قال لي صديقي الشاب : الحمد لله، أخيراً التحقت بالوظيفة التي طالما حلمت بها، وتسلحت من أجلها بالمؤهلات المطلوبة لشغلها، ولم أتوقف عند ذلك بل حصلت على برامج تدريبية مكثفة كي أكون جاهزاً لها قبل استلام العمل، وبهذا سأحقق النجاح فيها إن شـاء الله وأعوض بهذه الوظيفة الجديدة ما تعرضت له من إخفاق في وظيفتي السابقة.

قلت له: كل ما ذكرت أمر مطلوب وهام لتحقيق النجاح، ولكن هذا ليس كل شيء كي تحقق النجاح في عملك الجديد.

قال: كيف هذا؟!

قلت: هناك عوامل أخرى لابد من توافرها لك وفيك كي تحقق النجاح الذي تنشده في عملك، ومن هذه العوامل أو الصفات ما هو موهوب لك من الله سبحانه وداخل في تركيبتك الشخصية، ومنها ما هو مكتسب؛ أي تستطيع اكتسابه بمزيد من التعلم والاحتكاك بالآخرين، ومن الخبرات العملية أيضاً.

قال: أما الصفات الموهوبة فهذه من عند الله سبحانه، ولكن كيف أكتسب العوامل التي تساعدني على تحقيق النجاح في عملي غير مؤهلاتي العلمية وخبراتي العملية؟

قلت: هناك الكثير من هذه العوامل، أذكر لك أهمها:

1- كن حريصاً على ترك أثر إيجابي كانطباع أولي عنك لدى رؤسائك وزملائك في العمل: فالانطباع الأولي غالباً ما يدوم لفترات طويلة، ويكون من الصعب على صاحبه تغييره ولكن ليس بالمستحيل، فإذا أخذ مديرك انطباعاً أولياً معيناً عنك (مثلاً: كثرة الكلام فيما لا يخص العمل أو التأخر عن الدوام) يبقى هذا الانطباع عالقاً في ذهنه إلى أن تلتزم بغيره، (أي تقلل من حديثك فيما لا يخص العمل، وأن تنتظم في وقت الحضور إن لم تتمكن من الحضور قبل بداية الدوام).

2-  ابتعد عن التكلف ما استطعت، وتعامل بشخصيتك الحقيقية منذ اليوم الأول لك في العمل: فالتكلف في الحديث نوع من أنواع التمثيل لا يدوم كثيراً، فليس هناك من يستطيع أن يمثل ويظهر غير حقيقته كل الوقت، ففي وقت ما سينكشف فيه هذا الممثل على حقيقته، وتكون العاقبة وخيمة، فقد تفقد ثقة رئيسك في العمل، وتفقد ثقة زملائك أيضاً، ومن ثم قد تفقد وظيفتك التي طالما حلمت بها.

3- طوّر من شخصيتك، وخاطب الناس على قدر عقولهم، وأعط كل ذي قدر قدره الذي ينبغي له، واعلم أن لكل مقام مقالاً: فإذا كنت ممن يجاملون الناس بالكلمات الطيبة التي تأخذ صورة من صور المدح، وتسهب في ذلك في كل وقت وحين، فعليك أن تخفف من ذلك، فقد يكون من تمدحه غير أهل لذلك فيظن فيك النفاق الاجتماعي، وهذه صفة ذميمة ولا شك، وإن كنت ذا ظل خفيف وتكثر من المزاح وإطلاق الكلمات التي تستدعي الضحك في غير وقته، قد يخلع عليك صفات وانطباعات لدى رؤسائك وزملائك أقلها عدم الجدية في العمل، وهذا قد يترتب عليه فصلك من العمل.

4- ابتعد كثيراً عن "الأنا" في حديثك: فلا تتحدث كثيراً عن نفسك، فمن يتحـدث كثيراً يعمل قليلاً؛ لأن وقت الحديث يقتطع بالتأكيد من وقت العمل، فلا تتحدث كثيراً بشأن ما تحمل من شهادات وخبرات وكفاءات عملية، واترك عملك يدل على ما تحمله من علم وخبرة، واترك تقديرك لنفسك يأتي من الآخرين؛ فرئيسك في العمل يراك ويتابعك بالتأكيد، ويعلم سيرتك الذاتيـة، وينتظر منك التطبيق العملي وإنجاز ما يُطلب منك من أعمال، وليس هذا بالطبع ما يميزك عن الآخرين من زملائك في العمل، بل ما يميزك - بالإضافة إلى إنجاز عملك المطلوب والمحدد لك - هو مدى قدرتك على الإبداع والابتكار داخل العمل، وما تضيفه من قيمة داخل الشركة أو المؤسسة أو المنظمة التي تعمل بها. فلابد لك من تطابق القول مع العمل، وابتعد دوماً عن مخالفة قولك عملَك، ولا تكن ممن قال الله سبحانه تعالى  فيهم:(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ). [الصف: 2- 3].

