المقدمة :
لقد مر الإعلان المطبوع بمراحل مختلفة من التطور حتى وصل الى مستواه اليوم من حيث البراعة الفنية في الإبداع والتنوع والتباين في الشكل والهدف ومن حيث التعقيد في تنفيذه وقياس آثاره وفاعليته التَسويقية، وأهم تطور للإعلان هو زيادة الاهتمام به نتيجة للتطور الإجتماعي الذي أصبح مرتكزا رئيسيا في نجاح عدة مؤسسات.
التطور التكنولوجي الذي ساهم في تعجيل التقدم في الإعلام اللآلي بتقنيات رقمية التي أصبحت سببا في خلق الفن الرقمي مما أعطى نظرة أخرى للمصمم وفتح أمامه طرق حديثة في التصميم .
يستعمل الإعلان عامة التعريف بمنتج ما أو بفكرة ما والعمل على الإقناع وهو ما يعني بعبارة أخرى أن نجاح الاتصال الإعلاني هو رهن حسن اختيار للوسائل والآليات التعبيرية التي يرى أنها وسيط فعال يخدم عملية التواصل في تمرير الرسالة الإشهارية.
لذلك ركزت الدراسة على الخطاب الإشهاري و الإعلان المطبوع كوسيلة من وسائله اعتقادا راسخا بأن الخطاب الإشهاري دونا عن غيره من الخطابات الأخرى يتميز ببناء محكم يظهر في مكوناته التعبيرية ووظائفه بقصد تبليغ رسالة الإعلان المختزل في عناصر بصرية .
يعد الخطاب الإشهاري المعاصر صناعة إعلامية وثقافية نظرا للإهتمام الكبير الذي يحظى به في مختلف المجتمعات وخاصة المتطورة منها ، و ما يتميز به من قدرة عالية على التأثير وتشكيل الوعي ، وكنتيجة لذلك يتحقق التفاعل بين المرسل والمستقبل في عملية التواصل.
و عليه يمكن طرح الإشكالية التي تتمحور حول جملة العناصر التي تجعل من الإعلان المطبوع إعلانا قادرا على التبليغ والإقناع بعناصر جمالية وفنية.
إضافة إلى مجموعة من التساؤلات الفرعية يمكن إجمالها بالشكل الآتي :
<!--ما هو الخطاب الإشهاري و ما هي العناصر والخصائص التي تجعل من الإعلان المطبوع خطابا إشهاريا ؟
<!--هل يعد الإعلان المطبوع في ظل عصر الرقمنة وسيطا فعالا في عملية التواصل؟
<!--كيف يتم تصميم نماذج غرافيكية إعلانية، خطابية إشهارية حاملة لأسس جمالية وقيم معينة لها أثر في المتلقي ؟
الفرضيات:
و كمحاولة للإثبات صحة اللإشكالية و التساؤلات المطروحة اعتمدت الدراسة على مجموعة من الفرضيات هي كالتالي :
<!--الإعلان المطبوع يحمل خطابا إشهاريا يحقق عملية إتصالية .
<!--نماذج تصميم الملصقات الإعلانية تخضع لقواعد تقنية جمالية تحقق العملية التواصلية .
أهداف الدراسة:
تهدف الدراسة إلى إثبات قوة الخطاب الإشهاري في الإعلان المطبوع وفاعليته في تحقيق عملية التواصل.
أهمية الدراسة :
- القاء الضوء على مقومات الإعلان المطبوع التي يمكن أن تجعل منه منافسا مع وسائل الاتصال الأخرى
- الربط بين الإعلان المطبوع والتطور التكنولوجي في تنمية عملية التواصل.
- الكشف عن قدرة الإعلان ودوره في التأثير على المتلقي.
الأسباب الموضوعية:
المساهمة في إحياء التراث الثقافي اللامادي( موروث الشعر الشعبي) والتي لم تأخذ حقها في الإعلان كباقي النشاطات الأدبية والفنية الأخرى وحتى التجارية والسياسية ولتحقيق المنافسة في هذا الحقل.....عملت الدراسة على إبراز الخطاب الإشهاري في شكل ملصقات اعلانية للخدمة العامة التي تشجع القضايا التي لا تسعى وراء الربح والتي تحقق التأثير الفعال في زيادة الترويج لهذا النوع من التراث الشعبي والعمل على إنتاج ملصق إعلاني يحتوى موضوع تراثي بتقنية عصرية حديثة.
