تشكل الأزمات المالية عادة في حياتنا عبئاً كبيراً.. فهي في معظم الأحيان تحد من مواصلة الحياة اليومية الطبيعية، وتقلل أيضاً من قدرتنا على المضي نحو تحقيق الأحلام، حيث إنّه على قدر الأزمة ومدى حجمها يكون تأثرنا بها، غير أن لكل واحدٍ منّا طريقته وأسلوبه في التفكير للتعامل مع أزمته المالية.
في هذا التحقيق طرحت عدة أسئلة على مجموعة من الناس.. مفادها كيف تتعامل مع أزماتك المالية؟.. وإلى مَنْ تلجأ عادة لدى حدوثها؟ وهل أنت من النوع الذي يستشير الآخرين أثناء ذلك الوضع، أم أنّك تتخذ قرراتك بنفسك؟
أشعر بالضيق الشديد حين أتعرض إلى أزمة مالية. ولأنّني أعرف جيِّداً أنّ أصدقائي لن يقفوا إلى جانبي في حال حدوثها، فإنّني أفضل أن تظل تفاصيل أزمتي في طي الكتمان.. هذا ما قاله فهد الفاضل الذي يعمل في قسم المبيعات بشركة الاتِّصالات، مشيراً إلى أنّه عادة ما يتعامل مع أزماته المالية بنفسه ومن دون استشارة أي من الأهل أو الأصدقاء وأنّه لا يحبذ أيضاً أن يعلموا شيئاً عن طبيعة هذه الأزمات، حتى لا يصبح مادة ثرية للقيل والقال.
- العمل بالنصيحة:
أمّا مصطفى العبيدي "مهندس" فيختلف مع سابقه في الرأي، حيث يرى أنّه في حال وقوع أي شخص في أزمة مالية فعليه أن يسارع إلى استشارة مَنْ يثق في نصيحتهم من أهل الرأي السديد. ويقول مصطفى: عندما حان موعد سداد الإيجار السنوي للمنزل الذي أعيش فيه، لم يكن في حوزتي ما يكفي من المال لسداده كلّه، فلجأت إلى أحد الأصدقاء وعلى الرغم من أنّه اعتذر لي بطريقة مهذبة – لأنّه كان يمر بضائقة مالية في ذلك الوقت – إلا أنّه نصحني بأنّ أقترض من البنك، وقد عملت بنصيحته وأخذت قرضاً إلى أن مرت أزمتي هذه بسلام.
- إنسانة منطقية:
بانة سعيد التي تعمل في مجال التسويق تقول عن نفسها: أنا إنسانة منطقية للغاية، أحسب دائماً "مصاريفي" بشكل يومي، وما يتوافر معي من نقود، أضعه في البنك. إنّني على الرغم من حرصي الشديد هذا، تعرضت إلى أزمة مالية سببت لي الكثير من الإزعاج، حيث اشتريت سيارة غالية الثمن، ولم أستطع الانتظام في دفع أقساطها الشهرية، فلجأت إلى إحدى الصديقات لتمدني بالمشورة، وتساعدني على الخروج من هذه الورطة فما كان منها إلا أن أقرضتني مبلغاً من المال فانفرجت أزمتي المالية وعاد إلى نفسي الهدوء والارتياح من جديد.
- أزمة كبيرة:
عطا الله محمّد، مهندس لديه شركة استثمارية في الكوقت، ودائم التنقل بين البلدان العربية والأجنبية يقول: كل إنسان معرض للوقوع في أزمة مالية، ولكن الإنسان الفطن هو الذي لا يدع الكبر يتسلّل إلى نفسه، فيرفض مشورة الآخرين ومساعدتهم له. وعن نفسي، حين خسرت مبلغاً كبيراً من المال في البورصة، وتعرضت شركتي إلى أزمة كبيرة، لجات إلى العديد من الأشخاص المقربين، طلباً للمساعدة، والحقيقة أن أغلبهم لم يبخل عليّ بالمال، وبعضهم قدم لي النصائح المهمة، ومنهم مَنْ وقف إلى جانبي معنوياً إلى أن عادت شركتي إلى قوتها من جديد.
- نفقات العرس:
ويصف محمّد عيسى، الشخص الذي يتخذ قراره بنفسه في حال وقوعه في أزمة مالية بأنّه أناني ولديه شعور بالعظمة، مشيراً إلى أن أخاه حين أقبل على الزواج لم يكن يملك نفقات العرس كاملة، ما جعله يستشير خاله في كيفية مساعدة أخيه، على اعتبار أنّ أزمة أخيه المالية هي أزمة بالنسبه له أيضاً. ويضيف محمّد: لم يكن بوسعي أن أقف مكتوف اليدين وأخي يحتاج إلى بعض المال، لإتمام عرسه فاستشرت خالي في هذا الأمر فنصحني بأنّ أبيع سيارتي، فبعتها على الفور وأخذت ثمنها وأعطيته لأخي الذي لم يتردد بدوره في قبول مساعدتي له، وتم العرس على أكمل وجه.
