السكر سلعة استراتيجية هامة تكاد لاتخلو منها مائدة. و فى مصر منذ ثلاثة عقود ماضية لايكفى الانتاج المحلى من السكر الاستهلاك السنوى منه . و لايمكن ان ننكر هناك زيادة سنوية و مضطردة فى الطلب على السكر و مرجع ذلك الى الزيادة فى معدل النمو السكانى و تغير انماط الاستهلاك , هذا الامر يتطلب العمل وبجدية على سد الفجوة بين الانتاج و الاستهلاك.
و من المعروف ان مصر تعتمد فى الاساس للحصول على السكر على محصولى قصب وبنجر السكر, حيث يزرع قصب السكر ومنذ مئات السنين فى الوجه القبلى فى حين أن بنجر السكر يزرع منذ ثلاثة عقود فى محافظات الوجه البحرى , بجانب منطقة تداخل للمحصولين تقع فى مصرالوسطى و تحديدا محافظة المنيا. و لان مصر تعانى من فجوة بين انتاج و استهلاك السكر يتم تغطيتها بالاستيراد و الذى غالبا ما يشكل تهديدا لصناعة السكر الوطنية فى حالة زيادة الكميات المستوردة عن القدر المطلوب و هنا تظهر الحاجة الى تطبيق نوع من الحماية الجمركية على استيراد السكر من الخارج و الاكتفاء بالكمية التى تغطى الفجوة بين الانتاج و الاستهلاك فحسب.
وباستعراض ملامح انتاج واستهلاك السكر فى مصر للتعرف على حالة الاكتفاء الذاتى منه يتضح لنا ما يلى:
فى عام 1972 كانت نسبة الاكتفاء الذاتى فى اعلى معدلاتها حيث و صلت الى 118,5 % ثم بدأت تظهر فجوة بين الانتاج و الاستهلاك ابان حرب السادس من اكتوبر عام 1973 وما تلاها من انفتاح اقتصادى أحدث زيادة فى دخول فئات عديدة من الشعب المصرى ادت الى تغير ملحوظ فى انماط الاستهلاك. وبالنظر الى الزيادة المضطردة فى معدلات النمو السكاني التى ميزت تلك الفترة و ماتلاها, نجد ان كل هذه العوامل مجتمعة او متفرقة ساعدت على اتساع الفجوة بين انتاج و استهلاك السكر فى مصر حتى وصلت نسبة الاكتفاء الذاتى منه الى ادنى نسبة لها فى عام 1988 و هى 51,5 %. وفى العام المنصرم 2012 قدرت نسبة الاكتفاء الذاتى من السكر فى مصر بحوالى 70,56 % , و بالتالى وجدت فى مصر فجوة بين الانتاج و الاستهلاك تقدر بحوالى 853 الف طن سكر, يتحتم تجاوزها بل و النظر فى امكانية تحويل الفجوة الى فائض يتم تصديره للخارج وهذا يضخ نقد اجنبى فى بنية الاقتصاد المصرى.
و باستعراض الانتاج و الاستهلاك للسكر خلال السنوات الثلاث السابقة يتضح لنا ان الفجوة تكاد تكون ثابته حول 0.8 مليون طن سكر وهذا يضع النسبة المئوية للاكتفاء الذاتى من السكر حول رقم 70% كمتوسط خلال السنوات الثلاث الاخيرة بالرغم من أن اتجاه معدلات انتاج السكر فى مصر الى الزيادة حيث كانت كمية السكر المنتجة فى مصر عام 2010 هى 1.991 مليون طن وصلت الى 2.004 مليون طن سكر عام 2012. و يكمن السبب فى هذه الظاهرة أى ثبات الفجوة رغم ارتفاع الانتاج الى الزيادة فى معدلات الطلب على السكر بسبب معدل النمو السكانى المتسارع و المصحوب بزيادة الميل لدى المصريين الى استهلاك السكر الى الدرجة التى تخطت معدل الاستهلاك العالمى و المعدل الصحى الموصى به من قبل منظمة الصحة العالمية بحوالى 6 كجم /فرد/سنة, و هو امر يتوجب علينا وضعه فى الحسبان عند التعاطى مع مشكلة الفجوة بين انتاج و استهلاك السكر فى مصر.
و لاحداث توازن بين الانتاج و الاستهلاك يتبعه فائض يصدر للخارج , فيمكننا الوصول الى ذلك على المدى المتوسط (الاكتفاء الذاتى) و البعيد (الفائض المصدر).على ان نتبع استرتيجية تستهدف زيادة انتاج السكر حتى الوصول الى الاكتفاء الذاتى فى المدى المتوسط ثم الوصول الى ان تكون مصر احد الدولة المساهمة بنصيب معتبر كدولة مصدرة فى تجارة السكر العالمية ويمكن احداث هذا من خلال مكونات ثلاث وهى:
<!--المكون الاول: زيادة انتاج السكر من القصب.
<!--المكون الثانى: زيادة انتاج السكر من البنجر.
<!--المكون الثالث: ادخال او التوسع فى محاصيل سكرية جديدة او محليات طبيعية نباتة.
