يعاني خليج توبلي الواقع إلى الجنوب من العاصمة البحرينية، المنامة، من جملة من المشاكل البيئية المعقدة التي ما زالت تعصف به منذ سنوات.
وقد أدى تردي الوضع البيئي في هذا الخليج، الذي كان فيما مضى موطنا غنيا بالأسماك والحياة الفطرية البحرية، أدى إلى تقلص مساحة الخليج والقضاء على معظم الحياة البحرية فيه.
"إنقرض"
ظهيرة يوم ربيعي مشمس من أيام نيسان/آبريل لا يرى زائر خليج توبلي الكثير من الصيادين في هذه البقعة البحرية التي كانت تشكل مركزا رئيسيا للصيد البحري في هذه المنطقة من البحرين.
ويختصر الصياد الستيني حسن عبد الحسين الدرازي، بنبرته التي تنم عن حزن عميق قصة موت خليج توبلي كمصدر للثروة السمكية في البحرين.
ويقول الدرازي: "في خليج توبلي الشارع الآن كان يصل إلى حدود النخيل".
ويمضي إلى القول: "كنا نبحر فقط على حدود النخيل، ونحصّل منه على كنوز من الروبيان".
ويفتح يده اليسرى ليدلل بكفه الأيمن على أن حجم الروبيانة كان يفوق حجم الكف، ويقول: "هذا كان حجم الروبيانة".
ويأسف لأن الخليج قد "دفنوه. وبعدما دفنوه، خلاص الآن ما نحصّل فيه على شيء".
ويضرب كفا بكف علامة على الإحباط الذي يساوره، ويتابع قائلا: "مات خليج توبلي".
ويقول إن "ماءه فقط للبلاليع في هذا الوقت. المجاري تصب فيه، الدفان يدفن فيه".
"خلاص"، يضرب حسن الدرازي كفا بكف مرة أخرى، "إنقرض (خليج توبلي)".
موئل للحياة البحرية
وبانقراض خليج توبلي انقرضت أو شارفت على الإنقراض فيه أنواع من الأسماك التي طالما كانت تشكل مصدر رزق رئيسي للصيادين وللسكان في هذه المنطقة.
ويوضح حسين المغنِّي، المسؤول الإعلامي في نقابة الصيادين في البحرين إن "خليج توبلي يعتبر من أهم مواطن الثروة السمكية في البحرين".
ويقول إنه "يمتاز بثلاثة أنواع من الأسماك: الروبيان، الميد والجواف".
وللتدليل على حجم المشكلة يصف كيف أنه "قبل 10 سنوات، في هذا الموسم، كان الروبيان يُصاد بكميات كبيرة، كبيرة، هائلة".
ويضيف: "تصور بأن قاربا طوله 20 قدما، خلال نصف ساعة عمل، كان يصيد 500 كيلوغرام من الروبيان".
ويردف قائلا: "من 10 سنوات لحد الآن ولا كيلو. الميد نفس العملية. الجواف نفس الشيء. لا شيء في خليج توبلي الآن".
ويمضي إلى القول: "والمجاري غيرت لونه من لون أزرق إلى لون بني".
ويؤكد بأن هذه المياه ذات اللون البني "تقتل الأسماك، تقتل قيعان البحر".
الزحف العمراني
وخليج توبلي يعتبر أحد ضحايا الزحف العمراني العشوائي على السواحل البحرية لجزيرة المنامة، كبرى جزر البحرين، فضلا عن استغلال بعض أصحاب النفوذ لنفوذهم لدفن البحر واستملاك المساحات المدفونة في انتهاك صارخ للقوانين التي سُنَّت للتعامل مع المشكلة أثناء تكشفها عبر السنين.
ويقول إبراهيم حسين، رئيس المجلس البلدي في المنطقة الوسطى التي يقع فيها الخليج: "المشكلة عمليا بدأت في منتصف الثمانينات. الزحف العمراني بدأ يجعل من الخليج في تقلص مستمر".
ويردف: "ونتيجة غياب الرقابة الإدارية الحازمة، التي تنفذ القوانين - لأنه لم يكن هنالك مشكلة في إصدار القانون، القوانين كانت سابقا من الستينات وما قبلها، كانت موجودة قوانين تعتبر الخليج محمية طبيعية".
ويتابع: "ولكن التجاوز على القانون كان هو المشكلة. تسلط بعض أصحاب النفوذ وتجاوزهم غير اللائق لهذه القوانين كان هو المشكلة".
وحجم المشكلة البيئية التي يعاني منها خليج توبلي تتجلى بشكلها الصارخ من خلال "تقلص مساحة الخليج من 28 كيلومترا إلى أقل من 12"، يقول إبراهيم حسين.
ويردف بأن "الخليج دخلت فيه الكثير من الملوثات البيئية؛ الدفان العشوائي؛ وصب مياه المجاري؛ إضافة إلى ذلك حتى بعض المصانع والشركات، مثل مصانع غسل الرمال، تلقي بمخلفاتها في داخل الخليج".
مشاريع حلول
وتفاقم المشكلة حدا بالمسؤولين إلى اتخاذ خطوات لتدارك الموقف ووضع حد لتردي الوضع البيئي في خليج توبلي.
إبراهيم حسين يجمل بعض الإجراءات التي يتخذها مجلسه البلدي للتعامل مع هذه المشكلة بالقول: "الجانب الأول أن نفعّل المراسيم والقوانين السابقة، بما فيها مرسوم 95 وقرار 95 لمجلس الوزراء".
ويضيف: "وأصدرنا قرارا في المجلس البلدي في (كانون الأول) ديسمبر 2004 يعاضد هذا القانون والقرار السابقين".
ويمضي إلى القول: "وفي نفس الوقت سعينا إلى مشاركة الهيئات الدولية، البيئية وغيرها، لتقديم مشوراتهم ومقترحاتهم التي تحافظ على هذا المرفق الحيوي. وفي نفس الوقت الآن نحن بصدد تقديم مشروع وطني سياحي يحافظ على خليج توبلي".
ويكشف بأن المجلس البلدي طلب "دراسة من منظمة دولية ومن شركة إستشارية في البيئة، أمريكية، على أساس أن تقدم لنا تصوراتها في تطوير الخليج، وشاركَنا مركز الإنماء البيئي للأمم المتحدة في هذا المشروع وفي دعمه".
ويضيف: "الآن نحن بصدد، بالتعاون مع وزارة الأشغال، تعميق الخليج وإنشاء بعض الجسور بدلا من المعابر الحالية قليلة النفوذ، فحركة التيارات المائية محتاجة إلى معابر علوية ما يجعل من تلك الحركة أكثر انسيابا".
إلا أن مساعي السلطات المحلية لتصحيح الوضع البيئي في خليج توبلي لن تثمر بالكامل ما دام البعض يصر على إستخدام الخليج كمكب لأنقاض الأبنية أو النفايات أو مياه الصرف الصحي وغيرها من السوائل الآسنة.
فقبل أيام ضبطت السلطات المحلية شاحنة تابعة لشركة يملكها أحد المتنفذين كانت ترمي أنقاض أبنية في الخليج.
ساحة النقاش