سد النهضة (المشئوم) هو احد مراحل الصراع التى بدأت منذ عدة قرون , ومستمرة حتى الآن و ستستمر الى ماشاء الله طالما ان مصر العظيمة لم تستسلم, ولن تستسلم ابداً ان شاء الله , الامر اذن لا يعدو كونه أن قوى اقليمية او دولية تتعاطى مع مصر من خلال اثيوبيا اذن هى مناكفات بالوكالة , وفى حلقات نعرف متى بدأت و لا نعرف متى تنتهى.
كانت أولاها فى القرن الثالث عشر الميلادى, حين أنتهت الحملة الصليبية السابعة و التى كانت موجهة الى مصر بفشل زريع ,قتل فيها اكثر من ثلاثين الف جندى صليبى على رأسهم روبرت كونت أرتوا شقيق الملك لويس التاسع الذى سلم نفسه اسيراً مطاباً بالامان له ولخاصته ثم سدد 10مليون فرنك لينال حريته و يخرج من بيت ابن لقمان بالمنصورة عائدأ الى باريس حاملا خزى الهزيمة و ذل الاسر. عندها أدرك الغرب الصليبى أنهم لن ينالوا من مصر التى كانت تمثل عقبة كؤود لوصولهم لبيت المقدس, بالحرب التقليدية ففكروا فى حرب اخرى, حيث لجأوا الى الحبشة المسيحية كى تقوم بمنع مياه النيل عنها بغية تعطيشها و أضعافها. الا أن نفوذ الكنيسة المصرية الارثوذكسية حال دون وقوع ذلك . فمن المعلوم ان الكنيسة الارثوذكسية المصرية و التى تتبعها الكنيسة الاثيوبية , حيث كانت الكنيسة المصرية ترسل رأس الكنيسة الاثيوبية من مصر. وفى ذلك الوقت لم تكن الكنيسة الارثوذكسية فى المشرق ترى فى الحروب الصلبيبة حروبا دينية أنما كانت تراها حروب تم صبغها بالصبغة الدنية لاخفاء اطماع أستعمارية و توظيف الدين فى أغراض سياسية لنهب مقدرات الشعوب و غداع للبسطاء فى المشرق و المغرب ,فرفضت الانصياع للخداع الغربى و منع المياه عن مصر, و بهذا أنتهت الحلقة الاولى من المناكفة النيلية بالوكالة دون ان تبدأ.
هذا ما كان فى العصور الوسطى , ولكن فى العصر الحديث و فى الثلث الاخير من القرن التاسع عشر اى بعد مرور قرابة الستة قرون تتجد المناكفة النيلية الاثيوبية بالوكالة و لكن هذه المرة كانت بالوكالة عن الاتحاد السوفيتى المنحل حيث كانت مصر فى فترة حكم جمال عبد الناصر تتخذ الاشتراكية مذهبا سياسياً و تتمحور حول الاتحاد السوفتى المنحل مع قطيعة علنية للمعسكر الغربى الذى تنتمى اليه بريطانيا المحتل السابق لمصر , وبوفاة عبد الناصر و وصول السادات لسدة الحكم و ما تبع ذلك من تحول مصر من معسكر الشرق السوفاتى الى معسكر الغرب الامريكى و لم تتقبل روسيا بسهولة فقدانها لمصر فكان لابد من الكيد السياسى وكان ذلك بتركيز المعونات على اثيوبيا وجعهلها مركزا ضخما للاشتراكية فى منطقة القرن الافريقى لتبدأ المنكافات , الا ان السادات كان رده حاسماً و قاطعاً فى ذات الوقت , حيث أعلن فى أحد خطاباته المطولة أن آخر حروب مصر هى حرب العاشر من رمضان الذى حررت مصر فيه سيناء و اعادة تشغيل قناة السويس , ولا ترغب مصر فى خوض حروب اخرى, اللهم الا اضطرت الى ذلك بسبب المياه أى مياه النيل, وبالطبع كان هذا الكلام موجهاً تماما الى اثيوبياً التى استقبلت الرسالة و فهمها القادة الاثيوبيون جيداً , وهنا توقفت المنكافات الاثيوبية النيليلة الى حين.