5- هيّئ نفسك لبذل المزيد من الجهد في بداية تسلمك لعملك: ابذل جهداً مضاعفاً في التعرف على مهام وظيفتك الجديدة، فليكن مجيئك لدوامك قبل بداية الدوام، وانصرافك بعد نهاية الدوام، تعرف على أدق التفاصيل التي تساعدك على أداء عملك بالجودة المطلوبة، ابذل كل طاقتك في العمل، وأحسن في عملك، واضعاً في ذهنك أن الأجر الأكبر عند الله سبحانه لمن يحسن العمل، يقول سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ). [التوبة:120]. ويقول سبحانه: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ). [النحل: 97].

6- التزم حدود اللياقة مع مديرك وزملائك في العمل: فعند طلب المعلومة من مديرك أو زميلك والتي تحتاجها في إيضاح غير الواضح من مهامك الوظيفية التزم حدود اللياقة والكياسة، وتأدب بآداب الحديث والإنصات، واجعله سمتاً من سماتك الشخصية، فالإنصات وعدم مقاطعة زميلك – أو مديرك - الذي يوضح لك مهامك الوظيفية يكسبك المزيد من المعلومات والخبرات التي ستنقل لك من استرسال مديرك أو زميلك، ولا تظهر معرفتك بتلك المهام إن كنت تعرفها، وأظهر لزميلك أو مديرك أنك تستفيد حقاً مما يقول، فهذا يعطي انطباعاً عنك بأنك متعاون ومريح في التعامل، وغير مجادل، ويبعد عنك صفة التعالي، وأنك ستكون أحد أفراد فريق العمل في هذه الشركة أو المؤسسة.

7-  ابتعد عن الذكريات السلبية : فإن كنت تحمل كثيراً من الذكريات السلبية عن وظيفتك السابقة، فلا تستدعها أبداً وأنت تمارس وظيفتك الحالية، فهذا من شأنه أن يعكر عليك صفوك، ويعيد لك مشاعر الحزن والأسى والضيق وعدم الرضا التي كانت مسيطرة عليك أثناء ممارستك لوظيفتك السابقة، ويرسخها في عقلك الباطن الذي سرعان ما يظهرها على عقلك الظاهر ويجعلها تسيطر عليه، فبدلاً من توفير طاقاتك الذهنية وتسخيرها في إنجاز مهام وظيفتك الجديدة، تستهلكها هذه المشاعر الآتية من الماضي. فكن حريصاً على عدم الانجرار وراء الأفكار والذكريات السلبية التي هي من عمل الشيطان الذي يريد لك الفشل والإصابة بالهم والحزن، اللذين يقعدانك عن أداء مهامك ومن ثم فقدك لوظيفتك، وانضمامك لطوابير البطالة، وتعرضك لمخاطرها التي قد تودي بك إلى التهلكة، وهذا ما يريده الشيطان لك.

8- ابتعد عن مقارنة أسلوب العمل في وظيفتك الجديدة الحالية بأسلوب العمل في وظيفتك القديمة السابقة إن كان أفضل: فإن مقارنتك المستمرة للاختلاف في  أسلوب العمل سواء على المستوى المباشر من خلال رئيسك المباشر، أو على المستوى الإداري الأعلى، وذكرك أن أسلوب العمل في وظيفتك السابقة كان أفضل، فإن هذه المقارنة قد لا تكون في صالحك؛ إذ قد تعطي انطباعاً عنك بأنك تبتعد عن الصواب في اتخاذ قراراتك، وأنك تجهل أن لكل شركة أو منظمة أسلوبها في إدارة عملها، وهذا الجهل ليس في صالحك، فأنت الآن في عمل له خصوصيته، وله أسلوبه في الإدارة، وعليك التكيف والالتزام بهذا الأسلوب والابتعاد عن تلك المقارنات حتى لا تفقد وظيفتك، وقد يكون أسلوب العمل المستغرب منك الآن هو الأفضل مع التعود عليه في المدى البعيد.

9- ابتعد عن الحديث السلبي عن وظيفتك ومؤسستك وانتقاد زملائك ورؤسائك في العمل: فإن كنت ترى قصوراً في الخبرة أو المهارة أو أسلوب إدارة العمل أو عدم اتباع أساليب أفضل في إدارة العمل، فلا تتسرع في إبداء اقتراحاتك حتى تتعرف جيداً على أدق التفاصيل، والبيئة الداخلية والخارجية المحيطة بالعمل وبالمنظمة أو بالشركة ككل، فتوافر هذه المعرفة توضح الصورة تماماً أمامك، ومن ثم تبذل قصارى جهدك في تقديم اقتراحاتك المبنية على أسس علمية  ومشاهدات عملية لحقيقة وواقع الشركة أو المنظمة.

