فى مصر بلدى الآن أختلط الحابل بالنابل فبعد انهيار المفاوضات مع اثيوبيا حول سد النهضه اتضح للعامة جليا ان الموارد المائية المصرية اصبحت فى خطر مؤكد. وبدلا من ان تقوم الادارة المصرية الحالية بالبحث فى كيفية علاج المشكلة وجدنا حاملوا المباخر و المطبلاتية ينقلوننا من شرق القارة الى غربها و يهبطون علينا من السماء بمشروع اقل ما يقال عنه أنه وهمى على الاقل فى الوقت الراهن.
بدأ المبشرون بدعايتهم أن المشروع سهل و ميسور ومدة تنفيذه 30 شهرا و أنه سيوفر 95 مليار متر مكعب مياه سنويا لمصر يمكن ان نزرع بهم 80 مليون فدان و بعد 10 سنوات تزداد الى 110 مليار متر مكعب نزرع بهم نصف الصحراء الغربية . و ان المشروع سوف يوفر 18 الف ميجا وات كهرباء أى عشرة أضعاف كهرباء السد العالى و هذا يباع بحوالى 21 مليار دولار سنويا.
هم ثلاثة اشخاص يقضون ليلهم فى التجوال فى مدينة الانتاج الاعلامى بين مجموعة محددة من قنوات مستقلة أو غير مستقلة للترويج لمشروع الوهم أو مشروع الكنغ فو ولا يملوا تكرار ما قالوه و يقولوه ليلا, أما نهارا فنطالع وجوههم و تصريحاتهم الوردية المفعمه بالأمل الكذوب فى العديد من الصحف ذات الالوان المختلفة و التى بالتأكيد ليس من بينها اللون الابيض , هذا بخلاف مواقع الشبكة العنكبوتية و التواصل الاجتماعى و حكايات المقاهى.
بعض الاعلاميين تخصصوا فى التطبيل لهذا الوهم لدرجة أن أحدهم وهو اعلامى مرموق حاليا و طبال سابق يقضى الساعات الطوال مما خصص له من أرسال القناة الفضائية التى يعمل بها للترويج لمشروع ربط نهر النيل بنهر الكنغو, بل أنه من فرط اخلاصه للحملة الاعلامية لمشروع الكونغ فو كتب فى صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعى مبشرا بتوقيع الاتفاقية لمشروع الربط العظيم و معقبا و لتسعد اثيوبيا بسد النهضة الفاشل.
وامعانا فى الغى أعلنت بعض المواقع الاخبارية و الفضائيات مساء الجمعة 21 فبراير 2014 ان السيد/ نبيل فهمى وزير الخارجية فى الحكومة المؤقتة و قع اتفاقية مشروع الربط فعليا مع الحكومة الكونغوليه فى حين أنه اى وزير الخارجية فى ذلك الوقت كان فى تنزانيا ولم يصل الى الكنغو الديمقراطية الا بعد ظهر الاحد 23 فبراير 2014 و لم تكن زيارته من أجل المشروع المزعوم بل للمشاركة فى اجتماع قمة الكوميسا, و تقابل مع مسئولين منهم رئيس البرلمان الكونغولى و لم تتطرق المحادثات من قريب أو من بعيد الى ربط النهرين بل كل ما خص المياه فى المباحثات هو تأكيد رئيس البرلمان الكنغولى دعم بلاده لموقف مصر فى قضية مياه النيل.
لكن يبرز هنا سؤال هام لماذا الاعلان عن هذا المشروع و الترويج المبالغ فيه فى هذا الوقت بالتحديد ؟
كل ما قيل عن هذا المشروع هو عبارة عن زفه اعلامية ممزوجة بالنفاق الفج الكريه, و الغريب أن الاجهزة الرسمية والسيادية فى مصر لايصدر عنها اى شىء لمنع هذا السخف و كأنما يعجبها هذا الكذب البواح الذى ربما يغطى على العجز عن فعل شىء ما من اجل حماية حصة مصر المائية , و كأنما المقصود هو التعمية على المشكلة الحقيقية و هى الفشل فى التعاطى مع سد الاحباش (النهضة).
اذن خبراء التوك الشو و الاستشاريين (الغير متخصصين طبعا) يتحدثون بالفاظ علمية فخيمه و عبارات فضفاضه عن مواصفات و اطروحات المشروع و مراحل تنفيذه وفوائده على المدى القريب و المتوسط و البعيد و يعرضون خرائط ورسومات لخداع بسطاء المصريين بكلام غير حقيقى بالتعاون مع اعلاميين وصحفيين وسياسيين لاحداث حالة من الزخم و لفت الانظار عن المشكلة الحقيقية بشكل يذكرنا بموالد اولياء الله الصالحين ( ونحن نحتفل هذه الايام بمولد سيدنا الحسين) فيضيفون لنا حدثا جديدا عبر الفضائيات و أثير الاذاعات و صفحات الصحف و المجلات و هو مولد سيدى الكنغولى.
