فى بهو الفندق الفخم  الواقع  وسط  مدينة بحر دار الاثيوبية تعرفت عليه مظهره سودانى  شكلاً و مضموناً  لذا حسبته  سودانى و حسبنى  هو كذلك تعارفنا سريعاً , قلت له  أنا مصرى و أنت أثيوبى فقال لا  لم لن أكن كذلك  أبداً , وتحدثنا عن  سبب زيارتى و لقائاتى  هنا و  تطرقنا  فى الحديث الى السدود الاثيوبية وتخوفات المصريين منها , فوجدت منه تجهماً  و قال  وفى صوته نبرة حزن عميق أنا سودانى  و من بنى شنقول و أعرف الكثير و أهم ما أعرفه  وأرغب  أن تتأكد منه هو أن السد سيبنى على آراض مصرية, ثم ودعنى و أنصرف,,, أستغربت كلامه و سقط الموقف من الذاكرة سنين عدة ليقفذ مرة أخرى الى الذاكرة على وقع خلافات سد  النهضة بين مصر و السودان من جانب و الحبشة من الجانب الآخر فبحث الأمر جيداً .

 فى بنى شنقول يبنى  السد الاثيوبى المثير للجدل و بنى شنقول منطقة  تقع على الحدود السودانية الاثيوبية. لكن ما لايعرفه الكثيرون ان هذا السد الاثيوبى المثير للجدل و الذى سيؤدى الى اضراراً بكلا من دولة الممر السودان و دولة المصب مصر  مشيد على اراضى مصرية اى و الله اراضى مصرية و ليست سودانية و تعود ملكيتها لمصر,  كما قال الرجل الشنقولى الذى التقيته فى بحر دار  منذ سنوات بعيده و للامر قصة لاتخلو من الطرافة كما انها مستغرقة فى الصدق و ممتزجة بعبق الغفلة و النسيان لا ادرى.

مند أعتلاءه عرش مصر تاقت نفس المؤسس محمد على باشا الكبير الى تدشين أمبراطورية. و لادراكه قيمة مصر و مكانتها و أمكانياتها فبدء ينفض عنها تراب الماضى لاخراجها من غفوتها  التى طالت. وبدأ  سيره الحثيث  نحو تحديث مصر و ألحاقها بركب التمدن والحضارة و الثراء و القوة. أهتم بجوانب كثيرة  وكان فى القلب منها انشاء جيش وطنى قوى حديث محدث على أفضل النظم للحفاظ على كيان الدولة أمنها و العمل على توسعها و امتدادها.  و لان الزرراعة  هى الامن الغذائى  فقد شغلت اهتمامه ,و لان الامطار فى مصر قليلة والزراعة  تعتمد على الرى الصناعى من ماء  نهر النيل فقد كان و لابد من اكتشاف مجاهل النيل وسبر أغواره  و تأمين توارد مياهه. و بالفعل أهتم  وخلفاءه من  بعده  بأمر الفتح و الاكتشاف و كان مما فعلوه هو شراء الآراضى الموحشة وهو لفظ يطلق على الاراضى التى لاتتبع دولاً و غالبا خالية من السكان و منها كانت تلك المنطقة التى يقام عليها  الآن السد الاثيوبى ففى  عام 1867 اشترت مصر الخديوية (فى عهد الخديو اسماعيل) عدة مناطق  من الاراضى المستوحشه الغير مأهولة  فى مناطق عده من  حوض النيل.  و كان من المتعارف عليه آنذاك جواز شراء هذه الارضى ولكن يتم اتخاذ اجراء ما للحصول على أعتراف دولى و هذا ما حدث  حيث ظلت مصر تسدد أموالاً على اقساط سنوية حتى عام 1959.  ومن المناطق التى أشترتها مصر منطقة  تقع بين السودان و اثيوبيا من زعيم محلى  فى المنطقة. وكان لمصر فى هذه المنطقة حامية ثم أصبحت مأهولة بالسكان العرب المسلمين و كانت هذه المنطقة غنية بالذهب فسال لها  لعاب الاحباش فطالب بضمها وألح فى ذلك الامبراطور الاثيوبى  منليك الثانى   فتفاوض مع بريطانيا و ايطاليا ومصر للحصول على هذه المنطقة الغنية بالذهب. و بالفعل كان له ما اراد و شغلت هذه المنطقة قسماً كبيرا من اتفاقية 1902.

أهتمت سلطات الاحتلال البريطانى لمصر  بالورود المستمر الهادى و الكافى من مياه النيل الى مصر و بالطبع جميعنا يعرف السبب  انجلترا  كانت تؤمن القطن المصرى الرائع لمصانعها فى مانسشتر و غيرها و بالتالى فلابد من تأمين المياه  لزراعات القطن المصرى , و فى هذه الفترة كانت تدور مفاوضات حول مناطق نفوز كلا من ايطاليا و بريطانيا فتم توقيع اتفاقية اديس ابابا عام 1902 وهى اتفاقية تعنى بالحدود فى المقام الاول بين السودان و اثيوبيا و بين اثيوبيا و اريتريا....ألخ , و كان هناك الحاح من الحاكم الحبشى منايليك الثانى لضم منطقة حدودية غنية بالذهب الى اثيوبيا فتمت الموافقة على ذلك اى ضم هذه الاراضى   من الاملاك المصرية الخالصة مقابل  تعهد الإمبراطور  الاثيوبى منيليك الثاني فى البند الثالث من الاتفاقية المذكوره... بأن لا يصدر تعليمات او أن يسمح بإصدارها فيما يتعلق بعمل اى شيء على النيل الأزرق او بحيرة تانا او نهر السوباط من شأنها أن تعترض سريان مياه النيل الا بموافقة الحكومة البريطانية والحكومة السودانية مقدما.

