قصب السكر هو النبات الأشهر فى مصر و المنطقة العربية كمحصول منتج للسكر وقد عرفته مصر منذ فترة طويلة حيث تذكر بعض المصادر التاريخية أن الفراعنة عرفوه و زرعوه, فقد وجدت نقوش على جدران معبد الاقصر لنبات قصب السكر. الا ان البداية الحقيقية لزراعته كانت فى العصر الاموى وظلت مساحاته عبر العصور المختلفة تتراوح بين الصعود و الهبوط . وهى الان الى حوالى 320 الف فدان غالبيتها تقع فى محافظات الوجه القبلى و بعضها يتواجد فى عدة من محافظات الوجه البحرى ,يتم استخدام الغالبية الكاسحة من المساحة المنزرعة فى استخراج السكر83,6 % كما تستهلك التقاوى 2,3 % و تصل نسبة الاستهلاك الطازج الى 9,8 % ,اما انتاج العسل الاسود و حلوى الجلاب فيستهلكلان معا 4,3 %.
لكن هناك العديد من التحديات و الصعوبات التى تواجه عملية زراعة قصب السكر و استخلاص السكر منه فى المصانع و يتوجب علينا و ضعها فى الاعتبار و البحث عن حلول لها حتى لا تتفاقم و يكون من شأنها فيما بعد تعطيل و اعاقة انتاج هذا المحصول الزراعى الصناعى الهام و الذى تمتلك مصر ميزة نسبية فيه و أهم التحديات و صعوبات هى:
الاعتماد بشكل رئيسى على صنف وحيد.
ارتفاع تكاليف عمليات الخدمة وعوامل الانتاج.
الانخفاض المتوقع فى موارد مصر المائية.
عدم الاستفادة الكاملة من مكونات محصول قصب السكر.
منافسة بعض المحاصيل الاخرى للقصب.
وهذه الصعوبات سيكون لها تأثيرا بعيد المدى أن لم يتم تداركها من الان الامر الذى يحتم علينا و ضع استراتيجية واضحة للخروج من المأزق الراهن و التداعيات المتوقعة له, و يمكننا مناقشة هذه الصعوبات بشىء من الايجاز.
الاعتماد بشكل رئيسى على صنف وحيد
من الظواهر السلبية و الخطرة على زراعة و انتاج قصب السكر فى مصر هو الاعتماد شبه المطلق على زراعة صنف وحيد, فتقدر المساحة المنزرعة حاليا بالصنف جيزة تايوان 54-9 باكثر من 99 % من المساحة المنزرعة قصب فى مصر وهذا الامر يعرض زراعة القصب و من وراءها صناعة استخلاص السكر من القصب الى مخاطر اقتصادية شديدة حال تعرض الصنف المنزرع لاصابة شديدة او وبائية بأحد الأمراض أو الآفات الحشرية الخطيرة الداهمة و بالتالى كان لابد من النظر فى احد امرين و بشكل عاجل الاول منهما هو العمل على تنقية الصنف المنزرع واعادة زراعته لدى المزارعين و الثانى هو نشر الاصناف الجديدة لدى المزارعين.
وعند الحديث عن سيادة صنف وحيد غالبية المساحة المنزرعة لا يمكن القاء التبعة فى ذلك على الجهة المسئولة عن استنباط وانتاج الاصناف فقط , فقد لاحظنا من خلال الخبرات العملية فى هذا الصدد ان مزارع قصب السكر متمسك فى انتاجه للقصب بصنف تجارى وحيد منذ فترة طويلة الامر الذى عرضه للاصابة بالعديد من الامراض و الآفات و الخلط مع الاصناف الاخرى القديمة بالاضافة التى تعرضه لما يعرف بظاهرة تدهور الاصناف و هى ظاهرة معروفة فى قصب السكر حيث تضعف انتاجية الصنف بمرور الزمن دونما سبب محدد.
والاصناف المبشرة التى انتجها معهد بحوث المحاصيل السكرية و لم يقبل عليها المزارعون عليها بشكل كبير حتى الان. وهذا الامر يتطلب دراسة و العمل على تغيير سلوكيات و اتجاهات المزارعين حيال التوسع فى زراعة الاصناف الجديدة المبشرة. ويمكن ان يقوم بهذه المادرة معهد بحوث الارشاد الزراعى و التنمية الريفية , كما يمكن ان تشارك فى ذلك اقسام الاجتماع الريفى بكليات الزراعة. فى هذا الصدد يشار الى ان معهد بحوث المحااصيل السكرية بالتعاون مع مجلس المحاصيل السكرية و شركة السكر و الصناعات التكااملية المصرية بصدد البدء فى اطلاق صنفين مبشرين وهما جيزة 2003-47 و كوبا 57-14 ابتداءا من الموسم الربيعى 2014/2015.