لكن فاتتهم أ عدة تؤكد أنه يستحيل تنفيذ هذا المشروع فى الوقت الراهن لعدة اسباب منها:
اولا: أن مبادىء القانون الدولي تمنع نقل مياه الانهار خارج احواضها.
ثانيا: مطلوب موافقة دول حوض نهر الكنغو و عددها عشرة دول ولمن لا يعرف أو لمن يزعمون ان النهر ليس نهر دوليا وخاصا بالكونغو الديمقراطية (الكونغو كنشاسا) فقط هناك دول عشرة شريكة به هى: أنجولا والكونغو برازافيل والكونغو كنشاسا وبوروندي والكاميرون وأفريقيا الوسطى وغينيا الاستوائية والجابون ورواندا وتشاد.
ثالثا: موافقة دول حوض نهر النيل و عددها 11 دولة, وهى مصر و السودان و جنوب السودان و اثيوبيا و اريتريا و كينيا و اوغندا و تنزانيا و الكنغو الديمقراطية و راوندا و بورندى.
رابعا:غالبية دول الحوضين تتسم حاليا بعدم الاستقرار و الاضطرابات السياسية و الحروب الاهلية و تواجد حركات التمرد .
خامسا:اختلاف منسوب النهرين بما يحتاج الى رفع المياه لاكثر من 200 متر و لا توجد حتى الان فى اى مكان فى العالم معدات تقوم بذلك, و لو افترضنا امكانية رفع المياه فلن يتسع المجرى الحالى لنهر النيل بدأ من نقطة الاتصال بين النهرين و حتى المصب لكميات المياه التى ستنقل و تقدر بحوالى 95 مليار متر مكعب سنويا.
و اخير و الصادم لرواد مولد سيدى الكنغولى أن الكنغو الديمقراطية لديها خططها الوطنية لادارة مياه نهرها من خلال سدودها هى سدود اينجا حيث تم فيما مضى انجاز سدين منها و هما "سد اينجا 1 " و "سد اينجا 2 " الان هى بصدد البدء فى الثالث"سد اينجا 3 " و هو الاكبر و الاضخم و تم الانتهاء من دراساته التى شارك فيها البنك الدولى , و اعلنت الولايات المتحدة الامريكية من خلال مبادرة الرئيس باراك "اوباما الطاقة فى افريقيا" عن موافقتها المشاركة فى التمويل عن طريق الوكالة الامريكية للتنمية الدولية, كما اعلنت مؤسسات صينية عملاقة فى مجال التشييد و المشروعات الهندسية عن اهتمامها بالمشروع وحددت اقليم "اينجا" بغرب الكونغو كنشاسا بالقرب من مصب النهر لاقامة اكبر محطة هيدروليكية لانتاج الكهرباء على مستوى العالم وتنتج 40 الف ميجاوات من الكهرباء تكفى لانارة القارة الافربقية و ايضا أبدت جنوب افريقيا اهتماما مبكرا بهذا المشروع وفازت مؤسسة " ايسكوم" المملوكة لحكومتها بعقد استشارى للمشروع و تم اسناد اعمال قنوات التحويل المائى للنهر اليها وكذلك توريد وتركيب توربينات التوليد لعدد من نقاط السد ، كما ابدت الشركات المتعاونة مع مؤسسة "ايسكوم" رغبتها فى الدخول فى عمليات انشاء محطات تخزين عملاقة للكهرباء الفائضة الناتجة عن السد لتصديرها الى خارج القارة حيث اوضحت الدراسات ان كمية الطاقة المتوقع ان ينتجها السد ستفوق بمقدار الضعف ما ينتجه سد "ثرى جورجز" الصينى من الكهرباء وهو اكبر سدود العالم.
والان الا نكف عن الحديث عن الوهم و نبحث لحل عن مشكلة حقيقية ستواجهنا بعد سنوات ثلاث تقريبا هى فترة انجاز سد النهضة الاثيوبى علينا ان نوحد خطابنا الاعلامى الداخلى و الخارجى حول حقوقنا التاريخية فى مياه النهر و نتحدث مع العالم كله حول عدالة قضيتنا فى المياه. وكما تحاسبنا دول المنبع على بضعة مليارات من المياه التى تصل الى البحر المتوسط و التى تمثل مياه الصرف الصحى و الزراعى و الصناعى نسبة كبيرة منها ,علينا ان نحاسبها على مئات المليارات من المياه الزرقاء و الخضراء و البيضاء التى تهدر لديها و التى بالتأكيد لنا حق فيها.
ساحة النقاش