فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

فراس حج محمد في مجموعته: (وأنت وحدك أغنية)
شاعرية واثقة

بقلم: محمد علوش*

" كل شيء قد يموت إلاّ القصائد ، فإنها تنمو في الجحيم كما تنمو في النعيم، تضيء مصابيحها الخاصة في الليل والنهار، لا تحتاج لضوء غير ضوء شعاعها!". هذا ما يقوله فراس حج محمد في ما يشبه المقدمة لمجموعته الشعرية "وأنت وحدك أغنية" الصادرة عن منشورات دار لبيرتي بوكس – ناشرون (القدس) بالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، 2015.

جاءت المجموعة في 378 صفحة من الحجم المتوسط وضمت مجموعة كبيرة من القصائد والنصوص الشعرية، تنوعت بين أشكال الشعر العمودي وقصيدتي التفعيلة والنثر، ويبدو منذ العنوان الأول للكتاب أننا إزاء كتاب حب وغالبية قصائده تعلق هامات عالية في سماء الحب للمرأة والأرض والوجود فنحن إذن في حضرة الحّب وتجليات الحّب في إضمامة شعرية متميزة لصوت شعري جديد في الساحة الثقافية الفلسطينية.

في "وأنت وحدك أغنية" نجد فراس حج محمد الشاعر العاشق، الشاعر المستظل بظلال معشوقته، منشغلاً بقلبه المشغول والمسكون بوجع العشق وغربة الروح في قالب شعري هادئ وبأجواء رومانسية حالمة.

استطاع الشاعر فراس حج محمد في هذه المجموعة أن يحطم الصورة النمطية التي يتصف بها الشعر الفلسطيني عموماً وأن يقدم نموذجاً مختلفاً لتجربة مختلفة تستطيع أن تقدم نفسها بجرأة وبشعرية عالية وأن تضيف للمشهد الشعري الفلسطيني المزيد من حالات التأمل والوجدانية والإبداع وأن يسكب قصائده بروح شعريته المتعددة، الوثّابة التنفس وأن يكون على الدوام في ظل هذا العطاء الشعري والإبداعي "مشرئبّ الشّعر في أبد الحّب"، كما يقول صديقي الشاعر محمد حلمي الريشة .

لن أتحدث عنها لأي عشيقة هكذا

ولن أبوح لها بسّر

ستظل أغنيتي الوحيدة هكذا

دون أن أملّ سماعها!

سيكون حلمك في أمان ومنام أبيضٍ

لن تستريح على الجدار

أو في أي نص من قصيدة "ص 212 – سواء السّر"

فراس حج محمد شاعر يبشر بالكثير، بعيداً عن العادّية والتّكرار والمباشرة الفجّة، يبحث عن الاختلاف والاكتشاف دائماً ليقدم لنا نصوصاً شعرية ناضجة تستحق من يقرأها ومن يتابعها، قصائد لها بريقها ودلالاتها ولها وجوهها ونكهتها الخاصة .

هي المشيئة وحدها

هذا العزاء المنتظر

هي المحطة في انتظارك

كي لا تطول بي القوافي في نصوص لا تقوم بنفسها

من غير شرح مستفيض "ص 238 – النداء والوقت والمشيئة"

يحمل في ثنايا أشعاره وحوارات بين المتناقضات وفق حدس ورؤيا شعرية خاصة، شاعراً حالماً رومانسياً يبحث عن الأسطورة ويعيش في ظلالها ويستند على ذاكرة متيقظة ويوظف التاريخ والتراث ويطوع اللغة بشكل متميز وينصهر بالتجربة، يحلق بعيدا عن السرب – إن كان هناك سرب أصلاً – ليمضي نحو الاختلاف والتمايز الإيجابي عبر أطروحات جديدة للشعر بالأشكال والمضامين والمعاني والأسئلة.