ارتفاع تكاليف عمليات الخدمة وعوامل الانتاج
وهذه احد التحديات الهامة و الكبرى التى تواجه زراعة و انتاج قصب السكر فى مصر, مما يجعل العديد من المزارعين ينصرفون الى زراعة محاصيل اخرى اكثر ربحية من قصب السكر و هذا حدث فى بعض المناطق حيث يعانى قصب السكر منافسة شديدة من محاصيل اخرى مثل القمح و الطماطم و الاذرة, الامر الذى يتوجب معه النظر فى البحث عن كيفية اجراء او ايجاد ميكنة لبعض أو كل عمليات زراعة القصب توفيرا للنفقات التى يتكبدها المزارع. بل لا استبعد ان يصل الامر الى اجراء تعديلات فى اهداف برنامج التربية المصرى لقصب السكر بحيث لا يكون البحث عن أعلى محصول بشكل مطلق, لان صنف القصب ذو المحصول المرتفع غالبا ما يتعرض للرقاد الامر الذى يعيق ان لم يكن يمنع من التوسع فى عمليات الحصاد الالى, كما انه من السهولة بمكان استخدام الميكنة فى زراعة القصب و العزيق و هذا يقلل بشدة من العمالة اليدوية. اذن لو استطعنا تصميم و تنفيذ معدات للزراعة و العزيق و الحصاد و الشحن الالى تتناسب مع الظروفف المصرية ربما سنكون قد اقتربنا جدا من معالجة مشكلة ارتفاعع تكاليف استخدام العمالة اليدوية مرتفعة الكلفة و هذا ممكنو ميسور على المدى القريب او المتوسط, ويمكن للجهات ذات الصلة بقصب السكر سواء اجهزة وزارة الزراعة أم شركات السكر ان تتعاون فى الوصول الى هذا الهدف, وهو امر غير بعيد متى وجدت الرغبة فى التعاون و التنسيق الحقيقى بين تلك الجهات و هذا ما نفتقده الان.
الانخفاض المتوقع فى موارد مصر المائية.
يحتاج قصب السكر الى كميات غير قليلة من مياه الرى, بالاضافة الى ان المزارعين لديهم ميل فى الافراط فى اضافة كميات كبيرة جدا من مياه الرى لقصب السكر الامر الذى يمثل عبئا على الجهات المعنية بتوفير مياه الرى و حدوث اختناقات فى الامداد الكافى من مياه الرى للقصب فى مرحلة النمو العظمى من يونيو الى سبتمبر من كل عام.
وحيث ان نصيب مصر من مياه النيل حوالى59,5 مليار متر مكعب سنويا و بالنظر الى الزيادة المضطردة فى السكان و ما يتبهعا من زيادة الطلب على الغذاء وأيضا العمل على زيادة الانتاج الزراعى كاحد روافد دعم النمو الاقتصادى و هذا يتطلب زيادة الرقعة المنزرعة الى جانب الاحتياجات المتزايدة للقطاعات الاخرى التى تستخدم مياه نهر النيل, الامر الذى يشكل ضغطا وعبئا على الجهات المنوط بها توفير المياه, واذا نظرنا الى ان هناك دعوات بين دول حوض نهر النيل باعادة النظر فى اقتسام مياه النهر بما يكون من شأنه خفض نصيب مصر.كل هذا سوف يجعل مخطط السياسة المائية فى مصر يعيد ترتيب الاولويات فى استخدام المياه و اعتقد انتوفير احتياجات الشرب و الصناعة ستكون مقدمة على احتياجات الرى و بالتالى سوف تتاثر بشدة المحاصيل ذات الاحتياجات المائية المرتفعة مثل الارز و الموز و القصب و عندها سيكون لابد من العمل على خفض المياه التى تعطى لهذه المحاصيل اما بتقليص المساحة و اما بايجاد وسائل و سبل لتقليل الاحتياج المائى لها, و فى قصب السكر سيكون العمل على انتاج اصناف جديدة متحملة للجفاف و استخدام تقنيات من شأنها تقلقل الفاقد من مياه الرى فى حقول قصب السكر مثل التحول الى الرى السطحى المطور او استخدام طرق الرى الحديث ( الرش, التنقيط) وفى جميع الاحوال يتم الرى ليلا و كذلك التوسع فى الزراعة بالشتل.