الأسباب الذاتية:
في إطارالإهتمام بالبحث العلمي في مجال التصميم الغرافيكي الذي يعد جديدا في مجتمعنا ، والذي يفتقر لهذا النوع من الثقافة ، والتي تعد مرآة تعكس مدى تطور المجتمعات الغربية ووسيلة اتصالية تأثر بالسلب أو بالإيجاب على الأفكار بالإضافة إلى الإهتمام بموضوعي التصميم الغرافيكي ، الشعر الشعبي.
وللإجابة على الإشكالية تبنت الدراسة تكاملية منهجية تضم أولا المنهج التاريخي التحليلي والذي استعمل في الفصل الأول والثاني، بالإستعانة أيضا بالمنهج السيميائي وذلك في الفصل الثالث وبالخصوص في تحليل وقراءة للملصق المنجز في الجانب التطبيقي ، واستعملنا المنهج التجريبي في محاولات لتصميم ملصقات إعلانية لتظاهرة خيمة الشعر الشعبي .
وقد قسم البحث إلى ثلاثة فصول ،الفصل الأول بعنوان الخطاب الإشهاري رسالة تواصلية ،والذي يندرج تحت ثلاثة مباحث ،الأول بعنوان مدخل إلى الإشهار و الثاني بعنوان عناصر الخطاب الإشهاري و الثالث بعنوان الخطاب الإشهاري في الصورة الثابتة ،والفصل الثاني بعنوان التطور الفني والتكنولوجي في الإعلان المطبوع . والذي يضم ثلاث مباحث،الأول بعنوان الإعلان و الثاني بعنوان مراحل التصميم الإعلاني والثالث بعنوان الفن الرقمي،وفصل تطبيقي يشمل نصف الدراسة بثلاثة مباحث الأول بعنوان بطاقة فنية عن تظاهرة خيمة الشعر الشعبي و الثاني حول مراحل إنجاز ملصقات إعلانية و الثالث قراءة تحليلية (الملصق الإعلاني نموذجا ).
وقد واجه البحث بعض الصعوبات في جمع المراجع نظرا لقلتها في هذا الميدان وخاصة في ترجمة المصطلحات والمقالات الأجنبية .
تمهيد :
يعد الإشهار أحد وسائل الإتصال التي أحتلت مكانة عالية بين وسائل الإتصالية الأخرى والذي يعد قوة فاعلة في أستقطاب الجماهير كما بلغت ملامحه المئثرة تزامنا بظهور الثورة الصناعية بأوربا حيث تطورت وسائله وأدواته التقنية والجمالية كنتيجة في زيادة المجالات .
مع تطور الأنشطة التي أصبحت تعتمد بالضرورة على الإشهار مما أكسبه أقبالا كبيرا في توظيفه كنوع من أنواع الخطاب التواصلي .
وقد حدد مفهوم الإشهار ، تاريخه – خصائصه – أنواعه وهذا في المبحث الأول ، أما الثاني قدمنا تعريف الخطاب الإشهاري مع تحديد وظائفه وعناصره وتحليله سيميائيا، أما الثالث حدد فيه الخطاب الإشهاري في الصورة الثابة .
كما نهدف من وراء هذا العرض الى شرح الخطاب الإشهاري وتحليله لتمحيص القدرة الإقناعية التي تجعله لغة تواصل تتحقق بها وساطة الإعلان المطبوع كصورة ثابة .
المبحث الأول : مدخل إلى الإشهار
تمهيد :
من الأمور الأساسية التي يستند عليها البحث العلمي تحديد المفاهيم والمصطلحات التي تصبح مفاتيح هامة في توضيح الدراسة العلمية، وستتطرق الدراسة إلى تحديد مفهوم الإشهار وخصائصه و أنواعه في المبحث الأول من فصلها الأول .
مفهوم الإشهار وتاريخه:
الإشهار لغة:
يعرفه" الشيرازي" <!--على أنه المجاهرة في حين عرفه "بطرس البستاني" على أنه النـشر و الإظهار<!--هذا عند العرب، بينما يعرفه قاموس "larousse" الصادر عن دائرة المعارف الفرنسية على أنه " مجموعة الوسائل المستخدمة للتعريف بمنشأة تجارية أو صناعية واطراد منتجاتها"<!--، فالفعل أعلن يعلن و مصدرها علانية و إعلان بمعنى الإظــهار و الإشـهار و الجهر بالشيء.