لكن واقع الامر ان اثيوبيا طوال الوقت كانت شريكاً صامتا غامضا فى مسألة النيل دائما ما ينحو الى ابتزاز مصر, وهذا ما جعل محمد على و خلفائه يجردون الحملات لمناطق منابع النيل, بل و مما فعلوه هو شراء (الآراضى المستوحشة) وهو لفظ يطلق على الاراضى التى لاتتبع دولاً و غالبا خالية من السكان و منها كانت تلك المنطقة التى يقام عليها الآن السد الاثيوبى ففى عام 1867 اشترت مصر الخديوية (فى عهد الخديو اسماعيل) عدة مناطق من الاراضى المستوحشه الغير مأهولة فى مناطق عده من حوض النيل. و كان من المتعارف عليه آنذاك جواز شراء هذه الارضى ولكن يتم اتخاذ اجراء ما للحصول على أعتراف دولى و هذا ما حدث حيث ظلت مصر تسدد أموالاً على اقساط سنوية حتى عام 1959. ومن المناطق التى أشترتها مصر منطقة تقع بين السودان و اثيوبيا من زعيم محلى مجاور للمنطقة. وكان لمصر فى هذه المنطقة حامية ثم أصبحت مأهولة بالسكان العرب المسلمين و كانت هذه المنطقة غنية بالذهب فسال لها لعاب الاحباش فطالب بضمها وألح فى ذلك الامبراطور الاثيوبى منليك الثانى فتفاوض مع بريطانيا و ايطاليا ومصر للحصول على هذه المنطقة الغنية بالذهب. و بالفعل كان له ما اراد و شغلت هذه المنطقة قسماً كبيرا من اتفاقية 1902. فتم ضم هذه الاراضى من الاملاك المصرية الخالصة مقابل تعهد الإمبراطور الاثيوبى فى البند الثالث من الاتفاقية المذكوره... بأن لا يصدر تعليمات او أن يسمح بإصدارها فيما يتعلق بعمل اى شيء على النيل الأزرق او بحيرة تانا او نهر السوباط من شأنها أن تعترض سريان مياه النيل الا بموافقة الحكومة البريطانية والحكومة السودانية مقدما.
ومع ذلك لم تمض سنوات خمس حتى عزمت اثيوبيا على بناء سد بالمنطقة الا ان مصر احتجت بموجب هذه الاتفاقية فتوقف الامر و نفس الشىء تكرر مرة أخرى خلال عام 1934 .
ومن المناكفات الاخرى محاولة الدخول كطرف فى اتفاقية 1959 و المعروفة باتفاقية الانتفاع الكامل بمياه نهر النيل وهى موقعة بين مصر و السودان ابان شروع مصر فى بناء السد العالى, ثم ظلت تناكف بالوكالة فى هذا الامر, حتى عام 1994 حيث تم توقيع اطار تفاهم بين مصر و اثيوبيا نص على التعاون والتشاور و عدم الاضرار بالغير فيما يخص مياه نهر النيل.
الا انه و ابتداء من عام 1999 تاريخ توقيع اتفاقية مبادرة حوض نهر النيل فى العاصمة التنزانية دار السلام بدأ فصل جديد من مناكافات متتالية بالوكالة عن احد القوى الاقليمية التى تضمر الشر لمصر , لتصل قمة المأساه فى تطور ترامديكى للشروع فى بناء ما يعرف بسد الحدود الى تعريفه بسد الالفية و اخيراً سد النهضة وكلما تغير اسمه ازدادت سعته ليصل الى 74 مليار متر مكعب وهذا معناه تخفيض حصة مصر من مياه النيل الازرق باكثر من 20 مليار متر مكعب سنويا اضافة الى مخاطر انهيار السد بسبب انخفاض معامل الآمان فى السد, و مما يؤسف له ان الامر لم يتوقف عند تلك القوة الاقليمية التى تضمر على الدوام الاضرار بالمصالح المصرية بل دخلت على الخط قوى عالمية و أقليمية اخرى منها الشقيقة و بعضها صديقة بحثاً عن مصالح خاصة دومنا النظر الى تضرر مصرى سودانى واضح.
و فى النهاية مصر و السودان لن تقبلا بذلك ابداً و قد سلكتا طريقاً طويلاً من المفاوضات و التفاهمات للوصول الى صيغة ترضى جميع الاطراف و يكون الجميع مستفيد الا أن الموكلين و الوكيل لايريدون ذلك ربما تكون دولتا المصب قد ارتكبتا الاخطاء فى التعاطى و التصابر على الطرف الأثيوبى الارعن المتفلت المراوغ , لكن عليه ان يعلم هو ومن وراءه من الأصدقاء الالداء او الاشقاء الاغبياء أن للصبر حدوداً واهية وحتما ستأتى لحظة الحسم التى ستحدث الالم و الندم للوكيل المتغطرس, و الايام القادمة حبلى بماهو أهل لما يجب أن يكون و لن تقف مصر و السودان مكتوفة الآيادى حيال المناكفات و الترهات الحبشية.
ساحة النقاش