عدم الاستفادة الكاملة من مكونات محصول قصب السكر
قصب السكر محصول صناعى زراعى و بالاساس يزرع لانتاج السكر لكن هناك العديد من المتبقيات التى لايتم الاستفادة منها أو يجب تعظيم الاستفادة منها فهناك نوعين من المتبقيات ينجمان عن زراعة القصب اولها متبقيات حقلية وهى تلك التى تترك في الحقل مثل القالوح و نقصد به الاوراق الخضراء و قطع القصب الصغيرة فى تغذية الحيوانات الا ان كميات كبيرة منها تهدر ويتم حرقها فى الحقل. الا انه يجب الاستفادة الكاملة بالقالوح فى التغذية الطازجة لحيوانات المزرعة و الكميات الزائدة يجب أن يصنع منها السيلاج لمواجهة النقص فى العلف الاخضر فى الصيف و لتعظيم الاستفادة الاقتصادية منه, أما السفير( الاوراق الجافة) فيمكن فرمه و استخدامه فى صناعة الاعلاف الغير تقليدية او انتاج السماد العضوى الصناعى( الكمبوست) .
و النوع الثانى من متبقيات قصب السكر هى المتبقيات الصناعية و يمكن ان نطلق عليها النواتج الثانوية في المصانع واهمها المولاس و الباجاس (المصاص ) و طينة المرشحات. والمفترض أن تقوم علي تلك المتبقيات الكثير من الصناعات الا ان مصر لم تصل الى حد الاستخدام الامثل لها فلايزال المولاس يصدر غالبيته كمادة خام فى حين ان الافضل ان يكون التوجه فى زيادة انتاج الخل والكحول و الفور فورال و غيرها من المنتجات الاخرى التى تقوم على المولاس. و الباجاس (المصاص) فلم يتم استخداامه جيدا الى الان بالرغم من التوسع فى بعض الصناعات القائمة عليه و منها صناعة الورق و الخشب الحبيبى والخشب المضغوط أو ما يسمى بالخشب الليفي متوسط الكثافة والحرير الصناعي (الرايون ). وأخيرا طينة المرشحات لم تستخدم جيدا فلايزال الغالبية العظمى منها تستخدم فى صناعة الطوب الاحمر, الا انه يجب استخدامها فى صناعة السماد العضوى الصناعى ( الكمبوست) و البيت موس وهذا حادث لكن على مستوى ضيق جدا حتى الان.
منافسة بعض المحاصيل الاخرى للقصب.
فى الكثير من مناطق زراعة قصب السكر و خاصة تلك الحديثة منها نجد تنافسا شديدا يقع بين قصب السكر و بعض المحاصيل الاخرى سواء من محاصيل الحبوب او محاصيل الخضر و غالبا تكون النتيجة فى غير صالح الققصب لدرجة اننا لاحظنا تراجعا مضطردا فى مساحات قصب السكر فى السنوات الاخيرة بالاضافة الى عدم حصول بعض المصانع على كمية القصب التى تكافىء الطاقة التصميمية لها و هذا الامر واقع و موجود فى مصانع دشنا بمحافظة قنا, و جرجا بمحافظة سوهاج و ابو قرقاص بمحافظة المنيا. وهذا الامر يمثل خطرا على صناعة استخلاص السكر من القصب و خاصة ان المرتبطين بهذه الصناعة عدة مئات من آلاف الاسر فى كل من مصر العليا و الوسطى و القاهرة , بالاضافة الى الاستثمارات الكبرى لهذه الصناعة, و من هنا يتوجب علينا اجراء تقييم دورى لسياسة تسعير القصب ليس فقط من ناحية الايرادات و المصروفات بل يجب ادخال عنصر المحاصيل المنافسة فى المعادلة, بل اننى ادعو الى دعم مزارع القصب ليستمر فى الانتاج و لا ينصرف الى محصول اخر اكثر ربحية واقل عبئا.
و فى النهاية نخلص الى مايلى:
-
دراسة كيفية التأثير فى اتجاهات و سلوكيات المزارعين حيال التوسع فى الاصناف الجديدة ووضع الحلول العملية لمعالجة هذه المشكلة و البدء فورا فى التنفيذ.
-
دراسة اسباب اعراض المزارعين عن زراعة االقصب فى دوائر مصانع دشنا و جرجا و ابو قرقاص. ووضع الحلول العملية لمعالجة هذه المشكلة و البدء فورا فى التنفيذ.
-
العمل على الاستفادة الكاملة من كافة مكونات محصول قصب السكرو متبقياته الحقلية و منتوجاته الثانوية فى الصناعة.
-
ان تقوم الدولة بزيادة الدعم المالى للمعاهد البحثية ذات الصلة بالقصب.
-
مساهمة الشركات الصناعية القائمة على القصب أو منتوجاته الثانوية فى المساهمة فى الدعم المالى للبحث العلمى فى مجال قصب السكر.
ساحة النقاش