من هنا فإن كلا الكلمتين "إشهار" و "إعلان" لهما نفس المعنى اللَغوي أي المــجاهرة و الإظهار،فالتعريف اللَغوي للإشهار لا يتعدى الشرح اللَغوي للفظ ( إشهار) بينما في التعريف الغربي فهو في الحقيقة أكثر شمولية من المفهوم الحقيقي..
الإشهار اصطلاحا:
ليس من السهل وضع تعريف دقيق للإشهار فهناك تعريفات كثيرة منها الموجودة في القواميس العربية والأجنبية و أخرى لبعض المفكرين حيث يعد الإشهار عملية الإتصال غير الشخصي من خلال وسائل اتَصال العامة بواسطة معلنين يدفعون ثمنا معينا لإيصال معلومات معينة إلى فئات معينة من المستهلكين بحيث يفصح المعلن عن شخصيته.<!--
في هذا التعريف إشارة إلى أنّ الإشهار هو عملية اتصالية بين طرفين أساسيين مرسل منتج ومتلقي مستهلك أو مشتري زبون أو تاجر إلى غير ذلك، بالإضافة إلى أنه يركز على ضرورة دفع المقابل من طرف المعلن للوكالة الإشهارية نظير الخدمات التي يحصل عليها، و الأمر الآخر المهم هو كشف هوية المعلن حتى يتعرف عليه المتلقي.
تاريخ الإشهار:
يعتبر الإشهار نشاطا قديما قدم المجتمعات الإنسانية، يمتد تاريخيا إلى بدايتها كأحد السبل التي لجأ إليها الإنسان البدائي الأول لتلبية احتياجاته المعيشية منذ العصور القديمة ، بهدف إقامة العلاقات التبادلية وتحقيق المصالح والمنفعة المشتركة ويَرَى معظم المؤرخين أن اللافتات الخارجية على المتاجر هي أول أشكال الإعلان، فقد استخدم البابليون الذين عاشوا فيما يُعرف الآن بالعراق لافتات كهذه للدعاية لمتاجرهم و ذلك منذ عام 3000 ق.م. كما وضع الإغريق القدامى والرومانيون لافتات إعلانية خارج متاجرهم، كان عدد الناس الذين يعرفون القراءة قليلاً فقد استَعمَل التجار الرموز المنحوتة على الحجارة أو الخشب عوضًا عن اللاَفتات المكتوبة، فعلى سبيل المثال تَرمز حدوة الحصان إلى محل الحداد والحذاء إلى محل صانع أحذية.<!--[if !supportFootnotes]-->[5]
بعد اختراع المطبعة 1436م وبروز الصحافة إلى الوجود ظهرت الحاجة إلى الإعلان أو الإشهار فقد رافق الإعلان الذي كان يطلق عليه اسم نصائح وإرشادات الصحافة من أوائل عام 1625م ، مع تطور الثورة الصناعية التي عرفتها أوربا في القرن التاسع عشر شهد الإعلان أو الإشهار أول نقلة كمية ونوعية وذلك تحت ضغط طلبات القطاع الصناعي الذي استعان به في الترويج لبضاعته، ونتيجة لذالك أصبحت الإشهارات من أهم إرادات الصَحف والمجلات وعنصر أساسي في إقتصاد السوق.<!--
<!--خصائص الإشهار: يتميز الإشهار بعدة خصائص نذكر من بينها<!--:
- الإشهار عملية اتصال جماهيرية.
- انتقاء العنصر الشخصي في الإشهار.
- المادة الإشهارية المنشورة و المعروضة أو المذاعة مدفوعة الأجر .
- الإشهار نشاط يستخدم بواسطة كافة المنظمات الهادفة و غير الهادفة على الربح و كذلك للأفراد.
- يستخدم الإشهار كافة الوسائل الإشهارية لنقل الرسالة الإشهارية.
- وضوح و ظهور شخصية المعلن و اسمه في الرسالة الإشهارية ، يوجه الإشهار إلى جماعات محددة من المستهلكين من المفترض أنه تمت دراستهم من النواحي الديمغرافية و الإجتماعية و النفسية و المعرفية و غيرها .
- يوجه الإشهار إلى جمهور واسع وغير محدد أو إلى جماعة و جمهور محدد .