<!--المكون الرابع: خفض استهلاك السكر.
و المكونات الاربعة السابقة هى مكونات هامة لسد الفجوة بين الانتاج و الاستهلاك و لابد من المضى فيها للوصول الى الهدف المنشود. ويمكن الحديث عن المكونين الاول و الثانى و تحقيقهما ممكن من خلال
التوسع الافقى , التوسع الرأسى.
و التوسع الافقى يتمحور فى زيادة المساحة المنزرعة من محصولى بنجر و قصب السكر, وهى وسيلة وان كانت ناجحة فى حالة بنجر السكر الانها قد تكون غير فعالة كثيرا فى حالة القصب لسببين رئيسيين اولهما ان غالبية مصانع استخلاص السكر من القصب قاربت بشدة او تعدت الطاقة التصميمية عدا مصنعى دشنا جرجا.أما السبب الثانى فهو محدودية المساحات الممكن التوسع فيها بزراعة قصب السكر اعتمادا على استكمال الطاقة التصميمية للمصانع.
لذلك يمكن فى المدى المتوسط التوسع الافقى للوصول بانتاج القصب الى الطاقة التصميمية فى المصانع التى لم تصل اليها بعد. كما يمكن على المدى البعيد انشاء مصنعين لاستخلاص السكر من القصب فى منطقتى وادى النقرة و توشكا بمحافظة اسوان على ان يتم الاعتماد على نظام الرى الحديث بالمساحات التى ستزرع بقصب السكر فى المنطقتين و ان تكون الطاقة التصميمة لكل منهما 1,5 مليون طن قصب ينتج حوالى 150 الف طن سكر. و ايضا التوسع الافقى بزراعة البنجر فى محافظات الوجه البحرى مع التركيز على الزراعة فى سيناء بما يكفى لانشاء 4 مصانع لاستخلاص السكر من البنجر تعطى حوالى 600 الف طن سكر سنويا.
اما عن التوسع الرأسى فيستهدف زيادة محصول الفدان من القصب الى حوالى 60 طن/فدان و البنجر الى حوالى 30 طن فدان. و يتم لك من خلال:
استنباط اصناق قصب سكر جديدة و اختيار و تسجيل اصناف بنجر سكر عالية الانتاج و الجودة و مقاومة للامراض و الحشرات , تطوير المعاملات الزراعية بما يؤدى الى رفع انتاجية الفدان من القصب و البنجر , العمل على تقليل الفاقد من محصولى القصب البنجر و الذى يحدث فى الفترة من الحصاد وحتى توريد المحصول الى المصانع.,الاهتمام بمكافحة الآفات و الامراض فى الحقول. ,الاهتمام بالارشاد الزراعى لتغيير سلوكيات و اتجاهات المزارعين حيال طرق الانتاج .
<!--المكون الثالث: ادخال او التوسع فى محاصيل سكرية جديدة او محليات طبيعية نباتة.
وهذا المكون هام وضرورى فى الفترة القادمة حيث يمكن استخدام الذرة الرفيعة السكرية بديلا عن قصب السكر لانتاج العسل الاسود و بالتالى سيتم توجيه المساحة المستخدمة من القصب فى صناعة العسل الاسود لصناعة السكر وكذلك استخدام محصول الذرة الشامية السكرية فى انتاج السكر السائل (الهاى فركتوز) و ايضا التوسع فى زراعة محصول الاستفيا لاستخدامه كمحلى طبيعى.
واخيرا المكون الرابع لابد من نظرة جيدة لسياسات الانتاج و التصنيع و الاستهلاك و تتمثل فى الاجراءات الاتية:
<!-- تعديل نظام التعاقد القائم بين شركات السكر و المزارعين بحيث يشجع الزراع على مزيد من الاهتمام لزيادة الانتاج.
<!--تعديل فى مواعيد بدء و انتهاء موسم توريد المحاصيل السكرية للمصانع.
<!--و ضع خريطة صنفية مناسبة لمحاصيل السكر فى مصر.
<!--ضرورة العمل على ميكنة محاصيل السكر بداية من الزراعة وحتى الحصاد بوسائل و معدات تتناسب و ظروف الانتاج فى مصر.
<!--ضروة انشاء كيان موحد يمثل المزارعين للتفاوض فى امورهم مع شركات السكر و الحكومة.
<!--ضرورة تغيير طريقة الرى الحالية على ان تتحمل الدولة فاتورة هذا التغيير.
<!--تنظيم حملات توعية للشعب المصرى بضرورة تقليل معدلات الاستهلاك تمشيا مع التوصيات الصحية فى هذا الشأن و يتم ذلك من خلال الوسائط الاعلامية المختلفة و منظمات المجتمع المدنى.
وبذلك يمكننا القول ان الوصول الى الاكتفاء الذاتى من السكر فى مصر ليس حلما بعيد المنال لكنه سهل الوصول اليه لو توفرت الارادة السياسية فيمكن الوصول اليها خلال عقد من الزمان او ربما اكثر قليلا.
ساحة النقاش