قصة قصيرةبقلمي الكاتب واعلامي وائل الحسني الخيمةكانت ليلة ممطرة من ليالي شباط .. تقرص الأجساد مثل ابر النحل .. قوية عارمة تصفر في الأذان وكأنها تصفح أشجارا عالية مورقة فيكون الحفيف الذي تهفو أليه آذان وتشعر منها آذان أخريات وكانت الرياح ببردها وما تحمله من رذاذ المطر تصل إلى الخيمة قوية كالسهم المارق حيث لا أشجار يخفف من وطأتها ولا جدار يردها عن جبروتها ، وكل من كان يعرف موقع هذه الخيمة ، كان يؤمن بأنها لابد وان تسقط ولا بد وان يقع طينها مهشما على رؤوس النائمين ، ألا صاحبها فقد كان يدري أنها ممزقة وإنها كثيرة الثقوب من كل جانب ومن كل جهة ، فللرياح أماكن تتسرب منها دون أن تحتاج إلى أن تقلعها من طريقها .. أما قطرات المطر التي كانت تتساقط داخل الخيمة من الثقوب التي لا تعد فلو لم يكن الساكنون الخائفون فيها يتمكنون ان يسمعوااثر سقوطها فوق أجسامهم لما كانوا يحسون بسقوطها فهي تسقط على تراب حيث لا تحدث صوتا ولا صدى وليس هناك شيء نأمل أن تسمع منه صوتاً أذا ما تساقطت قطرات المطر عليه ، فلا أنية من نحاس ولا أقداح من زجاج ولا صناديق من خشب ولا أسرة من حديد ، وكان في زاوية من زوايا هذه الخيمة ، حيث أمالت الرياح طرف الخيمة في خط سيرها وحيث قد جمع ساكنو الخيمة تلاً صغيرا من الرمال يمنع سيول المطر ، وحيث ميلان الخيمة إلى يمين لا مجال لسقوط المطر من ثقوبها ، جلس عجوز والى يمينه زوجته تبدوا على ملامحها حزنا عميقا وهماً لا يمكن للمخيلة نسيانه .. وحولهما شبان وفتيات يرتجفون من البرد .. حيث لا تستر أجسامهم ألا ملابس بالية قد امتلأت بالثقوب كالخيمة المنصوبة فوق رؤوسهم ، وكان هناك طفل احتضنته أمه كل ما أحس ببرودة الريح مد ساقيه الصغيرتين يحتضن أمه من صدرها أو من رقبتها أو من ظهرها فيردها بذعر وهو يزداد بكاء وعويلا .. حيث يجد ويلمس في جسم أمه من البرودة أكثر مما يجد من الريح ومن الطقس من رذاذ المطر .. بدأ العجوز يحكي لمن معه عن خيمته التي كانت مأوى للجميع قبل أن تمتد لها يد الأغراب وتمزقها .. وأراد أن يفهم الجميع أن هذه الغمة سوف تزول وسوف يشرق يوم جميل واخذ يعلم الجميع كيف يستطيع أن يقف سدا منيعا تجاه هذه الريح الآتية من الخارج .. مضت دقيقة أثر دقيقة وكأنها الدهر الذي لا بداية له ولا نهاية ، وانتهت ساعة هي ألف ساعة مما تعدون وساعة بعدها ثم ثالثة ، ووصل الأرض ضوء خافت من انعكاس نور الشفق الباهت وكأنما النور والرياح شيئان لا يتفقان .. وكأنما الفجر والمطر ضدان لا يجتمعان فخفت الريح وانقطع المطر ولم تطلع الشمس ألا وكانت السماء صاحية والأديم اخضر .. خرج من كان في الخيمة إلى خارجها تحت أشعة الشمس لعل ملابسهم تجف ، ولعل ارتجافهم يموت ، وسكت الشيخ برهة ثم مد أبهامه الأيمن المرتجف إلى وراء الأفق .. إلى هناك .. إلى الأرض التي ترعرع فيها وعاش وشاهد فيها أجمل أيام حياته .. والتفت أليهم ثم قال وقد رسمت على وجهه الشاحب ابتسامة حزينة مليئة بألم السنين : - ألم أقل لكم لابد أن تشرق علينا شمس كانت قد فارقتنا منذ زمن .. وأن فجر يوم جميل سيطلع علينا كما كنا من قبل أن تهب علينا رياح خارجة دمرت أحلامنا .. هكذا سنعود إلى بيتنا .. بيتنا الذي من حجر حيث لا شقوق ولا خيام ، حيث الدفء والحرارة . ثم حمل الطفلة الصغيرة وطبع على خدها اليابسة قبلة ... ثم قبلة ثانية .***********************************************