- يبث المعلن رسائل إشهارية عبر الوسائل المختارة على الجمهور للمستهدفة تكون الرسالة المصممة بطريقة تضمن إحداث الأثر الإشهاري المرغوب .
<!--[if !supportLists]-->- يستهدف الإشهار إعطاء معلومات للفئات المختلفة للجمهور.
يستهدف الإشهار إقناع المستهلكين بشراء السلعة أو طلب الخدمة المعلن عنها وبالتالي إحداث تأثير معين على سلوك المستهلكين من خلال كونه نشاطا إتصاليا إقناعيا.<!--
<!--أنواع الأشهار: <!--
أ ـ الإشهار المسموع: من خلال الكلمة المسموعة في الإذاعات والمحاضرات والندوات والخطب... وتعد الكلمة المسموعة أقدم وسيلة استعملها الإنسان في ألإشهار وأهم ما يميزها هو طريقة أداءها إذ يلعب الصوت دوراً بالغ الأهمية في التأثير على المتلقي بما يحمل من خصوصيات في التنغيم والنبر والجهر والهمس وتصحب الكلمة المسموعة أحياناً الموسيقى فتزيدها طاقة كبرى على الإيحاء والوهم والتخيل وعملاً على استثارة الحلم وإيقاظ الراقد في الأعماق.
ب ـ الإشهار المكتوب: وله وسائل عدة كالصحف والمجلات والكتب والنشرات والتقارير والملصقات على جدران المدن أو في ساحاتها العامة حيث يكثر الناس وذلك ما نلاحظه من صور لزجاجات العطر أو أنواع الصابون أو الساعات...الخ.
الأمر نفسه لما نلاحظه من إشهار على اللوحات الإعلانية الثابتة أو المتحركة في ملاعب كرة القدم مثلاً، لأنَّ ذلك يجعلها تشيع ويتسع مداها وتصل إلى أكبر قدر ممكن من المتلقين...
جـ ـ الإشهار المسموع والمكتوب (السمعي ـ البصري) : وسيلته الأساسية التلفزيون، ويتم بالصورة واللون والموسيقى وطريقة الأداء والحركة والموضوع فهو إن صح ألتعبير عبارة عن ميكروفيلم يتعاون على إنتاجه وإنجازه فريق عمل متخصص في الإخراج والديكور ووضع ألأثاث والحلاقة والتجميل والإضاءة والتسجيل وضبط الصوت والتركيب والتمثيل...الخ، وهذا يبين ـ بما لا يدع مجالا للشك ـ أهمية الإشهار كخطاب سار في المجتمع له خصوصياته وأبعداه وأهمية الدور الذي تلعبه التلفزة كوسيلة إعلامية في المجتمع...ويمكن ـ أيضاً ـ أن نقسم الإشهار إلى:
أ ـ إشهار تجاري: ويرتبط بالاستثمار و المنافسة ولذلك فإن استراتيجيات التسويق واستراتيجيات الإشهار مرتبطان ببعضهما.
هو طريقة أداءها إذ يلعب الصوت دوراً بالغ الأهمية في التأثير على المتلقي بما يحمل من
ب ـ إشهار سياسي : ويرتبط بالتعبير عن الآراء المختلفة ومحاولة التأثير على الرأي العام بتقديم الإشهار في شكل يبرز أهمية الرأي بأنه هو الأحسن وهو الأفضل من بين كل الآراء الأخرى المتواجدة في الساحة، كما هو الحال في الدعاية للحملات الانتخابية.
جـ ـ إشهار اجتماعي: ويهدف إلى تقديم خدمة أو منفعة عامة للمجتمع مثلاً: الإعلان عن مواعيد تلقيح الأطفال أو إسداء نصائح للفلاحين أو الدعوة إلى الوقاية والحذر من أمراض معينة. ولذلك نلاحظ هذا النوع من الإشهار غالبا ما يأتي تحت عنوان "حملة ذات منفعة عامه " كما هو الحال في التلفزيون الجزائري.<!--[if !supportFootnotes]-->[10]
الاستنتاج :
الإشهار وليد التطور الاجتماعي وقد برزت ملامحه الحديثة بظهور الثورة الصناعية بأوربا، حيث أصبح وسيلة ضرورية في جميع المجلات وتقنية في التواصل غايتها تسهيل انتشار بعض الأفكار أو العلاقات ذات الطبيعة الاقتصادية من أجل نشر ثقافة الاستهلاك التي قلبت الموازين و القناعات لتحكم الذات البشرية لإقناعها و التأثير على سلوكها لإشباع رغبات القائمين على الإشهار .