- طريقة مثالية:
ومن جهتها تقول حلا بيطار "طالبة تدرس المحاسبة": أنا طالبة وأعتمد على أهلي في تدبير نفقاتي، ولكنني شعرت بأن ما آخذه من الأهل لا يكفيني، فاضطررت إلى البحث عن وظيفة لا تتعارض مع طبيعة دراستي إلى أن حصلت عليها، ولا أنكر أبداً أن راتبي الذي أتحصل عليه من خلال الوظيفة ساعدني كثيراً على تدبير الكثير من احتياجاتي، غير أنّ إنساناً عزيزاً عليَّ كنت أود أن أقيم له حفلاً خاصاً بمناسبة عيد ميلاده، وكنت أحتاج إلى مبلغ من المال حتى يتم هذا الحفل بالشكل الذي أتمنّاه ولم أكن أملك هذا المبلغ، فاستشرت بعض صديقاتي إلى أن وصلنا معاً إلى الطريقة المثلى التي يمكنني من خلالها تدبير هذا المبلغ بعيداً عن أهلي، إذ لم يكن بوسعي أن أطلب منهم هذا المال خصوصاً، وأنّني أريد أن أنفقه في شيء ربّما لا يقتنعون به.
- القسط الأخير:
ويشير خالد سعود "مدير عمليات في إحدى الشركات" إلى أنّه اشترى سيارة غالية الثمن، وكان يدفع لها قسطاً شهرياً معيّناً وعندما جاء موعد القسط الأخير لم يتذكره على الإطلاق وفي الوقت نفسه اضطر إلى إدخال سيارته لإجراء بعض الإصلاحات فيها وعندما ذهب لتسلمها، أخبره موظّف الاستقبال بأنّه يتوجب عليه مراجعة شركة التأمين، فتذكر على الفور القسط الأخير الذي لم يقم بسداده للشركة، ويضيف: كنت في ذلك الوقت أمر بأزمة مالية ولم أستطع بطبيعة الحال سداد هذا القسط، ما اضطرني إلى سحب مستحقاتي من التأمين الإجتماعي في الشركة التي أعمل فيها. موضحاً أنّه اعتمد على نفسه في أزمته تلك ولم يفكر في الاستدانة أو طلب المشورة من أحد، لأن طبيعته تأبى عليه ذلك.
- مشروع فاشل:
ومن جهته يقول عمرو مجدي "محاسب": أنشأت مشروعاً للدواجن منذ ثلاثة أعوام ولكن هذا المشروع، ولسوء حظي فشل، كما نفد كل ما كان معي من نقود، وطالبني الممول بالسداد، حيث كان الاتفاق بيننا يقض بأنّ أدفع له كل أسبوعين مبلغاً من المال، ولم أستطع ذلك، فطلبت منه أن يمهلني ثلاثة أشهر للسداد. فوافق على طلبي. وخلال هذه المدة بحثت عن وظيفة، ومن حسن حظي أنني وفقت في ذلك سريعاً، وفور حصولي على أوّل راتب، ذهبتُ إلى الممول وأعطيته، مبلغاً من المال على أن أنتظم كل أوّل شهر في السداد. ويضيف عمرو: لقد تصرفت من تلقاء نفسي ولم أطلب من أقرب الناس إليَّ المساعدة، وحالياً أفكر في افتتاح مشروع جديد، ولكن مع استدراك أخطاء الماضي.
- أعباء الحياة:
ظلّ طارق محمّد "مهندس" من دون عمل لمدة ستة شهور، ما جعل مدخراته من المال توشك على النفاد، وفي الوقت نفسه ازدادت عليه أعباء الحياة ومتطلّبات أسرته الصغيرة التي تتكون من زوجة وثلاثة أولاد. ويقول طارق: مرّرت بأزمة مالية لم أكن أتوقّع أن تحدث لي في يوم من الأيام، والمشكلة الأكبر أنّني ظللت من دون وظيفة فترة من الزمن، ومتطلبات الأولاد والزوجة لا تنتهي، علماً أنّ موعد الإيجار السنوي للشقة التي أسكنها قد اقترب، والمال الذي بحوزتي كان يقل يوماً بعد يوم، والعجيب أنني لم أذهب إلى صديق ليقرضني ولم أعرض مشكلتي على أحد من الأقرباء، لأنّني بطبعي أخجل من طلب المعونة حتى وإن كانت من شخص قريب جدّاً، فسعيت بجدية من أجل البحث عن وظيفة إلى أنّ وجدتُ عملاً براتب كبير، فانفرجت كل أزماتي المالية.
- التخطيط الجيِّد مهم جدّاً لتجنبها:
"يجب النظر بعين الاعتبار إلى أنّ وقوع الفرد في أزمة مالية كبيرة، لا يختلف عن وقوعه في أزمة صغيرة".
