قراءة تأويلية في نص الأستاذ / القيس هشام /... مصر
إليكم النص.
قالت
لا تلم قلبي
الصبي
إذا عاند التوق
واعتمر الغياب
لا تلم ...
... ثكلى البوح
فكم انتظرتُ منكَ
الإياب .
...كلام كثير قد قيل وهذا أقل رؤية من متلقي أناني في مشاهدة الصورة من الجانب الذي يراه بكل صدق حتى ولو اختلفت عن منظور الكاتب ( مع إحترامي له فكلكم أساتذتي)
ولا يعنيني المتلقى السطحي ( وقد أكون أنا هو )
فقط يعنيني الإبداع.....!
والإيجاز هو سيد الموقف في هذا النص.
تماماً كما قال نيتشة ( إن مرماي أن أكتب في عشر جمل ما يكتبه غيري في كتاب).
والإيجاز والتكثيف بدأ من العتبه( العنوان)
حين
قالت/ فالعتبة حسمت الموقف بالفعل الماضي ليوثق في ذهن القارئ أن الحدث قد تم فعلاً لامناص ولا جدال ليستريح القارئ من الوهلة الأولى
وهذا من وسائل (الإقناع ) وهو مطلوب في الأدب لكي يستقطب الكاتب جمهور عريض.
وكذلك لياخذهُ فضول الشوق فقد يقول
ماذا قالت ؟
ومن التي قالت؟.
أهي الحبيبة؟
اهي الدنيا؟
أهي أهي أهي... إلخ.
فيلتهم النص
وبدلاً من أن يلتهم النص قد يلتهمهُ النص بين طيات البلاغة واللغة والتكثيف والإيحاء.... إلخ
هكذا فعلها القدير / القيس هشام معي.
أراه يعتصر الحروف لتجود بالإيجاز .
فيقول
لا تلم قلبي
الصبي
إذا عانق التوق
واعتمر الغياب.
لا ناهيه قطعت الشك باليقين وجاء بعدها حرف جزم ليجزم (بالإيجاز) أيضاً.
وفي نفس الوقت مكثفة حاملة إيحاء الأمر (كإيقاع)
كل هذه الصفات في صورة واحدة
( التكثيف )
والذي أثبتته باقي المفردات التى حواها النص.
لا تلم قلبي
ضمير المتكلم مع ضمير المخاطب أعطيا إيحاء بالقرب
وكذلك تجسيد للقلب بالإنسان الذي قد يُوَجَهْ له اللوم
قلبي الصبي/ صورة أخرى خرجت كبرعم من الصورة السابقة
وقبل أن تنتهي.
بدأت تتفتح حيث، صور القلوب كمراحل العمر ( الطفولة والصبا والشباب والكهولة والشيخوخة)
فاختارالكاتب مرحلة الصبا هنا ليدلل لنا على أن حب الصبا كالنقش على جدران القلوب لن تمحِيه السنون.
وقد يكون كناية عن قوة القلب ونضارَته قبل التجارب.
والسؤال مني كمتلقي شدني الحرف
متى تَلُمْهُ؟
إذا عانق التوق
واعتمر الغياب
(إذا )جاءت شرطيه فأصبح هناك شرط مفتقد وهو
أن هناك فعل يفعله المخاطب ولا يوافق عليه المتكلم إذا تمادى فيه ستكون نتائج عناده وهو أن القلب سيعاند الحنين والإشتياق وليس هذا فحسب!!.
بل سيسكن ويعمر الغياب حيث صور الغياب ببيت يعمِّره البطل أو المخاطب.
وترك لنا الكاتب فجوة درامية تحدث كذلك في النصوص السردية ليظل القارئ على توجس ليكمل الفجوة فيستقيم الحدث هل اللوم على البعاد ام على تبلد المشاعر ام على كذا.....الخ
وقديكملها المتلقي وهنا يتحول المتلقي من مستهلك لمنتج بل وشريك في العملية الإبداعية وقديملأها الكاتب بنهاية النص.
كلها تكهنات إبداعية لا يمتلكها الإ ذوي الخبرة والتجربة.
والجمال والمهارة في إختيار مفردة (يعتمر) بدل (يعمر) أو يسكن
ليأخذ القارئ في صورة أخرى ليتذكر العمرة التي تكون بالطواف حول الكعبة فهو جعل الغياب ككعبة يعتمر إليها قلبه وكأن الغياب طقس ديني كالعمرة عند المسلمين
ولم نترك التناص الجزئي مع سورة هود وتحديداً الآية 61.
قال تعالى:
..وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ (61).
فالتناص يعطي انفتاح ومديدية للنص ويربط التراث بالحاضر.
ويبدع الكاتب
حيث يقول
لاتلم...
ثكلى البوح
فكم انتظرت منك الإياب.
وضع ثلاث نقاط تعني في الأدب أن هناك حذف وإضمار أي أن هناك كلام كثير أضمره أو حذفه الكاتب لم يستطع البوح به لعلة ما.
وهنا يعطي المتلقي الفرصة ليكمله بنفسه ليكون شريك في العملية الإبداعية وهذه سمة من سمات الشاعر المتمكن الذي يستقطب جمهوره ويجعله ينفعل بإنفعالاته ويعيش التجربة...
ثكلى البوح/ تحمل صورتين
الأولي إنزياح للفقد أو الصمت بمعنى أن أنه يجب أن لا يلوم البطل إن خرس لسانه ولم يبح فقد استنفذ كل كلماته التي لم تجدي بشئ.
والصورة الثانية إن الكلمات التي ستخرج منه في حالة الغضب ستكون غليظة مقحمة مجحفة.
(الصورة الأولى أقرب).
كم/ خبرية تفيد الكثرة
فالمتكلم يريد أن يخبر المخاطب أنه كثيراً ما انتظره ليعود ولكن دون جدوى
نص حافل بالجمال والروعة
من حيث
اللغة
فصيحة شاعرية
الصور الشعرية جميلة ومكثفة
البناء متحد عضوية وذو تجربة واحدة
الضمائر: موظفة بطريقة ساحرة
فقد أدت دورها في الربط والتوضيح.
الإيقاع:
جعل المتلقى يتأرجح مابين الخيال والواقع مما أثار ذهنه وأعمل عقله.
**زين المعبدي**