10-  اعمل على التعرف على أسلوب مديرك في إدارة العمل: استعن لتحقيق هذه المعرفة بزملائك في العمل؛ فهم أكثر خبرة منك في هذه المعرفة، ضع عدة أسئلة موضوعية ووجهها لزملائك لتكتشف من خلالها أسلوب مديرك في العمل، وكن حذراً في الحكم على هذا الأسلوب، ولا تأخذ آراء زملائك كأنها الحقيقة الكاملة، فعليك أن تعمل عقلك فيما تسمع منهم حتى لا تنخدع بآرائهم.

11- حدد أهدافك في هذه الوظيفة بوضوح تام، وضع الخطة المناسبة لتحقيق هذه الأهداف: اجعل لنفسك أهدافاً إستراتيجية بعيدة المدى، وأهدافاً متوسطة المدى، وأهدافاً قصيرة المدى، واحرص على أن يكون من ضمن أهدافك قصيرة المدى كسب حب واحترام وثقة رؤسائك وزملائك، فهذا الاحترام وتلك الثقة يكونان خير معين لك في حبك لعملك وارتباطك به، ومن ثم تمكينك من إنجاز أهدافك المتوسطة المدى، والبعيدة المدى، وبالتالي نجاحك في الاحتفاظ بوظيفتك وتمكينك من أداء مهامها والتميز في ذلك.

12- كن شجاعاً في الاعتراف بأخطائك تكتسب احترام الآخرين: فعدم الكبر والبعد عن الجدال في الباطل، والاعتراف بالخطأ كل ذلك يكسبك شجاعة أدبية تفرض على الآخرين احترامك، فليس هناك إنسان لا يخطئ؛ فالخطأ من صفات البشر الأساسية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون". فالاعتراف بالحق فضيلة، ولا ينقصك أبداً أن تعترف بالخطأ الذي وقعت فيه، بل ينقصك أن تجادل في تسويغ أسباب هذا الخطأ لتبعده عنك، والأخطر من ذلك، والذي يفقدك المصداقية بين زملائك، ويفقد ثقة رئيسك في العمل أن تنسب خطأك لغيرك لتبقى أنت بلا أخطاء، وهذا وهم وغش كبير، وتزوير للحقائق، ورمي بريء بإثم لم يرتكبه، وهذا من الذنوب الكبيرة. يقول تعالى: (وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً). [النساء: 112]. واعلم أن الخطأ البسيط الذي تحاول عدم الاعتراف به قد يفقدك ثقة مديرك، ومن ثم فقدك لوظيفتك.

13-  احرص على التعامل الراقي وحسن الخلق مع رؤسائك وزملائك: فلا تقم بأداء فعل أو تتصرف تصرفاً تخجل منه، فحسن الخلق، والتعامل الراقي يكسبانك ود وحب واحترام الآخرين، وهذا يرفع من روحك المعنوية، ويحببك في العمل، فضلاً عن فوزك بحب الله الذي أمرنا بالتزام حسن الخلق، وجعله من أساسيات ديننا الحنيف، ومن حسن الخلق في العمل: التزام إتقان العمل، والصدق في القول، والبعد عن التشهير بالآخرين أو تجريحهم أو السخرية منهم، واحترام آراء الكبير والصغير، وعدم تسفيه رأي حتى ولو كان غير منطقي، أو ينم عن قصور في شخصية قائله، ومن حسن الخلق أيضاً تفضيل التسامح على العتاب واللوم والخصام... الخ.

14- عوّد نفسك الالتزام بالنظام: فتعويد النفس على الالتزام بالنظام في كل شيء يؤدي بها إلى أخذه منهج حياة لا تحيد عنه خاصة في العمل، وهذا يحفزك ويدفعك إلى أداء عملك على الوجه الأمثل، ومن ثم تنال رضا رؤسائك بما يضمن لك الاستمرار في العمل، والتقدم فيه.

15-  اشحذ همتك دوماً: فشحذ الهمة في العمل، وأخذه بالجد، والإصرار على النجاح والتميز فيه، يوصلك إلى ما تصبو إليه، ويبعدك عن الفتور الذي يؤدي بصـاحبه إلى التراخي، مما ينعكس على أدائه، وقد يفقده ثقة رؤسائه به، ومن ثم فقده لعمله.

المصدر: مقالات
Al-Resalah

الرسالة للتدريب والاستشارات.. ((عملاؤنا هم مصدر قوتنا، لذلك نسعى دائماً إلى إبداع ما هو جديد لأن جودة العمل من أهم مصادر تميزنا المهني)). www.alresalah.co

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 687 مشاهدة
نشرت فى 8 مايو 2011 بواسطة Al-Resalah

ساحة النقاش

الرسـالة للتدريب والاستشارات

Al-Resalah
مؤسسة مهنية متخصصة في مجالات التدريب والإستشارات والبحوث والدراسات، وتُعتبر أحد بيوت الخبرة متعددة التخصصات في العالم العربي.. ومقر الرسالة بالقاهرة.. إن الرسالة بمراكزها المتخصصة يُسعدها التعاون مع الجميع.. فأهلاً ومرحبا بكم.. www.alresalah.co - للتواصل والإستفسارات: 00201022958171 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,027,218