هذا ما يؤكده عمرو هلال خبير اقتصادي في إحدى الشركات، مشيراً إلى أنّ العقبات في كلتا الحالتين واحدة، ولافتاً إلى أن أكبر مشكلة تواجه أصحاب المشروعات الصغيرة تتمثّل في عدم اكتراثهم بفكرة وضع دراسة جدوى من الأساس، وقبل إقدامهم على مزاولة نشاطهم التجاري، حيث إن إنشاء أي مشروع من دون تخطيط جيِّد يؤدي في الغالب إلى فشله، والتخطيط الجيِّد عادة ما يتمثّل في دراسة أحوال السوق والاختيار المناسب لمكان المشروع مع عدم إغفال دور الدعاية ومدى تأثيرها في نجاح هذا المشروع أو ذاك.
ويضيف: أمّا بالنسبة للشركات الكبيرة فإنّ أصحابها يعتمدون بشكل أساسي على خبراء في مجال التخطيط والذين بدورهم يقومون بعمل دراسة الجدوى والتخطيط الزمني وتقدير الربح والخسارة، مؤكداً أنّ هناك جانباً آخر للأزمات المالية التي يمر بها الفرد لا يتعلّق بالتجارة فقط، ومن أمثلة ذلك الأزمات المالية التي قد يتعرّض لها الفرد بشكل شخصي، أو تلك التي تقع في محيط أسرته، أو يصادفها الطالب في مدرسته، أو الموظّف في عمله، وتتعدد أوجه هذه الأزمات وهي في الغالب تحدث حين لا يتناسب دخل الفرد مع نفقاته، حيث تتخطّى هذه النفقات مقدار ما يحصل عليه الفرد من دخل، ويجب أن نتعامل معها بمقاييس علمية أيضاً، فالوقوع في مثل هذه الأزمات وارد جدّاً، ولكن سرعة التخلّص منها هي العقبة الحقيقية التي قد تواجهنا. ويختتم هلال بقوله: يجب أن يعترف أي فرد في المجتمع بأهمية التخطيط الجيِّد في عملية الإنفاق وفي كل نواحي حياته المالية الخاصة أو التجارية.
- حدوثها قد يدفع الفرد إلى اكتشاف ذاته
هل من الممكن أن تترتّب على تعرض الإنسان لأزمة مالية توابع نفسية؟ يجيب عن هذا السؤال د. محمّد حسين "دكتوراه في علم النفس" حيث يقول: إنّ الفرد في المجتمع حين يمر بأزمة مالية بسيطة عادة ما يصاب بالتوتر. أمّا إذا كانت الأزمة المالية كبيرة وليس من السهل اجتيازها سريعاً فسوف يشعر بالارتباك وفقدان الثقة، وخصوصاً إذا وجد أنّ الأشخاص المحيطين به قد تخلوا عنه ولم يقدموا له المساعدات المتوقعة منهم. لاشك أنّ الهزات النفسية التي تحدث بسبب الأزمات المالية لها جانب إيجابي في كثير من الأحيان، فقد تدفع الفرد إلى اكتشاف ذاته، وربّما تفجر فيه طاقات وقدرات لم يكن يعرفها في داخله من قبل. ومن هنا تبدأ رحلة إعمال العقل والاجتهاد من أجل وضع حلول مناسبة للأزمة، وما من شك أيضاً أن اجتهاد الفرد، ومحاولة استنفار ملكاته يساعدانه كثيراً على تخطي عقباته المالية واجتياز أزماته النفسية بشكل طبيعي. ويضيف: يجب أن نضع في الاعتبار أنّه ليس كلّ الأفراد في المجتمع لديهم العزيمة لاكتشاف قدراتهم الداخلية التي تجعلهم يبذلون الجهد المناسب من أجل استثمار ملكاتهم الخاصة، وأصدق دليل على ذلك أنّ هناك أفراداً قد يحدث لهم انهيار كامل فور تعرضهم لأزمة مالية طارئة، وربّما تضطرهم هذه الأزمة إلى التفكير بطريقة سلبية فيركنون إلى الخمول ويستسلمون بشكل غريب إلى الأمر الواقع، وعادة هذه النوعية من الأفراد تصاب بحالات من الاكتئاب المزمن فتعزل نفسها عن الآخرين. ويشير د. حسين إلى أنّ هناك أيضاً بعض الأفراد من هذه النوعية قد يشكلون خطراً جسيماً على المجتمع، حيث يفكرون بطريقة عدوانية بحثاً عن حل سريع للخروج من أزماتهم تلك، فيرتكبون جرائم يعاقب عليها القانون، وهؤلاء الأفراد تكون لديهم دوافع عدوانية بالأساس، وحين تحدث لهم أزمة مالية من الممكن أن يتعرّض لها أي إنسان تتحرّك هذه الدوافع وتجعلهم يتصرّفون بطريقة تخالف الأعراف والتقاليد المجتمعية، مؤكداً أنّ من الضروري في حال تعرض أي فرد في المجتمع إلى أزمة مالية أن يستشير أهل الخبرة، مع ضرورة إعمال الفكر بطريقة إيجابية من أجل البحث عن أنسب الحلول التي تنهي الأزمة، وتعبر به إلى برّ الأمان، ومن ثمّ يحدث الاستقرار النفسي والإجتماعي.
ساحة النقاش