[1] - ينظر: حمد رضا بن محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي النجل الأكبرللمجدد الشيرازي الثاني، من أسرة قادت الزعامة والمرجعية في كربلاء.
[2] - محمد جودت ناصر، الدعاية و الإعلان و العلاقات العامة، دار مجدلاوي، ط.1، الأردن ، 1998، ص.102.
[3] - منى حديدي ،الإعلان ، الدار المصرية اللبنانية ، ط.1 ،القاهرة ، 1999، ص. 18 .
[4]- محمد جودت ناصر، مرجع سبق ذكره ، ص. 23.
[5]- منى الحديدي، مرجع سبق ذكره ، ص. 11 .
[6] - عبيد صبطي،نجيب بخوش ،الدلالة والمعنى في الصورة ، دارالخلدونية ، الجزائر، ط. 1، 2009، ص . 90.91.
[7] - Jean Claude Dastot , La publicité Principes et méthodes , Marabout , Paris , 1973 , p . 14
[8] محمود منصور هيبة ، قراءات مختارة في علوم الاتصال بالجماهيرية ، مركز الأسكندربة للكتابة ، مصر ، 2004، ص 7.8.
[9] - Robert Duenin , Les Français n’aiment pas la Publicité , Marabout , Paris , 1972 , P .32.
[10] بشير إبرير، بلاغة الصورة وفاعلية التأثير في الخطاب الإشهاري ( نظرة سيميائية تداولية) ، منتديات ستار تيمز ، 20:44 - 2009/02/16 ،13/05/2014، سا 14:00
المبحث الثاني : عناصر الخطاب الإشهاري ووظائفه
تمهيد :
يعد الخطاب الإشهاري من الخطـابات التي تندرج ضمن الممارسة الثقافية كالخطاب الأدبي أو السينمائي أو البصري فهو يؤثث الفضاء اليومي ،فإلى جـــانب بعده الإقتصادي-الإجتماعي المرتبط بالدَعاية التجارية يكتسي هذا الخطاب طابعا ثقافيا يتمثل في مكوناته اللغوية والأيقونة.
<!--تعريف الخطاب:
الخطاب :
بمعنى النتاج المادي للَغة بصفة نصوص إتصالية مرتبطة بشكل منطقي تستوقف المتلقي وتجعله بتجاوب معها بالقبول أو الرفض بعد أن يصله المعنى بدلالات الفهم والفاعلية والانسجام<!-- ، فالكلام والخطاب والتكلّم والتخاطب والنطق واحد في حقيقة اللَغة وهو ما به يصير الحيّ متكلما، من هنا فإن الحديث عن الخطاب الإشهاري يفرض التمييز بين قطبين أساسيين متباينين ومتكاملين في الآن نفسه، يتمثلان في البعد السوسيو-اقتصادي الذي يوجد خارج الخطاب والبعد الخطابي بصفته نسيجا تتشابك فيه مجموعة من العلامات وفق قواعد تركيبية ودلالية.
يمثل المسار السوسيو-اقتصادي الإطار العام الذي تمارس داخله عملية الإشهار و يعطي الخطاب الإشهاري لنفسه مهمة الإخبار عن خصائص ومميزات منتوج ما بهدف الدفع بالمتلقي إلى القيام بفعل الشراء.
يتكون الخطاب الإشهاري من نسقين دلاليين أساسيين:النسق الساني و النسق الأيقوني:
تكمن أهمية النسق اللساني بالنَسبة للنَسق الأيقوني، من حيث كونه يوجه القارئ نحو قراءة محددة، ويربط بين مختلف مقاطع النَسق الأيقوني، لا سيما عندما يتعلق الأمر بصورة ثابتة و تبقى أهمية النسق اللساني رغم ذلك قاصرة أمام بلاغة الصورة وآلياتها المتفاعلة المؤثرة فهي ذات التأثير في نفس المتلقي.<!--[if !supportFootnotes]-->[2]
يعــتـــبر الخطاب الإشهاري المعاصر منتوجاً اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً هذا إلى جانب فلسفته الإقتصادية التي تعمل على تطوير الخدمات وتسهيل ترويجها داخل السوق الأمر الذي جعل منه وسيلة اتصال جماهيرية، وأحد أشكال النشاط الاجتماعي والاقتصادي، وجزءا لا يتجزأ من مكونات اقتصاد الدول في معظم المجتمعات المعاصرة حيث يعمل على تقوية المنشآت الإنتاجية والخدماتية، واستغلال وسائل الإتصال الجماهيرية لنقل المرسلات الإشهارية إلى جل المستهلكين المحتملين<!--
يعد الخطاب الإشهاري خطاب معقد ومتنوع تتظافر فيه عدة وظائف وخصائص لأداء مهمته الأولى المتمثلة في الإقناع والبعث على الفعل الاستهلاكي.
