العلوم الاقتصادية والقانونية والإدارية البيئية

 

عرض/ مؤسسة المستقبل للدراسات والإعلام
يرى أرنون سوفر الباحث والمحاضر في جامعة حيفا في كتابه "الصراع على المياه في الشرق الأوسط" أن موجات الجفاف الصعبة التي سيطرت على مناطق واسعة من الكرة الأرضية أشارت إلى نقص متصاعد في المياه.

وخلال الأربعين سنة الأخيرة تصاعد الطلب على المياه في أعقاب تزايد السكان على مستوى العالم وخاصة في دول العالم المتطور، فإبان الخمسينيات من القرن الماضي كان عدد سكان العالم 2.5 مليار شخص، وتضاعف هذا العدد في عام 1990 وأصبح 5.3 مليارات، ومن المتوقع أن يصل عدد سكان العالم في سنة 2025 إلى  ثمانية مليارات، أي بزيادة سنوية تصل إلى 90 مليونا.

 

ويشير سوفر إلى أن النقص في المياه ليس مرتبطا فقط بالتلوث البيئي أو الظواهر الطبيعية وزيادة عدد السكان، وإنما في الاستخدام المتخلف في معظم دول العالم بطرق فاسدة، كما أن استخدامها متأثرا باعتبارات سياسية طبيعية تمنع استغلال المياه بصورة مثالية.

وإذا استمرت هذه الأمور فإنه من المتوقع أن تكون هناك أزمات وكوارث في مناطق واسعة من العالم تؤدي إلى تعريض الأمن الاقتصادي والاجتماعي للخطر.

ويعتقد المؤلف أن دول الشرق الأوسط غارقة في الجهود والمثابرة في التوازن بين تزايد عدد السكان وإنتاج الغذاء والطاقة، موضحا أنه خلال العقود الأخيرة بدأت هذه الدول رغبة شديدة في البحث عن تطوير أماكن المياه الموجودة في حدودها وهي على الأغلب الأنهار الدولية، دون الاهتمام باحتياجات الدول المجاورة.

وهنا فإن الدول العليا والتي يوجد داخل حدودها أنهار تستغل المياه دون الاهتمام بالدول السفلى والتي هي طبيعيا تستخدم نفس النهر الذي يخترق حدودها، والنتائج التي لا يمكن تجنبها هي النزاعات المتصاعدة التي تزداد خطورة.

مبادئ تهدئة النزاعات الدولية

ونوه سوفر في كتابه إلى الأنهار الدولية وهي التي تتدفق عبر حدود دولتين أو أكثر أو توجد منابعها في حدود دولة أخرى أو أكثر، مشيرا إلى أنه -حسب معطيات لجنة الأمم المتحدة للمصادر الطبيعية والأنهار الدولية- يوجد في العالم حوالي 214 نهرا دوليا، منها 110 أنهار لها منابع كبيرة جدا، وأنه يوجد 69 نهرا دوليا في قارة أميركا و 48 في قارة أوروبا، و 57 في أفريقيا، و40 في قارة آسيا.

وأوضح المؤلف أن جذور المشاكل التي تنشأ بين الدول تكمن في الاستخدام المشترك للأنهار الدولية والتعرض للسيادة الإقليمية المتعلقة بها، وأن هناك أربعة مبادئ يستخدمها المجتمع الدولي لحل النزاعات وهي:

• لكل دولة سيادة كاملة على مناطق منابع النهر الموجودة فيها.

• بين جميع دول الحوض يوجد دمج إقليمي كامل، والمقصود هنا أن يكون للدولة المنخفضة حقوق تاريخية لاستخدام المياه في حين أن الدولة العليا التي ينبع منها معظم مياه النهر ولم تستخدمه في الماضي، فليس لها حقوق تاريخية.

• كل دول الحوض يسمح لها باستغلال مياه الحوض.

• استقلالية الدولة تسمح لها بالاستخدام المحدود والمعقول لمياه النهر.

 

ويوضح سوفر بالرغم من أن معظم الاتفاقات حول الأنهار الدولية في الشرق الأوسط وقعت بين الدول الشرق أوسطية وبين دولة عظمى أوروبية، أو بين دولتين عظميين أوروبيتين كانتا تسيطر على أراضي المنطقة، كالاتفاق على استخدام مياه نهر الفرات ونهر اليرموك في الأردن الذي وقع بين فرنسا وبريطانيا، ووثيقة أخرى وقعت بين مصر وبريطانيا سنة 1929، حددت توزيع المياه بين مصر وبين مناطق الانتداب البريطاني في السودان.

رغم ذلك فإن هذه الاتفاقيات لم توقف النزاعات الكبيرة حول ما يتعلق باستغلال مياه الأنهار الدولية. ويشير المؤلف إلى أن أحد هذه النزاعات المعقدة هو موضوع استخدام مياه نهر الأردن، فالسكان الذين يستخدمونه يتكاثرون بسرعة، وحل مشكلته مرتبطة بحل النزاع العربي الإسرائيلي، كما أن هناك نزاعات صعبة بين تركيا وشركائها في استخدام مياه نهري دجلة والفرات.