ومع ذلك لم تمض سنوات  خمس حتى عزمت اثيوبيا على بناء سد بالمنطقة الا ان مصر احتجت بموجب هذه الاتفاقية فتوقف الامر و نفس الشىء تكرر  مرة أخرى خلال عام 1934 و هنا يبرز السؤال الذى لا اجابة له عندى؟؟؟؟؟

وقد حاولت السلطات الحبشية احداث تغيير ديموجغرافى بالمنطقة لذا عمدت الى ضخ قطعان الاحباش من سكان المرتفعات  الإثيوپية.  وقد  جلبوا قسراً إلي هذه المنطقة. و برغم  من المحاولات الحكومية تغيير هوية المنطقة و برغم مرور قرابة اثنا عشر عقدا من الزمان على ضم الاراضى المصرية  وسكانها السودانيون الى اثيوبيا  فلايزالوا يشعرون انهم ليسوا أحباشاً بل عرباً مسلمون سودانيون  و قد عانوا من الاهمال و التجاهل والتعتيم التام من قبل  الحكومات  الاثيوبية  المتعاقبة بل عاملوهم على أنهم  مواطنين من الدرجة الثانية,  مع انخفاض دخل الفرد منهم  رغم تنوع الموارد  وغناء المنطقة بسيد المعادن وشريفها وهو الذهب الذى و اشتهرت به منذ القدم، حيث عرفت باسم «بلاد الذهب»، و كان رد الفعل الطبيعى لهم هو الميل الى الانفصال و دشنت الكثير من الحركات لهذا الامر و   لاقوا الكثير من القهر الحبشى لاثناءهم عن توجهاتهم الانفصالية. حيث  كان تمردهم الاول على الأحباش عام 1931م، مطالبين بالعودة للأراضى السودانية أوبحكم ذاتى، وهو ما قوبل بالرفض و الاخضاع بالقوة و العنف. وشكلوا ما يعرف بالحركة الشعبية لتحرير بني شنقول و التى ترفض اقامة السد في مناطقها، معللة ذلك  بأنه سيتسبب فى  استنزاف ثروات بنى شنقول كما  سيؤدي إلى تهجير قرابة   50  ألف نسمة من سكان  المنطقة المحيطة بالسد  نتيجة تشكل بحيرة السكر فى مواقع اقامتهم  وهددت بتدمير السد إذا ما تم إنشاؤه.

لكن ماهى بنى شنقول

تمسك الشناقلة بهذا الاسم لمنطقتهم للايحياء بهويتها العروبية الاسلامية و فى الاصل تسمى المنطقة  ,,بلاشنقول,, وهذا الاسم  برطانة أكبر مجموعة قبلية فى المنطقة (البرتا)   تعنى التمائم المستديره حيث كانت لديهم صخرة مقدسه يأخذون منها قطع صغيرة مستديرة يلعقونها فى اعناقهم تبركاً بها ومنها جاء الاسم.   وسكان الإقليم  مرتبطون  اجتماعياً روحياً ووجدانياً  وولاءاً  للسودان ويتمسكون  بالثقافة العربية و الفنون السودانية  المحلية  و  أيضا أزيائهم مشابهة لازياء السودانين حيث تتكون من الجلباب و السروال الطويل و العمامة أو الطاقية للرجال اما النساء فيلبسون الجلباب والتوب ذى الالوان المتعددة،. وترى كافة القبائل فى منطقة بنى شنقول ان وصفهم بأنهم اثيوبيون إساءة لهم ولتاريخهم. و ذلك برغم انقضاء  قرابة مائة وعشرون عاما على ضمها لاثيوبيا.  

و لنا تعليق منطقة بنى شنقول الارض مصرية و الشعب سودانى ثائر متمرد و بالرغم من ذلك بنت الحكومة الاثيوبية بها  سد النهضة الذى سيحقق اضراراً مؤكدة بمصر و السودان...فكيف ذلك؟   ... ولكن لاتزال  لدينا فرصة. ولكنى اثق تماماً أن مصر ستسلك كافة السبل للحفاظ على حقها التاريخى الثابت فى مياه النيل الشرقى

المصدر: Agri2day د احمد زكى ابو كنيز

ساحة النقاش

د أحمد زكى

Ahmedazarc
يحتوى الموقع على مجموعة من المقالات الخاصة بالزراعة و المياه و البيئة و التنمية المستدامة. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

202,242