<!--وظائف الخطاب الإشهاري :
نظرا لتشعب الخطاب الإشهاري وثرائه وبروزه في أكثر ميادين الحياة اليومية يعرض "بشير إبرير"، لتحليل الخطاب ألإشهاري خمسة مداخل منهجية.
أ. المدخل اللَساني: اللَغة فيه هي بوصلة التأويل في الإشهار و هي الحاملة لهوية المنتج ذلك كان انتقاء المفردات أمرا غاية في الأهمية لتحقيق أهداف الخطاب الإشهاري.
ب . المدخل النفسي: منطلقه أن الإشهار منبه نفسي هدفه إثارة مشاعر المتلقي وجعله يقبل على الشراء.
ت . المدخل الإجتماعي اللَساني : ومفاده أن لغة الخطاب الإشهاري هي انعكاس لكــل ما يحصل في ألمجتمعات وعليه يجب أن تتطابق اللغة مع الواقع الاجتماعي وتعبر عنه.
ث . المدخل السَيميائي: و هي أهم المداخل إذ تنظر إلى الخطاب من جهة أن عناصره ليست لسانية بحتة، وإنما تتداخل فيه العناصر اللسانية وغير اللسانية تداخلا كبيرا، مما يجعل الدراسة السيميائية مدخلا عمليا في دراسة الخطاب الإشهاري.
جـ . المدخل التداولي: منهج عملي، ينظر إلى اللغة كنظام تواصلي فعال، فيبـــحث عن المقاصد التواصلية والأوضاع والسياقات، ويربطها بالعلامات اللَغوية والَلالغوية من جهة، وبالمستعملين والمؤولين من جهة أخرى<!--.
لذلك يرى الباحث فيصل حسين طحيمر غوادرة في هذا الصدد أنه " من المبالغ فيه الحديث عن النص الإشهاري وكأنه منـــــتوج مقنن ومتمـاثل و من الخيال السعي إلى إعطائه نموذجا متجانسا أو موحدا فهو يستخدم وسائل تعبيرية مختلفة، يتفق على أن هدفها الأول يبقى توجيه المتلقي إلى سلوكات استهلاكية معينة"[5]
للخطاب الإشهاري أربع وظائف أساسية:
أ. الوظيفة التعريفية La fonction identificatrice : وهي الوظيفة الخطابية التي تعرف بالمنتج و تميزه عن جملةالمنتجات الأخرى.
ب. وظيفة المدح La fonction laudative: وهي الوظيفة الخطابية التي تسند إلى الموضوع(المنتج) ميزة معينة و تمدحه بخصال معينة.
جـ. وظيفة المجاز و التنغيم La fonction ludique:
وهي اللعب بالأصوات و المعاني بهدف خلق نوع من الغرابة التي تشد انتباه المتلقي.
د.الوظيفيةالتذكريةLafonction mnémotechnique:
وهي الوظيفة التي تهتم بترسيخ اسم المنتج في ذاكرة المتلقي لتضمن اشتهاره و مداومة المستهلكين على اقتنائه.<!--
تحليل الخطاب الإشهاري سيميائياً:
يرى شومسكي<!--:أن أشكال التعبير الإشهاري لها ميزتها الخاصة وليس بالإمكان الحصول على توضيحات بهذا الصدد انطلاقاً من دراسة اللَغة <!--،يبين شومسكي تشاؤمه من تأسيس علم سيميائي عام أنه لا يجاري النظرية الديسوسورية التي كانت ترى أن اللَسانيات جزء من السيميولوجيا، على الرغم من إعتراف شومسكي بأنَ اللَغة الصوتية وٕان كانت أداة للتَواصل فهي ليست وسيلة جيدة جداً لأنها لا تمثل في جوهرها وسيلة للتواصل .
