمنين والكافرين والمعركة مفروضة علي المؤمنين قرضًا لا يملكون منها فكاكًا ولا فرارًا حتى لو أن المؤمنين اختاروا طريق الموادعة واللين واختاروا أن يتركوا الناس ليؤمن من يؤمن ويكفر فإن الكافرين أنفسهم يأبون هذا العرض ، ويبادئوا المؤمنين بالقتال والاضطهاد والتعذيب والإيذاء ، فهذا نبي الله شعيب عليه السلام يقول لقومه : ) وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87) قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88)) إن أهل الباطل من الطواغيت وأعوانهم يرفضوا ترك الحق وأهله يتحركون بحرية بين الناس ويرفضون أن يستجيب الناس لدعاة الحق والتوحيد ولا يطيقون رؤية الحق حتى لو كان مكبلاً بالأغلال والقيود فهم يصيحون : أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13)) (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ (26)) (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)) .

هذا ديدن الباطل دائمًا لا يريد أن يدع الحق ودعاته يتحركون بين الناس ، ولا يريدون للناس هداية وخيرًا يريدون من الناس أن يكونوا لهم عبيدًا خاضعين متذللين لهم من دون الله ، يريدون من الناس ألا يروا لأنفسهم إلا ما يراه لهم الطاغوت ولا يفكرون لأنفسهم إلا أن يفكر لهم الطاغوت . ( جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) ) وها هو يقول – أي فرعون – للسحرة حين آمنوا بالله رب العالمين واتبعوا رسول الله موسي عليه وعلي نبينا الصلاة والسلام (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) حتى الإيمان القلبي الذي لا سلطان لأحد عليه يقول لهم كيف تؤمنو�

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 80 مشاهدة
نشرت فى 25 أغسطس 2011 بواسطة BADRFOUDA

ساحة النقاش

ابو استشهاد

BADRFOUDA
ندعوا الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والى تكوين الفرد المسلم والاسرة المسلمة والمجتمع المسلم والى الحكومة المسلمة والى الدولة المسلمة والخلافة الاسلامية والى استاذية العالم »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

132,509