المتابع للتصريحات و التلميحات و المواقف الرسمية و الشعبية المصرية حول سد النهضة الاثيوبى يراها كلها تصب فى خانة التطمينات لاثيوبيا وعدم اخذ موقف قوى واضح مدافع عن حقوقنا التاريخية فى مياه النيل. واثويبا كانت دوما الشريك الصامت لم تكن طرفا فى اتفاقية 1929 ولم ترض عن اتفاقية 1959 الموقعة بين مصر و السودان. كما انها بالاتفاق مع اوغندا استغلتا التصريحات الغير موفقة لوزير الرى الاسبق فى آخر حكومة قبل ثورة 25 يناير 2011 د. نصر الدين علام و التى قال فيها ليس مهما ماتريده دول حوض النيل لكن المهم ما تريده مصرو فكان الرد فتح التوقيع على اتفاقية عنتيبى التى تهدر حقوق مصر التاريخية والثابتة.
المهم ان اثيوبيا ظلت تماطل فى تقديم معلومات حول السد او الموافقة على تشكيل لجنة دولية لدراسة تأثيرات السد على دولتى المصب ولم تعط اللجنة المعلومات اللازمة لتقوم بعملها.
بل استغلت حالة الارتباك السياسى التى تعيشها مصر فى هذه الفترة و فجأة فى شهر مايو 2013 قامت بخطوة خطيرة وهى تحويل مجرى النيل الازرق و جاء الرد المصرى ساعتها على المستويين الرسمى و الشعبى مناسبا لحجم ماقامت به اثيوبيا وساعتها اعلن رئيس وزراء اثيوبيا انهم لا ينون الاضرار بمصالح مصر و انه سوف يرسل وزير المياه الاثيوبى الى القاهرة فى بداية يوليو 2013 للتباحث فى كيفية عدم الاضرار بمصالح مصر المائية. و لكن جرت مياه كثيرة تحت الجسور ووقعت الاحداث فى مصر التى انتهت بعزل الرئيس محمد مرسى و استمرت اثيوبيا فى استغلال الاحداث فرفضت ارسال وزير المياه طبقا للاتفاق السابق بحجة ان الحكومة المصرية حكومة انقلابية و لا يصح التحاور معها بل ذادت عن ذلك بالتسارع فى العمل فى السد حتى تضعنا امام امر واقع لا نستطيع الفكاك منه.
ثم سافر وفدا مصريا لملاقاة المسئولين الاثيوبين الا انهم عادو بخفى حنين ليتم ارسال السفيرة منى عمر التى اوصلت رسائل تطمينية مفادها ان المياه لن تكون ابدا سببا لتحرك عسكرى مصرى ضد اثيوبيا و كان هذا بداية التراجعات. والغريب انه فى الوقت الذى تماطل اثوبيا و تتهرب من الالتزام بأى شىء لان هدفها محدد و ان الامر قد لايقبل القسمة على اثنين نجد بعضا من النخبة المصرية يحاولون التخفيف من الفاجعة باقوال خائبة مثلا احدهم منذ عدة ايام قال ان اثيوبيا لم توفر التمويل الكافى لسد النهضة حتى الان و قال لا فض فهوه اننا نحتاج لتوحيد موقفنا مع السودان و دول الخليج للمساهمة فى بناء سد النهضة الاثيوبى. و بالبحث عن اصحاب دبولوماسية الجلاليب لم نجد لهم اثرا لانهم ارتدوا جلابيبهم و اتجهوا الى روسيا و الامارات و غيرها فى مهمة اخرى. اما الذين ملئوا الدنيا ضجيجا قبل 30 يونيو حول ضعف الادارة المصرية وعدم اتخاذ موقف لحماية حقوقنا المائية فقد اختفوا تماما او ربما ماتوا.
مرة اخرى يعود للصورة وزير الرى الاسبق علام ليتهم السودان انها لا تقف مع مصر ثم قال الحديث عن وقف بناء سد النهضة خيال و اضاف ان اثيوبيا رفضت الشروط المصرية للبناء و السعة و التشغيل و قال بالرغم من سلبية نتائج الاجتماع ( اجتماع الخرطوم فى نوفمبر 2013) لكنها ايجابية فى التحاور مع اثيوبيا و ان مصر اكدت على حقها فى المياه فى الاجتماع ثم يفجر اسطورة كبيرة ان الارض التى اقيم عليها سد النهضة ارض مصرية تركناها لاثيوبيا مقابل عدم بناء سدود عليها هكذا . هذا نموزج للمسئولين المصريين و تصريحاتهم لنعرف كيف هانت مصر امام الاحباش انه يرى انه نجاحا لنا ان تقبل اثيوبا الجلوس معنا و انه يعلم ان لا سبيل لوقف بناء السد و اخيرا يختمها باسطورة.
