اثيوبيا تلك الدولة التى تحوى بحيرة تانا وعددا من روافد نهر النيل و منها النيل الازرق و السوباط و عطبرة أو ما يطلق عليهم معا النيل الشرقى حيث ترد منها حوالى 85% من الحصة السنوية لمصر من مياه النيل التى تقدر بحوالى 59,5 مليار متر مكعب , وقد ظلت شريكا صامتا فيما يخص قضايا النيل فى القرنين العشرين و الواحد والعشرين لم تشارك فى أتفاقيتى 1929 و 1959 و ظلت تتحفظ وترفض ما يوقع من أتفاقيات تخص الشأن النيلى ثم شاركت فى قيادة جمهرة دول حوض النيل للتوقيع على اتفاقية عنتيبى و رفض ما سبق من اتفاقيات و هذا معناه ايقاع ضرر مباشر و مؤكد بمصر و السودان.
اثيوبيا ذلك الشريك النيلى الصامت كانت تظهر أو يزداد الحديث حولها و تصبح رقما صعبا عندما تقع فى مصر أحداث جسيمة أو تحولات كبرى مثلا فى القرون الوسطى وبعد فشل الحملات الصليبية على مصرو فشل حملة لويس الثانى عشر و أسره وسجنه فى بيت القاضى ابن لقمان بمدينة المنصورة فكرت فرنسا فى استغلال علاقاتها الدينية ( النصرانية) مع اثيوبيا فى منع مياه النيل عن مصر. وأيضا فى بداية حكم الرئيس أنور السادات تحولت ايدلوجية مصر من معسكر الشرق الاشتراكى بقيادة الاتحاد السوفيتى السابق الى معسكر الغرب الرأس مالى بقيادة الولايات المتحدة الامريكية , فكر الاتحاد السوفيتى السابق فى استخدام علاقته الاستراتيجية مع اثيوبيا فى محاولة خنق مصر مائيا , ولكن نظرا للصعوبات الطوبوغرافية الشديدة جدا و التضاريس الاثيوبية المعقدة لم تنجح تلك المحاولات. و لكن مع التقدم العلمى و التطور الهائل فى الامكانيات أصبح من الميسور اقامة السدود ترويض النهر الجامح و بالتالى صار من السهل على اثيوبيا اقامة سدود على روافد نهر النيل فى اراضيها الوعرة , ولكن لرفض مصر ذلك والتلويح باستخدام القوى الناعمة ثم القوى الخشنة كانت تترد اثوبيا كثيرا فى تنفيذ ما تريد .
أما الان وفى ظل ما يدور و يقع فى مصر من أحداث نجد أن اثيوبيا تحسن استغلال الأحداث الراهنة ايما استغلال
فكما أستغلت حالة المعارضة للرئيس مرسى و قامت فى مايو 2013 بتحويل مجرى النيل الازرق كأحد خطوات انشاء سد النهضة و تبع هذا العمل استغلال المعارضة المصرية لهذا الحدث فى الهجوم الشديد على الرئيس مرسى و سياساته. و الواقع أن الرئيس مرسى تعامل بقوة مع الموضوع فأحدث زخما شعبيا و رسميا فى مواجهة التصرف الاثيوبى الاحمق و بعد ضغوط شعبية و رسمية مصرية على الحكومة الاثيوبية و أنتهى الامر بتعهد اثيوبى رسمى بعدم الاضرار بمصالح مصر المائية و اتفقت الحكومتان على عقد اجتماع لوزراء المياه والرى فى القاهرة بحضور وزير الرى السودانى فى بداية شهر يوليو 2013 للتباحث فى كيفية عدم الاضرار بمصالح مصر و السودان المائية. و لكن بعد ما وقع فى مصر و قامت المؤسسة العسكرية بعزل الرئيس مرسى و دخلت مصر فى خضم احداث متتالية أنكفأت فيها على داخلها مما جعل الشعب و المسئولين ابعد ما يكونون عن التفكير فى ما يحدق بالنيل و الامن المائى المصرى من اخطار جسيمة وهائلة . لم يكن هناك من احد ليهتم بما تقوم به اثيوبيا و من معها من وراءها من الجهات و الدول التى تضمر الشر بمصر او فى اقل تقدير تبحث عن مصالحها التى تضر بالتأكيد بالامن المائى المصرى و تضع الحقوق التاريخية لمصر فى مياه النيل فى مهب الريح.
و الذى يحدث الان هو استغلال اثيوبي كامل للوضع السياسى الملتبس فى مصرو موقف الاتحاد الافريقى و اعتباره ما وقع فى مصر انقلاب عسكرى على الشرعية و قيامه بتجميد عضوية مصر فى كافة انشطة الاتحاد و عدم الاعتراف بالحكومة المؤقتة و اعتبار انها حكومة غير شرعية
هنا كانت البداية حيث رفضت وزارة المياه الاثيوبية انجاز الاتفاق بحضور وزير المياه الاثيوبى الاجتماع الثلاثى لوزراء المياه الاثيوبى و السودانى و المصرى فى العاصمة المصرية القاهرة متعللة فى ذلك بان الحكومة المصرية غير شرعية و لايصح و لا يجوز ان تتفاوض الحكومة الاثيوبيةاو احد اعضاءها مع حكومة غير شرعية وللاستزادة فى الكيد و الضغط بدأ السيد محمود درير سفير اثيوبيا فى القاهرة فى اطلاق مجموعة تصريحات اقل ما يقال عنها انها تصريحات غير مسئولة منها على سبيل المثال لا الحصر قوله ان الاتحااد الافريقى لن يقف صامتا ازاء ما يحدث فى مصر, و كأنما هو المتحدث باسم الاتحاد الافريقى.