إسرائيل ودول حوض النيل

يعتبر نهر النيل من أطول الأنهار في العالم إذ يمتد على طول 6695 كلم، وينبع من بحيرة فيكتوريا وتشترك فيه عشر دول هي: إثيوبيا وزائير وكينيا وإريتيريا وتنزانيا ورواندا وبروندي وأوغندا والسودان ومصر. وإذا كان السودان يشكل مجرى النيل فإن مصر تمثل مجراه ومصبه بينما الدول الأخرى تمثل منبعه وحوضه.

وتعتبر مصر أكثر الدول احتياجا إلى نهر النيل لموقعها الصحراوي وندرة الأمطار فيها، وهذا ما دفع جمال عبد الناصر لبناء السد العالي لتوليد الطاقة وتطوير البنية الاقتصادية وتوفير مياه الشرب، وأصبح نهر النيل بعد ذلك نهرا دوليا.

ويرى الكاتب أن لإسرائيل مصالح سياسية إستراتيجية في حوض النيل، ولتوزيع المياه بين الدول المشتركة فيه تأثير مباشر على إسرائيل، ولذلك فهي تحاول بالتنسيق مع إثيوبيا العبث بهذا النهر للتأثير على حصة مصر والسودان منه، حيث تعتبر مصر الجارة الكبيرة لإسرائيل والنيل يعتبر إكسير الحياة لها.

وهذا يكفي إيضاحا بأن كل ما يحدث في حوض النهر يكون له انعكاسات بين الدولتين، حيث إن الاعتماد الكامل لمصر على نهر النيل أعطى إسرائيل تفوقا تكتيكيا وإستراتيجيا لتوقيت الحرب.

ويقول المؤلف إنه في حرب الاستنزاف ضربت إسرائيل خطوط الكهرباء المتدفقة من أسوان إلى القاهرة، مما دفع الجيش المصري لتغير انتشاره ووجه قواته للدفاع عن سد أسوان، ولذلك فإن الضغط على إسرائيل في قناة السويس قد ضعف.

إثيوبيا وإريتريا

 

ويشير سوفر إلى أن من مصلحة إسرائيل الإستراتيجية أن لا يكون البحر الأحمر تحت سيطرة الدول العربية فقط، لذلك تسعى إسرائيل إلى توطيد علاقاتها مع الدول غير العربية مثل إريتريا وإثيوبيا، حيث تقوم إسرائيل بمساندتهما بكل ما تستطيع.

وذلك عن طريق تقديم مساعدات مالية لإثيوبيا لبناء السدود على النهر، مع عرض مقابل لذلك ألا وهو شراء مياه النيل منها، وهذه العلاقات المتينة تثير العصبية في مصر التي تخشى من الدول التي ينبع منها النيل.

ويبين سوفر أن إسرائيل تقيم علاقات قويه مع كينيا التي ينبع منها أحد منابع النيل وأيضا أوغندا التي توجد بها بحيرة فكتوريا.

ويقول إنه في سنوات الستينيات والسبعينيات خشيت مصر من أن تقوم إسرائيل بإغلاق سد أسوان، ولذلك فإن طاقما من الخبراء المصريين موجودون هناك بشكل دائم بجانب السد من أجل تأمين تدفق المياه من نهر النيل الأبيض.

ويضيف المؤلف أن إسرائيل معنية بالتقدم الاقتصادي والاجتماعي لدول أفريقيا، وأكدت على ذلك من خلال مساندتها لتطوير هذه الدول الواقعة جنوب "السهارا"، أما مصر فتخشى من التطور الاقتصادي لجيرانها في الحوض وخاصة التطور الزراعي.

وترى إسرائيل أن من مصلحتها رؤية دولة مسيحية في جنوب السودان، حيث تعتبر السودان الدولة الأكبر والأهم في حوض النيل، ومنذ إنشائها وهي تعادي إسرائيل، حتى إنها اشتركت في عدة حروب ضدها.

نزاع على القليل من المياه

 

ويعتقد البرفسور سوفر أن نهر الأردن ومجراه اليرموك هما مثالان جيدان للمشاكل المرتبطة بالمياه والسياسة والأخطار الكامنة في الاستغلال غير المنسق للمنابع، ولذلك فإن النزاع حول هذه المياه القليلة كبير وأكبر من أي نزاع على أحواض أخرى في المنطقة.

فالدول الأربع المشتركة في حوض الأردن واليرموك وهي لبنان، سوريا، الأردن، وإسرائيل، إضافة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية وهي الدولة المنتظرة، بينها حالة الحرب منذ 1948 باستثناء السلام مع الأردن, وهذا ما يرفع من درجة التوتر في المنطقة حول استغلال المياه.

وتعتبر مسألة المياه بين هذه الدول أمرا أمنيا ووطنيا، وأي نقص للمياه بين هذه الدول سيجعل النزاع على استغلال حوض الأردن نزاعا دوليا معقدا وخطيرا ومن الصعب حله.

 

أعدته للنشر/ أمانى إسماعيل

 

 

 

 

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 412 مشاهدة
نشرت فى 14 مارس 2012 بواسطة Amany2012

ساحة النقاش

Amany2012
موقع خاص لأمانى إسماعيل - باحثة دكتوراه فى العلوم الاقتصادية والقانونية والادارية البيئية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

560,027