الشاعرية متعددة الأبعاد في كتاب فراس حج محمد الجديد، كتاب شعري يشكل فضاء مفتوحاً لبوح القصائد وجمالية الجملة الشعرية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، يشكل حالة واضحة من الاختلاف في ظل حالة الركود وطغيان العولمة والقوالب الجاهزة وفي ظل سطوة غرائبية وسريالية  تجتاح المشهد الثقافي وتقدم طلاسم وأحاجي .

"إن مقياس الصدق الفني هو مدى اتصال الأثر الأدبي بوجدان الشاعر أو الكاتب ومدى تعبيره عن الانفعاليات الحقيقية"، كما يقول حسين مروة، وهذا يدفعنا أكثر للإبحار في عالم الشاعر فراس حج محمد من أجل قياس هذا الصدق في تعابيره نتيجة الانفعاليات الوجدانية والعاطفية التي جعلنا نحياها بين ثنايا نصوص هذه المجموعة التي بين أيدينا.

في قصيدته "من يفهمني لغة للماء" يقدم الشاعر نصاً شعرياً مغايراً ومختلفاً يوظف فيه قدرة لغوية كبير وصوراً شعرية في منتهى الروعة والإبداع، يعمل على جعل فلسفة خاصة للماء بإبداع يشد القارئ والمتلقي:

كنت مثل الماء عندما الماء لغة!

والقلب زهرٌ في لغة سماوية

والعشق أحمر

والصبية أرجوانٌ .. أقحوانٌ

مجبولة من عنفوان!

والبحر طين ولهب!

والثقب متسع في جنب الكلام

والشعر أتان مكسورة الرّجل

عجوز

والوردة شمعة منطفئة

والشمس فتتها الأفق

دماؤها تنزف على جسد الجبان .. "ص 312 – من يفهمني لغة الماء ؟"

وفي قصيدة من الشعر العمودي، يحلق شاعرنا في فضاء إبداعي جميل، يعبر عن قدرة كبيرة على كتابة الشعر بأشكاله المختلفة، مقدماً تجربة غنية وواعية في ذات الوقت، في "سورةٌ من طقوس إسراء الغدير!" يتجلى فراس حج محمد بشعرية متوهجة وهو يناجي محبوبته برهافة واقتدار:

وسبحان الّذي أسرى بليلى

                                 من الغيب الجليل إلى فؤادي

وعرفّها إلى قلبي زهوراً 

                                 يفيض بعرفها ليل السّهاد

وعمّدها بطهر الطّهر لمّا

                                أتت بالشّوق في ولهٍ تنادي

وتجمعني بلمستها كأنّي

                              رميمٌ شذّ في تلك النّجاد

وتمنحني بليلتها زبوراً

                              وإنجيل العذوبة والوداد

تلحنُ لي مزاميراً وتشدو

                                  وتسفر فيّ أضواء الرّشاد .. "ص 356"  

إزاء هذه التجربة الغنية والإبداعية المسكونة بروعة وعذوبة القصائد التي خطها الشاعر فراس حج محمد ورغم ما يعتري هذه التجربة من بعض مواطن الضعف في بعض النصوص والتي تصاحب مختلف تجارب الشعراء، فإننا نعلق مع فراس هذه القصائد قناديل عالية ومضيئة في سماء التجربة الشعرية الفلسطينية، مؤكدين أن الشاعر فراس حج محمد عنده الكثير الكثير الذي يعدنا به في تجارب قادمة، في أعمال شعرية وأدبية متعددة ومفعمة بنشوة وتجليات الإبداع الحقيقي والمتميز والمضيء في فضاءات الحداثة والتجريب واجتراح الأشكال والمضامين الإبداعية التي ستؤشر دوما وبالتأكيد صوب هذا الشاعر كصوت متناغم مع ما يريده هو، كما ما يراد له.                          

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* شاعر وكاتب فلسطيني

المصدر: محمد علوش
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 168 مشاهدة
نشرت فى 4 فبراير 2016 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

726,031

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.