الدكتور الببلاوى له تصريحان حول سد النهضة فى منتهى الخطورة على الموقف المصرى اولهما الحكومة تري أن سد النهضة يمكن أن يكون مصدر رخاء للدول المحيطة. اما الثانى ان سد النهضة سيبنى لا محالة و لا داع لان نفسد علاقاتنا بأثيوبيا. ايها الببلاوى ماذا ستجنى من علاقتك مع اثيوبا اذا منعت عنك المياه؟
اما وزير الموارد المائية و الرى المصرى تحرج من الاعلان عن فشل المفاوضات التى اجريت مطلع شهر نوفمبر 2013 فى العاصمة السودانية الخرطوم و التى جمعته مع نظيريه الاثيوبى و السودانى فتارة يقول انها لم تفشل بل تم تأجيلها الى ديسمبر المقبل و اخرى يقول ان الاجتماع المذاع على الهواء للرئيس مرسى اثر سلبيا على موقف اثيوبيا فى الاجتماع و الحقيقة ان اثيوبيا ماضية فى عملها و لن تلتفت لنا لان لديها حجة جاهزة انكم حكومة انقلاب وان الاتحاد الافريقى قد علق انشطة مصر لعدم اعترافه بما جرى فى مصر فى يوليو 2013 و أما مفاويضينا فلن يضغطوا على الاحباش تحسبا من مواجهتهم بهذ الكلام.
ان ضعف و تخازل المفاوض المصرى امام نظيره الاثيوبى يبرهن على حالة الارتباك التى تعيشها مصر فى المؤسسات السيادية و غيرها الامر الذى يدركه الجانب الاثيوبى تماما ويستغله اسوء استغلال. و ملخص ما حدث فى اجتماع الخرطوم الذى استمر ليومين هو مطالبة مصر اثيوبيا بتنفيذ اقتراحات لجنة الخبراء الدولية حتى لا تحدث اضرار على مصر الامر الذى رفضه الجانب الاثيوبى بقوة كما ان الجانب الثيوبى لم يقدم اجابات على المخاوف المصرية حيال السد و فترة التخزين و آلية التشغيل.
بقى ان نقول ان المفاوض المصرى حول سد النهضة فى امس الحاجة الى ثلاث عناصر ليكون موقفه قويا فى تفاوضه مع الجانب الاثيوبى و هذه العناصر هى حكومة قوية تدعمه و موقف شعبى موحد و قوى يظاهره و اعلام فاهم واع بحقيقة الموقف لينشر عدالة قضية حصة مصر المائية. و الحقيقة ان العناصر الثلاثة مفقودة و بالتالى حصتنا من مياه النيل فى خطر محقق.
و هنا اود ان اسجل للتاريخ و للاجيال القادمة ان الصراع على السلطة فى مصر الذى حدث فى يوليو 2013 و ما بعده سيكون له تأثيرات كارثية على حصتنا من مياه النيل, و ان الانكفاء على الذات المصرية الداخلية و عدم التعاطى مع ما تقوم به اثيوبيا ومن وراءها جريمة فى حق الوطن و حق الاجيال القادمة التى سوف تجنى ثمار تخازلنا عن حماية حقوقنا التاريخية فى مياه النيل و الثابتة بموجب القانون الدولى و الاتفاقيات المبرمة منذ اكثر من قرنين من الزمان.
اننى احمل المسئولية كاملة فى هذه القضية على الادارة المصرية القائمة و على الاعلام المصرى الذى لا يهتم بهذه القضية الحيوية و على القانونين المصريين الذين غفلوا عن الدفاع عن حقوقنا الثابته فى هذا الامر و على ساسة تفرغوا للصراع على كراسى حتما ستزول و استخدموا هذه القضية المصيرية فى مهاجمة خصومهم فحسب دونما نظر الى المصلحة القومية لمصر.
ما قيمة السلطة فى بلد جفت مياهها وزروعها و بارت ارضها من الظمأ؟
ما قيمة مصر بدون مياه النيل؟ ما قيمتكم و انتم تحكمون بلدا شعبه عطشى لا يجدون ماء يسد رمقهم؟ حتما ستعود المجاعات التى قرئنا عنها فى العصور الوسطى عندما كان يضن النيل بماءه فى احد السنوات فما بالكم و ستضن عليكم اثيوبيا بالنيل ذاته للأبد..
هل انتم مستعدون من الان لهذا الحدث؟ غالبا سيكون اقرب مما تتصورون .... اللهم بلغت اللهم فاشهد.
ساحة النقاش