بشرط إخلاص النية لله, تخطت عراقيل كثيرة وضعت في طريقها, ولكنها لم تستسلم, وقبلت التحدي حتي تفوقت في العلم والرياضة معا.
بدأت الدكتورة جهاد إبراهيم حنفي حوارها مع صفحة صناع التحدي قائلة: إن شلل الأطفال الذي ولدت به غير مجري حياتي إلي الأفضل وكان أقوي دافع لي للتفوق في كل المراحل الدراسية, بمساعدة أسرتي بأكملها وخاصة أمي التي علمتني أنه اختبار من الله سبحانه وتعالي, وأنها إرادة الله التي لا نستطيع الاعتراض عليها, فنشأت وأنا علي يقين من حب الله لي, وكانت والدتي تعاملني كأي طفلة عادية مع تكثيف جرعات الحب والدفء الأسري لتعوضني عن إعاقتي, وكنت أقوم منذ صغري بقضاء الواجبات المنزلية مع أخواتي الثمانية وبإعداد الطعام وأنا جالسة علي الكرسي المتحرك الذي لم أشعر يوما واحدا أنني حبيسة هذا الكرسي, بل كنت أشعر أنني طائرة به.
وتتذكر جهاد: لحظة دخولي المدرسة أول مرة وعدم قدرتي علي الوقوف عندما دخل المدرس الفصل, وسألني باستخفاف وسخرية, هل مازلتي نائمة حتي الآن؟, فهمس له أحد الزملاء بأنني معاقة, كم كانت تقتلني هذه الكلمة, وفي نفس الوقت كانت حافزا قوي لي للتحدي وإثبات أنني لست معاقة, وأنني لا أقل عن بقية زملائي في الفصل, فتفوقت منذ السنة الأولي في الدراسة وكنت دائما الأولي علي المدرسة, ودخلت الثانوية شعبة علمي علوم, وكنت أحلم أن أصبح طبيبة عظام وأعالج أي طفل مصاب بشلل الأطفال, وحصلت علي92% وكانت كلية الطب تقبل أعلي من ذلك, فكانت هذه هي الصدمة الأولي في حياتي وشعرت وقتها أن حلمي مات وأنني طوال هذه السنوات من التحدي والكفاح لم أستطع تحقيق ما أتمناه.
وتضيف: أن والدي أقنعني بدخول كلية التربية, وعندما ذهبت لتقديم أوراقي, تم رفضها وقالت المسئولة أنني غير لائقة طبيا, فكانت هذه هي الصدمة الثانية لي, ولم أجد أمامي إلا كلية الآداب بنات, ودخلت قسم علم اجتماع بالرغم من أنه بعيد كل البعد عن دراستي العلمية, ولحظة دخولي الكلية قابلتني عقبة أخري, وهي عدم وجود أسانسير لحضور المحاضرات التي كانت في أدوار عليا بالكلية, فكنت أجلس في الحديقة يوميا أنتظر انتهاء اليوم الدراسي لأخذ المحاضرات من زميلاتي اللاتي أحطنني بكل الحب والإهتمام, والحمد لله كنت محبوبة منهن جميعا, وظللت هكذا إلي أن رأتني مديرة الجداول, فقامت بنقل كل المحاضرات في الدور السفلي مراعاة لظروفي, ومن يومها أحببت علم الاجتماع وواظبت علي حضور جميع المحاضرات, وجاءت امتحانات الفصل الدراسي الأول واجتزتها, وكنت الأولي علي الدفعة, وحافظت علي تقديري في بقية سنوات الدراسة, وكان الميلاد الحقيقي لي عند حصولي علي الليسانس وتعييني معيدة في الكلية, ثم حصولي علي الماجستير بتقدير امتياز في الخدمات الصحية التي تقدم للفقراء في ظل الخصخصة, فأصبحت مدرسا مساعدا بالكلية, وأدرس حاليا للحصول علي الدكتوراة في آليات الدعم المقدمة للفقراء من قبل الدولة.
وتستكمل جهاد: أن تفوقي الدراسي لم يمنعني من ممارسة الرياضة, فذهبت إلي مركز علاج طبيعي فشاهدتني هناك خبيرة ألمانية, وقالت لي إنك تستطيعين ممارسة السباحة, وبالفعل تعلمت السباحة, وأصبح ما حرمت منه في الواقع أحققه في الماء, كما أصبحت أجري وأتحرك, وتفوقت في السباحة وحصلت علي بطولات متعددة وميداليات كثيرة وعلي كأس مصر أيضا.
وفي نهاية حديثها تقول جهاد: إننا كذوي إعاقة نعاني بالفعل من عراقيل كثيرة, منها تهميش المجتمع لنا, ولكن بالرغم من ذلك لن نستسلم, وهذا يرجع إلي نظرتنا لأنفسنا وليس نظرة المجتمع لنا, أملي أن يكف الإعلام عن إظهار ذوي الإعاقة في الأفلام والمسلسلات وهم يبيعون المناديل الورق, في إشارات المرور, فلا يصح التقليل من شأننا وإمكاناتنا, فالمعاق ليس معاق الجسد وإنما معاق الفكر.