فيما اعلنت اثيوبيا فى بداية يوليو 2013 عن الانتهاء من انجاز نحو 24 %من حجم الاعمال فى سد النهضة القريب من الحدود الاثيوبية السودانية و فى بداية اغسطس 2013 اعلنت عن الانتهاء من 4% من السد اى ان اجمالى ما تم انجازه هو 28% من سد النهضة و يتضح من هنا ان اثيوبيا تعمل بشكل متسارع فى اتمام سد النهضة فربما تقارب على الانتهاء من 50% من السد فى بداية 2014. واذا اضفنا الى ذلك أعلان الحكومة الاثيوبية فى ذات الصدد عن تدشين ثلاثة سدود اخرى جديدة على روافد نهر النيل الواقعة فى الاراضى الاثيوبية , هنا يتضح جليا ان اثيوبيا مصرة و ماضية فى خططها لاقامة المزيد من السدود على النيل الازرق و السوباط وعطبرة و غيرها من روافد النيل دون اعتبار لأى تأثيرات سلبية مؤكدة ستقع على حصة مصر من مياه النيل. ودون النظر الى الحقوق التاريخية المصرية التى بدأت منذ عام 1896م و حتى الان.
و الان و حتى تستفيق مصر من ازمة الحكم و السياسة الحالية و اظن انها ستطول طبقا للمعطيات و التعاطيات الحادثة على الارض, سنجد ان اثيوبيا قد ارست العديد من الحقائق و الوقائع الفعلية على الارض و التى سيصعب التعامل معها الا كونها امرا واقعا لافرار منه ولا فكاك, و ستكون ساعتها حصتنا المائية قد أنخفضت كثيرا و لن تكون كافية لمواجهة الطلب على المياه تحت ضغط الزيادة السكانية.
ان مصر و هى منكفئة على مشكلاتها الداخلية ستنشغل تماما عن ما يحيق بها من اخطار خارجية و لن تستطيع التعامل معها لانها ستكون مشغولة مشكلات داخلية تكاد تعصف بوجود الدولة المصرية ذاتها أساسا, و بعدها ستظل مصر لفترة تلعق جراحها الدامية التى طالتها خلال فترة أزمة الحكم و أتوقع ان تكون هذه الجراح عميقة ستحتاج كثيرا من الوقت لتلتئم . و بعدها سيكون من الصعوبة بمكان محاولة اعادة ترتيب الواقع المائى المصرى و عودته الى حاله ما قبل 30 يونية 2013.
انتبهوا ايها السادة ابناء مصر ان هناك ايادى آثمة تستغل اذمتنا الداخلية فى العبث بالامن المائى المصرى, فى العدوان على حقوقنا التاريخية فى مياه النيل, فى الاقلال من حصتنا من مياه النيل التى كنا نبذل الجهود الكبرى لزيادتها من خلال التعاون مع دول حوض نهر النيل فى استقطاب الفواقد و ادخال مياه المستنقعات الى مجرى النهر من خلال مشروعات اعالى النيل.
انتبهوا ايها السادة ان ما ستقوم به اثوبيا فى هذا الوقت الضائع من عمر الوطن فى الصراع على كراسى الحكم سيكون فاتورتها غالية جدا لن يستطيع سدادها اى حزب او فصيل سياسى يصل الى الحكم. ما تفعله اثيوبيا اليوم ان تركنا لها حرية الفعل بانشغالنا بالتقاتل الداخلى سيصبح واقعا صعبا ثقيلا على نفوسنا و سنكون بالتأكيد مضطرين للتعامل معه.
انتبهوا ايها السادة فنهر النيل الان بمثابة الحديقة الخلفية للمنزل المصرى و التى ننشغل عنها بتقاسم حجراته , الان تعبث بها اثيوبيا و صويحباتها للاضرار العمدى و الاكيد بمصالح مصر ان اثيوبيا و صويحباتها يسرقن اغلى ما فى حديقة منزلنا الخلفية و لن نجد فيما بعد الطعام و الماء الكافى لنا و لابناءنا من بعدنا.
انتبهوا ايها السادة فاثيوبيا تتعلل بعدم الاعتراف بحكومة مصر القادمة على ظهر دبابات الجيش المصرى ولن تتفاوض معها فى شأن مياه النيل و تستخدم موقف الاتحاد الافريقى الذى جمد عضوية مصر و العزلة الدولية التى تعيشها مصر عقب عزل الرئيس مرسى فى التأكيد على صحة موقفها من عدم التفاوض مع مصر, و الى أن تكون لدينا حكومة ديمقراطية كم من الوقائع على الارض سوف ترسيها أثيوبيا؟ وما هو حجم الاضرار التى ستقع على حصة مصر المائية,
الحقيقة اننى ارى مستقبلا مظلما لحصتنا من مياه النيل ... فهل يوجد فى مصر رجال لمواجهة هذه الحقيقة و من الان؟
ساحة النقاش