يتابع العالم و يرصد و يستمتع وينبهر بابداعات اسلافنا العظام معمارى مصر القديمه , الذين ظلت ابداعاتهم حاضرة وشاهدة على تفوقهم السرمدى فى مختلف العلوم و الفنون , و بقيت مثالاً حياً على ذلك عبر عشرات القرون من الزمان فقد تركوا لنا ظواهر عبقرية تتوافق و تتواكب مع احداث هامة ترتبط بحياتهم و حضارتهم و معتقداتهم , و اليوم نتحدث عند تحديدهم الدقيق فلكياً للبداية الجغرافية لفصل الشتاء, وعلينا نحن ندرك كنهة هذه الظواهر و نفتخر بها و بهم.
والشتاء عند قدماء المصريين هو فصل الخير والزراعة و الطعام و هذا اليوم اى 21 ديسمبر هو بدايته حيث يبدء المزارعين العمل الجاد بعد موسم الفيضان الطويل الذى كانت فيه السواعد الفتية معطلة,
لهذا احتفى القدماء بهذا اليوم وميزوه تقديراً وأكباراً له , وتذكر البرديات الفرعونية ونقوش المعابد هذا التوقيت بالقول انه فى هذا الفصل يبدأ الانبات و تنمو الزروع و تورق الاشجار و تتفتح الازهار وتتكون ثم تنضج الثمار ويتم الخصب و النماء فى كافة ارجاء البلاد.
هذا اليوم الذى يعتبر البداية الجغرافية لفصل الشتاء احتفى به الفراعنة و ميزوه بظاهرة فلكية فريدة وهى تعامد الشمس على مقصورة قدس الاقداس بمعبد ين أولهما فى الفيوم وهو معبد قصر قارون بمركز يوسف الصديق الذى يقع على بعد 65كم اتجاه الجنوب الغربى لمدينة الفيوم و الآخر معبد آمون رع بالكرنك بالبر الشرقى بمدينة الشمس المشرقة و عاصمة الامبراطورية المصرية آنذاك و مدينة آمون الرغيده ,طيبة المقدسة الساحرة الجميلة. و فى معبد آمون رع يتوسط قرص الشمس بوابته الشرقية عندما يشرق فى تمام الساعة السادسة و ستة وثلاثون دقيقة صباحاً و تبدأ فى الارتفاع رويدا رويدا حتى تعلو خط الافق بمسافة قوسية تسمح للاشعة بالاندفاع نحو بوابة المبعد الشرقية و يحدث هذا بعد قرابة اربعة دقائق من الشروق الحقيقى لها و باختراق الاشعة للبوابة المذكورة والتى تقع على المحور الرئيسى لمعبدآمون رع بالكرنك, الذى يقابل اقصى الجنوب الشرقى للافق الذى تشرق منه الشمس تكون بداية هذه الظاهرة العبقرية فى هذا المكان تحديداً على النحو التالى تسقط اشعة الشمس عمودية لتقطع الاماكن المقدسة لدى الفراعنة بهذا المعبد التليد فتعبر اشعة الشمس الفناء المفتوح للمعبد ثم صالة الأعمدة التالية له متجهة الى قدس أقداس آمون رع و يظل التعامد ماثلاً حتى الساعة السابعة تماماً
و هذه الظاهر تتبادل بين يومى 21 و 22 ديسمبر كل عام طبقاً لعدد أيام السنة حيث هناك سنوات بسيطة وأخرى كبيسة طبقا لعدد ايام شهر فبراير , و لكن العبقرية هنا فى اختيار هذين اليومين كونها يمثلا أقصر نهار و أطول ليل فى العام يومى 21 و 22 ديسمبر على الترتيب حيث تكون الشمس في أبعد زاوية من خط الاستواء، ومتعامدة على مدار الجدي. كما يقع امر عبقرى آخر عند التعامد وهو ان شعاع الشمس يضيء موائد القرابين المنحوته على محور المعبد. و قد اكتشفت هذه الظاهرة فى الاقصر عام 2006 وكان المكتشف هو أحد أحفاد البنائين العظماء الذين حيروا العالم بعبقريتهم, أما هذا الحفيد المكتشف فهو أحد أبناء مصر البسطاء , يعمل حارساً بالمعبد و لانه أحب عمله و تفهمه ادرك بفطرته الاثرية السليمة كنهة هذه الظاهرة و أهميتها و أبلغ بها رؤساءه الذين درسوها و أطروها التأطير الأثرى السليم وينسب الاكتشاف الى جمعية الاثريين المصريين و كانت بداية الاحتفال بها فى عام 2011 أى أن أمس كان الاحتفال الحادى عشر بهذه الظاهرة الفريدة.
و فى هذا اليوم يدشن احتفال رسمى و شعبى يختلط فيه المصريون مع ضيوفهم و يتم الاحتفال بهذه الظاهرة الفريدة الرائعة والمذهلة التى تركها لنا الاجداد منذ اكثر من خمسة آلاف عام , وتم الاحتفال هذا العام بالاقصر بعروض فنية مميزة قدمتها الفرق الشعبية بحضور شعبى و رسمى من المصريين و الاجانب لرصد هذه الظاهرة فى حين قررت محافظة الفيوم الغاء الاحتفلات بسبب الاجراءات الاحترازية لجائحة كورونا. وتم الاكتفاء بقيام لجنة متخصصة برصد و تسجيل هذه الظاهرة ...كل عام واهل مصر بخير..
ساحة النقاش