<!--عناصر الخطاب الإشهاري:
على جملة من العناصر المترابطة ببعضها باعتباره نسيجاً لغوياً وغير لغوي تتشابك فيه مجموعة من الوسائل والعلامات وفق قواعد تركيبية ودلالية وتتمثل هذه العناصر في:
أ ـ المرسل أو الإشهاري:
وهو الذي يُحدث الخطاب ويعمل على شحنه بما يحتاجه من مادة إشهارية لازمة بالنظر إلى الموضوع الذي يدور حوله الإشهار ثمَّ يقوم بإرساله نحو المتلقي الذي يتحدد بناء على نوعية المنتج، فالمرسل الإشهاري يعمل على تحقيق الوظيفة التعبيرية في الخطاب الإشهاري، فيضمنه ما يثير ذوق المرسل إليه أو المتلقي ولذلك يكيف صيغه حسب الأحوال والمقامات التي يقتضيها<!--.
ب ـ المرسل إليه (المتلقي):
هو العنصر الثاني المهم في العملية الإشهارية وهو المقصود بالإشهار ولا تتم العملية الإشهارية إلا به ومن خلاله تتحقق الوظيفة الإفهامية أو الطلبية إذ يعمل المرسل على إفهام المرسل إليه بجدوى المنتج وأهميته بأي طريقة، فيقدم على استهلاكه ويحقق الهدف الأساسي الذي يريده المرسل <!--.
جـ ـ الرسالة الإشهارية:
ويفترض وجود مرسل أو متكلم يُحدث أقوالاً ومتلقياً يستقبل هذه الأقوال ويعمل على فهم أنساقها الدلالية المختلفة واللَسانية والسَيميائية (الأيقونة البصرية) وتحليلها وتأويلها بعد ذلك، وهنا تتحقق الوظيفة الأساسية في الخطاب بعامة وفي الإشهار بخاصة وبقية الوظائف خدم لها إن جاز القول. <!--[if !supportFootnotes]-->[11]
د ـ المقام :
إن العلاقة بين المرسل والمرسل إليه أو بين المخاطِب والمتلقي لا تتم بشكل اعتباطي وإنما تتم بحسب ما يقتضيه المقام وأحوال الخطاب وظروفه المختلفة المحيطة بإحداثه وإنتاجه، إرساله، إستقباله وما يتطلب ذلك من خصائص لغوية وغير لغوية يمكن أن نطلق عليها "قرائن الخطاب أو الحديث"<!--.
ومن خلال عنصر المقام تتحقق الوظيفة المرجعية بالنسبة لمرسله ولمتلقيه بما يحملان من خصوصيات لغوية وغير لغوية وثقافية وإيديولوجية واجتماعية ونفسية...
هـ ـ الوضع المشترك بين المتخاطبين:
ويتمثل في أن ينطلق طرفا الخطاب من الأوضاع نفسها، فهناك علاقات وثيقة بينهما ويمكن أن تراعى في تحليل الخطب الإشهاري واتخاذها سمات تجمع بين مرسل الخطاب ومتلقيه وهي: وحدة اللغة، وحدة الثقافة، وحدة البداهة <!--.
و ـ قناة التبليغ:
وهي الوسيلة المستعملة في إيصال الحديث سواءا كانت صوتية أو أي وسيلة أخرى في خطاب إشهاري وذلك إما أن تكون وسائل مكتوبة مثل الجرائد والمطبوعات والملصقات... أو تكون سمعية بواسطة الراديو مثلا... أو بواسطة التلفاز... الخ أو بوسائل أخرى بحسب ما تقتضي الظروف وتستدعي الضرورة، وهنا تتحقق الوظيفة الإنتباهية وذلك أن الإشهار يعمل على أن يثير ردود أفعال الملتقي وانتباهه نحو الموضوع <!--.
تكمن قوة الخطاب الإشهاري في استعمال اللَغة و الموسيقى واللَون و الإيــــقاع و الصورة لمداعبة خيال المتلقي والتأثير عليه ، وهكذا تتشكل الإرسالية بتفاعل ما هو لغوي مع ما هو بصري ، فتقدم نفسها على أنها تمثل وضعية إنسانية عادية يحق لكل فرد المساهمة فيها وإدراكها وتحديد عمقها الإجتماعي .[15]